الدعم النفسي وسيكولوجية الحروب

 


 

 

يحفل التاريخ البشري بمختلف أنواع الحروب والصراعات والنزاعات، وتكاد لا توجد دولة في العالم إلا وقد عانت من ويلات الحرب، وظروفها الصعبة، وآثارها الكارثية في كلِّ المجالات، وفي جميع الأصعدة من بيئة وعمران وبُنى تحتية واقتصاد وغيرها، ولا تتوقف آثار الحرب هنا؛ بل تمتدُّ لتطال السكان وتصل إلى نفوسهم وأجسادهم وأرواحهم، فتترك جروحاً وآلاماً وذكرياتٍ سيئةً ترافقهم مدى الحياة.
نعيش في عصرنا الحالي ضمن صراعات عديدة ومشاكل اقتصاديّة تنعكس بشكلٍ سلبي على صحة الإنسان ومدى قدرته على العيش براحةٍ نفسيّة،
علم نفس الحروب هو مجال معقَّد ومتعدِّد الأوجه يبحث في الآثار العاطفية والمعرفية والسلوكية للنزاعات المسلحة في الأفراد والمجتمعات، فمن المعروف أنَّ للحروب آثاراً عميقة ودائمة في الناس، وتتراوح من الإصابات الجسدية والصدمات إلى الاضطرابات النفسية والعاطفية، كما يمكن رؤية الآثار النفسية للحرب في كل من أولئك الذين يشاركون مشاركة مباشرة في القتال وفي المدنيين المتضررين من العنف والدمار.
تشير سيكولوجية الحروب إلى دراسة الآثار العاطفية والمعرفية والسلوكية للنزاعات المسلحة في الأفراد والمجتمعات، فقد كانت الحروب حقيقة مؤسفة عبر تاريخ البشرية، وتأثيرها في الناس عميق ومعقد؛ إذ يدرس مجال الدراسة هذا الآليات النفسية التي تؤثر في كيفية استجابة الناس للعنف والصدمات والتوتر المرتبط بالحرب، ومن خلال فهم التأثير النفسي للحروب، يمكن للباحثين وصانعي السياسات والمتخصصين في مجال الصحة العقلية تطوير تدخلات وعلاجات فعالة لمساعدة المتضررين من النزاعات المسلحة.
تسعى التخصصات المختلفة للعمل على تقليل الآثار السلبية الناجمة عما يتعرض له الأفراد حين يمرون بأزمات أو كوارث من قبيل الحروب أو الأزمات الاقتصادية أو الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين وغيرها… ومن بين هذه التخصصات أو على رأسها يأتي مجال الخدمة النفسية، والذي يهتم بسلامة الفرد النفسية، ومساعدته على إعادة القدرة على التأقلم مع الأوضاع التي يمر بها أو مرت به. وتبلور ذلك من خلال ما عرف “بالمساندة النفسية” التي تعني في أبسط تعريف لها إمداد الفرد الذي وقع تحت ضغط أزمة ما سواء كانت عامة أو خاصة بالدعم النفسي، وإحساسه بالمشاركة، ومساعدته على التنفيس عما يجول بخاطره، ومساعدته كذلك على إعادة تنظيم أفكاره، من خلال استبصاره بالخبرة التي مر بها؛ وهو ما يمكنه من التخلص التدريجي من آثارها، وتقليل أو علاج ما خلفته من اضطرابات أو تشويهات فكرية أو انفعالية.
أهمية دراسة الآثار النفسية للحروب والازمات:
لا يمكن المبالغة في أهمية دراسة الأثر النفسي للحروب والأزمات في الأفراد والمجتمعات، فقد يكون للحروب آثار مدمرة في الناس، ومن ذلك الأذى الجسدي والنفسي، وفقدان الأحباء، والنزوح من ديارهم، وربما تكون الآثار النفسية للحرب طويلة الأمد، وقد تؤثر في الأفراد والمجتمعات لأجيال، ومن خلال دراسة التأثير النفسي للحروب، يمكن للباحثين وصانعي السياسات اكتساب نظرة ثاقبة للعوامل التي تساهم في تطوير ظروف الصحة العقلية، والتغيرات الاجتماعية والثقافية التي تحدث في أعقاب النزاعات، واستراتيجيات تعزيز السلام ومنع الحروب في المستقبل.
تأثير الحروب والأزمات في الأفراد:
غالباً ما تؤدي الحروب إلى إصابات جسدية وصدمات، مثل بتر الأطراف والحروق وغيرها من الإصابات الخطيرة التي قد تكون لها عواقب طويلة الأمد، ومع ذلك فإنَّ التأثير النفسي للحروب في الأفراد يمكن أن يكون أكثر تدميراً، فقد يؤدي التعرض للعنف والصدمات المرتبطة بالحرب إلى حالات صحية عقلية مثل اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق، وربما يكون لهذه الظروف تأثير كبير في قدرة الفرد على العمل، وهذا يؤثر في عمله وعلاقاته ونوعية حياته.
تأثير الحروب في المجتمعات:
تأثير الحروب في المجتمعات هو جانب هام آخر من الآثار النفسية للنزاعات المسلحة، فقد تؤدي الحروب إلى تغييرات اجتماعية وثقافية كبيرة، مثل انهيار الهياكل الاجتماعية وتشريد الناس من منازلهم، وربما يكون للآثار الاقتصادية مثل فقدان سبل العيش والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، آثار طويلة الأمد في المجتمعات، إضافة إلى ذلك قد يسهم عدم الاستقرار السياسي وانتشار العنف في الاضطراب الاجتماعي والضرر.
الحروب هي أحداث معقدة قد تتأثر بمجموعة من العوامل، فيمكن أن تسهم العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية والنفسية والتكنولوجية في حدوث الصراعات، ومن خلال فهم هذه العوامل يمكن لواضعي السياسات اتخاذ خطوات لمنع اندلاع النزاعات المسلحة وإدارة عواقب النزاعات القائمة، إضافة إلى ذلك يمكن للجهود المبذولة لمعالجة القضايا الأساسية التي تسهم في النزاعات المسلحة أن تساعد على جعل العالم أكثر سلاماً واستقراراً.
الدعم النفسي:
هو مصطلح يطلق على المساعدة على التخفيف والوقاية من الكرب المصاحب للأحداث لدى الأشخاص العاديين الذين مروا بظروف ضاغطة غير طبيعية، وهدفه هو الوقاية من الدخول في حالة نفسية مزمنة، ويتم عن طريق مساعدة الناس على إعادة التفكير في الأحداث الصدمية من منظور آخر، ومن ثم تتغير انفعالاتهم ومشاعرهم المترتبة على تغيير أفكارهم.
المقصود بالدعم النفسي في الكوارث والأزمات والحروب هو المساعدة المعنوية والمساندة التي تتمثل في مشاركة المصاب في أوجاعه، ومرافقته في رحلة المعاناة والتخفيف عنه بشتى الطرق، من إظهار التعاطف وتهوين المصيبة، والبحث عن طرق الخروج من الأزمة بأقل خسائر ممكنة وغيره.
الدعم النفسي في الكوارث والأزمات من أهم أوجه الدعم والمساعدة التي يحتاج إليها من يمر بأزمات قوية وأحداث قاسية، سواء على الصعيد الجماعي أو الفردي.
وربما يختلف الدعم النفسي قليلاً عن مفهوم الرعاية الصحية النفسية التي تتطلب تدخل معالج متخصص، وبروتوكولات محددة.
فالدعم النفسي يمكن أن يقدمه الرفاق أو المقربين أو الأصدقاء والزملاء أو غيرهم ممن يجيدون التأثير على الآخرين ويستطيعون مساعدتهم في التغلب على المحن.
تتمثل أهداف الدعم النفسي في الكوارث والأزمات والحروب في مساعدة الأشخاص على تجاوزها بأقل درجة من الخسائر النفسية ويمكن تفصيل تلك الأهداف في النقاط التالية:
 تخفيف الضغوط النفسية والعصبية المصاحبة للأزمات.
 تخفيف الألم النفسي والجسدي.
 الحد من ردود الفعل النفسية. الانفعالية الحادة التي تزيد من الضرر.
 الحد من الآثار النفسية التي تقود إلى الاضطرابات والأمراض النفسية على المدى القريب أو البعيد.
 المساعدة على التكيف وتعلم أساليب فعالة في إدارة الأزمة.
يجب تقديم الدعم النفسي في الكوارث والأزمات والحروب عند حلول الحروب أو المرور بالصدمات النفسية أو المادية المختلفة، حيث تضعف همة الإنسان وتخور قواه ولا يقوى على مجابهة متاعبه وحده، ويصبح أولى وأهم كلما كانت النوازل أصعب والأزمات أشد.
يختلف التعامل مع الأطفال المتضررين من الحروب والكوارث عن التعامل مع المتضررين، وذلك من حيث الأعراض التي تظهر عليهم وكذلك من حيث الطريقة التي يجب علينا اتباعها في التعامل مع ما يظهر عليهم من أعراض… ويرجع اختلاف طريقة التعامل مع الأطفال عن الكبار إلى عدة أسباب منها:
1ـ انخفاض قدرة الطفل على التعبير، بمعنى أنه لا يعرف كيف يعبر عن آلامه وما يعانيه في صورة كلمات أو ألفاظ لغوية.
2 . ـأن ما يظهره الطفل من علامات ومؤشرات ظاهرة (كالبكاء أو ما يظهر عليه من علامات للتعبير عن الخوف). يمكن تفسيره في أكثر من فئة، بمعنى أن البكاء ربما يعبر به عن القلق النفسي أو عن الحاجات الفسيولوجية كالجوع مثلا… أو قد يعبر به عن رغبته في أن يلفت نظر الآخرين له.
3. ـإن مساعدة الطفل في التخلص من معاناته لا يصلح معها أيضا الكلام المباشر، وذلك لانخفاض قدرته على إدراك ما يقع خلف الكلمة من محاولة للتخفيف؛ فمن الصعب على الطفل فهم المحاولات الكلامية المباشرة لتعديل أفكاره وجعله يتقبل ما يتعرض له.
4 . ـإن الطفل بوجه عام وفي الظروف الطبيعية يحتاج لطريقة خاصة في التواصل والتفاعل معه؛ فالتعامل معه يحتاج لمهارة من الفرد الذي يرغب في إقامة علاقة معه بحيث يستطيع أن يتفاعل معك ويأمنك فتتمكن من تقديم العون له.
كيف يمكن تقديم الدعم النفسي للتلاميذ؟
التلاميذ في مراحل التعليم المبكرة يصبحون الأكثر تضرراً من وقوع الأزمات والحروب سواء على نطاق الأسرة أو على نطاق أوسع، لأنهم يتسمون بالحساسية الشديدة تجاه أي تغيرات تطرأ على حياتهم، حيث تسبب لهم الارتباك والتشويش وتعزز مشاعر الخوف والقلق، خاصة مع عدم القدرة على التكيف السليم معها.
لذا فهم يحتاجون إلى الدعم النفسي الذي يعزز قدراتهم الاستيعابية وإكمال مسيرتهم التعليمية، والارتقاء بأدائهم الدراسي، والذي يتخذ عدة صور أبرزها:
 التشجيع والدعم بكلمات المدح والثناء.
 التركيز على المزايا والصفات الإيجابية وتسليط الضوء عليها.
 دمج التلاميذ في أنشطة جماعية حيث يصرف هذا الإجراء انتباههم عن الأفكار السلبية.
 تشجيعهم على ممارسة الهوايات المفضلة وخاصة الرياضة والرسم وما شابه ذلك فهذه وسيلة جيدة لإفراغ الطاقات السلبية.
 الخروج وزيارة الأماكن الجديدة، يشعرهم بالتجديد والنشاط.
آليات وأساليب الدعم النفسي في الكوارث والأزمات والحروب:
تتعدد آليات وأساليب الدعم النفسي في الكوارث والأزمات وتختلف باختلاف مصدر هذا الدعم، فالدعم الأسري والعائلي ودعم الأقران ودعم الزملاء يختلف في طرقه وأساليبه عن الدعم النفسي المقدم من قبل مركز نفسي متخصص وفريق معالج على وعي ودراية بالأساليب والتقنيات النفسية العلمية.
أساليب الدعم النفسي من الأسرة والرفاق:
يتميز الدعم من الأشخاص العاديين العشوائية والارتجال، وهو يقوم على دوافع الحب والاهتمام بشكل اكبر، بينما يفتقر إلى التخصصية والاختبار الدقيق، ولكنه غاية في الأهمية لمن يمر بالأزمات الطاحنة، ويمكن استعراض أهم الطرق المتبعة في الدعم النفسي الأسري على الوجه التالي:
 مشاركة الشخص وصحبته خلال مرحلة الأزمة.
 المواساة وإظهار التعاطف والاهتمام بما يعانيه هذا الشخص.
 محاولات إخراج الشخص من دائرة الصراع النفسي، وشغله بأمور أخرى.
 التشجيع وتوجيه الكلمات الإيجابية التي تحمل على الأمل والتفاؤل.
 التذكير بمعاني الرضا وتقبل الأقدار والتسليم بإرادة الله عز وجل، وما يتبع ذلك من أجر عظيم وعوض كريم في الدنيا والآخرة.
أساليب الدعم النفسي من قبل المراكز المتخصصة:
يقوم الدعم النفسي في الكوارث والأزمات والحروب من قبل المراكز النفسية المتخصصة في هذا الصدد على اتباع التقنيات العلمية الممنهجة، والمتابعة والتقييم المستمر للحالات المتضررة وذلك من خلال الجلسات الفردية أو الجماعية، تتضمن تقنيات سلوكية ونفسية متعددة يختار منها المعالج ما يناسب الحالة، ولعل أبرز تلك التقنيات ما يلي:
 تقنيات التخلص من التوتر وتخفيف الضغوط:
وتتمثل في مساعدة الشخص على التحرر من الضغوط النفسية وتخفيف التوتر عن طريق تمارين وتدريبات سلوكية متنوعة مثل الاسترخاء والتأمل وتمارين التنفس العميق وغيرهم.
 التقبل:
بعض الأحداث القهرية والأزمات لا يناسبها البحث عن حلول بل يناسبها الوصول إلى حالة من التقبل والرضا والتسليم، وهذا ما يساعد المعالج في غرسه وإقناع الشخص المصاب به، عن طريق الحوار البناء التفاعلي الذي يجعل المريض ينظر للأمر بشكل أكثر موضوعية لتخفيف وطأة الأزمة في نفسه.
 تقنية تشتيت الانتباه:
وفيها يحاول مقدم الدعم النفسي شغل المتلقي عن الأزمة بإيجاد فكرة جديدة أو نشاط أو لفت نظره الى عمل معين أو ممارسة هواية أو غيره، مما يستحوذ على تفكير الشخص ويخرجه من دائرة التركيز المفرط على الصدمة.
 تقنيات التخيل والتصور:
والتي تعتمد على ترسيخ مبدأ معين عند الشخص المتضرر وهو أن الشعور بآثار الأزمة وتوابعها مرتبط ارتباطاً وثيقاً بطريقة تناوله لها وتفكيره فيها، حيث يطلب المعالج من الشخص تخيل مواقف وأحداث إيجابية من شأنها أن تسبب له السعادة، بينما يقوم برصد ردود الفعل النفسية والانفعالية التي تصدر عنه، ثم يعود ويطلب منه التفكير في شيء سلبي ويرصد كذلك ردود أفعاله تجاه هذا الشي، ومن هنا يدرك الشخص أنه يستطيع تقليل خسائره النفسية والتغلب على الأزمات وتجاوزها فقط إذا غير طريقة تفكيره فيها ونظرته إليها.
كيف تواجه الأزمات النفسية؟
أحياناً يتمثل الدعم النفسي في الكوارث والأزمات في تقديم التوعية المناسبة لصاحب الأزمة عن طرق مواجهتها نفسياً، والطرق التي تعينه على تجاوزها وعدم الانغماس في توابعها وجرائرها السلبية، ومن أهم النصائح التي يمكن أن تساعد الشخص في تلك المرحلة ما يلي:
 تهوين الأمور وعدم تضخيمها.
 إدراك طبيعة الحياة التي تتميز بالتقلب والتغير.
 ضبط النفس ومحاولة التصبر.
 عدم التركيز على المشكلة والتركيز على طرق حلها أو تقليل خسائرها.
 التفكير العملي في التعامل مع المرحلة التالية للأزمات.
 استقطاب الطاقات الإيجابية والأفكار البناءة الداعمة من الأصدقاء المقربين الموثوق بأخلاقهم وصدق مودتهم.
عوامل شخصية أخرى:
الأفراد الذين لديهم “ثقة بالنفس” وتقدير عال لذاتهم أكثر قدرة على التكيف، كذلك “الضمير الحي” أصحابه أطول عمرا وأكثر نجاحا في تجنب المواقف التي تؤذيهم، كما أن الأفراد “المتفائلون” يتكيفون بكفاءة أعلي.
التدين: الإيمان بأن الله كتب لنا الخير، وهو الصمد الذي نلجأ إليه، وفهم أهمية الحرب وقيمة الشهيد والصلاة والدعاء، كلها أمور تساعد على الإحساس بالراحة والسلوى والصبر، وعلى الرضا عن الحياة بل والسعادة أيضا.
تجنب الأشياء المزعجة: إذا كنت تشعر أنك غير قادر على التعامل مع التهديدات التي يُحتمل أن تحدث في المستقبل فتجنب التفكير فيها، وتجنب أيضا التركيز على انفعالاتك الذاتية.
الفضفضة: إن الناس الذين يتعرضون لأحداث جسيمة ولا يستطيعون التحدث عنها تبقى بداخلهم وتؤدي إلى أفكار وسواسية لسنوات، احكِ عن نفسك أمام الآخرين الذين تطمئن إليهم وعبر عن مشاعرك وآلامك وأفكارك، فهذا سيجعلك تشعر أنك تخلصت من حمل ثقيل.
المساندة الاجتماعية:
ابحث واقترب من الآخرين الذين تشعر معهم بالراحة والسلوان، فهؤلاء يقدمون لك: مساعدة ملموسة، مساندة انفعالية، معلومات، الوقوف بجانبك، فقد تجد من يساعدك بالمال أو الطعام الذي تحتاجه، أو من يفكر معك في كيفية تعويض ما فقدته، أو يقترح عليك تصرفات معينة لمواجهة الضغط وباقتراح حلول ممكنة لمشكلاتك، أو من يطمئنك ويشعرك بأنك إنسان له قيمته، فالجنود الذين يعملون في فريق يشعرون بضغط أقل من الذين يعملون منفردين. لاحظ أن من المفيد أن تبحث عن نوع المساندة التي تحتاجها.

الآثار النفسية اللاحقة للكوارث والازمات والحروب :
ينجم عن الكوارث والحروب علامات وأعراض نفسية بعدة ساعات أو أيام وشهور من بداية الحرب، وينتهي معظمها قبل أن تتحول إلى مرض نفسي معين، ومن الأعراض والعلامات العضوية: العرق الزائد ونوبات الدوار والتنفس السريع. ومن الأعراض والعلامات الانفعالية: الغضب والأسى والاكتئاب والصدمة الانفعالية. ومن الناحية الفكرية: يحدث خلط في التفكير، وانخفاض القدرة على الانتباه والتركيز. ومن الأعراض السلوكية: الانسحاب من الآخرين والصمت الطويل، وهناك أنواع معينة من الاضطرابات النفسية الأخرى التي تظهر في أثناء وجود تفجيرات أو قصف ومعارك، أو بعد التعرض لهذا القصف أو تلك الأزمة بفترات قد تطول وقد تقصر.
أحد الاضطرابات النفسية التي يمكن أن يُصاب بها الإنسان هو اضطراب يعرف باسم التفاعل الحاد للكرب، ويعرف في الطب النفسي بأنه (اضطراب عابر على درجة كبيرة من الشدة يحدث للشخص، ويتلاشى عادة خلال ساعات أو أيام). ومُسبب الكرب قد يكون تعرض الشخص نفسه أو أحد أعضاء أسرته أو جيرانه المقربين أو منزله للخطر أو الإصابة أو الموت، مثلا وفيات متعددة أو حريق في المنزل، كما أن احتمال الإصابة بهذا الاضطراب يزيد إذا تواكب مع إجهاد جسدي أو عوامل عضوية.
نحن في العالم العربي لا نهتم اهتماما كبيرا بالرعاية النفسية للناس، ولا بالوسائل المطلوبة لاحتواء تأثير الحروب والأزمات عليهم رغم أن:
•الآثار النفسية التي تتركها الكوارث والحروب تكون في كثير من الأحيان أشد من الآثار العضوية.
•كل من يشهد الكارثة يتأثر بها نفسيا.
•الدعم النفسي يقلل من الآثار النفسية طويلة المدى للحرب.
الآثار النفسية للحروب عميقة وبعيدة الأمد، فيجب على صانعي السياسات مراعاة الآثار النفسية للحروب عند وضع السياسات والاستراتيجيات الهادفة إلى تعزيز السلام ومنع نشوب الصراعات، وبالمثل يمكن للأفراد اتخاذ خطوات لدعم المتضررين من الحروب، مثل التطوع مع المنظمات التي تقدم رعاية الصحة العقلية والدعم الاجتماعي، وهناك حاجة أيضاً إلى مزيد من البحث لفهم الآثار النفسية للحروب بشكل أفضل ولتطوير تدخلات وعلاجات أكثر فاعلية لمساعدة المتضررين على الخروج منها واستعادة اللياقة النفسية التي تؤهلهم لإكمال مسيرة الحياة ومواجهة تحدياتها.
ختاما:
إنَّ علم نفس الحروب هو مجال دراسي هام جداً يساعدنا على فهم تأثير النزاعات المسلحة في الأفراد والمجتمعات، فقد يكون التأثير النفسي للحروب مدمراً، لكن يمكن للأفراد والمجتمعات إظهار المرونة والتعامل مع ضغوطات وصدمات النزاعات المسلحة، كما يمكن للتدخلات والعلاجات أن تخفف الآثار النفسية للنزاعات المسلحة وتعزز السلام والمصالحة، ومن خلال دراسة سيكولوجية الحروب يمكننا التعرف إلى الطبيعة المعقدة ومتعددة الأوجه لتأثير النزاعات المسلحة، والعمل على دعم المتضررين من الحروب.

المراجع والمصادر :-
 كتاب سيكولوجية الحروب والكوارث ودور العلاج النفسى -د. غسان يعقوب
 unicef
 https://www.unicef.org/protection/mental-health-psychosocial-support-in-emergencies
 الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع للاضطرابات النفسية: المعايير التشخيصية (2001): ترجمة أمينة السماك وعادل مصطفى، ط1، الكويت، مكتبة المنار الإسلامية.
 داليا عزت مؤمن – (2005) – الصحة النفسية في مواجهة الكوارث.

drsomaiasaeed@gmail.com
////////////////////

 

آراء