الجوانب النفسية وحماية الطفل …. أطفال السودان في حاجة ماسة للدعم النفسي والعقلي

 


 

 

تقرير : حسن اسحق

تأتي الأهمية المحورية للدعم النفسي والاجتماعي لأطفال الحروب والصراعات، من أجل الحفاظ على صحة الأطفال، والعمل الجاد على إيجاد آليات تساهم في رفع المعاناة والآلام التي مروا بها، - ولا يزالون يمرون بها -، إضافة إلى العمل الإنساني الذي تقوم به جميع المنظمات الإنسانية، بما في ذلك منظمات الامم المتحدة والمنظمات الإقليمية في القارة الإفريقية، لدورها الفاعل والإيجابي في مساعدة هؤلاء الأبرياء، وإيجاد مخرج من هذا المأزق، سواء على الصعيدين النفسي والجسدي، باعتبارهما مدخلا أساسيا من الناحية الاجتماعية والنفسية.

ما المقصود بالدعم النفسي؟

الدعم النفسي الاجتماعي، هو العمليات والإجراءات التي تعزز من الرفاه الكلي للأشخاص في عالمهم الاجتماعي، يشمل دعما مقدما من قبل العائلة أو الأصدقاء، ومن الممكن وصف نظام الدعم النفسي الاجتماعي أيضا، بأنه عملية تسهيل القدرة على التأقلم لدى الأفراد والأسر والمجتمعات، ومساعدة الأفراد على التعافي بعد أن عطّلت الأزمة حياتهم، وتعزيز قدرتهم على العودة إلى الحالة الطبيعية بعد معايشتهم مع أحداث مؤذية.

تأثير الأزمات على الأطفال

في ورقة لشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ بعنوان "الدعم النفسي الاجتماعي P S S " والتعلم الاجتماعي العاطفي S E L ، توضح أهمية التعليم باعتباره عنصرا أساسيا في الحفاظ على صحة الأطفال، سواء على الصعيدين النفسي والجسدي، كما يعتبر مدخلا أساسيا من الناحية الاجتماعية والنفسية لدى الأطفال.

عندما يقدم التعليم بشكل فعال، يمكن أن يوفر بيئة آمنة ومستقرة للطلاب خلال فترات الأزمات، وكذلك يسهم التعليم في استعادة الحياة الطبيعية وتعزيز الكرامة، والأمل من خلال تنظيم أنشطة روتينية، ويصنف هذا النشاط بأنه داعم ومفيد، حيث يعمل على بناء مهارات الأطفال الاجتماعية والعاطفية والمعرفية.

شرح بروفيسور جاك شونكوف، مدير مركز تنمية الطفل في جامعة ـ"هارفارد" مدى تأثير الأزمات الإنسانية على الأطفال والشباب لكونها تتسبب بانقطاع طويل الأمد عن كافة مناحي الحياة اليومية، بما في ذلك الإسكان والصحة والمرافق الصحية والترفيه والتعليم، ما يجعل الأزمات تمزّق الروابط الأسرية، وتهدد التماسك الاجتماعي، وكذلك، يمكن أن تسبب مشاعر العزلة، والارتياب والخوف والحزن.

يوضح شونكوف، أن التعرض الطويل لكارثة أو صراع دون إجراءات تخفيف مناسبة، قد يُلحِق الضرر بالصحة النفسية والجسدية على حد سواء، وتؤثّر حالات الطوارئ على سير عمل الأسر والمجتمعات المحلية والتي بدورها تؤثّر على نمو الأطفال والشباب، لا سيما في مراحل الطفولة المبكرة، حيث تؤدي إلى خلل في التعلم، والسلوك والصحة البدنية، والنفسية على مدى الحياة.

خبرات صادمة تتعدى أحداث الحياة العادية

يوضح كتاب الأطفال والحرب - الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال خلال الأزمات والكوارث للكاتب أحمد شيخاني، في فصله الثاني، الأطفال في ظل الحرب، أن الطفل إنسان يتطور وينمو على مختلف الأصعدة الاجتماعية والثقافية والأخلاقية والروحية، والتجارب التي يمر بها خلال فترة نموه.

يقول الكتاب "يترك الأثر الكبير على الطبيعة التي سيكون عليها عند الرشد، حيث أن تحقيق نمو متوازن في شخصية الطفل يتطلب أن يعيش ضمن عائلة تؤمن جميع حاجاته الفيزيولوجية الأساسية، محاطا ببيئة يملؤها الحب والمرح والنظام والاتساق، ويضيف أحمد شيخاني، أنه عندما يتعرض الأطفال لخبرات صادمة تتعدي أحداث الحياة العادية، وتهدد الطفل بشكل كبير، فإن حاجاتهم الأساسية، على الصعيدين الفيزيولوجي والنفسي تتأثر، مما يؤدي إلى زعزعة النمو المتجانس عنده، وربما يترك أثره عليه مدى الحياة. وفي إطار شرحه لاضطرابات الشدة التالية للصدمة، والتي تسمى اضطرابات الضغوط التالية للصدمة " الذبح النفسي" وما يعرف بالانجليزية " Post Traumatic Stress Disorder " والتي تختصر بالأحرف التالية '' PTSD'، هي التسمية التي تطلقها منظمة الصحة العالمية، والجمعية الأمريكية على ذلك النوع من الاضطرابات النفسية الناجمة عن التعرض لأحداث وأزمات غير عادية، سواء كانت من صنع الإنسان أو نتيجة للكوارث الطبيعية.

الأطفال والصراع المسلح

يرى مايكل جي ويسيلز - وهو خبير في مجال حماية الطفل لدى منظمة الأطفال المسيحية، وأستاذ في جامعة كولومبيا، وكلية راندولف ماكون، في ورقة له بعنوان "الأطفال والصراع المسلح، التدخلات لدعم الأطفال المتأثرين بالحرب" - ن هناك حاجة ماسة إلى دعم الصحة العقلية، والدعم النفسي والاجتماعي، وبناء السلام لدعم الأطفال المتضررين من الحرب في العديد من بلدان العالم، والعمل على تلبية الاحتياجات بطريقة مسؤولة، كما يجب على المسؤولين في هذا المجال أن يكون لديهم رؤية واسعة حول الدعم المنهجي لدى مجموعات الأطفال المتأثرين بالحرب.

تنفيذ برامج دعم نفسي واجتماعي للنازحين واللاجئين

المادة ٣ في اتفاقية حقوق الطفل، على الدول الأطراف، أن تتعهد بأن تضمن للطفل الحماية والرعاية اللازمتين لرفاهه، ومراعاة حقوق وواجبات والديه أو الأوصياء، والأفراد المسؤولين قانونا عنه، وتتخذ تحقيقا لهذا الغرض التدابير التشريعية، والإدارية الملائمة، إضافة إلى ذلك، تكفل الدول الأطراف أن تتقيد المؤسسات، والإدارات والمرافق المسؤولة عن رعاية، أو حماية الأطفال وفق المعايير التي وضعتها السلطات المختصة، ولا سيما في مجالي السلامة والصحة.

وبحسب الاتفاقية، يجب على الجهات المختصة إعطاء أولوية للأطفال الذين تعرضوا لأحداث مؤلمة اثناء النزاعات أو النزوح أو الذين وقعوا ضحايا بسبب سوء المعاملة والاستغلال والإهمال، الحق في التعافي الجسدي والنفسي، وإعادة الإدماج الاجتماعي في بيئة تعزز صحة الطفل واحترام ذاته وكرامته، حسب ما جاء في المادة ٣٩ من اتفاقية حقوق الطفل.

في ذات السياق، تأتي أهمية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين باتخاذ إجراءات للحفاظ على رفاهية الأطفال النازحين واللاجئين وتحسينها من خلال تعميم الدعم النفسي والاجتماعي في جميع جوانب عملها، بالإضافة إلى تنفيذ برامج دعم نفسي واجتماعي محددة، كما يعتبر التخفيف من المخاطر والعواقب المباشرة والطويلة الأجل على الصحة العقلية والرفاهية النفسية والاجتماعية للأفراد والأسر والمجتمعات جزءا أساسيا من مهمة الحماية التي تقوم بها المفوضية.

توفير الأمان لأطفال الحروب

يقول محمد عبد الكريم، الباحث الاجتماعي من إحدى معسكرات اللجوء التشادية لـــ (سوداني بوست) إن كل أطفال السودان يحتاجون إلى الدعم النفسي والاجتماعي لما شاهدوه من حروب، واقتتال ونزوح، ولجوء وهم في أعماره صغيرة، باعتبار أن هذه التجارب لها وقع اجتماعي ونفسي خطير على ذواتهم البريئة، خاصة أطفال ولاية غرب دارفور ومحلياتها المختلفة.

وفي هذا الإطار، يناشد عبد الكريم جميع المنظمات السودانية المدنية، والإقليمية والدولية، أن تضع في الاعتبار إقامة ورش في مراكز اللجوء والنزوح والإيواء في بقية الولايات السودانية، لأن النفسية التي يمر بها الطفل السوداني سواء كان جزء من الأطراف التي تحارب أو التي شهدت القتال. فبدون هذه المساعدات لن يشعر هؤلاء الأمان النفسي، والاجتماعي. ويرى عبد الكريم، أن الأطفال أثناء الحروب والنزاعات، دائما ما يعيشون في صدمات طويلة الأمد لها تأثير على حياتهم ومستقبلهم، ما يسبب تبعات نفسية وجسدية في غاية الخطورة.

التدريب على الدعم النفسي والاجتماعي

في ذات السياق تطالب رباح إدريس عبدالكريم، الناشطة القانونية والاجتماعية أن تقوم الجهات المعنية بتدريب المعلمين، ومديري المدارس والأخصائيين الاجتماعيين على الدعم النفسي، والاجتماعي في حالات الطوارئ لتعزيز معارفهم ومهاراتهم، والنهج المتبع تجاه الدعم النفسي والاجتماعي، والصدمات النفسية، والاجتماعية الناجمة عن الحرب، في كل الولايات التي بها مراكز للإيواء وكذلك مراكز اللجوء والنزوح في الدول المجاورة.

تقول رباح لـــ"سودان بوست "، إن التدريب يساعد على تأهيل الناشطين في جانب تقديم الدعم النفسي والاجتماعي، وأيضا تزودهم بالمهارات التي سوف تساعد على تخفيف معاناة الأطفال المتأثرين بالنزاع، لأن التدريب له دور إيجابي على العاملين في هذا الحقل الإنساني الهام، باعتبار أن الأطفال هم مستقبل البلاد. ومن الأهمية بمكان هو خلق بيئة تعليمية مناسبة لضمان عدم معاناتهم لاضطرابات عقلية، كما يجب على المدرّس أن يقدم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال والتخفيف من آلامهم. وبحسب الدراسات الاجتماعية والنفسية، يكتسب برنامج التدريب على الدعم النفسي والاجتماعي أهمية بالغة، كما يرى المراقبون بأهمية النظر إلى الظروف التي يعيشها الأطفال نتيجة النزاع الذي ترك آثارا نفسية واجتماعية على نفسيتهم، كما يساعد التدريب على تحديد المهارات، والمعارف العلمية للميسرين، مع منح المتدربين المزيد من الأفكار حول المصاعب والمخاطر التي يواجهها الأطفال، إضافة إلى ذلك، لا يزال عدم استقرار مجتمعات النازحين واللاجئين، وندرة الموارد، يمثّلان تحديات جسيمة.

الإسعافات الأولية النفسية

يوضح كتاب "الاسعافات الاولية النفسية دليل العاملين في الميدان"، أن هناك أنواع مختلفة من الأحداث الأليمة التي تقع في العالم، مثل الحروب والكوارث الطبيعية، وحوادث المرور، والحرائق، والعنف المتبادل بين الأفراد مثل "لعنف الجنسي" مُبيّنا بتأثِّر أفراد الأسر، والمجتمعات بأكملها، ما يُفقد البعض بيوتهم وأحبّائهم، أو قد ينفصلون عن أسرهم، ومجتمعاتهم، أو يشهدون الموت أو العنف والدمار. يشرح الكتاب، بأن هذه العوامل تؤثر على جميع الأفراد بطريقة أو بأخرى، إلا أن لكل فرد نطاق واسع من ردود الأفعال والمشاعر التي قد تصدر عنه، حينها يشعر كثيرون بالانجراف، أو الارتباك، أو الحيرة حيال ما يحدث، والشعور بالخوف الشديد، أو القلق، أو بحالة من الانعزال.

صكوك حقوق الإنسان

بحسب ما نشر على موقع مؤسسة "وايامو" في شهر أبريل المنصرم، وفق مبادئ باريس ١٩٩١ التي تم اعتمادها في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٩٣، إن القواعد والمبادئ التوجيهية بشأن الأطفال المرتبطين بالقوات المسلحة أو الجماعات المسلحة، يحق لجميع الأطفال الحصول على الحماية بموجب مجموعة كبيرة من الصكوك الدولية والإقليمية والقومية، وتعد اتفاقية حقوق الطفل لعام ١٩٨٩، من بين صكوك حقوق الإنسان، باعتباره صك حظي بالتصديق على أوسع نطاق، وتظل الدول المسؤولة بصورة رئيسية عن حماية جميع الأطفال الخاضعين لولايتها. وفي ذات السياق، تتمتع المحكمة الجنائية الدولية بسلطة قضائية لمحاكمة الأفراد على الجرائم المرتكبة ضد الأطفال أثناء النزاع في السودان، كما أن السودان مُلزما بقانون حماية الأطفال أثناء النزاعات، باعتبارها من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية حقوق الطفل في أغسطس ١٩٩٠ مع تجدد التزامها العام بدعم حقوق جميع أطفال السودان، حتى ينموا ويتمتعوا بحقوقهم، ويساهموا في بناء مجتمعاتهم.

في الختام

يجب التنسيق مع الجهات ذات الصلة للعمل على حماية الأطفال في كل القطاعات، والإشراف على برامج التدريب النفسي والاجتماعي، ومراقبته في مراكز الإيواء وغيرها، وتدريب المشاركين حول الوصول بشكل أفضل إلى الأطفال والمجتمعات المضيفة، ومعرفة الظروف التي يمر بها الأطفال النازحون، باعتبار أن مثل هذا البرنامج التدريبي يُعةّ أمرا بالغ الاهمية لتقديم الدعم لهم، وتعزيز قدراتهم على الصمود.

ishaghassan13@gmail.com

 

آراء