الجيش السوداني يهدد باحتلال منطقتين متنازع عليهما.. بعد أبيي
حاكم ولاية النيل الأزرق: قوات شمالية تحركت أخيرا «قريبا بشكل خطير» من قواعد مقاتلين متحالفين مع الجنوب
جوبا: جيفري غيتلمان وجوش كرون *
يهدد الجيش السوداني الشمالي بالاستيلاء على منطقتين أخريين على امتداد الحدود الشمالية الجنوبية القابلة للاشتعال، مما يهدد بنشوب حرب قبل مجرد أسابيع على انفصال جنوب السودان ليشكل دولة جديدة، وذلك بحسب ما ذكره مسؤولون سودانيون وغربيون لصحيفة «نيويورك تايمز».
وتحدت الحكومة الشمالية بالفعل اتفاقات مع الجنوب توسطت فيها جهات دولية، حيث أرسلت جيشها ليقتحم منطقة أبيي المتنازع عليها قبل أسبوع. وفي الوقت الحالي، تهدد الحكومة بتوجيه ضربة جديدة لعملية السلام التي تهدف إلى إخراج المنطقة من نزاع طويل راح ضحيته الملايين، بعدما بدا السلام وشيكا إثر تصويت غابت عنه أعمال العنف على استفتاء أجراه الجنوبيون في يناير (كانون الثاني) من العام الحالي.
ووفقا لما أفاد به خطاب من القيادة العليا للجيش السوداني، يخطط الجيش الشمالي، خلال الأيام القليلة المقبلة، للاستيلاء على ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وهما منطقتان متنازع عليهما، شهدتا صراعا طويلا ولا يزال بهما الكثير من السلاح.
وتخشى قيادات محلية ودبلوماسيون غربيون من أنه إذا مضى الجيش الشمالي في هذا الصدد، وتخلص من آلاف المقاتلين المتحالفين مع الجنوب داخل هاتين المنطقتين أو جردهم من سلاحهم، فإن ذلك قد يثير صداما أكبر بين الجيشين الشمالي والجنوبي. وقال مالك عقار، حاكم ولاية النيل الأزرق، مساء الأحد، إن قوات شمالية تحركت أخيرا «قريبا بشكل خطير» من قواعد مقاتلين متحالفين مع الجنوب، معربا عن اعتقاده بأن القوات المتحالفة مع الجنوب لن تستسلم. وقال عقار: «يشبه الأمر وضع قطة في زاوية»، مؤكد أنهم «سيقاتلون».
ويوجد في المنطقة الحدودية داخل السودان تشكيلة متنوعة ومعقدة من المجموعات العرقية والولاءات السياسية. كما يوجد فيها الجزء الأكبر من النفط الخام داخل السودان وبعض من أخصب الأراضي داخل الدولة، مما يجعل قضية رسم حدا دقيقا عبر السودان من أكثر القضايا المثيرة للخلاف داخل الدولة أثناء استعدادها للانقسام لدولتين.
وبموجب اتفاقات سلام وقعت قبل عدة أعوام، كان من المفترض أن تقوم قوات مشتركة بدوريات عبر بعض من هذه المناطق المتنازع عليه. وكان الطرفان قد اتفقا على أن منطقة أبيي ستعقد استفتاء لتحديد ما إذا كانت ستنضم إلى الشمال أم الجنوب، وهي التسوية التي قوضت في 21 مايو (أيار) عندما تحرك آلاف الجنود السودانيين الشماليين إلى داخل أبيي. وكان يفترض أن جنوب كردفان والنيل الأزرق سيجريان «مشاورات شعبية» أقل رسمية ومبهمة نوعا ما، يقول الجنوبيون إنها لم تكتمل.
ويفصل جنوب السودان أسابيع عن حصوله على الاستقلال، وهو الهدف الذي استغرق أكثر من 50 عاما. وتحدّت المنطقة، وهي من أفضل وأقل الأماكن تطورا على ظهر الأرض؛ يعاني أربعة أخماس البالغين داخلها من الأمية، التوقعات، من خلال استفتاء منظم أجري في يناير. وخلال الأسبوع الماضي، اشتكى زعماء جنوبيون ضياع أبيي، ولكنهم قرروا عدم الرد بالقوة المسلحة، قائلين إن ذلك قد يعرض جميع ما ضحوا من أجله للخطر.
ويوم الأحد، أشار زعماء جنوبيون إلى أنهم لن يقاتلوا من أجل ولاية النيل الأزرق ولا جنوب كردفان. وقال برنابا ماريال بنيامين، وزير معلومات حكومة جنوب السودان: «ليس من أولوياتنا حاليا الدخول في حرب».
وقال إن مفاوضات على مستوى رفيع على وشك البدء في الخرطوم، عاصمة السودان، بشأن الكثير من القضايا المرتبطة بالحدود.
ولكن ما قد يتضمن مخاطر أكبر هذه المرة هو أن عدد المقاتلين المتحالفين مع الجنوب داخل النيل الأزرق وجنوب كردفان أكبر ممن كانوا في أبيي، وربما يبلغ عددهم عشرات الآلاف مقارنة مع مئات قليلة داخل أبيي تراجعوا سريعا نهاية الأسبوع الماضي عندما واجهتهم قوة سودانية شمالية كبيرة. ويقول أريك ريفز، الأستاذ بجامعة سميث وأحد الأصوات الأكاديمية المهتمة بالسودان: «التحرك نحو النوبة سيكون مدمرا، فكمية السلاح كبيرة والرجال الذين معهم سلاح كثر».
والنوبة هي منطقة جبلية في جنوب كردفان، وهي من الناحية الفنية جزء من شمال السودان ولكنها أصبحت أحد معاقل الثوار الجنوبيين خلال الحرب الأهلية في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.
ويعيش المقاتلون المتحالفون مع الجنوب في وضع أصعب بالمقارنة مع القوات الجنوبية التي كانت في أبيي، حيث لا يوجد سبيل سهل للفرار إلى الجنوب حتى لو أرادوا ذلك. وإذا ترك المقاتلون في هذه المنطقة أسلحتهم، فسيكونون تحت رحمة القوات السودانية الشمالية، التي حاربتهم لأعوام. ويقول عقار: «يا ليت كان من السهل عليهم التحرك ناحية الجنوب، ولكنهم ليسوا جنوبيين، حيث إنهم من النيل الأزرق، وليس أمامهم مكان يمكنهم الذهاب إليه».
وفي نموذج للتعقيدات داخل المنطقة، فإن عقار من مجموعة عرقية أغلبيتها سودانيون شماليون، تدعى أنغيزينا، كما بات واضحا أن ولايته النيل الأزرق جزء من شمال السودان، وفقا لحدود داخلية حددت قبل استقلال السودان في الأول من يناير 1956. ولكن عقار من الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي قادت الحرب من أجل استقلال الجنوب. وقاتل بصورة شخصية، مع آخرين لا يحصى عددهم من منطقته، مع الجنوب ضد الشمال. يقول عقار إنه جاءه أخيرا أمر مكتوب بأن تنزع القوات الجنوبية داخل منطقته سلاحها.
ووفقا لما جاء في خطاب حصلت عليه صحيفة «نيويورك تايمز»، ومؤرخ بيوم 23 مايو (أيار)، وعليه كلمة «سري للغاية»، فإن الجيش السوداني الشمالي «سيعيد تعبئة قواته في كافة مناطق شمال حدود 1/1/1956 بدءا من الأول من يونيو (حزيران) 2011». وجاء الخطاب من عصمت عبد الرحمن زين العابدين، رئيس أركان الجيش السوداني. وقال مسؤولون غربيون إن الجيش الشمالي يهدد بمهاجمة أي جنود متحالفين مع الجنوب، شمال الحدود، لا ينسحبون فورا.
ولا يخفي زعماء شماليون نواياهم بضم مناطق كبيرة من الأجزاء المتنازع عليه بشكل أحادي. وقاموا بتجميع قوة كبيرة من الجنود والدبابات والمدفعية في المنطقة الحدودية، وتعهدوا علنا بأن يسيطروا على جميع المناطق المتنازع عليها شمال حدود 1956، بغض النظر عن وضعية بعض هذه المناطق التي كان من المفترض أن يقررها سكان المنطقة أنفسهم.
وقال ربيع عبد العاطي، وهو متحدث باسم الحكومة في الخرطوم، يوم الأحد، إنه كما الحال في أبيي «فإن النيل الأزرق وجبال النوبة في جنوب كردفان جزء من الشمال، ولا شيء غير ذلك». ويعتقد بعض المراقبين أن مناورة الشمال، بما في ذلك الخطاب، ربما تكون ردا على الضغوط المتزايدة على رئيس السودان، عمر البشير. ويشعر الكثير من الشماليين بالضيق والخوف من خسارة الجنوب، ولا سيما بسبب النفط الموجود داخله، وذلك مع اقتراب انفصال الجنوب، خشية أن يتراجع اقتصاد الشمال وتتراجع قيمة العملة الوطنية.
ومن خلال السيطرة على المناطق الباقية المتنازع عليها، يمكن أن يظهر البشير نفسه كرجل قوي على الرغم من أنه لا يزال محاصرا، بعد صدور اتهام محكمة الجنايات الدولية له بالضلوع في مذابح بمنطقة دارفور غرب البلاد.
ويقول مسؤول أميركي يتابع شؤون السودان عن قرب بحكم طبيعة عمله: «لدي شك في أن الجنوب سيدخل في حرب على هذه، فهذه لا تستحق بالنسبة إليه». وأضاف المسؤول، غير المخول له الحديث علنا: «ولكن يمكن أن يؤدي ذلك إلى اضطرابات داخلية، وأعني: إلى متى سيقبل الجنوب هذه الإهانة؟ وإلى متى سيتراجعون؟».
* خدمة «نيويورك تايمز»