الديك المعارض وحبة الفياجرا ــ آخر موديل!!

 


 

 

قال الطاهر بامتعاض شديد: كم أصابني الصداع السياسي كلما استمعت لوسائل الاعلام وهو تعزف باستمرار على وتر نظرية المؤامرة، لا أحد، يتمتع بالحد الأدنى من الثقافة العامة، يستطيع أن ينكر وجود وصحة نظرية المؤامرة، فهناك مؤامرات شخصية يحيكها أفراد وهناك مؤامرات دولية تدبرها دول ومنظمات عالمية، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن أجهزة الاستخبارات العسكرية والأمنية والمالية في كل بلد من بلاد العالم تنهمك في شغلها الشاغل وهو احباط مؤامرات الأعداء الحقيقيين أو الأعداء الافتراضيين داخل البلاد وخارجها، وهذا شيء طبيعي فوجود المنافسة وتضارب المصالح هو الطريق المعبد الذي تجري عليه المؤامرات على قدم وساق ولا بأس من أخذ الحيطة والحذر الطبيعيين من مكايد ودسائس المتآمرين والمتآمرات ولا بأس من محاولة احباطها إذا لزم الأمر.
استطرد الطاهر قائلاً: لكن من غير الطبيعي على الإطلاق أن تصبح نظرية المؤامرة هي السبب الوحيد لتفسير كل البلايا والمصائب التي تحل بالأفراد والدول فهذا السلوك يدخل في خانة الهوس المرضي النفسي المزمن والارتياب الجنوني الفظيع، فعلى سبيل المثال حكى لي صديق أفغاني أن حائط منزل الدته، المبني بالطين، قد سقط بسبب هطول أمطار مفاجئة لكن والدته اتهمت الانجليز بإسقاط حائط منزلها مع سبق الاصرار والترصد خصوصاً بعد سماعها بأن هناك شيء اسمه المطر الصناعي فقد أقسمت والدته برأس والدها أن المطر الصناعي الذي دبره الانجليز هو الذي أسقط حائط منزلها وراحت تستمطر اللعنات على المتآمرين الانجليز وتؤكد لكل من هبّ ودبّ أن الانجليز هم السبب الوحيد لحدوث أي مصيبة في أفغانستان أو أي مكان في العالم!!
استطرد الطاهر بامتعاض أشد: لا شيء يثير حنقي أكثر من ترديد نظرية المؤامرة بصورة ببغائية كلما انكشف المستور في بلادنا، انظر لهذه المهزلة المستمرة، زعماء حكومتنا غير الرشيدة يغسلون دماغ الشعب عبر ترديد نظرية المؤامرة البدائية بشكل مستمر عبر مختلف الوسائل الاعلامية الحديثة، ويجتهدون في إيهام الشعب بأن العالم الخارجي بجلالة قدره قد ترك كل أعماله الهامة وتفرغ للتآمر على بلادهم بمختلف الوسائل والسبل، فإذا انقطعت الكهرباء بسبب التقصير الإداري المحلي، فهذه مؤامرة خارجية تستهدف إثارة البلبلة والاضطراب في الجبهة الداخلية!! وإذا تظاهر بعض الصبية وطالبوا ببعض الحقوق الصغيرة إسوةً بأقرانهم في دول العالم الأول فهذه مؤامرة دولية كبرى تستهدف ضرب الوحدة الوطنية!! وإذا انهار الجنيه أمام الدولار بسبب سياساتهم الاقتصادية الفاشلة فهذه مؤامرة من العالم الخارجي لتركيع الحكومة بسبب رفعها لشعارات دينية!!
هذه الفرضية الوهمية الباطلة تدحضها ملاحظتان صغيرتان، الأولى هي أن التآمر الاستخباراتي الخارجي يستهدف بالدرجة الأولى البلاد القوية، أما إذا كان البلد يخلو من المخترعين والمكتشفين ولا يمتلك أي أسرار صناعية أو عسكرية حيث يستورد كل شيء من الخارج ابتداءً من الملابس الداخلية التي تستر عورات أبنائه، مروراً بالأواني التي يأكل فيها وانتهاءً بالأسلحة والذخائر التي يسلـح بها قواته المستأسدة على شعبه رغم أن الشعب هو الذي يدفع مرتباتها، بلد كهذا كيف يصلح أن يكون هدفاً استخباراتياً نموذجياً للعالم الخارجي؟!! الملاحظة الثانية إذا كان العالم الخارجي المتآمِر ينجح دائماً في ضرب الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية لمثل هذا البلد ووالد بلا ولد فهذا إقرار مستمر بضعف مستوطن يتنافى مع القوة التي يُفترض وجودها في هذا البلد المتآمَر عليه العظيم الشأن الذي توهم ذات يوم أنه أصبح قوة عظمى ورفع شعار هزيمة أمريكا وروسيا معاً وصاح صبيانه في الشوارع: أمريكا وروسيا قد دنا عذابها!! على إن لاقيتها ضرابها!!
علّق محجوب قائلاً: كلامك هذا يذكرني بحاج عابدين المسكون بنظرية المؤامرة، كيف ابدأ حكايته لا أعرف لكنني سأحاول سردها على النحو الآتي: بسبب مؤثرات متباينة، أصيب حاج عابدين، الذي تجاوز السبعين من عمره وضعف ذهنه وجسمه، بمرض نظرية المؤامـرة، تفاعل مركب النقص مع جنون العظمة فانتج جينات جنونية مشاكسة جعلت الرجل يتخيل باستمرار أن كل العالم قد ترك جميع أعماله وتفرغ للتآمر ضد سيادته واستهدافه في كل الأوقات، ولهذا فقد استعد هو للحرب بطريقته الخاصة وأخذ يعد خطوط الدفاع الخيالية ويشن الهجمات الاستباقية ضد الأعداء الوهميين!!
ففي يوم السبت اتهم عابدين صديقه الوحيد إبراهيم الذي تجاوز السبعين من عمره بأنه أخطر زير نساء على وجه الأرض وأنه يبتلع يومياً حبة فياجرا مع سبق الاصرار والترصد ويتقرّب منه بغرض مغازلة زوجته التي تجاوزت الستين وقطعت من زمان (عذراً لهذا التعبير السوداني السوقي الذي لا يفهمه الا السودانيون)، وتوعد بشق رأس ابراهيم إذا اقترب من منزله، بهت الصديق المسكين من هول الاتهام فهو عملياً لا يستطيع أن يكون "كوب نساء" ناهيك عن أن يكون "زير نساء" حتى لو ابتلع جوالاً كاملاً من الفياجرا!!
في يوم الأحد روى أحد أقاربه نكتة طريفة فأنفجر جميع الحاضرين بالضحـك إلا هو فقد تجهم وأخذ يحقق مع صاحب النكتة فسأله ما هو مصدرها؟ ولماذا انتهت بهذه الطريقة المفاجئة؟ وخلص إلى اتهام قريبه باستهدافه شخصياً بتلك النكتة وتوعد بتلقينه درساً قاسياً لن ينسـاه أبداً!!
في يوم الاثنين أصيب الرجل بنزلة برد شخّصها هو على أنها انفلونزا الطيور وأتهم أحد الجيران بأنه نقل إليه العدوى عمداً عندما عطس في وجهه في مصعد العمارة وهدد بالانتقام منه في الوقت المناسب!!
في يوم الثلاثاء اتهم صاحب بقالة مجاورة لمنزله بأنه مجرم حرب يتلاعب بأرواح الأبرياء لأنه حاول أن يبيع له خيار غير طازج وتوعد برفع شكوى عاجلة إلى وزارة الداخلية!!
في يوم الأربعاء اتهم كافة سكان الحى بالتآمر ضده لأنهم حضروا عقد قران لم يدع هو إليه من قبل صاحب المناسبة وتوعد برفع دعوى إشانة سمعة ضدهم واستصدار أمر قضائي يقضي بترحيلهم من الحي عن بكرة أبيهم!
في يوم الخميس اتهم جميع أولاده وبناته بأنهم قد تحالفوا سراً مع والدتهم ضده ووصفهم بحفنة من الخونة والمارقين والقى محاضرات مطولة حول نشوز الزوجات وعقوق الأبناء ثم هدد باتخاذ كافة الإجراءات التي تمكنه من إعادة الأمور إلى نصابها بأسرع ما يمكن!!
في يوم الجمعة وجه عابدين اتهاماً غريباً إلى زوجته مفاده أنها تحرض ديكها اللعين على الصياح بالقرب من رأسه كلما همّ بالنوم مع العلم أن ديك زوجته قد تقاعد ونزل المعاش الاجباري وأصبح عجوزاً وتوقف عن مطاردة الدجاج وأصبح لا عمل له سوى الصياح من وقتٍ لآخر بصوت ضعيف متقطع!! انفجر عابدين في وجه زوجته صائحاً: "إما أنا في هذا البيت أو هذا الديك"، فردت عليه زوجته التي طفح بها الكيل بكلمة واحدة: "الديك"!! لقد طلق حاج عابدين زوجته بسبب ديك ثم أخذ يحكي لكل من هب ودب بأن الديك المتآمر المعارض ما أن سمع بخبر الطلاق حتى زغرد بأعلى صوته سبع مرات إحداهن من رأس القفص!! وأكد حاج عابدين وهو يتفجر من شدة الغيظ بأنه لن يغمض له جفن حتى يقوم بخطف ديك مطلقته اللعين، الذي يلقبه بالشيطان الأزعر، ثم قطع رقبته وتمزيقه إرباً إرباً وإطعام لحمه النتن للكلاب الضالة!! وما زال الرجل الصنديد منهمكاً حتى هذه اللحظة في وضع الخطط التكتيكية المحٌكمة لتنفيذ هذا الهدف الاستراتيجي العظيم!!
فيصل علي الدابي\المحامي
menfaszo1@gmail.com

 

آراء