الحركات المسلحة والتغيير السلمي والانتقال السياسي الديمقراطي
مـحمد أحـمد الجـاك
17 May, 2022
17 May, 2022
بــهدوووء_
من المفارقات أن يتم استبعاد كل قوي الثورة التي حضرت و شاركت بفعالية في الحراك السلمي الذي اوصلنا إلى اسقاط النظام بينما تبقي حركات الكفاح المسلح في شراكة مع المجموعة العسكرية "الانقلابية"، اي أن الطرفين اللذين كانا منخرطين في الحرب حتي سقوط النظام و كانا عدوين متقاتلين؛ اليوم هما حليفين وثيقين سياسياً!!
قادة الحركات الذين اصبحوا اليوم وزراء و ولاة يبررون هذا الوضع بأن مركزهم و مناصبهم يضمنها لهم اتفاق جوبا للسلام؛ بمعني أن جيوشهم و سلاحهم هو الذي يؤمن مركزهم السياسي "الجديد"، أي انهم غير مدينين للثورة السلمية و لا للشعب و لا شهداءه الشباب، مع أن القاصي و الداني و الكبير و الصغير يعلمون أنه لولا ثورة الشباب لما كان اتفاق جوبا ممكناً .
ثم دعونا نتساءل، لماذا كانت الحركات تقاتل نظام البشير-الاسلاميين؟ أ ليست دكتاتورية ذلك النظام الذي تبعته تهميش لكافة السودانيين و لكل اقاليم السودان و نجوعه.. حتي احياء الخرطوم التي لا يقيم فيها عناصر الحزب الحاكم كانت مهمشة تشكو من انعدام الخدمات .. أ ليست الدكتاتورية هي السبب، فإن كانت تلك الحركات قاتلت لاسقاط الشمولية و لاستعادة ديمقراطية؛ فلماذا تتحالف مع انقلابيين؟!
لو كانت الحركات تمارس السياسة بنزاهة لاعترفت بفضل الثوار السلميين و لاعتذرت كذلك لكل ضحايا الحرب الاهلية و العنف السياسي (و لكل الشعب لأن الشعب بأكمله يتأثر و تأثر بالفعل و تضرر من سيادة حالة الحرب) و لأعلنت نبذها للعنف السياسي و لاستخدام السلاح لتحقيق غاية سياسية لأن العنف له تكلفة باهظة و له ضحايا معظمهم من الابرياء و المدنيين من الاطفال و النساء و الشيوخ و المسالمين العزل، لكنها حتي الأن لم تعلن تخليها عن استخدام السلاح، بل و تعتبر ان ما تحقق لها من مكاسب هو استحقاق لقتالها بالسلاح و ان ذلك السلاح هو ما يحمي مكاسبها!
لكن الفصائل المسلحة التي وقعت علي اتفاق جوبا بدأت تخسر شعبيتها بل و هي الآن تخسر حتي عضويتها و لن يجد الذين تسلموا مراكز سياسية و مناصب حكومية بعد فترة من رفاقهم حولهم إلا اصحاب الغرض من الذين يعتاشون علي دم الرفاق و الضحايا،الذين تسنموا مناصب الدولة هم الأن في حكم الانقلابيين، بل هم انقلابيين بالمعني الكامل، فجبريل خليل هو في الواقع وزير مالية حكومة انقلاب و بثينة و نمو و بقية الوزراء و الولاة هم وزراء و ولاة انقلاب، و مناوي هو حاكم اقليم انقلابي في سلطة انقلاب، و عقار و الهادي و حجر اعضاء مجلس سيادة انقلابي تماما كبرطم و عبد الباقي و الاخرين ممن أتي بهم البرهان. قبيل انقلاب الجيش ببضعة أسابيع، بدأت الخلافات تتسع بين بعض الحركات في الجبهة الثورية والأحزاب والحركات التي كانت تعمل على توسعة ائتلاف قوى الحرية والتغيير وحل الخلافات داخله وصولا لإعلان مشترك. الأمر الذي قاد فيما بعد إلى إعلان حركتي «العدل والمساواة» بقيادة، جبريل ابراهيم و «تحرير السودان» بقيادة مني اركو مناوي ومجموعة من الأحزاب الصغيرة ائتلافا جديدا- قوى الحرية والتغيير، الميثاق- والذي دعم انقلاب البرهان لاحقا.
موقف الحركات هذا ليس له إلا احد تفسيرين، الأول؛ انها أو بعضها كان علي صلة باجهزة النظام البائد قبل السقوط و بجهاز أمن النظام البائد و المؤتمر الوطني.. و انها كانت تنفذ اجندته و التي ابرزها اشعال حرب و شيطنة فئات و جهات حتي تتمكن من عرقلة نمو حركة سياسية طبيعية و منع تطور حركة حقوق و حريات سياسية و مدنية و رفع مطالب تنموية مشروعة،و التفسير الثاني؛ و هو انها كانت تمثل حرب مصالح شخصية و مطامع ذاتية سياسية في المناصب و السلطة بعكس ما تدعي من انها مع المهمشين و ضد التهميش و ضد الظلم و الانتهاكات و مع الحرية و الدالة و الديمقراطية و حقوق الانسان.. الخ
مواقف الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام، كانت وليدة اللحظة وفرضها الوضع الراهن في أغلبها، كما انهم غير مهتمين بمن يحكم السودان أو الانتقال الديمقراطي ولكن يهمهم فقط من ينفذ اتفاق السلام ويمنحهم امتيازات وسلطة ومالوا إلى الشق العسكري حسب معتقداتهم في انه هو من يحقق رغباتهم الشخصية، وعند اتخاذهم قرار الميل للجانب العسكري كانوا يعتبرون انه الطرف الأقوى وبالتالي الأقدر على تنفيذ اطماعهم الشخصية، لكن حساباتهم لم تكن صحيحة، العسكريون ليسوا الطرف الأقوى كما هو واضح في المشهد الآن، بدليل وجود الشارع الرافض لهم.
يجب هنا أن نشير إلى ظهور بوادر واضحة لتخلي حلفاء الانقلاب من الحركات عنه بعد تراجع توقعاتهم حول نجاح الانقلاب، بينما تبقى مواقف الحركات غير الموقعة على اتفاق السلام المتحفظة على خطوات الجيش الأخيرة.
بقاء قادة الجبهة الثورية الثلاثة في المجلس السيادي في المنطقة الرمادية، رغم انه محاولة مفهومة لإيجاد مكان وسط، لا يضر بمصالحهم إلا انه كان خصما على صورتهم أمام الشارع السوداني وانحسار المؤيدين لهم، كما إن شعبية أغلبهم في مناطقهم نفسها ليست كبيرة. وبخصوص الحركات غير الموقعة على اتفاق سلام جوبا، فهي بالتأكيد في الوقت الراهن لن تنخرط في تفاوض مع قادة الانقلاب، وان مطالبها حول إصلاح الجيش ستكون أكبر حال عودة الحكومة المدنية واستئناف التفاوض.
صدقوا أو لا تصدقوا، اضعف حلقات الثورة هي الاحزاب ..
ثورة السودانيين كانت في المقام الأول ثورة في المفاهيم السياسية، تم فيها تقديم السلمية علي العنف، و المقاومة المدنية علي الكفاح المسلح، تم فيها تصحيح المعادلة بأن الصراع بين مستضعفين ضد مستقوين و مضطهدين ضد طغاة و ليست هامش ضد مركز أو عروبيين ضد افريقانيين، تم تصحيح الصراع ايضا بأنه ليس صراع مدنيين ضد عسكريين إنما صراع وطنيين ضد لا وطنيين، كما أن العسكريين و القوات النظامية و الشرطة ليسو كلهم مع الطغاة .. تم سحب بساط الدين من تحت اقدام الفاسدين، و كشف زيف من يصورون الصراع علي أنه صراع بين السلطة (حزب الله) و المعارضة (حزب الشيطان)"
لكن الاحزاب لم تواكب كل هذه المفاهيم، هذه ليست احزاب بل تجمعات لناشطين حزبيين و ناشطين سياسيين، و هناك فرق كبير بين الحزب و روابط الناشطين. الحزب جهاز لانتاج الرأي السياسي و الموقف السياسي و البرنامج السياسي، و إن لم يتم تحديثه تنظيمياً سيتحول لعائلة أو اسرة أو "شلة" مثلما هو حاصل الآن و لن ينتج رأي أو موقف أو برنامج سياسي لحزب، إنما رأي و موقف و برنامج فرد أو عائلة أو شلة تماماً كما يحدث الآن.
بعد انقلاب (الربو) المسكين و المدعى عليه بأنه تصحيحي انكشف ضعف الاحزاب مرة اخرى .. و في انتظار فولكر أو ود لبات أو أي وسيط أممي آخر ليقدم لهم حلاوة وثيقة دستورية و يوصلوهم إلى مدينة ملاهي السلطة.
أخر الهدوووء:-
من للعزيزةِ بعده، بل من يرأبُ صدع اللُّقيا و(يبل شوق المواعيد الحزينة)، سعد الدين إبراهيم لقد عجّلت بالرحيل فإلى من تَكِل الأماسي الشاحبة، رحل القلم بينما بقيَ الألمُ جاثماً بين الحنايا والضلوع..!!
المواعيد لسّة حزنانة بتنادي
والأماسي بتبكي في أسى ما اعتيادي
mido34067@gmail.com