الحركة الإسلامية السودانية .. أين تكمن الأخطاء …؟؟؟؟

 


 

نادر السيوفى
12 November, 2012

 

بسم الله الرحمن الرحيم
(أوراق فى النقد الذاتى)

nadir elsufi [elsufinader@hotmail.com]
2-2 ) (
كما أوردنا فى الجزء الأول فإن الصورة الحالية للحركة الإسلامية السودانية  لاتسر ولاتبدو زاهية من أى زاوية نظرت إليها أما إ ذا حاولنا أن نجرى بعض المقارنات لحال الحركة الإسلامية السودانية مع الحركات الإسلامية الشبيهه فى عالمنا العربى والإسلامى فإن المقارنة تعد بحق مؤلمة وجارحة وصادمة حيث تنبهنا للحال والمآل الذى آلت إليه لحركة الإسلامية السودانية ....فمن تركيا إلى المغرب مروراً بمصر والأردن وتونس واليمن وليبيا وغيرهم من الدول تحرز الحركات الإسلامية نجاحات لافتة مما جعلها أرقاماً صعبة لايمكن للقوى الدولية أو ألإقليمية أن تتجاوزها…..
حقاً ماالذى حدث ؟؟؟ وأين تكمن الأخطاء القاتلة؟؟؟  التى أودت بالحركة وأوصلتها إلى ماهى فيه من ترد وإنحطاط بل وأودت بالوطن نفسه - الذى تقوده فصائل من الحركة الإسلامية – حيث  لم تحفظ وحدته ولم تصن أمنه ولم تحقق رفاه وسعادة مواطنيه بل أوصلته إلى التمزق والتشرذ م والإنهيار الإقتصادى والفساد المالى والأخلاقى بل والعودة إلى مربع القبلية والعنصرية النتنه حيث لم تعد لشعارات الدعوة الاولى وأهازيجها مكان فى الإعراب  فمن يتذكر أويبالى بشعارت : (هى لله ..هى لله ..لا للسلطة ولا للجاه ) أو ( لا تسل عن عنصرى أو حسبى إنه الإسلام أمى وأبى )....
إذن سنحاول فى هذه الورقة المفتاحية أن نلقى الضوء على بعض الأخطاء الكبيرة التى وقعنا فيها واوردتنا هذا المورد وهى حسب رؤيتنا كما يلى :
1.    ضعف وضآلة التنظير الفكرى للحركة : لم ُتحظ الحركة الإسلامية بعدد وافر من المفكرين والمنظرين بل ظلت عالة على أفكار دكتور الترابى طيلة الأربعين سنة الماضية ولم ُتعن الحركة أو تحفل بمفكريها على قلتهم مما أضطر بعضهم إلى الهجرة المتطاولة كالدكتور التجانى عبدالقادر وأضرابه , لم تتغير الفكرة الرئيسية للحركة الإسلامية عن التنظير الاولى المبسط لحركة الإخوان المسلمين الأم فى مصر , فظل هدفها هو تجنيد الأفراد الصالحين وإستيعابهم وترقية حسهم الدينى والتنظيمى ثم الإنتقال من الفرد المسلم الملتزم والواعى حركياً  إلى الأسرة المسلمة الملتزمة والمجتمع المسلم الملتزم كل ذلك فى إطار آصرة الروح والوجدان والتنظيم ...
لم تبذل الحركة تنظيراً فكرياً كافياً لمواجهة واقع الحياة فى عالم اليوم المعقد  والمتشابك المصالح فكانت غاية جهدها أوراق عن قضية جنوب السودان ومفهوم الامن الاقتصادى والسياسي فى  ظل مجتمع الشريعة الاسلامية وأحوال المعاش قدمتها فى مؤتمر الجبهة الإسلامية الثالث فى نحو العام 1988م ...
إنبنى التنظير الفكرى للحركة على الثقة المطلقة فى كوادر الحركة الملتزمة والمجربة فى المحكات والتى تم تصعيدها للقيادة فى كافة مستوياتها بعد تمحيص وتجريب وجرح وتعديل على الرغم من أن التجارب أثبتت بأن الأفراد لا تؤمن فتنتهم ولو صاموا ولو قامو ا ولو حجوا ولو جاهدوا فالعبرة فى وجود المؤسسات القوية المستقلة التى تراقب بعضها وتتكامل مع بعضها البعض  , الغريب فى الامر ان الحركة التى ظلت حفية بمؤسساتها وحريصة على إشاعة الشورى بين عضويتها حتى فى أحلك الظروف إلا أنها لم  تول أهمية مماثلة للمؤسسات  أو الشورى  حينما تعرضت لفتنة الحكم بعد تغيير الإنقاذ فقامت بهدم وتكسير كافة مؤسسات المجتمع السودانى كالأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى والنقابات والصحافة, وإحلال كوادرها الملتزمة مكانهم ظناً منها بأنها ستحدث التغيير المنشود بهم بل وسيتم تحويل المجتمع بأسره فى وقت وجيز إلى مجتمع إسلامى حسب رؤيتها وتنظيرها , وهنا لم تختلف الحركة الإسلامية هنا عن الأحزاب الشمولية التى أرادت إعادة صياغة المجتمعات حسب رؤيتها متوسلة بالقسر والعنف بل وخالفت الناموس الالهى الذى جعل الناس مختلفين فلا يمكن لأى جهة ولو سمت مقاصدها أن تنمطهم فى نمط واحد بل إن ذلك التنميط غير مطلوب وغير ممكن التحقق بمنطوق القرآن نفسه ....
2.    غياب التدافع والتنافس بين فئات المجتمع وجماعاته وأحزابه ومنظماته المدنية :  لقد كان لإضعاف وتكسير المؤسسات فى المجتمع والدولة وإرهاب الخصوم  وفصلهم وترويعهم ودفعهم للهجرة وترك الوطن دور  سلبى فى نمو الحركة وتماسكها , ألم يقل الله سبحانه وتعالى فى محكم التنزيل : (( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ )) (البقرة: من الآية251) وقال تعالى : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج:40-41)....
إذن  فحينما غاب التدافع و إختفى المنافس والمنافسة أصبحت السلطة مطلقة بلا حسيب أو رقيب - خاصة بعد ذوبان الحركة فى الدولة أو حل الحركة - فتحولت السلطة بإمتياز إلى مفسدة مطلقة وفى هذا يقول الكواكبى فى كتابه الإستبداد ومصارع الإستعباد (وأمّا تعريفه بالوصف فهو: أنّ الاستبداد صفة للحكومة المطلقة العنان فعلاً أوحكماً، التي تتصرّف في شؤون الرّعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محقَّقَين وتفسير ذلك هو كون الحكومة إمّا هي غير مُكلّفة بتطبيق تصرُّفها على شّريعة، أو على أمثلة تقليدية، أو على إرادة الأمّة، وهذه حالة الحكومات المُطلقة. أو هي مقيّدة بنوع من ذلك، ولكنّها تملك بنفوذها إبطال قوّة القيد بما تهوى، وهذه حالة أكثر الحكومات التي تُسمّي نفسها بالمقيّدة أو بالجمهورية) ولقد تحول الفساد من (بضع ) دكتور الترابى إلى ظاهرة بإعتراف رئيس الجمهورية نفسه وإقراره بتفشيه بين عضوية الحركة وقادتها ...
3.    الفشل فى إدارة التنوع : السودان قطر بحجم قارة من ناحية المساحة ومن ناحية التنوع والتعدد اللغوى والإثنى والثقافى والدينى , لذلك فإن التحدى الأكبر الذى واجه الحركة الإسلامية السودانية بل وسيواجه كل القوى السياسية التى تتطلع لحكم السودان هو إدارة هذا التنوع وتحويله إلى مصدر قوة بدلاً من كونه عاملاً من عوامل الضعف والإيهان ولقد كان لنا قدوة فى نهج الرسول صلى الله عليه وسلم فى  "صحيفة المدينة" وفى التجارب الإنسانية الناجحة من حولنا فى عالمنا المعاصر من  الولايات المتحدة إلى ماليزيا وسويسرا ولكن الحركة فشلت فى مواجهة أخطر تحدى يواجه السودان - المتعدد الثقافات والأعراق والديانات- فلم تستطع إدارة التنوع والإستفادة منه بل حاولت تنميط الكل حسب رؤيتها وإدخاله قسراً فى الثقافة الإسلامية والعربية حسب رؤيتها وتصوراتها ,  بالرغم من أن الثقافة الإسلامية والعربية بحسب مركزيتها و قوتها وعنفوانها وعوامل الحياة والتجدد فيها لم تكن بحاجة إلى كل ذلك التعسف حسب صيرورة الحياة وأحكام التاريخ ...إنعكس الفشل فى إدارة التنوع فى فشل تعاطى الحركة الحاكمة مع قضية دارفور وقضايا ج كردفان والنيل الأزرق مما أدخل البلاد فى أنفاق ومسالك مظلمة وعرة .... ...
4.    التعجل فى قطف الثمار وإختزال المراحل :  إختزلت الحركة الإسلامية فى السودان المراحل فعوضاً عن تطورها الطبيعى - الذى أوصلها فى بضع عقود لتكون القوى السياسية الثالثة من ناحية العدد والاولى ربما من ناحية الفعل والتأثير - آثرت الحركة الإسلامية أن تتغلب وتتمكن بالقوة فى محاولة إنتحارية أوصلتها للسلطة بإنقلاب يونيوا 1989م , وقد كانت هذه الخطوة بمثابة خطيئة الحركة الكبرى والتى جرت وراءها منظومة من الأخطاء والخطايا ..
بالرغم من التبريرات التى يمكن أن تقال  بشأن قرار الإنقلاب وبالرغم من وقوف غالبية الإخوان معه إلا انه كان بلا أدنى شك قراراً متعجلاً غير مستبصر وغير مبرر فقد كان بإستطاعة الحركة أن تبذل قوتها العسكرية والسياسية من أجل توطيد الديمقراطية بل كان بإستطاعتها فنياً إجهاض كل الإنقلابات المضادة التى  كانت تعد فى الخفاء آنذاك , ولكن الذى حدث هو أن الحركة آثرت أن تستولى على السلطة عنوة حيث أدى هذا القرار المصيرى إلى تفاعلات خطيرة    قادت  لسيطرة المجموعة المنفذة ذات الخلفية العسكرية والامنيه من المدنيين والعسكريين على مقاليد الامور –إخواننا الصغار كما سماهم المفكر دكتور التجانى عبدالقادر فى إحدى مقالاته -كما ادت كنتيجة طبيعية لإستخدام منطق القوة والقهر لإستدامة السلطة بنفس الاسلوب الذى جاءت به , وكما يقولون فالعبرة بالنتائج المعاشة فبعد 22 عاماً من الإنفراد بالسلطة والحكم  تعتبر النتائج كارثية بكل المقاييس بحيث لن يجرؤ الرئيس نفسه على ذكر فقرة واحدة من بيان الإتقلاب الأول فى أى خطاب أو بيان له ...!!!
5.    إهمال قضايا الحريات : ليس هنالك من شك فى أن  قضية الحريات من القضايا المركزية فى الفكر الإسلامى , فالحرية هي روح الدين في الاسلام، وهي أعز شئ على الانسان بعد حياته ، بفقدانها تفقد الامال، وتبطل الاعمال، وتموت النفوس، وتتعطل الشرائع، وتختل القوانين، فيصير الفتور والانحطاط والتقاعس، لمن ألفوا الاستبداد والذل والهوان , وهنالك العديد من الآيات والأحاديث النبوية الشريفة الدالة على ذلك :
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)
(فذكر إنما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر) (الغاشية: 21 ـ 22).
لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) (البقرة: 256).
قال تعالى: "ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها". (الشمس، 7-10) وقال: "وهديناه النجدين". (البلد، 8).
وقال سبحانه: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} [يونس: 99) .
وكما جاء في قول عمر رضي الله عنه :
"متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا".
وعلى الرغم من  أهمية ومركزية قضايا الحريات فى الفكر الإسلامى  فإن  الحركة الإسلامية لم تولها الإهتمام اللائق بها ولم تحفل بها إلاَ ساعات الضيق والمحنة إبان حكم النميرى , وتكاد تخلو أدبيات الحركة من ذكر قضايا الحريات تماماً بل  لم تتذكر الحركة الإسلامية قضايا الحريات إلا بعد إصطفاف فريق المؤتمر الشعبى  لوحدهم بعد المفاصلة الشهيرة , حيث إحتلت الحرية حينها مكاناً علياً فى وثائق المؤتمر الشعبى ومطبوعاته ..
إنعكس ذلك من ناحية التطبيق العملى فى سلوك الحركة ومنسوبيها فى أجهزة الحكم والدولة تجاه قضايا الحريات فجاء الفصل التعسفى ليحيل الالآف إلى الصالح العام ويفرغ البلاد من كوادرها المقتدرة فى كافة المجالات الحيوية مما أدى لاضعاف بنية الدولة , بل جاء الإعتقال التعسفى والتعذيب بل والقتل أحياناً فى مفارقة صرخة لرؤى الإسلام ومطلوباته ولم نكن نفترق هنا عمن قال فيهم الله عز وجل من أهل الكتاب  من قبل ( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
هذه بعض الملامح والرؤى العامة أطرحها هنا للتداول والحوار فإن أصبت فبتوفيق من الله وفضله وإن أخطأت فحسبى أجر المجتهد وبالله التوفيق ومنه الرضا والقبول ,,,,,,,,,,,
نادر يوسف السيوفى
Email: elsufinader@hotmail.co



 

آراء