السودان كسوق أعمال سياسية لألكس دي وال – أو: في شأن المكتولة الما بتسمع الصايحة! .. عرض ونقاش: الوليد محمد الأمين

 


 

 

يُعرِّف ألكس دي وال سوق الأعمال السياسي بأنه نظام حكم معاصر تُمارس فيه السياسة عبر تبادل الخدمات السياسية أو الولاء مقابل الدفع المالي أو منح التراخيص. وكذلك، كطريقة لتحليل كيف تعمل السلطة داخل هذا النظام. فهو بحسبه نظام حكم يُدار على أساس المعاملات الشخصية، والتي يتم فيها تبادل الخدمات السياسية والولاءات بمقابل مادي بطريقة تنافسية. وبرأيه، ألكس، فإن هذا النمط هو شكل محدث مندمج عالميا من السياسة العشائرية/الأبوية. وعطفا على ذلك فهو ينظر إلى القرن الأفريقي كسوق أعمال سياسي متقدم وعسكري، تميز بانتشار السعي نحو الريع، والمحسوبية/الرعاية النقدية، مع استعمال العنف بشكل روتيني كأداة لاستخراج الريع. وهو يرى أن المهارات السياسية ليست عاملا منفصلا عن بنية النظام، بل هي أساسية لفهم بنية الحكم، وأن بعض السياسيين هم ببساطة أكثر موهبة وقدرة من غيرهم.
لأليكس دي وال اهتمام قديم بالشأن السوداني، اهتمام عبّرت عنه الكتب التي ألفها بهذا الخصوص والمقالات التي استمر فيها في الكتابة عن السودان وأحواله، وآخرها كتاباته عن الحرب الأخيرة في الخرطوم: "السودان: الثورة التي لم يُرِدها أحد"، و "انزلاق السودان نحو الفوضى"، و"الأزمة الجديدة في دارفور وجذورها القديمة". إن كان من شيء مهم هنا فهو لوم أنفسنا على التقصير في قراءة كتابات أليكس دي وال ومجموعة من المشتغلين بالشأن السوداني من الغربيين. أعني نحن غير المتخصصين في مجالات العلوم السياسية والاجتماعية، ولكن اللوم الأكبر بالطبع ينصرف إلى كسل أغلبنا الذهني عن اجتراح مقاربات كما فعل دي وال في هذا الكتاب وكما فعل غيره في محاولات لتوصيف الحالة السودانية المستعصية على الإصلاح.
يرى ألكس أن المفاهيم الرئيسة لتحليل سوق الأعمال السياسي هي الميزانية السياسية، وسعر الولاء، ومهارة وخطة الأعمال السياسية، وبنية وتنظيم السوق السياسي، والاضطراب، والهيمنة الذكورية، ثم أخيراً سوق الأعمال السياسي والشعبوية الأخلاقية والتشاركية العامة. وفيما خص الميزانية السياسية فهي بحسبه تشير إلى الدفوعات التي يمتلكها السياسي والتي يستطيع إنفاقها دون الحاجة إلى تبريرها، والتي في الغالب تُنفق في تأجير الولاءات أو في شراء الخدمات السياسية، ولكن أيضا يمكن استعمالها للثراء الشخصي. أما الشعبوية الأخلاقية فهي الدور الاجتماعي والسياسي الذي يلعبه الإقصائي والهويات والقيم المشبعة أخلاقيا، وهي غالبا تكون مرتبطة بصدمة مجتمعية كبرى، ومن ذلك الحرب.
وعلى الرغم من أن هذا الكتاب صدر قبل حرب الخرطوم الأخيرة، إلا أنه يمكن أن يُقرأ على ضوئها، إذ يرى دي وال إن سوق الأعمال السياسي سيء الإدارة قد ينهار نحو حرب تؤدي إلى إفلاس الاقتصاد وإفقار المحاربين، وهو بالطبع ما انتهى إليه سوق الأعمال السياسي في السودان.
ينظر دي وال إلى السودان كنموذج مثالي لسوق الأعمال السياسي، إذ تنطبق عليه غالب أو كل النظريات المرتبطة بالفساد والتفسخ القيمي السياسي. وما تجربة الانتقال القصيرة في السودان بعد سقوط نظام الإنقاذ إلا مثال واضح على ذلك. الانتقال الذي يرى دي وال أنه تحت ضغوط السياسات النقدية التنافسية يكون من غير المرجح فيه أن يؤدي التحول عن الحكم السلطوي إلى الوصول لديمقراطية مؤسسية، بل المرجح أكثر، والنص لدي وال، أن يقود ذلك لسوق أعمال سياسي غير منظم، بل ومن المحتمل أن يكون عنيفا. ومن ذلك العنف أن يتنافس الناس بصورة عنيفة على القيم والرموز والممارسات الاجتماعية. يمكننا أن نلمح شيئا من ذلك في صراع أو تضاد القيم في حرب الخرطوم الأخيرة، ففي مقابل المجتمعات السودانية على وجه العموم التي تميل إلى اعتبار السرقة والنهب والاغتصاب فعلا غير مقبول حتى في حالات الحروب والكوارث، نجد ثقافة القوات الغازية للخرطوم حفية بالسرقة والنهب وإن سميت بالغنائم واستجلبت لها المغنيات ونظمت القصائد في مديح فاعليها، بل تنقل الوسائط أن هؤلاء المحاربين تذبح لهم الذبائح عند عودتهم لمواطنهم الأصلية محملين بمنهوبات الناس من الخرطوم. وفي ذلك، أي في أعقاب الكارثة وعند كل الصدمات الهائلة، بحسب تسمية دي وال، يعاد تشكيل العلاقات المجتمعية بصورة جوهرية، ولا يعاد فيها بناء أشكال التشاركية التي كانت موجودة سابقا.
عبر صفحات الكتاب نجد للمؤلف نظرات وتحليلات حصيفة للسياسة في السودان. فهو يرى أن ما سماه بالاضطراب، ظل يوفر الأساس للدعابة المستمرة حول الحياة السياسية في السودان: أنها تتغير من أسبوع لآخر، ولكنك إذا عدت إليها بعد عشر سنوات، فسيكون الأمر كما هو تماماً. ببساطة يمكن هنا النظر إلى الأحزاب السودانية التي تدعي الديمقراطية وتنادي بها بينما يظل رئيس الحزب فيها رئيسا مدى الحياة، ومن ذلك الجمود في السياسة السودانية أيضا ما توصل إليه دي وال من أن النخب السياسية السودانية قد لا تثق في النوايا الحسنة لبعضها البعض، ولكنها واثقة من أن نظام المساومة المستمرة سيولد نتائج معينة – لقد فشلت تلك المساومة آخر الأمر وأدت لحرب الخرطوم لأسباب متعددة، ولكن أهمها في الغالب هو أن حميدتي الصاعد قد تضاعفت قوته وطموحاته إلى الحد الذي استعصى على قادة الجيش القبول بأي مقابل مادي للصمت تجاهه بتهديده لوضعهم في السوق السياسي السوداني، ما كان سيؤدي لإخراجهم منه بالكلية أو على الأقل إضعاف مكانتهم فيه. ذلك بالطبع رغم شرائه، أي حميدتي، المستمر للسياسيين وللعسكريين في سوق الأعمال السياسي السوداني، ولكن خطأ حميدتي الكبير كان في أنه في النهاية طلب السوق برمته، أي الدولة، الأمر الذي هدد مصالح رواد السوق الآخرين. ولكن هذه العلاقات الودودة بين النخب السياسية في السودان، تتغير طبيعتها بحسبه عندما يتم نقل المساومة إلى سياق مختلف مثل ريف دارفور، إذ حينها يوجهون مرؤوسيهم للتصرف بوحشية. لا يورد دي وال تفسيرا لذلك، ولكنني أعتقد أن ذلك إن صح حدوثه فليس بالضرورة بتوجيه من الرؤساء، إذ لدارفور منطقها الخاص في الحروب التي تندلع هناك. من جهة أخرى ربما كانت طبيعة المجتمع في دارفور وطبيعة الحروب فيها منذ ما قبل تشكل السوق السياسي السوداني، ربما كانت هي السبب في ذلك. فقد تميزت دارفور بالحروب التي تنشأ لأسباب يراها الشخص من خارجها أسبابا تافهة كما في تعبير جولي فلنت في كتابها" الحرب الأخرى: الصراع العربي الداخلي في دارفور"، في وصف حروب القبائل العربية ضد بعضها في دارفور. وعلى كل حال فمن الواضح أن تعقيدات دارفور كانت أعمق مما استوعبه الكثير من الساسة والنخب السودانيين.
من التعبيرات الحصيفة في الكتاب ما سماها المؤلف بخصخصة الحرب، في إشارة إلى استعانة الحكومة المركزية في السودان بالمليشيات من خارج الجيش في دحر التمرد ابتداء من عهد المشير سوار الدهب في العام 1985 بتحفيز من عضو المجلس العسكري الانتقالي ووزير الدفاع بعدها في حكومة السيد الصادق المهدي، اللواء فضل الله برمة ناصر.
وعن البشير صاحب أطول فترات الحكم الدكتاتوري في السودان يقول دي وال إن قلة هم الذين توقعوا بقاء البشير طويلا في القصر، فهو كما يقول بدا أخرقا، وبدا كذلك أنه والضباط الآخرون في مجلس قيادة الثورة يتعاملون مع وضع يتجاوز قدراتهم. ولكن البشير – المحظوظ بتعبير دي وال- صمد كما رأينا جميعا لثلاثين عاما حسوما. كان بعض دلائل حظه كما يرى دي وال أن خصومه في الداخل والخارج اشتبكوا فيما بينهم، أو أنهم اتبعوا استراتيجيات هزيمة ذاتية، إضافة إلى أن النموذج السياسي التجاري الذي تبناه البشير والترابي ومساعدوهم بمن فيهم علي عثمان محمد طه وعبد الرحيم حمدي، كان له دور كبير في ذلك الحظ.
لن يصعب فهم ذلك وربطه بما سماها أليكس بالدعابة السياسة عن دورات السياسة في السودان. يمكننا بوضوح أن نسقط تكرار تلك الخلافات على تجمع المهنيين السودانيين الذي قاد ثورة ديسمبر 2018، وكذلك على تحالف قوى الحرية والتغيير المتشكل بعد ذلك. كما يمكننا بالطبع اسقاطه على الجيش السوداني الذي كرر أخطاءه السابقة ومنها الاستعانة بالمليشيات وتقويتها، حتى انقلبت عليه هو ذاته هذه المرة. هذا بالطبع دون الرجوع إلى تاريخ الممارسة السياسية السودانية منذ ما قبل الاستقلال وما بعده.
كُتبت هذه المقالات بلغتها الأصل كما أسلفنا قبل انقلاب 25 أكتوبر في السودان وما تلاه بعده من حرب الخرطوم في أبريل من العام 2023، ولكن دي وال كان يرى وفقا لتحليل منظور سوق الأعمال السياسي أن التحول الديمقراطي الذي كان يسعى له من سماهم بتحالف قوى الحرية والتغيير رفقة بعض جنرالات الجيش والغالبية من الأمم الإفريقية والغربية، كان يرى أن هذا التحول ليس في الإمكان تحققه، وهو ما رأيناه بالفعل بعد ذلك من فشل الانتقال. ومرد ذلك في رأيه أن المأزق الأساسي الذي كان يواجه الحكام وقتها، من الجيش كانوا أو المليشيا شبه العسكرية أو تكنوقراط مدنيين أو سياسيين مدنيين، المأزق الأساسي والكبير كان أنهم لا يملكون الموارد المادية أو الخبرة أو السمعة، لإدارة سوق أعمال سياسي مبني على نظام مليشيا شبه عسكرية من المرتزقة ورأسمالية محاسيب، ولكنهم كذلك، وللأسف – وهذا الأسف من عندي وليس من الكاتب - لا يمتلكون الوسائل لتغييره.
مثّل البشير لاعبا ماهرا في سوق الأعمال السياسي وفي حقل السياسة السودانية، التي وصفها المؤلف بالمثيرة دوما للذهول، فالرئيس الذي لم يتوقع له الكثيرون البقاء في منصبه لفترة طويلة خدع المصريين أول من خدع، وهم الذين وصفهم المؤلف بأنه كانت لهم القدرة على إفشال انقلابه. بعد ذلك بسنوات نجح البشير في إقصاء عراب النظام الدكتور حسن الترابي. وتمكن البشير على الدوام من التلاعب بخصومه السياسيين بالشراء وبغير ذلك. وهو، أي البشير، قد تعلم بالتجربة أو بالصدمة، فبعد اختلاف التوجهات الذي سماه المؤلف بالكارثي مع مصر والسعودية (1990)، ثم محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك (1995)، أصبح البشير خبيرا في الإبحار في سياسة الشرق الأوسط بتعبير دي وال، واستطاع أن يفعل ذلك بنجاح لسنوات عديدة. يرى دي وال أن سبب ذلك بشكل رئيسي كان أن مصر فقدت اهتمامها بإفريقيا جنوب الصحراء، وأن دول مجلس التعاون الخليجي اعتبرت السودان قضية أمنية صغرى. لم يعد هذا الاهتمام بالسودان إلا بعد الربيع العربي لدور السودان في ليبيا، ثم الاهتمام المصري المتجدد بوادي النيل، وظهور البحر الأحمر كمسرح للمنافسة الأمنية، فأصبح السودان، بحسب دوي وال، متورطا في أسواق الأعمال السياسية من موقع ضعيف. لا يسعنا هنا إلا الاتفاق مع المؤلف في حال ضعف السودان في هذا السوق، بعض مرد هذا الضعف غير الفقر المالي والفساد المستشري، كان في تشرذم الطبقة السياسية السودانية والمعارضة غير المبدئية للنظام الحاكم التي صبغت السياسة السودانية على مر عهودها، مضافا إليه دخول دول المحاور العربية في الصراعات الإقليمية بعدما استشعرت قوتها وما يمكن أن يمثله السودان من مصدر للعبيد والذهب كما كان في تاريخه القديم والحديث. وهو ما سماه المؤلف بالاختراقات الإقليمية وخصه ببعض التفصيل.
ترد في الكتاب بعض المقولات أو الأفكار التي يصعب الاتفاق معها، أو على الأقل يمكن القول بأنها خلافية أو يمكن دحضها. يرجع ذلك إلى حد كبير إلى صعوبة الالمام بدقائق وتفاصيل الحياة السودانية لغير السودانيين بل ولغير المتبحرين فيها من السودانيين حتى، إذ المسكوت عنه في الإطار المجتمعي والسياسي أكبر من المعلوم بالضرورة. من ذلك ما ذكره دي وال من أن البشير فكر بجدية في التنحي في عام 2014 بعد أن أشرف على فصل الجنوب، ولكنه قرر البقاء في منصبه لأن خليفته المختار بكري حسن صالح لم يبد أنه قادر على إدارة الأعمال السياسية في السودان. مصدر تشكيكي هنا ليس في مقدرة بكري على التعامل مع السوق السياسي في السودان، فهذه إن صحت فقد كان من الممكن تجاوزها بجوقة المساعدين الذين يمكن شراءهم هم أيضا، ولكن مسألة أن البشير رغب في ترك السلطة هذه مما يصعب تصديقه بالنظر إلى شخصية البشير نفسه. ثم كيف حُدد بكري كخليفة للبشير. وبالنظر إلى التوقيت (2014)، فإن ذلك كان بُعيد انتفاضة سبتمبر 2013 التي قتل فيها البشير (في غالب الظن لدى الكثير من المصادر بالاستعانة بقوات الدعم السريع لصاحبها وقائدها حميدتي)، العشرات، وفي بعض المصادر المئات من المتظاهرين بدم بارد. لا يمكن بالطبع الاعتماد في مثل هذه الكتابة على الشهادات السماعية غير المدعمة بمصدر مستقل، ولكني سأذكر هنا ما رواه لي واحد من وزراء ولاية الخرطوم عن الحزب الاتحادي الديمقراطي أيام مصالحتهم مع البشير وقتها، من أن البشير كان يشاهد الانتفاضة والمظاهرات ضده من شاشة كبيرة فصرّح لمن كان معه وقتها بأن هؤلاء "الشُفّع" لو ما قتلناهم كانوا ح يشيلونا. أكرر أنها رواية سماعية ولكنها بالطبع تشبه الرئيس البشير في عدد من مقولاته. المهم هنا أن ما ذكره دي وال من رغبة البشير في التنحي وقتها لا يعضده المنطق، إنما ربما تكون للمؤلف مصادره التي لم يذكرها.
كذلك من الصعب الاتفاق مع المؤلف في اشارته لبرلمان 2010 بالبرلمان المنتخب، مع الاتفاق معه في رؤيته بأن حسابات المعارضة وقتها كانت سيئة، لا سيما في عدم تشجيع مؤيديها على التسجيل للتصويت. وأردف بعدها بأن حزب المؤتمر الوطني ربما يكون زوّر الانتخابات لضمان فوزه، ولكنه بالتأكيد لم يكن بحاجة إلى ذلك. في الحقيقة هذه مسألة صحيحة تماما، أي أن المؤتمر الوطني لم يكن بحاجة للتزوير في تلك الانتخابات، وكان ذلك من الأخطاء الكبيرة للمعارضة السودانية بمختلف أطيافها، فرغم أن تلك الانتخابات كان من الممكن أن تتوفر لها الرقابة الكافية أو المعقولة، خاصة وأنها جاءت كتنفيذ لبعض مطلوبات اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية، فإن المعارضة أبدت موقفا ملتبسا وغير واضح كعادتها في الكثير من الأحوال، ولم يصدر عنها ما يفيد بوضوح هل ستدخل الانتخابات أم لا، وبالتالي هل على مؤيديها تسجيل أسمائهم أم لا. كان يمكن للمعارضة بالطبع توجيه مؤيديها لتسجيل أسمائهم في السجل الانتخابي ثم الانتظار بعدها. أذكر هنا أنني سعيت وقتها لتسجيل اسمي ليحق لي التصويت فلم أتمكن من معرفة مكان التسجيل إلا بصعوبة بالغة وبعد جهد جهيد. ذلك بينما كان الحزب الحاكم قد استنفر عضويته لأخذ ناخبيه بالسيارات إلى أماكن التسجيل واجتهدت عضويته في الدعاية الانتخابية للحزب حتى على مستوى النساء غير العاملات في الأحياء. لم يكن المؤتمر الوطني الحاكم بالحزب الذي سيسمح بانتخابات نزيهة أو بفوز مرشح منافس من العيار الثقيل، ولكنه مضطرا اجتهد لإضفاء الشرعية على تلك الانتخابات، وذكر المؤلف أن المؤتمر الوطني في سبيل جعل تلك الانتخابات أكثر موثوقية قام بدفع نحو 1.5 مليون دولار للسيد الصادق المهدي للمشاركة في الانتخابات، ولكن الصادق- بحسب المؤلف- أخذ الأموال وقاطع حزبه الانتخابات!
يرى دي وال أن الخرطوم أفقرت دارفور لمخاوف أمنية ولإحكام قبضتها عليها. في الحقيقة أظن أنه من الصعب إطلاق مثل هذا الحكم القطعي بهذه البساطة. صحيح أن المؤلف أورد بعدها مباشرة ان البريطانيين كانوا قلقين من أن أهل دارفور قد يعيدون إحياء المهدية العسكرية مرة أخرى فأداروا، أي البريطانيون، الهامش من خلال زعماء القبائل عبر الامتيازات الدكتاتورية التي منحوها لهم، وهي إدارات قامت بعد ذلك بالاصطفاف مع الأحزاب الطائفية المحافظة في السودان بعد الاستقلال، وقامت بضمان استمرار الوضع القائم. إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن الخرطوم مارست ذات سياسة البريطانيين لذات الأسباب أو لغيرها. وعلى كل فقد اعتمد المؤلف هنا وبتصريحه هو نفسه على الكتاب الأسود للوصول إلى هذه الخلاصة، وهو يصف الكتاب الأسود بأنه "يوثق" عملية تهميش الإقليم بواسطة نخب الخرطوم. ما من شك بأن التنمية في السودان، على ضعفها، لم تكن متوازنة، ولكن رد ذلك إلى سوء نية نخب الخرطوم وحرصهم على إفقار الهوامش – دارفور هنا بالتحديد – غير منصف إن تحرينا الدقة. فالتهميش في السودان كان واحدا من نتائج قصر نظر النخب الحاكمة دون شك بالإضافة إلى أسباب أخرى، وشمال السودان نفسه كان عرضة للتهميش بدرجة كبيرة، وحتى تاريخه لا توجد بالشمال البنية التحتية أو الخدمات الحكومية التي تجعله متفوقا كثيرا على بقية الهوامش. ولكن الشمال ولدخول الاستعمار من جهته وانتشار العليم فيه مبكرا، وكذلك لارتباطه أكثر بمصر المتقدمة تعليميا، كانت له الفرصة الأكبر في التقدم النسبي. ساهم في ذلك أيضاً الهجرة المبكرة للشماليين واغترابهم إلى دول الخليج وما عرف عن الشماليين من ثقافة التكافل وإنشاء المرافق بالعون الذاتي. وفي مسألة توفر سوء النية هذه يقول الكاتب والمفكر منصور خالد الذي لم يوفر نقدا للنخبة السودانية إلا وقام به:” مصدر الأزمة السياسية فيما نرى ليس هو أن آباء الاستقلال والجيل الذي أعقبهم كانوا قوم سوء، بل هو فقدانهم للرؤية الصائبة للأزمة السودانية ". ليس الكتاب الأسود مصدرا منصفا بأي حال من الأحوال بالطريقة التي تم رصد الاحصائيات بها فيه. ومع الإقرار بأن الأرقام لا تكذب، فإن الاعتماد على الأرقام وحده ليس كافيا للنظر إلى الصورة في كلياتها. ما أود قوله هنا بأن ما توصل إليه المؤلف من أن الخرطوم أفقرت دارفور لمخاوف أمنية غير صحيح بالمرة، خاصة عند النظر إلى ما كانت تنظر به نخب الخرطوم المفترى عليها وقته بقداسة رومانسية إلى مسألة وحدة السودان، وما تلى ذلك في عهد الإسلاميين من اعتبارهم دارفور رصيدا لهم. إن وصف الطبقات الحاكمة في السودان بنخب الخرطوم هو ذاته وصف مخاتل، فحزب الأمة مثلا، أكبر الأحزاب السودانية كان ينظر إليه على الدوام كحزب ذي قاعدة دارفورية عريضة، والكثير من قادته هم من دارفور، واستمر ذلك حتى اتجهت المكونات الدارفورية إلى تبني الحركات المسلحة والتنظيمات الجهوية بديلا للقومية. واحدة من الأدلة التي يستدل بها المؤلف لتعضيد رأيه هذا ما ذكره بعدها من رواية الدكتور خليل إبراهيم من أن أنه عندما تم تحذير نائب الرئيس وقتها السيد علي عثمان طه من تمرد وشيك في دارفور أنه رد بكل ازدراء أن أهل دارفور كانوا أكثر جوعا من أن ينظموا ثورة مسلحة. إن المشكلة دائما في السياق، فقول خليل هنا في الرواية المنسوبة إليه أن علي عثمان رد بازدراء تُغيّر الكثير. ذلك بالطبع غير فقدان الحساسية السياسية لدى السياسيين السودانيين. إن قولا قريبا من ذلك كان يقال عن احتمال تمرد الشماليين بأنهم لن يجدوا غابة للتمرد ومثل ذلك.
إن رؤية أكثر حصافة في شأن تفسير التنمية غير المتوازنة واستئثار النخب بالسلطة نجدها لدي الدكتور صديق أمبدة الذي يرى أن الاستعمار لو كان دخل السودان من الشرق أو من الجنوب أو من الغرب مثلا، فإن ذات الوضع كان سيحدث لبقية المناطق الأخرى. ورغم أن أمبدة نفسه يرى بأن السلوك الريعي (للمتعلمين السودانيين)، ليس مجرد تبلد للحس أو الانتهازية، وإنما هو سلوك اقتصادي عقلاني لمجموعة من الناس غير راغبين أو ليسوا على استعداد لإضاعة الفرصة التي واتتهم بمصادفة تاريخية بحتة، وأن خلفيتهم الاجتماعية وتحيزهم المكاني لأهل مناطقهم ونوعية التعليم الذي نالوه، كل ذلك يكبل تفكيرهم ويمنعهم من التصرف على نحو مختلف، إذ كان مفهوم الدولة غريبا عليهم، فإن ربطه المسألة بفرص التعليم والمصادفة التاريخية البحتة أهون من افتراض سوء النية بحكم الانتماء الجهوي كما في الكتاب الأسود الذي اعتمد عليه المؤلف هنا في تفسير ما توصل إليه من أن نخب الخرطوم قد أفقرت دارفور قصدا.
يذكر المؤلف أن التجارة في السودان هيمن عليها ولفترة طويلة فئة من التجار من نهر النيل تعرف بالجلابة، كسبوا المال ولكنهم أعادوا استثمار أرباحهم في الخرطوم. في الحقيقة هنا أيضا ينبغي النظر إلى الظروف التاريخية والموضوعية التي ساهمت في إنشاء طبقة الجلابة. ولكن من غير المنطقي ربما استنكار أن يستثمر الجلابة أرباحهم في الخرطوم لأسباب كثيرة، أقلها إنهم شماليون، والخرطوم مثلت أكبر المدن في الشمال. بالمقابل لا نجد الكاتب يستنكر استثمار الزغاوة في غير مسقط رأسهم، وهم من وصفهم الكاتب بإثنية تمتد عبر الحدود بين السودان وتشاد وهيمنوا على الأسواق في دارفور وتشاد.
يرى دي وال أن القومية السودانية كانت خليطا ثلاثي الجوانب: القوى الحديثة من طبقة الأفندية من بيروقراطيي الدولة والمهنيين وضباط الجيش، ثم الطبقة العاملة المتوحدة للقادمين من عمال السكة الحديد والعاملين في القطاع المروي، ثم أخيرا القادة التاريخيين للأحزاب الطائفية. ثم يردف بعدها أن الاخوان المسلمون قد وصلوا متأخرين عن المطالبة باحتوائهم في العباءة القومية، ووجدوا أن الأحزاب الطائفية قد قاومت منذ أمد بعيد علمنة السياسة. وهذا تصنيف غريب للقومية، إذ هو يستبعد القطاع الريفي غير الداخل في القطاع المروي على سبيل المثال. ثم إن تخصيص الاخوان المسلمين كطارئ أو دخيل على هذه المكونات غريب كذلك، فهو غير أنه يمكن تطبيقه كذلك على الشيوعيين السودانيين أو الأحزاب غير الطائفية عموما، فهو يتجاهل أن الاخوان المشار إليهم هنا هم بطيعة الحال جاءت قواعدهم من ذات هذه القطاعات التي تحدث عنها الكاتب، ولم يكونوا، لا الاخوان المسلمين ولا الشيوعيين السودانيين مثلا أو غيرهم من المتحزبين السودانيين، لم يكونوا منبتين عن المجتمعات السودانية أو تكوينات صفوية. القوى الحديثة من مؤتمر الخريجين وما تلاه من الانتجلنسيا السودانية تم إهمالها كذلك في هذا التصنيف.
وفيما خص تاريخ سوق الأعمال السياسي في السودان، يرى دي وال أن سوقنة السياسة في السودان قد بدأت في السبعينات، عندما توجه الرئيس نميري لدول الخليج وللمتبرعين في الغرب لأخذ القروض لمشاريع التنمية. ولكن الرقابة على هذه القروض كانت ضعيفة مما فتح الباب للفساد والمصالح الشخصية المادية وشراء النفوذ، وتزايد ذلك مع المصالحة الوطنية في 1977، والتي يقول الكاتب إن الإخوان المسلمين رجعوا عبرها للسودان جالبين معهم البنوك الإسلامية التي كان هدفها المعلن بناء جمهور من الناخبين الإسلاميين. ومن بعد ذلك اخترقت السياسة المسوقنة الجيش في العام 1982 مع تأسيس المجلس الاقتصادي العسكري امتدادا لملكية الجيش للقطاع التجاري، الذي يقول وال إنه خدم كرشوة ضخمة لوحدات الضباط لشراء هدوئهم السياسي. ورغم إشارة دي وال إلى أن المجلس فشل في كلا هدفيه، إلا أنه رغم ذلك، يقول، كان نقطة البداية لعملية تتجير (من تجارة) القوات المسلحة. يرى المؤلف أن النميري اتبع وصفتين أثبتتا أنهما يسببان الإدمان دون فائدة تعود على النظام على المدى البعيد، أولاهما، وعلى غرار مصر، منح النميري الجيش ملكية الشركات التجارية في محاولة لشراء ولاء الضباط، كما منح القادة الميدانيين وضباط المخابرات العسكرية حرية إبرام الصفقات مع التجار المحليين أو المستثمرين الأجانب، والثانية أنه فتح حكومته للإخوان المسلمين، والاقتصاد للبنوك الإسلامية، فكان بنك فيصل الإسلامي هو البنك السياسي بامتياز ودخل في صفقات مع جميع الأطراف تماشيا مع فقه الضرورة عند الترابي.
كان لحرب لجنوب نصيبها من الفساد المصاحب لسوقنة السياسة هي أيضا، وظهر ذلك في استخدام المليشيا كوكلاء للنظام. ويرى وال أن النميري سقط بعدما أصبح غير قادر على تمويل بنية حكومة اللصوص الجشعة الخاصة به. أما السيد الصادق المهدي الذي حكم بعد الانتفاضة التي أسقطت النميري، فيرى وال أنه كان عاجزا عن الحكم لعدم وجود مجموعة سياسية مهيمنة في المركز، ولم يكن المال الذي دفعه كافيا لشراء الولاء، ثم أنه وباعتباره مدنيا فلم يكن القمع من ضمن خياراته، ولذلك بدا مستسلما أو ربما مرحبا بانقلاب البشير عند وقوعه. وعلى كل فقد استمرت الاستعانة بالمليشيات في الحرب بالوكالة التي بدأت في الفترة الانتقالية بعد النميري، استمرت في عهد السيد الصادق المهدي في استمرار للسياسة المسوقنة. ومن بعدها استمر سوق الأعمال السياسي في السودان في العمل في فترة الإنقاذ بنشاط أكبر، حيث مثّل النفط الأساس لفترة الانتعاش (1999-2011) والاقتصاد الريعي المركزي المرتبط به، والذي شمل سلاما مدفوع الرواتب ضخما أدخل مئات الآلاف إلى الخدمة المدنية وكشوفات الرواتب العسكرية. وفي فترة لاحقة بعد انفصال الجنوب وفقدان النفط، أدى الاعتماد على الذهب إلى تنويع الريعية بناء على الذهب والارتزاق بشكل أساسي، ما أنتج بحسبه اقتصادا سياسيا مختلفا بشكل ملحوظ.
يرى دي وال أن بعض أسباب سقوط البشير بالتفسير الاقتصادي السياسي كان أن سوق الأعمال السياسي في السودان في العام 2018 وحتى بداية 2019 (سقط البشير كما نعلم في أبريل 2019)، كان احتكار قلة تواطؤي متنكرا في شكل حكومة لصوص مركزية سلطوية ولكن هشة. وأن مدير الأعمال السياسية المركزي (البشير)، كان يغدو أضعف فأضعف بسبب تمويله المتضائل وصلاحية نظامه المتناقضة. لقد كان حسب تعبير وال: الزعيم المريض لعصابة من القادة السياسيين والأمنيين والذين كانوا يميلون أكثر فأكثر للانشقاق.
لقد بلغ سوق الأعمال السياسية في السودان ذروته في الفترة الأخيرة لنظام الإنقاذ، وكانت المصادر الرئيسة للتمويل السياسي في تلك الفترة بحسب دي وال تتمثل في الذهب، والذي سيطر عليه عرب دارفور وبشكل متزايد حميدتي، ثم الارتزاق، والذي سيطرت عليه قوات الدعم السريع، والمصدر الثالث كان دفوعات السمسرة والعمولات التي دفعت لسودانيين يعملون لصالح الداعمين في الشرق الأوسط. ومن المصادر كذلك كان التهريب والاتجار في البشر الذي جلب ربحا لعرب دارفور بالذات، والدفوعات من جنوب السودان مقابل استعمال خط الأنابيب، ثم أخيرا صفقات الفساد المرتبطة بالاستثمارات الأجنبية المباشرة خاصة في القطاع الزراعي.
وعلى الرغم من أن دي وال يرى أن الحرب في الخرطوم لم تندلع سابقا لأن الأعراف المجتمعية-السياسية للنخبة الحاكمة خففت من حدة الصراع، فيمكننا النظر إلى حرب الخرطوم الأخيرة باعتبارها النهاية غير السعيدة لمضاربات سوق الأعمال السياسي السوداني، فالنخب السودانية التي وصفها وال بأنها تجيد المساومة وتعرف متى تتوقف أو تتراجع، فشلت في تجنب الحرب هذه المرة. كما فشل كذلك ما سماه بالتحضر الشخصي كقاعدة سادت خلال الانقسامات السياسية الحادة في الحواضر السودانية خلال التسعينات. واحد من مظاهر ذلك التحضر ما ذكره المؤلف من أنه حتى أشد منتقدي الحكومة مثل المهدي والترابي كانوا على وعي من تجربتهم الطويلة بالقيود التي كانت الحكومة تعمل في ظلها، واستحالة التغلب على هذه القيود من خلال تغيير القيادة ببساطة. لقد دفعنا ثمن القفز على هذه الحقيقة بعد سنوات من ذلك في حرب أبريل 2023. مرد ذلك في رأيي لدخول لاعب لم يكن في الحسبان قادم من ثقافة مختلفة ومغايرة بالكلية لثقافات النادي السياسي السوداني، حميدتي. فالرجل المنتمي لعرب دارفور والذين لهم امتداداتهم القبلية في السهل الأفريقي العابر للحدود في تشاد ومالي والنيجر، هذا الرجل كان نتاج ثقافة تعتبر الحرب جزء من أساليب البقاء، فإذا أضفنا إلى ذلك التدخلات الإقليمية وآمال عرب الصحراء الافريقية وأوهام تفوقهم العنصري وتسفيههم للحياة الإنسانية، نصبح أمام وصفة جاهزة للانفجار الكبير والحرب التي لا أخلاق فيها التي شهدناها في الخرطوم.
يؤرخ الكتاب لظهور المليشيات وخصخصة الحكومة للحرب بالعام 1985، أي خلال حكومة المشير عبد الرحمن سوار الدهب الانتقالية، حيث يذكر أن وزير الدفاع وقتها اللواء فضل الله برمة ناصر (المنتمي أثنيا لقبيلة المسيرية المحسوبة ضمن القبائل العربية في دارفور)، رافق قادة المخابرات العسكرية في جولة بطائرة هليكوبتر في جنوب كردفان وجنوب دارفور، حيث التقوا بضباط في الجيش ورؤساء قبائل من عرب البقارة وقادة سابقين لمليشيات حرب العصابات التابعة للأحزاب الطائفية الذين سُرِّحوا بعد المصالحة الوطنية (1977). وكان الاتفاق بسيطا: ستوفر الحكومة الأسلحة وتساعد في التنسيق العسكري، بينما سيشكل عرب البقارة مليشيات لقتال الجيش الشعبي. وفي المقابل ستأخذ مليشيات البقارة لنفسها كل ما يمكن أن تجده جنوب الحدود الداخلية، فقامت تلك المليشيات بالقتل والحرق والنهب والاغتصاب، بل والاختطاف والاستعباد.
ومع استعار الحرب في دارفور يقول وال إن المليشيات العربية تم تحفيزها عبر الغنائم والأرض، ولكن الأولى سرعان ما نفدت، يقول، بينما ظهر أن الثانية مليئة بالمشاكل. وإذ كافأت الحكومة السيد موسى هلال الذي وصفه بأبرز قائد مليشيا في حملات 2003-2004، كافأته بمنصب قائد استخبارات حرس الحدود، فقد شعر غالب رجال المليشيات بالتنكر لهم، فتمردت وحدة أطلقت على نفسها اسم الجندي المظلوم في العام 2007، واخذ التمرد العربي يأخذ زخما.
وصف وال حميدتي بأنه كان أخطر متمرد عربي، ووصفه كذلك بأنه بعد ذلك أصبح صانع القرار الحقيقي في المجلس العسكري الانتقالي الذي تكوّن بعد الإطاحة بالبشير برئاسة الفريق عبد الفتاح البرهان. حيث أصبح حميدتي بعد ذلك رائد الأعمال السياسي الذي لديه الفهم الأوضح لديناميكيات عمل سوق الأعمال السياسي وقتها. ولكن وال يضيف بنبرة تنبؤية ثبت أنها صحيحة، إن هذه الاستراتيجيات التي تبناها حميدتي – وآخرون، تواجه تحديات كبرى، مما يدل على أنها في الغالب ستكون غير مستدامة على المدى المتوسط، وهو ما قد كان. وفي هذا الإطار كان وال يرى أن الاستيلاء العسكري على السلطة في أبريل بعد جلبة قصيرة، كان استعادة لسوق أعمال سياسي مشابه للسابق، عدا أنه تحت يد مدير أعمال جديد هذه المرة: الفريق أول محمد حمدان دقلو، حميدتي! الذي وصفه وال هنا بأنه كان شديد النشاط ولديه سوق أعمال سياسي جيدة، ولكن النظام الجديد كان أكثر هشاشة من ذلك الخاص بالبشير، لأن حميدتي أفتقد سمعة البشير وائتلافه كان أضيق، محليا وإقليميا. كما أن استيلاءه على هذا السوق لا يعالج أزمة الاقتصاد الكلي، وهو افتراض أثبتت الأيام صحته كما رأينا بعد ذلك. الأكثر خطرا من ذلك ما قاله دي وال من أن ما وصفه بتعاملات سوق الأعمال السياسي الجريئة الوقحة التي يمارسها حميدتي ستواجه بتراجع حاد في العوائد وتقل قدرتها على شراء الولاءات، وبناء على ذلك فاستيلاؤه في الغالب سيتجه سريعا للنزوع تجاه سوق أعمال سياسي عنيف وبدون تنظيم. يمكننا كمثال لما أشار إليه دي وال بالجراءة والوقاحة في ممارسة السوق السياسي أو ما سماه في موضع آخر تصرف حميدتي كتاجر سياسي بطريقة صريحة جدا، يمكننا أن نذكر ما أورده دي وال نفسه كنماذج لذلك، مثل الطريقة التي تعامل بها حميدتي مع قضية الشرطة الذين كانوا مضربين عن العمل لتأخر رواتبهم، حيث أخذ نقودا من الدعم الذي وفرته الدول العربية الراعية للمجلس العسكري ومنحها لممثلين عن الشرطة! كذلك مكافآته لقادة القبائل بالسيارات وتوفير الموارد للأساتذة وللعاملين في حقل الكهرباء. الأخطر من ذلك أيضاً ما ذكره المؤلف من أن هناك مؤشرات إلى أنه دفع بصورة شخصية لأعضاء أساسيين في القيادة العليا للقوات المسلحة السودانية. لقد كان حميدتي ينظر للسياسة السودانية كسوق لا يختلف التعامل فيه كثيرا عن تعامله التجاري في نشاطاته التجارية المختلفة التي بدأها بتجارة الجمال.
وفي الحقيقة وبالنظر إلى حرب أبريل في الخرطوم يمكننا أن نجد أن دي وال كان محقا في حتمية نزوع حميدتي لسوق الأعمال العنيف الذي توج في النهاية بالحرب، ولكن ذلك لم يحدث كما رأينا لنضوب مقدرته على شراء الولاءات كما تنبأ أو افترض دي وال، بل الحقيقة أن قدرة حمتي على الشراء قد زادت إن لم تكن قد تضاعفت عبر تغلغله في جهاز الدولة واستغلال غفلة أو ضعف الجيش، فبالإضافة إلى ما ذكره المؤلف من استلامه لما يعادل 55 ألفا من الدولارات مقابل كل رجل مليشيا يقاتل في الخارج مقدما، في مقابل خمسة سنوات من الخدمة، ضَمِن حميدتي تغطية وزارة المالية لرواتب جنود قوات الدعم السريع. وباستحواذ هذه القوات على ما نسبته 30% من التصنيع الحربي أحد مصادر تمويل الجيش المهمة (بموافقة من الجيش نفسه)، ونشاطات أخرى عبر شركات المليشيا المتعددة تحت إدارة أشقاء حميدتي (شركة الجنيد مثلا يذكر الكتاب أنها تضمنت شركات منخرطة في التعدين والإسكان وبناء الطرق والترحيل ومجموعة من النشاطات الأخرى)، عبر كل ذلك لم يعدم حميدتي مصادر الأموال اللازمة للتحكم في سوق الأعمال السياسي في السودان، بل وامتد نشاطه للجوار في أثيوبيا وارتريا وجنوب السودان، وفي تشاد بالطبع. وبذلك أصبح حميدتي أكبر تاجر ذهب ومهرب وحامي الحدود في الدولة، وعليه، بحسب دي وال أيضاً، أصبحت قوات الدعم السريع بحكم الأمر الواقع تمثل الحاكم العسكري لشمال دارفور.
استفاد حميدتي من استراتيجية البشير في البقاء. فباتباعه، أي البشير، الطريقة التقليدية كما سماها المؤلف للتأمين ضد الانقلابات عبر زيادة عدد القوات التي لا تثق في بعضها، تصاعدت قوة حميدتي بدرجة كبيرة في مقابل تحجيم قوة جهاز الأمن والمخابرات الذي بدا أن رئيسه صلاح قوش أصبح قويا بصورة كافية ليكون خطرا على الرئيس فتمت تنحيته ثم إبعاده. أصبحت قوات الدعم السريع إذن أداة البشير المفضلة للتأمين ضد الانقلاب، إلى حد أن البشير، كان يشير إلى حميدتي بحمايتي، كما ذكر دي وال الذي نبّه إلى أن صعود قوة المليشيا قد رافقه تقليص الإنفاق على وحدات المشاة في الجيش السوداني، فأصبحت قوات الدعم السريع تمثل قوات المشاة للجيش بحكم الواقع. الخطأ الذي دفع السودانيون ثمنه غاليا في حرب أبريل! سبق ذلك بحسب المؤلف أنه في 2018-2019، ونتيجة لفاعليتها العسكرية ووجود وحدات المشاة الخاصة بها في الخرطوم والقدر العالي من الميزانية السياسية في متناول قائدها الأعلى الفريق حميدتي، أصبحت تلك القوات أقوى قوة فاعلة أمنيا وتولت معظم المهام العسكرية الخاصة بالجيش السوداني. إن المرء ليعجب من مقدار الغفلة والغباء السياسي والعسكري الاستراتيجي الذي مورس حتى وصلنا إلى ما نحن فيه من حرب الخرطوم الأخيرة.
يمكننا بطريقة أو بأخرى النظر إلى نظرية دي وال في التحليل باتباع نظرية السوق السياسي كمسار تنبؤي لحرب الخرطوم الأخيرة. فتحت العنوان "ديناميكيات الساحة الأمنية"، يقول دي وال إن حميدتي باعتبار قواته هي الفاعل المهيمن في الساحة الأمنية، سوف يسعى على ما يبدو إلى إعادة تنظيم الساحة الأمنية حول هذه القوة مطورا مقدراتها وجاعلا القوات المسلحة في وضع ثانوي، وبالطبع كان ذلك هو السبب الرئيس في اندلاع الحرب الأخيرة. افتراض آخر وضعه دي وال، وهو أن تسعى قوات الدعم السريع لتأسيس هيمنة كاملة إما عبر إقصاء منافسيها بالقوة أو عبر إخضاعهم عبر عرض القوة والتوسل بالمصالح المشتركة (يمكن أخذ حركات دارفور كمثال هنا)، ويشير وال، إلى أن القسوة لا تحتاج أن تكون تجاه فاعلين أمنيين بالضرورة، ولكنها يمكن أن تكون تجاه مجموعة ثالثة كالمدنيين أو الإسلاميين (وهو ما قد حدث بالطبع في مجزرة فض الاعتصام ضد المدنيين). افتراض آخر وضعه دي وال بأن يقع انقلاب مضاد بواسطة من أقصتهم قوات الدعم السريع وذكر مثالا لذلك أن تتحدى وحدات من الجيش قوات الدعم السريع عسكريا في الخرطوم، أو أن تتمرد قيادة إقليمية من الجيش وتتصل مع أخريات لتتحدى قوات الدعم السريع. بالطبع نعلم الآن أن شيئا شبيها بهذا السيناريو قد تحقق بوقوع الصدام بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في حرب الخرطوم الأخيرة بعد أن سبق ذلك تحرشات واضحة من قوات الدعم السريع. افتراض آخر وضعه دي وال بأن انقلابا فاشلا قد يؤدي إلى حرب أهلية. ومن الافتراضات التي ذكرها كذلك أن تنقسم قوات الدعم السريع امتدادا لخلافاتها الداخلية عبر قادتها أو مجموعاتهم، وضرب مثالا لذلك بصراع حميدتي وموسى هلال. ولكن هذا السيناريو الأخير لم يتحقق هو الآخر، وربما بعض أسباب ذلك احتفاظ حميدتي بموقعه كراع للقوات وكتاجر سياسي تمتع على الدوام بالمال اللازم في حقل السياسة السودانية، ووسط حواضنه الاجتماعية التي قد تفتقر للأخلاق السياسية والحربية، ولكنها بالمقابل تتوحد ضد الآخر المختلف (الجلابة كمكون مجتمعي هنا، والجيش كمكون عسكري) فيما يعرف عندهم بالفزع ونصرة الأخ ضد الغريب، ولكن ذلك محكوم عليه بالانهيار حالما تتغير أحوال الحرب والغنائم، وكمثال على ذلك يمكننا النظر إلى حرب السلامات والبني هلبة في دارفور، في غضون حرب الخرطوم الأخيرة، والقبيلتان من قبائل الدعم السريع.
كان المؤلف واضحا وحصيفا في تحليله لما سماها بطريقة حميدتي في الحكم، إذ يرى أنها لا تخاطب التحديات البنيوية في الاقتصاد السياسي السوداني، وبالتحديد أزمة الاقتصاد الكلي، وأن اعتماده على الذهب والارتزاق سيزيد الأزمة البنيوية سوءً. وعطفا على ذلك توقّع أن يواجه السودان منعطفا حرجا آخر خلال عام أو نحوه، مع احتمالية قمع على مدى واسع لقوى الحرية والتغيير والمجموعات الداعمة لها، والتي يقول عنها دي وال في موضع آخر من الكتاب إنها أصرت بعد 11 أبريل أنها وحدها الممثل للشعب السوداني وقامت بتهميش الأحزاب الأخرى واستعداء بعضها، ونجده يُرجع ذلك إلى فقدان البنية التنظيمية داخلها وإلى الدور المهيمن للحزب الشيوعي السوداني. ذلك على الرغم من أن قدرتها على التعبئة اعتمدت بشكل كبير على شبكات الشباب المستعملين لمواقع التواصل الاجتماعي وضرب مثلا لذلك حركتي قرفنا والتغيير الآن.
يرى دي وال أن الشرط الأساسي لاتفاقيات السلام في السودان هو وجود ميزانية موسعة، بحيث يخضع معظمها للسيطرة المباشرة للحاكم، وأن مفتاح صفقة سلام قابلة للتطبيق هو تخصيص موارد كافية للخصم للانضمام إلى الحكومة. ربما يفسر ذلك تصدي حميدتي للتفاوض مع الحركات المسلحة فيما عرف بعدها باتفاقية جوبا للسلام، فالرجل غير كونه اللاعب الصاعد بقوة في سوق الأعمال السياسي السوداني بعد سقوط البشير، كان يجلس على رأس امبراطورية مالية لم تتوفر لغيره في تاريخ السودان الحديث، امبراطورية محروسة بقوة السلاح العابر للحدود. ولكن الاتفاقية في نهاية الأمر لم تؤد إلى سلام حقيقي إلا لموقعيها في الغالب، واستمر الفساد والإفقار بوتيرة أكبر.
وعلى وجه العموم يرى دي وال أن الحركات الإقليمية السودانية ظلت تاريخيا تظهر سمتين متناقضتين: الاستعداد المألوف لأعضاء النخبة الإقليمية للاستسلام للمكافأة المادية، والثاني هو منطق مناهض للمادية وشعبوي للخصوصية الإثنية. ولكن التمردات العربية بالتحديد في رأيه مثلت حالة واضحة من التمرد الساعي إلى الريع الذي تليه اتفاقية الترقية والرواتب، فهي ليست قضية صراع لإصلاح الأخطاء العميقة أو لتحقيق العدالة والديمقراطية والتنمية، فالقضية الوحيدة المطروحة على الطاولة كانت السعر. ينطبق ذات الأمر بطريقة أو بأخرى على الحركات الدارفورية، فهم بحسب دي وال كانوا يقضون وقتهم وجهدهم مع المراقبين الدوليين خاصة الأمريكيين في استجداء المساعدة المالية والسياسية والعسكرية، ولكنهم لم يكونوا يطلبون العون للجماهير التي تقع تحت سيطرتهم، ولكن المساعدة المباشرة لهم ولقضيتهم.
وفي هذه النقطة بالتحديد، أي مسألة افتقار التمردات العربية للمشروع السياسي وسعيهم للريع والغنائم مقابل الحرب والتمرد، يرى دي وال أنه وبالمقارنة مع البشير فإن الإدارة السياسية الخاصة بحميدتي تختلف عن سلفه البشير في أن معاملاته السياسية المالية أكثر فجاجة، كما أنه لا يمتلك أصول السمعة أو الشرعية. فهو يتاجر بصورة علنية المال مقابل الولاء، كما لا يمكنه ادعاء الانتساب إلى أي برنامج سياسي. والمسالة الأخيرة هذه، أي عدم الاتكال على برنامج أو شرعية سياسية كانت واحدة من معضلات المليشيا في حرب الخرطوم الأخيرة، ففي الأيام الأولى للحرب كانت السردية التي تبنتها المليشيا وحلفاؤها أن هذه الحرب هي من أجل استعادة الديمقراطية والطريق إلى الحكم المدني، ثم بعدها كانت السردية هي محاربة الإسلاميين، إلى أن انتهت إلى القضاء على دولة 56 في إشارة إلى الدولة السودانية بعد الاستقلال. كل ذلك بينما كانت سردية المقاتلين ورؤيتهم للحرب هي سردية عنصرية قبائلية لا تتوسل الكلمات لتغطية عورتها، فكانت خطاباتهم المسجلة والمبثوثة عبر الوسائط تشير بوضوح إلى أنهم، قبائل عرب السهل الافريقي، يستهدفون قبائل بعينها من الجلابة ومن هم في حكمهم من السودانيين الشماليين، حيث مارسوا عنف الصحراء واحتقار الحياة البشرية الذي تميزت به حروبهم. وعودا إلى دي وال هنا نجده يصنف العنف في دارفور والمناطق المجاورة لها إلى ثلاثة أشكال رئيسة: القتل الروتيني والحرق والاغتصاب الخاص بدورة التمرد الساعي إلى الريع والمساومة على الموقف، والمعارك من أجل الهيمنة أو السلطة بين الأقران، والمذابح واسعة النطاق، عين ما مارسته المليشيا في الخرطوم.
لم يكن سوق الأعمال السياسي حصرا على نخب الخرطوم وحدها، ففي الجنوب مثلا يرى دي وال أن النظام كان أكثر فظاظة، وكان للحركة الشعبية استراتيجية أمنية باهظة الثمن ضخّمت عمدا ثمن الولاء في الجنوب بحيث لم يعد بإمكان الشماليين التنافس. وبعيدا عن الجنوب نجده يضع زواج الرئيس التشادي ادريس ديبي من أماني موسى هلال ابنة زعيم المليشيات العربية في دارفور واتخاذها زوجة صغرى له في إطار سوق الأعمال السياسي.
النموذج العام للدولة ذات سوق الأعمال السياسي هو دولة فقيرة وضعيفة اقتصاديا ورجال الأعمال المحليين والمستثمرون الأجانب فيها يكونون على علاقة جيدة مع السياسيين في نظام يتم تمويله عبر الدفوعات السياسية من مصادر محلية. وحيث أن الأسواق السياسية تتطلب معلومات، فالغلبة بحسبه او الأفضلية ستكون لمن يملكونها، لذلك يستثمر السياسي هنا في الاستخبارات وفي التحكم في آليات الاجتماع والتواصل والاتصالات.
وفي هذا الإطار وبتطبيق هذا النموذج على دولة كالسودان، يمثل حميدتي نموذجا مثاليا لتصورات دي وال التي وضعها عن كيف يمكن لرائد الأعمال السياسي أن يزيد حصته من السوق على حساب منافسيه، إذ يضع دي وال عدة احتمالات لذلك، تشمل فيما تشمل أن يتحدى رعاته السابقين ويزيحهم، وهو ما حدث في حالة السودان، وأن يوسع نطاق وصوله عبر الحدود خاصة إذا حصل على حصة مهيمنة في الحكومة (!)، ويمكنه بحسب دي وال أيضا أن يضم حكاما سياديين بصورة رسمية إلى قائمة عملائه (لن يعدم القارئ للكتاب استدعاء الأمثلة في الحالة السودانية ما بعد سقوط البشير وربما قبل ذلك)، ويمكنه كذلك التوسع إلى قطاعات جديدة (!)، ويقول دي وال إن الحصول على عقود لمكافحة الإرهاب هو الخيار المفضل ( يمكن أخذ اتفاق الاتحاد الأوروبي مع قوات الدعم السريع لمنع الهجرة مقابل الدفوعات المالية كمثال هنا)، وبذلك يمكنه إعادة تشكيل أعماله ومحاولة إعادة الترويج لسمعته (وهنا يمكن الرجوع إلى العديد من المصادر التي تتحدث وبالوثائق عن الإمبراطورية الإعلامية للدعم السريع وحجم الاستثمار فيها وشبكاتها المتداخلة داخل وخارج السودان).
مؤلف الكتاب كما تقدم هو الكس دي وال (ألكسندر وليام لاوندز دي وال، المولود في 22 فبراير1963، بحسب ويكيبيديا)، باحث بريطاني في سياسة النخبة الأفريقية، والمدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس. كان زميلاً في مبادرة هارفارد الإنسانية في جامعة هارفارد، وكذلك مدير برنامج في مجلس بحوث العلوم الاجتماعية المعني بالإيدز في مدينة نيويورك. وفي سيرته نجد أنه قد نال درجة الدكتوراة في علم الاجتماع الانثروبولوجي في العام 1988 في بحثه عن مجاعة دارفور 1984-1985. ولكن علاقته بدارفور والسودان امتدت بعد ذلك إلى تاريخه بتأليفه لعدد من الكتب والمقالات عن دارفور والسودان.
صدرت النسخة العربية من الكتاب في نحو 240 صفحة في العام 2023 عن مركز تأسيس للدراسات والنشر في الخرطوم، والمترجم هو الحارث عبد الله، الذي كتب مقدمة الترجمة في ست وثلاثين صفحة. اشتمل الكتاب على خمسة فصول، واحتوي على عدد من العناوين الجانبية. جاءت العناوين في الكتاب كما يلي بحسب ترتيب الفصول: الفصل الأول: سوق الأعمال السياسي، الثاني: السودان: إدارة غير القابل للإدارة، الثالث: دارفور: مزاد الولاءات، الرابع: السودان: تحليل من منظور (نموذج) سوق الأعمال السياسي، الخامس والأخير: مدخل إلى سوق الأعمال السياسي لأجل صناع السياسات. وفي الكتاب مقدمة كتبها البروفيسور حسن الحاج علي.
الكتاب جدير بالقراءة والتدبر. وعلى الرغم من أن حرب الخرطوم الأخيرة كانت متوقعة للكثير من السودانيين داخل السودان وخارجه، اندلاعها وليس الفظائع التي رافقتها على الأقل، إلا أنه من المهم بمكان إعادة قراءة الأحداث بطريقة علمية. فالسودان بعد الحرب الأخيرة لن يعود كما كان قبلها، مقدسات كثيرة انهارت وأخرى في طريقها للانهيار. بعض منها أفكار النخبة السودانية (المتهمة على الدوام بتهميش الآخرين)، أفكارهم الرومانسية بوحدة المصير المشترك وبقداسة حدود المستعمر وبالتشابه بين سكان هذه الخريطة.

wmelamin@hotmail.com

 

آراء