الحرية والتغيير من غير تغيير!!
عبدالله مكاوي
15 March, 2023
15 March, 2023
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد تصاعد رائحة طبخة الاتفاق الاطاري، بدأت لهجة قادة الحرية والتغيير في التغيير. فبعد ان كانت التصريحات تؤكد عدم المشاركة في حكومة الفترة الانتقالية، وان ما يشغلهم اسقاط الانقلاب واعادة المرحلة الانتقالية الي جادة مطالب الثورة. اصبح الحديث الآن عن ضرورة تسييس حكومة الفترة الانتقالية، والزامية ان يكون رئيس الوزراء اكبر سياسي في البلاد (تصريحات عرمان).
وكأن العلة في عدم تسييس الحكومة وسياسِيَّة رئيس الوزراء، وليس في سوء التعامل مع مرحلة الانتقال، الذي بدأً من الاتفاقية الضعيفة، ومرورا بعدم التقيُّد ببنودها، وانتهاءً بعدم التجرد والالتزام باهداف الثورة والمصلحة العامة.
ويبدو ان قادة الحرية والتغيير توهموا ان من يقف مع الاتفاق الاطاري، يتفق مع كل ممارساتهم وتصريحاتهم، بما فيها ما لا يتفق مع الاتفاق الاطاري كما تم طرحه مبكرا! اي بوصفه المخرج الاقل كلفة للخروج من مأزق الانقلاب، ولو بالتغاضي عن الطموحات الكبيرة والآمال العريضة التي كانت معقودة علي الايفاء بمطالب ومستحقات الثورة كاملة. الشئ الذي خلق بدوره شرخ صعُب جسره مع قوي الثورة الحقيقية ممثلة في لجان المقاومة.
وصحيح ان الاتفاق الاطاري هو في الاصل لغة سياسية وتسييس للصراع، للنأي به عن المعادلات الصفرية المفضية لاستعجال الخراب. كما انه سمح لقوي الحرية والتغيير بتصدر المشهد كقوي ذات خطاب سياسي. ولكنه كذلك بالاحري يمثل فرصة لقوي الحرية والتغيير للاستفادة من اخطاءها، ومن ثمَّ تقديم نموذج مسؤول ومشرف للعمل السياسي. بما يرد الاعتبار للقوي السياسية، وقبلها للعملية السياسية، كافضل فضاء تدار فيه الخلافات وتراعي المصالح في حدود متفق عليها.
وبما ان الظروف التي صعدت فيها قوي الحرية والتغيير للواجهة، هي في الاصل ظروف ثورية، تم فيها تقديم تضحيات غالية من اجل اهداف سامية. فمن باب اولي ان يشكل ذلك قوة دفع جديدة للقوي السياسية، للتخلي عن عيوبها الموروثة، ومن ثمَّ الاستعداد لتقديم نموذج مغاير في العمل السياسي والحزبي، عماده الخطاب الصادق والاداء الجاد للارتقاء بالهموم والاهتمامات لمصاف المصلحة العامة.
وللاسف هذا ما لم يحدث خلال المرحلة الانتقالية الاولي (فشل في تكوين المجلس التشريعي والمفوضيات والنقابات والمحكمة الدستورية واصلاح العدالة والخدمة المدنية...الخ اي مجمل مطالب الثورة الاساسية) الشئ الذي اسهم في اجهاضها، او اقلاه وفر المبررات الشكلية للقوي العسكرية المتربصة بها.
ولكن ان يأتي قادة الحرية والتغيير مجددا لاعادة ذات السيناريو بذات الاسلوب، فهذا ما يجلب ليس عدم المصداقية والاحترام للقوي السياسية، ولكن اليأس من العملية السياسية برمتها. وفي هذا اكبر خدمة تقدم للعسكر لمعاودة ادمان الكنكشة في السلطة. غض النظر عن الاضرار الكارثية لهكذا كنكشة قهرية، سواء علي تطور البلاد او احوال العباد المعيشية والامنية والانسانية. قبل ان يبرر انعزال القوي الثورية، واكتفاءها بمقارباتها لاوضاع البلاد، من موقع الحانق علي الجميع والرافض لكل الخيارات، ما عدا خيارتها الذاتية. وهي غالبا ليس في وسعها تقديم البدائل الملائمة (مهما حسنت نواياها وقدمت من تضحيات)، لاوضاع معقدة تستدعي مشاركة الغالبية، مع مراعاة موازين القوي وتضارب المصالح والمرحلة التاريخية التي تقبع فيها البلاد.
واذا صح ان التعميم مضلل، فدلالة ذلك ان جميع قادة الحرية والتغيير ليس من ذات الطينة. وفي هذا السياق يمكن استثناء فيصل بابكر وطه عثمان اسحاق ومحمد الفكي، الذين تواصل اتساق اداءهم ومواقفهم طوال الفترة الانتقالية بمختلف تقلباتها. ولا غرابة انهم كانوا جزءً من لجنة إزالة التمكين، كوجه مشرق لحكومة الفترة الانتقالية البئيسة.
إلا ان غالبية القيادات توضع امامها كثير من علامات الاستفهام والتعجب؟! فيلاحظ ان قادة حزب الامة برمة ناصر ومريم الصادق وكانهما يمثلان رغبة المكون العسكري والطبطبة علي مصر، داخل تحالف الحرية والتغيير! اما ياسر عرمان فتجده وكانه ممثل قوي التغيير الجذري ولجان المقاومة! وجعفر حسن يركز علي اخطاء وكوارث المكون العسكري، وايجابيات الحكومة المجهضة ومميزات الاتفاق الاطاري بالحق والباطل! اما قادة المؤتمر السوداني وعلي الاخص خالد عمر فتركيزه ينصب علي التصدي لقوي التغيير الجذري ولجان المقاومة! وهذا ناهيك عن الصراعات التي دبت داخل حزب المؤتر السوداني وحزب الامة، في وقت الكل ينادي فيه بتقريب الشقة بين المدنيين، ومحاولة كسر حالة الاستقطاب مع العسكريين.
ورغم ان اداء الحرية والتغيير كان سيئا خلال الفترة الانتقالية المجهضة، إلا ان اداءهم مع الاتفاق الاطاري هو الاكثر سوءً وبما لا يقاس، وهم ينازلون العسكر من موقع ضعف وسلبية واعتماد بالكامل علي دعم الخارج! وهذا غير معاودة طبعها الغلاب في احتكار الاتفاق والاهتمام بالدفاع عنه، اكثر من بذل الجهد لتجويده وجعله اكثر اقناع وجاذبية لاستقطاب اكبر قدر من انصار الثورة.
اما لهجة التراجع المستجدة عن التزام عدم المشاركة، فهذا يعيد للواجهة اكبر خطأ ارتكبته وتنصل وقعت فيه، قوي الحرية والتغيير بمشاركتها في حكومة الفترة الانتقالية! لتتحمل الجزء الاكبر من مسؤولية فشلها واجهاضها. اما ثمن المشاركة فكان الصمت ومن ثمًّ تمرير اكبر خازوق منيت به الثورة والفترة الانتقالية وهو اتفاقية جوبا! التي في الاصل مؤامرة علي الثورة والفترة الانتقالية من العسكر، ولكن الطمع في السلطة باي ثمن يجلب الغفلة!
ويبدو بعد هذه اللهجة الخجولة، والاصرار ليس علي التمسك باتفاقية جوبا للسلام فقط، رغم ما تكشف عن حقيقة، انها محض مقايضة انتهازية بين شعارات الثورة وبما فيها السلام، وبين امتيازات سلطوية ومالية غير مستحقة لقادة الحركات المسلحة! ولكن علي اعتبار قادة الحركات المسلحة قوي ثورية لها مصلحة في التغيير! والاسوأ من ذلك، استغلال هؤلاء القادة الانتهازيين هذا التلهف لمشاركتهم، في ممارسة المزيد من الاستعلاء والتنمر والتآمر مع البرهان والفلول، لاجهاض الاتفاق الاطاري! بمعني آخر، السماح لقادة الحركات المسلحة بالمشاركة في حكومة الفترة الانتقالية، يمثل جسر العبور الذي يبرر مشاركة قوي الحرية والتغيير في الحكومة. مع ان الاولي ان تبادر قوي الحرية والتغيير بعدم المشاركة، لاجبار قادة هذه الحركات علي عدم المشاركة، بل وتجاوزهم لاشراك ممثلين آخرين للاقليم، يعبرون بحق عن مطالبه ويستحقون حقوقه! اما اذا كانت العقبة هي حمل السلاح، فهنالك المزيد ممن يحمل السلاح وله نفس المطامع! اما مسالة الالتزام بالاتفاقية كعهد مبرم، فاول من خان ذاك العهد هم قادة الحركات انفسهم، بمشاركتهم في الانقلاب علي الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية! وهذا غير ان طريقة اخراج اتفاقية جوبا بهذا البؤس، افسح المجال للنعرات الجهوية والمطالب المناطقية، وصولا للدعوات لحمل السلاح في كل اقليم، كما يعمل الفلول بهمة يحسدون عليها! وهو ما يفرض علي هذا الاتفاق الاطاري قفل هكذا ابواب تاتي منها الاعاصير. وهذا بالطبع اذا ما قُيِّض له ان يتم ويكتمل بنجاح في ظل تربص البرهان.
وهنالك جانب آخر يبدو ان الحرية والتغيير غافلة عنه تحت ضغط دوافع الهرولة للمشاركة، وهو التاثير علي مخرجات الاتفاق بتقديم كثير من التنازلات للعسكر، علي طريقة عطاء من لا يملك لمن لا يستحق! كما نه يؤكد التهم الموجهة لقوي الحرية والتغيير من تحالف الموز بانهم مجرد طلاب سلطة! مما يجعل تحالف الموز كانه علي حق، او يجد مساحة لتزييف الصراع بحصره مع قوي الحرية والتغيير، وليس في الالتزام بمطالب الثورة التي غدر بها قادة تحالف الموز الانتهازيون!
والخلاصة، ليس مطلوب من الحرية والتغيير، الوصول لاتفاق نموذجي ولا اي اتفاق والسلام! ولا كذلك مطلوب منها (تقلب هوبة) وتقدم معجزة او تجربة خالية من الاخطاء. ولكن كل المطلوب عدم اعادة ذات الاخطاء، وعمل كل ما يستوجب لاحداث التغيير المنشود، نحو تحقيق المزيد من الحرية والديمقراطية والمؤسسية والمصداقية داخل مكوناتها المنفردة، ومع بعضها ضمن التحالف، وفي علاقاتها مع الآخرين. ومن ثمَّ السعي لوضع الاسس لبناء الدولة المدنية، وفق برنامج او مشروع طموح بمشاركة شركاء الوطن. ولا اعتقد ان ذلك يمكن ان يتم بذات القيادات التي تتصدر الساحة السياسية. ولو ان ذلك يمكن يؤجل مرحليا، ولكن دون تاجيل التفكيرفيه والاستعداد لدفع مستحقاته في اقرب فرصة.
وعموما اذا اتاح الاتفاق الاطاري لقوي الحرية والتغيير، اصلاح ذاتها والعمل علي اصلاح الاحوال العامة، فالتمضي فيه علي بركة الله. وإلا فهي ليست مكلفة إلا بما تستطيع ويفي بمطالب التغيير الحقيقي. ولتفسح المجال لغيرها وترد الامانة لاهلها (شعبها)، وهو كفيل بتحمل مسؤوليته او عدم تحملها، من غير وصاية من اي كيان او كائن كان.
واخيرا
ما يحير في بلاد الحيرة هذه، كيف لثورة تشمل كل مدن السودان ويقدم شبابها اروع التضحيات، ضد الخلاص من نظام فاسد وقذر ومتعفن، بكل ما تحمله هذه الكلمات من معانٍ وايحاءات! وبدل ان تحررنا من عيوبنا واخطاءنا، تردنا لعيوب اكبر واخطاء قاتلة؟ اين الخلل؟ اين العلة؟ وصدق دكتور مرتضي الغالي الله لا كسب الانقاذ، التي اخلت بالعايير والقيم وقلبت الاوضاع راسا علي عقب. ودمتم في رعاية الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد تصاعد رائحة طبخة الاتفاق الاطاري، بدأت لهجة قادة الحرية والتغيير في التغيير. فبعد ان كانت التصريحات تؤكد عدم المشاركة في حكومة الفترة الانتقالية، وان ما يشغلهم اسقاط الانقلاب واعادة المرحلة الانتقالية الي جادة مطالب الثورة. اصبح الحديث الآن عن ضرورة تسييس حكومة الفترة الانتقالية، والزامية ان يكون رئيس الوزراء اكبر سياسي في البلاد (تصريحات عرمان).
وكأن العلة في عدم تسييس الحكومة وسياسِيَّة رئيس الوزراء، وليس في سوء التعامل مع مرحلة الانتقال، الذي بدأً من الاتفاقية الضعيفة، ومرورا بعدم التقيُّد ببنودها، وانتهاءً بعدم التجرد والالتزام باهداف الثورة والمصلحة العامة.
ويبدو ان قادة الحرية والتغيير توهموا ان من يقف مع الاتفاق الاطاري، يتفق مع كل ممارساتهم وتصريحاتهم، بما فيها ما لا يتفق مع الاتفاق الاطاري كما تم طرحه مبكرا! اي بوصفه المخرج الاقل كلفة للخروج من مأزق الانقلاب، ولو بالتغاضي عن الطموحات الكبيرة والآمال العريضة التي كانت معقودة علي الايفاء بمطالب ومستحقات الثورة كاملة. الشئ الذي خلق بدوره شرخ صعُب جسره مع قوي الثورة الحقيقية ممثلة في لجان المقاومة.
وصحيح ان الاتفاق الاطاري هو في الاصل لغة سياسية وتسييس للصراع، للنأي به عن المعادلات الصفرية المفضية لاستعجال الخراب. كما انه سمح لقوي الحرية والتغيير بتصدر المشهد كقوي ذات خطاب سياسي. ولكنه كذلك بالاحري يمثل فرصة لقوي الحرية والتغيير للاستفادة من اخطاءها، ومن ثمَّ تقديم نموذج مسؤول ومشرف للعمل السياسي. بما يرد الاعتبار للقوي السياسية، وقبلها للعملية السياسية، كافضل فضاء تدار فيه الخلافات وتراعي المصالح في حدود متفق عليها.
وبما ان الظروف التي صعدت فيها قوي الحرية والتغيير للواجهة، هي في الاصل ظروف ثورية، تم فيها تقديم تضحيات غالية من اجل اهداف سامية. فمن باب اولي ان يشكل ذلك قوة دفع جديدة للقوي السياسية، للتخلي عن عيوبها الموروثة، ومن ثمَّ الاستعداد لتقديم نموذج مغاير في العمل السياسي والحزبي، عماده الخطاب الصادق والاداء الجاد للارتقاء بالهموم والاهتمامات لمصاف المصلحة العامة.
وللاسف هذا ما لم يحدث خلال المرحلة الانتقالية الاولي (فشل في تكوين المجلس التشريعي والمفوضيات والنقابات والمحكمة الدستورية واصلاح العدالة والخدمة المدنية...الخ اي مجمل مطالب الثورة الاساسية) الشئ الذي اسهم في اجهاضها، او اقلاه وفر المبررات الشكلية للقوي العسكرية المتربصة بها.
ولكن ان يأتي قادة الحرية والتغيير مجددا لاعادة ذات السيناريو بذات الاسلوب، فهذا ما يجلب ليس عدم المصداقية والاحترام للقوي السياسية، ولكن اليأس من العملية السياسية برمتها. وفي هذا اكبر خدمة تقدم للعسكر لمعاودة ادمان الكنكشة في السلطة. غض النظر عن الاضرار الكارثية لهكذا كنكشة قهرية، سواء علي تطور البلاد او احوال العباد المعيشية والامنية والانسانية. قبل ان يبرر انعزال القوي الثورية، واكتفاءها بمقارباتها لاوضاع البلاد، من موقع الحانق علي الجميع والرافض لكل الخيارات، ما عدا خيارتها الذاتية. وهي غالبا ليس في وسعها تقديم البدائل الملائمة (مهما حسنت نواياها وقدمت من تضحيات)، لاوضاع معقدة تستدعي مشاركة الغالبية، مع مراعاة موازين القوي وتضارب المصالح والمرحلة التاريخية التي تقبع فيها البلاد.
واذا صح ان التعميم مضلل، فدلالة ذلك ان جميع قادة الحرية والتغيير ليس من ذات الطينة. وفي هذا السياق يمكن استثناء فيصل بابكر وطه عثمان اسحاق ومحمد الفكي، الذين تواصل اتساق اداءهم ومواقفهم طوال الفترة الانتقالية بمختلف تقلباتها. ولا غرابة انهم كانوا جزءً من لجنة إزالة التمكين، كوجه مشرق لحكومة الفترة الانتقالية البئيسة.
إلا ان غالبية القيادات توضع امامها كثير من علامات الاستفهام والتعجب؟! فيلاحظ ان قادة حزب الامة برمة ناصر ومريم الصادق وكانهما يمثلان رغبة المكون العسكري والطبطبة علي مصر، داخل تحالف الحرية والتغيير! اما ياسر عرمان فتجده وكانه ممثل قوي التغيير الجذري ولجان المقاومة! وجعفر حسن يركز علي اخطاء وكوارث المكون العسكري، وايجابيات الحكومة المجهضة ومميزات الاتفاق الاطاري بالحق والباطل! اما قادة المؤتمر السوداني وعلي الاخص خالد عمر فتركيزه ينصب علي التصدي لقوي التغيير الجذري ولجان المقاومة! وهذا ناهيك عن الصراعات التي دبت داخل حزب المؤتر السوداني وحزب الامة، في وقت الكل ينادي فيه بتقريب الشقة بين المدنيين، ومحاولة كسر حالة الاستقطاب مع العسكريين.
ورغم ان اداء الحرية والتغيير كان سيئا خلال الفترة الانتقالية المجهضة، إلا ان اداءهم مع الاتفاق الاطاري هو الاكثر سوءً وبما لا يقاس، وهم ينازلون العسكر من موقع ضعف وسلبية واعتماد بالكامل علي دعم الخارج! وهذا غير معاودة طبعها الغلاب في احتكار الاتفاق والاهتمام بالدفاع عنه، اكثر من بذل الجهد لتجويده وجعله اكثر اقناع وجاذبية لاستقطاب اكبر قدر من انصار الثورة.
اما لهجة التراجع المستجدة عن التزام عدم المشاركة، فهذا يعيد للواجهة اكبر خطأ ارتكبته وتنصل وقعت فيه، قوي الحرية والتغيير بمشاركتها في حكومة الفترة الانتقالية! لتتحمل الجزء الاكبر من مسؤولية فشلها واجهاضها. اما ثمن المشاركة فكان الصمت ومن ثمًّ تمرير اكبر خازوق منيت به الثورة والفترة الانتقالية وهو اتفاقية جوبا! التي في الاصل مؤامرة علي الثورة والفترة الانتقالية من العسكر، ولكن الطمع في السلطة باي ثمن يجلب الغفلة!
ويبدو بعد هذه اللهجة الخجولة، والاصرار ليس علي التمسك باتفاقية جوبا للسلام فقط، رغم ما تكشف عن حقيقة، انها محض مقايضة انتهازية بين شعارات الثورة وبما فيها السلام، وبين امتيازات سلطوية ومالية غير مستحقة لقادة الحركات المسلحة! ولكن علي اعتبار قادة الحركات المسلحة قوي ثورية لها مصلحة في التغيير! والاسوأ من ذلك، استغلال هؤلاء القادة الانتهازيين هذا التلهف لمشاركتهم، في ممارسة المزيد من الاستعلاء والتنمر والتآمر مع البرهان والفلول، لاجهاض الاتفاق الاطاري! بمعني آخر، السماح لقادة الحركات المسلحة بالمشاركة في حكومة الفترة الانتقالية، يمثل جسر العبور الذي يبرر مشاركة قوي الحرية والتغيير في الحكومة. مع ان الاولي ان تبادر قوي الحرية والتغيير بعدم المشاركة، لاجبار قادة هذه الحركات علي عدم المشاركة، بل وتجاوزهم لاشراك ممثلين آخرين للاقليم، يعبرون بحق عن مطالبه ويستحقون حقوقه! اما اذا كانت العقبة هي حمل السلاح، فهنالك المزيد ممن يحمل السلاح وله نفس المطامع! اما مسالة الالتزام بالاتفاقية كعهد مبرم، فاول من خان ذاك العهد هم قادة الحركات انفسهم، بمشاركتهم في الانقلاب علي الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية! وهذا غير ان طريقة اخراج اتفاقية جوبا بهذا البؤس، افسح المجال للنعرات الجهوية والمطالب المناطقية، وصولا للدعوات لحمل السلاح في كل اقليم، كما يعمل الفلول بهمة يحسدون عليها! وهو ما يفرض علي هذا الاتفاق الاطاري قفل هكذا ابواب تاتي منها الاعاصير. وهذا بالطبع اذا ما قُيِّض له ان يتم ويكتمل بنجاح في ظل تربص البرهان.
وهنالك جانب آخر يبدو ان الحرية والتغيير غافلة عنه تحت ضغط دوافع الهرولة للمشاركة، وهو التاثير علي مخرجات الاتفاق بتقديم كثير من التنازلات للعسكر، علي طريقة عطاء من لا يملك لمن لا يستحق! كما نه يؤكد التهم الموجهة لقوي الحرية والتغيير من تحالف الموز بانهم مجرد طلاب سلطة! مما يجعل تحالف الموز كانه علي حق، او يجد مساحة لتزييف الصراع بحصره مع قوي الحرية والتغيير، وليس في الالتزام بمطالب الثورة التي غدر بها قادة تحالف الموز الانتهازيون!
والخلاصة، ليس مطلوب من الحرية والتغيير، الوصول لاتفاق نموذجي ولا اي اتفاق والسلام! ولا كذلك مطلوب منها (تقلب هوبة) وتقدم معجزة او تجربة خالية من الاخطاء. ولكن كل المطلوب عدم اعادة ذات الاخطاء، وعمل كل ما يستوجب لاحداث التغيير المنشود، نحو تحقيق المزيد من الحرية والديمقراطية والمؤسسية والمصداقية داخل مكوناتها المنفردة، ومع بعضها ضمن التحالف، وفي علاقاتها مع الآخرين. ومن ثمَّ السعي لوضع الاسس لبناء الدولة المدنية، وفق برنامج او مشروع طموح بمشاركة شركاء الوطن. ولا اعتقد ان ذلك يمكن ان يتم بذات القيادات التي تتصدر الساحة السياسية. ولو ان ذلك يمكن يؤجل مرحليا، ولكن دون تاجيل التفكيرفيه والاستعداد لدفع مستحقاته في اقرب فرصة.
وعموما اذا اتاح الاتفاق الاطاري لقوي الحرية والتغيير، اصلاح ذاتها والعمل علي اصلاح الاحوال العامة، فالتمضي فيه علي بركة الله. وإلا فهي ليست مكلفة إلا بما تستطيع ويفي بمطالب التغيير الحقيقي. ولتفسح المجال لغيرها وترد الامانة لاهلها (شعبها)، وهو كفيل بتحمل مسؤوليته او عدم تحملها، من غير وصاية من اي كيان او كائن كان.
واخيرا
ما يحير في بلاد الحيرة هذه، كيف لثورة تشمل كل مدن السودان ويقدم شبابها اروع التضحيات، ضد الخلاص من نظام فاسد وقذر ومتعفن، بكل ما تحمله هذه الكلمات من معانٍ وايحاءات! وبدل ان تحررنا من عيوبنا واخطاءنا، تردنا لعيوب اكبر واخطاء قاتلة؟ اين الخلل؟ اين العلة؟ وصدق دكتور مرتضي الغالي الله لا كسب الانقاذ، التي اخلت بالعايير والقيم وقلبت الاوضاع راسا علي عقب. ودمتم في رعاية الله.