الدكتور أمين حسن عمر لـ(التيار): لا يوجد مايمنع بروز تيار علماني وطني

 


 

 

السودان الجديد أحلام الموهومين
الحزب الشيوعي السوداني حزب يميني وموغل بالرجعية 
من الخطأ أن توضع كل الحركات الإسلامية في قالبٍ واحدٍ
من حق المرأة أنْ تشترط في قسيمة الزواج عدم التعددية
دولة الخلافة الإسلامية تحولت إلى علمانية متوحشة
هناك حركات إسلامية تركز على الشكل وعلى حساب الاخلاق 
"""""""""""""""
فاخرَ القيادي الإسلامي أمين حسن عمر بسيطرة الحركات الإسلامية على المشهد مزدرياً التيارات الاشتراكية والقومية قبل أن يخص الحزب الشيوعي السوداني بسهام نقده، لكنه عاد وتحسَّر على ما وصفه بالوضع المؤسف الذي يخيم على الحزب الشيوعي وأردف بأسى: "أين هو الحزب الشيوعي"؟ وفي حوار يُنشر بالداخل شبه دعاة مشروع السودان الجديد بالموهومين، وتمسّك باجتهاداته الفقهية المثيرة في تعديل بنود عقد الزواج، ودافع عن حق المرأة في الاشتراط على زوجها ألا يتزوج بغيرها، لكن أمين بدأ زاهداً في الحديث عن شئون الحكم والسياسة. وإلى التفاصيل:
اجرته: شمائل النور 
إلى أي سبب تعزو صعود التيارات المتشددة إلى سطح المشهد الإقليمي؟
التيارات المتشددة برزت لأن لديها القدرة العسكرية وحققت إنجازات ميدانية فهي الآن قوة مهمة في العراق وسوريا.
لكن لماذا هذا البروز المفاجيء؟
هذه التيارات أو الحركات أصلا موجودة، وجميعها انحدرت من "حركة التوحيد" ثم تعددت الأسماء بعد ذلك، لكنها في الأصل موجودة وليست حديثة.
مقاطعة لكن...........؟
لكن أيضاً أحد أسباب بروزها على المشهد هو أن التيارات الإسلامية التي يُطلق عليها إسم "معتدلة" قبلت الاحتكام إلى الديمقراطية والنهج السلمي، وهم  طبعاً يسمونها عميلة.
تقصد من التيارات الإسلامية التي قبلت الديمقراطية؟
كلها قبلت اللعبة السياسية منذ سنوات طويلة، في مصر مثلاً الأخوان المسلمين منذ عهد مبارك ترشحوا للانتخابات، ورفضوا مبدأ حمل السلاح ضد الدولة. وغير الأخوان، مثلاً في تركيا أو ماليزيا أو غيرها من الجماعات الإسلامية في عدد من الدول.
يعني هذا أن هناك فرق بين الأخوان في مصر والجماعات الإسلامية في أي دول أخرى.؟
نعم هناك فجوة كبيرة بين التيارات الاسلامية، ومن الخطأ أن توضع الحركات الإسلامية جميعها في قالب واحد، لكن ما يجمعها أكثر مما يفرقها.
طبعاً، المشروع واحد كما أن المرجعية الإسلامية هي ذاتها، جميع الدول التي كانت مستعمرة الفكرة الإسلامية فيها غالبة، حتى الدول مثل اليمن والسعودية ظلت المرجعية الإسلامية فيها حاكمة.. نعم لم تتطور إلا أنها ظلت حاكمة.
ما الفرق بين الحركات الإسلامية طالما أن المرجعية واحدة وكذلك المشروع.؟
إذا تحدثنا بلغة يسار ويمين، فالتيارات الإسلامية بها أقصى اليمين وكذلك اليسار، مثلا إذا اعتبرنا السلفية الشكلية أقصى اليمين فأقصى اليسار هو الحركات المقاصدية.
بمعنى.؟
معلوم، أن هناك تيار إسلامي شكلي يريد الأشياء بشكلها القديم وهناك تيار ينظر إلى المقصد أخلاقياً بعيد عن الشكليات، لذلك وضع الحركات الإسلامية في قالب واحد خطأ.
هل بإمكان الحركات الإسلامية بمختلف تياراتها، أن تقود المجتمعات وسط التحديات المعاصرة.. التحديات في مؤسسة الاسرة على سبيل المثال ؟
الحياة الأسرية تطورت في العالم كله، الغربي والشرقي، في السابق مثلا، كانت الأسرة تعتمد الرجل في كل شيء بل حتى وقت ليس ببعيد كانت المرأة لا تملك حق التصويت في الانتخابات. هذا الوضع تغير لعدة أسباب منها ما هو اقتصادي وثقافي مع محاولات الاستنصار بالقوى الجديدة. في السابق كان الإسلاميون يفكرون نمطياً.
هذا التطور الذي ساد العالم، ألا ترى أن الاستجابة له بطيئة في عالمنا الإسلامي؟
بالعكس أنا لا أرى ذلك، في السبعينات مثلاً، حينما نشر دكتور حسن الترابي كتابه عن المرأة أثار زوبعة، لكن الآن الوضع عادي، حتى الحركات السلفية تقدمت.
وماهي مؤشرات تقدم الحركات السلفية في وجهة نظرك؟
كونها تناقش قضايا المرأة هذا في حد ذاته تقدم، لأن في السابق لم يكن هناك مجال لمناقشتها اصلاً، فهي قضية غير قابلة للنقاش. هذا دليل تطور فكري.
يعني الحركات الإسلامية تجاوزت هذه القضية؟
الحركات الإسلامية كلها تجاوزت هذه القضية لكن على درجات متفاوتة. نعم هناك من يتحدثون عن القوامة كأنما هي القيومية، وهي أن الرجل هو الراعي. على سبيل المثال أنا دعوت قبل ذلك إلى تعديل بنود قسيمة الزواج.
ماهي البنود، التي اقترحت تعديلها أو إضافتها؟
يُمكن للمرأة أن تضع شروطها إن أرادت، وكذلك الزوج يُمكنه أن يشترط، لأن العقد في الأساس قائم على التراضي. صحيح هناك شروط تشريعية، لكن ليس هناك ما يمنع أن تضع الزوجة شروطها.
ماذا يمكن أن تشترط؟
يمكن أن تشترط على زوجها عدم الزواج بأخرى ويمكن أن تشترط عدم التفرغ للأسرة، ويُمكن للزوج أن يشترط عليها التفرغ للأسرة، وهكذا.
ألا تتفق معي أن الواقع غير ذلك، ولا تزال هناك ثمة تعقيدات؟
نحن الآن في زمن أنا أطلق عليه عصر "الإحاطة الثقافية"، هذا يتطلب ويحتاج إلى كتلة لتبلور فكراً جديد لمواجهة هذه الإحاطة الثقافية أو العولمة القيمية.
ومن يصلح لمواجهة ماسميته " الاحاطة الثقافية" برأيك؟
الحركات الإسلامية في مقدرتها أن تقود لتواكب هذا التجديد.
لماذا الحركات الإسلامية وحدها.؟
لأن العالم العربي الآن لا يوجد فيه غير التيارات الإسلامية.
ألا ترى أنّ قولك فيه كثير من الإجحاف بحق التيارات الاخرى؟ التيارات الأخرى استسلمت، الحركات الاشتراكية مثلا، اعتبرت نفسها عالمية والقومية اصلاً لم تتبنى فكرة، الخلافة الإسلامية نفسها تحولت لعلمانية متوحشة أشدَّ من علمانية بريطانيا، لكن ممكن أن تنشأ حركة علمانية "وطنية" تنحاز للثقافة المحلية. لكن في الواقع الآن غير موجود.
هل المناخ مواتي لنشوء حركة علمانية في ظل سيطرة التيارات المتشددة على المشهد؟
لا اعتقد أن هناك ما يمنع أو يحول دون ذلك.
كيف تنظر لمستقبل الحركات الإسلامية.؟
هو أصلا ليس هناك بديل لها، الحركات الإسلامية من يستطيع أن يخرج الناس من الأزمة.
هل هذا قدر.؟
ليس لأنها قدر، لكن لا يوجد طرح آخر، وكما أشرت إليك، الحركة الاشتراكية تفتّت وهي الآن مجرد شعارات. أين نحن من الحزب الشيوعي السوداني في السبعينات مثلا كان الحزب الشيوعي فاعلا في المشهد.
وحاليا؟
الآن غير موجود.  في الماضي نحفظ عشرات من القيادات الشيوعية، وحتى الآن أسماءهم حاضرة، أمثال عبد الخالق محجوب، الشفيع، أحمد سليمان وغيرهم من الأسماء المعروفة، الآن هل تستطيعي أن تعدي خمسة أسماء معروفة.
هناك من يرى أن الحزب يعيش حالة إقصاء بعد صعود الحركة الإسلامية للحكم.؟
هذا غير صحيح، الآن الحزب الشيوعي المتاح له أكثر مما كان في السابق،الشيوعي كان ممنوعا بالقانون حتى العام 1962 حينما وقعت المصالحة مع عبود بدأ يعمل، لا يمكن أن نقول الآن الحزب يعيش حالة إقصاء أكثر مما حدث له في عهد نميري.
وغير الحزب الشيوعي.؟
مثلاً هناك حزب البعث، كان واحد، الآن تقسم إلى 4 أحزاب، هذه الأحزاب انطفأت في السودان.
لماذا، برأيك؟
لأنها اعتمدت على الخارج والخارج الآن ضعف بسبب الصراعات.
وهل تنظر إلى هذا الانحسار أو الغياب باعتباره أمر إيجابي.؟
طبعاً أنا لست مع الذين يعتبرون هذا الانحسار أمر جيد، الأمر الطبيعي حينما تغيب الأحزاب الفكرية عن المشهد سوف تأتي أحزاب ليست لها قيمة، سوف تبرز أحزاب مصلحية.
أحزاب مصلحية؟
بالتأكيد.. الحركة الإسلامية نفسها واحد من أسباب بقائها هو التنافس وقدرتها على التلاقح إذا اختفت هذه ستضطر الحركة الإسلامية إلى أن تتحدى نفسها بأفكارها سوف تنافس نفسها، وسوف تتحدى أفكارها بنفسها، سيواجه التيار المتشدد الآخر التجديدي.
وهل حدث مثل التدافع او التنافس الذي اشرت له داخل الحركة الاسلامية؟
نعم حدث بالفعل مع انفصال الأخوان المسلمين. 
إلى أي مدى ممكن تتفق الجماعات الإسلامية.؟
ولماذا تتفق؟
لتقدم النموذج للعمل السياسي على أقل تقدير؟
هي ليست بحاجة إلى تنظيم واحد، في رأيي المطلوب أن تتفاعل مع الواقع بشكل إيجابي، الحركة السلفية مثلاً بها ثلاثة تيارات، وما نسميه حركات إسلامية أصبحت الآن ثلاث حركات أو أربع، يُضاف إلى ذلك الأحزاب التاريخية ذات الخلفية الإسلامية، هذه جميعها يُمكن أن تشكل تحالف قوس قزح وتستبعد بعض القضايا المتفق عليها عن ساحة الصراعات بعيداً عن التنافس. لكن ليس ضروري أن تجتمع في تنظيم واحد.
هل تتوقع أن يحدث اصطفاف على أساس قضايا وطنية بدلا عن اصطفاف فكري حاد على أساس يمين ويسار.؟
اقول لكم، علمياً لا يوجد شيء اسمه يسار ويمين، اليسار واليمين داخل تيار واحد، أما الرائج الآن أن الشيوعين يسار أو غيرهم فهذا غير صحيح.
كيف؟
هل إذا تحول الشيوعي إلى الجهة الأخرى يصبح حزب يميني، الحزب الشيوعي الآن هو حزب يميني أنا ليس لدي شك في هذا.
الحزب الشيوعي السوداني حزب يميني؟
نعم حزب يميني هل يتحدث الآن عن حركة علمانية مطلبية ومكاسب اجتماعية واقتصادية.
لكن الحزب لازال مستعصما بأفكاره ومبادئه؟ 
الحزب الشيوعي يعيش وضع مؤسف، وأصبح موغل في الرجعية،  لأن فكرته الأساسية قائمة على نفي التظالم الاقتصادي والآن انطفأت. أتمنى أن يتغير هذا الحال في الحزب الشيوعي. لكن نحن في السودان لا نحتاج إلى تحالفات سياسية قائمة على الإنتصار لفكرة محددة، حتى لو كانت هذه الفكرة إسلامية.
لماذا؟
لأن التحدي الحقيقي الآن في السودان كيف تستوعب الآخرين، وليس كيف تُقصي الآخرين، التحدي كيف نستقطب الآخرين في إطار معادلة مرضية للجميع.؟ لا أعتقد أن يحدث اصطفاف فكري حاد في السودان.
لماذا تستعبد حدوثه؟
لأنه لا يوجد طرح فكري حاد، الفكرة الغالبة في السودان هي الفكرة الاسلامية وهي غير قابلة للزحزحة، هناك حزب الأمة والمؤتمر الشعبي والاتحادي بتياراته المختلفة، والمؤتمر الوطني، هذه جميعها أحزاب ذات خلفية إسلامية وهذه تمثل غالبية.
يعني لا بديل لأي مشروع غير ذلك.؟
ليس هناك فرصة لمشروع السودان الجديد، هذه أحلام موهومين، هؤلاء عليهم أن يقبلوا بالفكرة الغالبة، والفكرة الإسلامية هي المنتشرة في السودان.
يقبلوا هم أم تتقبلهم الفكرة الإسلامية.؟
هم من يجتهدون ويطالبون  ويحملون السلاح، لذلك عليهم أن يقبلوا هم لأنهم يطالبون بهذا المشروع.
هذا إقصاء.؟
أنا ضد الخطاب الإقصائي الذي لا يمنح هذه التيارات أمل لتكون ضمن المعادلة السياسية لكن أيضاً لا مجال لفرض أي مشروع بقوة السلاح.
الحركة الإسلامية ذاتها، فرضت مشروعها بالقوة.؟
الحركة الاسلامية اصلا مدعومة بانحياز عريض، بما فيها حزب الأمة، عليك أن تسألي نفسك، مثلا لماذا أتى إلينا حزب الأمة. المؤتمر الوطني أصبح 6 مليون ليس فقط بالعضوية الإسلامية، هناك حزب أمة واتحاديون وغيرهم وحتى شيوعيين.
برأيك، لماذا ينتقل بعض الشيوعين ناحية الحركة الإسلامية.؟
المشروع الوطني من جهة، والتطور في السيرة الذاتية كذلك، أيضا الأفكار ليس لها مواقف قطعية، هناك أفكار مشتركة بين هذه الحركات، على سبيل المثال، العدالة الاجتماعية في الحركة الإشتراكية مثلاً تعبر عنها قيم العدل في الاسلام.
التيار

 

آراء