السودان علي أعتاب مرحلية مفصلية “2”

 


 

 

الموضوع: كلام للوطن
gamalangara@hotmail.com

 

•       نتيجة الإنتخابات أثبتت ضعف الحكومة والمعارضة علي حد سواء

•       مقاطعة المهدى لا تقل أهمية عن مشاركة الميرغي في دعم الحوار الوطني

الحكومة، وتحديداً حزب المؤتمر الوطنى يفرح لأن أغلب مرشحيه فازوا في الانتخابات علي كافة مستوياتها، وأن مرشحه لرئاسة الجمهورية سعادة المشير عمر حسن أحمد البشير قد نال أكثر من 94% من أصوات الذين شاركوا في العملية الانتخابية، وفي ذات الوقت فإن أحزاب المعارضة أسعدها أن نسبة الذين شاركوا في الانتخابات كانت أقل كثيراً مما كان يتوقعه الحزب الحاكم، واعتبروا ذلك نجاحاً لدعوتهم التي أطلقوها لمقاطعة الانتخابات.

ولكن القراءة الموضوعية لأوراق الانتخابات الأخيرة ومخرجاتها، نجدها في غير صالح الفريقين معاً، رغم توهمها غير ذلك، ومحاولتهما إيهام الناس بغير الحقائق الثابتة. ولنبدأ بالحزب الحاكم المؤتمر الوطنى، فلقد كشفت نتائج الانتخابات ضعف قدرة الحزب علي تحريك الجماهير، وكل محاولات التبرير التى قدمت لا تكفي للنهوض دليلاً علي قوة المشاركة الجماهيرية في الانتخابات، ودعنا من المقارنة بنسب المشاركة في الانتخابات في دول أخري، مثل التي قدمها المحللون، ولكن دعونا نقارن نسبة الذين شاركوا في الانتخابات مقارنة بالنسبة التي كانت متوقعة، فسوف نجد النتيجة واضحة، وموضحة المفارقة بين المتوقع والذي صار، بل هناك ملاحظة مهمة جداً، وهي أن كثيرين ممن صوتوا لمرشح المؤتمر الوطنى لرئاسة الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير، لم يصوتوا لمرشحى الحزب في الدوائر الفردية، رغم أن كثيرين من هؤلاء قد صوتوا لقوائم المؤتمر الوطنى في دوائر التمثيل النسبي والمرأة، وهذا دليل علي أن الحزب قدم مرشحين الجماهير غير راضية عنهم، فسقطوا، وبعضهم أسقطهم مرشحون منشقون عن الحزب.

الأحزاب المعارضة توهمت أن مقاطعتها ، ودعوتها للمقاطعة، هي التي أضعفت المشاركة الجماهيرية في الانتخابات، ولا تعلم أن المؤتمر الوطنى "براهو سواها في نفسو" ولا تعلم أن النتيجة أظهرت ضعفاً وسذاجة للمعارضة أسفر من ضعف المؤتمر الوطنى، فالمرشحون المستقلون الجادون قدموا درساً بليغاً، للحكومة والمعارضة علي حد سواء، فالمستقلون الذين تعاملوا مع الانتخابات بجدية، وقدموا منطقاً قوياً، أسقطوا أعتى مرشحى الحزب الحاكم، والبرجوب وبلال شاهدان قويان علي ذلك.

والفريق الثالث إن لم يكن حاله أسوأ من حال أحزاب المعارضة المقاطعة والمؤتمر الوطنى فليس أحسن منها، وأعنى بالفريق الثالث، الأحزاب التى ارتضت المشاركة في الانتخابات، فأكثر من 90% من الدوائر التى نالتها هذه الأحزاب، تم ذلك بدعم وسند المؤتمر الوطنى، فأكثر هذه الدوائر أخلاها المؤتمر الوطنى، ووجه عضويته فيها بالتصويت لصالح مرشحين معينين من شركائه في الحكم، ومع ذلك سقط بعضهم في مقابل مرشحين منفلتين من المؤتمر الوطنى، لم يلتزموا بتوجيهات الحزب، وخرجوا عليه، وتقدموا للترشيح مستقلين، واستمالوا جماهيرهم، فصوتوا إليهم وأسقطوا المرشحين الذين يدعمهم الحزب الحاكم، ليأتى بهم تمومة زينة في الحكومة المقبلة.

خلاصة القراءة الموضوعية أن كل الأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة، لا تعيش واقعها، وأن أكثر ما تقول به، هو مجرد محاولات لتسويق الموقف في سوق السياسة، حقاً، وباطلاً، ولن يصير الباطل حقاً أبداً، فالكل يعيش حالة نشوي غير حقيقية، وما لم يفق الجميع من هذه السكرة، فلن يتحقق خير للسودان وأهله.

ولذلك نقول أن الانتخابات التي جرت يجب ألا نحملها أكثر مما تحتمل، وهى كما ذكرت في المقال السابق، لم يكن لها ما يبررها سوى أنها استحقاق دستوري واجب الوفاء به، وما دمنا قد اتفقنا قبلها علي ضرورة الإصلاح السياسي، وبما أن مبادرة الرئيس البشير ارتضاها الجميع، أول إطلاقها أساساً للإصلاح السياسي، فلن يكون هناك خيار أمام الجميع لأي تفكير آخر، سوى اعتبار هذه الإنتخابات محطة من محطات الإصلاح السياسي.

ويحسب للمؤتمر الوطنى أنه لم يغفل ذلك وهو يقدم علي الانتخابات، إذ قدم مرشحين في 70% من دوائر البرلمان وترك ال30% الأخري لتتنافس عليها الأحزاب التى ترتضي المشاركة في العملية الانتخابية، وهذا فهم متقدم يجعل من البرلمان الجديد ساحة للحوار الوطنى، ولئن عاب البعض علي هذه الفكرة إهمالها للذين لم يشاركوا في الانتخابات، إلا أن الحزب تدارك ذلك عملياً، بإعلانه استمرار الحوار بعد الانتخابات.

وبرغم أن كثيرين كانوا يتمنون أن يشارك حزب الأمة القومى بقيادة الإمام الصادق المهدى في الانتخابات، مثل الحزب الإتحادى الأصل بزعامة مولانا السيد محمد عثمان الميرغنى، لكننى أجد عدم مشاركة حزب الأمة قد تدعم الحوار الوطنى، أكثر مما لو شارك في الانتخابات، فمقاطعة الأمة لا تقل أهمية عن مشاركة الإتحادى، إن لم تزد عليها.

وتأتى أهمية موقف حزب الأمة، أنه جعله الأقرب إلي الحركات المسلحة، والقوي العاضة البعيدة من الحكومة، فزعيم الحزب السيد الصادق المهدى، رجل حوار من طراز فريد، وهو متسامح لدرجة بعيدة، ولا تهزه المواقف العدائية، مهما تكاثرت، فلو أن الحكومة استثمرت هذا الموقف، وراهنت علي الميزات الإيجابية للسيد المهدى، يمكن أن تعيد الروح للحوار الوطنى من جديد، وتجدد فرصة قيام مؤتمر الحوار الوطنى في الداخل بمشاركة كل القوى السياسية الحاكمة والمعارضة، السياسية والعسكرية.

 

آراء