السودان والحصانة السيادية، مآلات ما بعد التشريع الأمريكي

 


 

 


د. محمد عبد الله تيراب
متخصص في العلاقات الدولية
السياسات العامة، وإدارة النزاعات
ميريلاند- الولايات المتحدة الأمريكية

 

مفهوم الحصانة السيادية
تعتبر الحصانة السيادية Sovereign Immunity مبدأ قانونياً عريقاً، عراقة تاريخ العلاقات الدولية واعرافها، ففي التاريخ القديم – منذ العصور الوسطى-عرفت السيادة على انها الأصل التاريخي للسلطة وهي التي تخلق الاحكام وتنشئ المحاكم، فلذا لم يكن حينذاك للمحاكم سلطة لإجبار صاحب السيادة على الالتزام بها حيث أنه – صاحب السيادة- هو منشئ السلطة فلذا جاء المبدأ الذي عرفته اللغة اللاتينية ب Rex non potest peccare والتي تعني بالإنجليزية A king can do no wrong أي أن الملك لا يخطئ. لذا عرفت آنئذ بحصانة التاج، وهكذا تم تكييف هذا التوصيف للملك واصباغه على مساحة الدولة، حيث ان الملك هو الدولة.
وهكذا عُرفت الحصانة السيادية عندئذ بحصانة التاج وساد منذها كمبدأ قانوني يرى الدولة ليس لها أن تقترف الأخطاء التي لا يسمح بها القانون وفتحميها الحصانة من مواجهة الدعاوى المدنية أو الملاحقة الجنائية. تمثل الحصانة أحد مبادئ القانون الدولي، ما يجعل الدولة ذات السيادة معفاة حصانةً أمام المحاكم الأجنبية. تعتمد الحصانة السيادية مبدأً على مفهوم السيادة فلا يجوز إخضاع سيادة الدولة دون موافقة هذه الدولة على الولاية القضائية التابعة لسيادة أخرى.
وبموجبه أصبحت الدول المستقلة تتمتع بالحصانة السيادية في اعمالها وقراراتها وهي لا تكون مسؤولة كدول مستقلة لدى محاكم الدول الاجنبية الا بتنازلها عن حصانتها السيادية Waiver of Sovereign Immunity وموافقتها على ذاك التنازل بكامل الإرادة لذا هذا المبدأ يعني أن المحاكم الأجنبية أو حتى الدولية لا ينعقد لها الاختصاص بمحاكمة الدول المستقلة ذات السيادة الا تنازلاً بإتفاق ممهور بإرادة كاملة لا قهراً أو إذعانا. وطد هذا المبدأ الاتفاقيات الدولية الحديثة أيضاً كما الحال في ميثاق الأمم المتحدة حيث ذكرت المادة الثانية في فقرتها الأولى” تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها" ولن تجد ميثاق دولي في العصر الحديث الا أن يؤمن على ذلك، وما اتفاقية الأمم المتحدة لحصانات الدول وممتلكاتها من الولاية القضائية للعام 2004 الا دليل على ذلك، وقد استثنت الاتفاقية المعاملات التجارية إذ "لا يجوز للدولة أن تحتج بالحصانة من تلك الولاية في دعوى تنشأ عن تلك المعاملة التجارية." بذا نجد أن المجتمع الدولي قد أقر بالحصانة السيادية وأكد أهمية المبدأ جل النظم القانونية وكذا محكمة العدل الدولية.
فمحكمة العدل الدولية نفسها لا تقبل الاختصاص في نظر دعوى بين دولتين الا بقبول كلتا الدولتين باختصاص المحكمة، وذلك تطبيقاً لمبدأ الحصانة السيادية، وكذلك الحال في أية محكمة تحكيمية أخرى. فبالتالي فإن قانون الحصانة السيادية دال على تمتع الدولة بالحصانة من سلطان وأوامر المحاكم الأجنبية باستثناء الحالة التي ذكرتها آنفا، حين تتنازل بها عن هذه الحصانة. كما يحول دون فرض أحكام صادرة عن محاكم تابعة لبلد أجنبي على دولة ذات سيادة من غير موافقة الأخيرة. لذا لم يكن من الممكن قانوناً ان يدفع السودان بدعواه أمام محكمة العدل الدولية مثلاً أو أية هيئة تحكيم دولية لاسترداد مثلث حلايب المحتل وذلك لعدم موافقة الحكومة المصرية بقبول اختصاص المحاكم الدولية في نظر الدعوى. فإذن الأمر-الى حد كبير- مرهون بالإرادة الدولية وما تمارسه الدول كذلك عبر أنظمة الدولة عموماً والقضائية على وجه الخصوص.
المآرب الوطنية ومبادئ القانون الدولي- تقويض الحصانة السيادية
إن كان ذلك كذلك، فكيف تسنى للولايات المتحدة الأمريكية من تقويض تلك الحصانة السيادية للدولة السودانية ؟ هو سؤال مشروع ويشرع أبواب التساؤل التائه، كيف للمحاكم الوطنية الامريكية ان تصدت بقبول الاختصاص برفع دعوى ضد دولة ذات سيادة بل حصانة سيادية. أخذاً في الاعتبار أن للولايات المتحدة الأمريكية قانونا بالخصوص ذاته، عُرف باسم "قانون حصانات الجهات الأجنبية ذات السيادة" أو (Foreign Sovereign Immunities Act)، الصادر عام 1976م، فقد نصَّ على أن الدول ذات السيادة وممثليها ومسؤوليها يتمتعون بالحصانة، مع وجود بعض الاستثناءات التي تضَّمنها هذا التشريع. بذا فإن قانون الحصانة السيادية الأجنبية الأمريكي في نسخته تلك، منع المحاكم الأمريكية من بسط ولايتها القضائية على الدول الأجنبية.
استمر الحال مثل ذاك حتى أن جاء قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب JASTA (Justice Against Sponsors of Terrorism Act) المسمى اختصارا ب(جاستا)، لينسف تلك المبادئ التي استقرت لحقبة زمنية طويلة، من أساسها، في خطوة تمثل اعتداء صارخًا وانتهاكًا جسيمًا لقواعد ومبادئ القانون الدولي العام، ولما استقر عليه القضاء الأمريكي نفسه لعهود بعيدة. الولايات المتحدة الامريكية ليست بحالة متفردة، بل تتخذ كل من كندا وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي مبدأ الحصانة السيادية المحدودة حيث لا تتمتع الدول الأخرى وممتلكاتها بحق الحصانة المطلقة، وإنما يتوقف الأمر على الحالات منفردة، وفي الآونة الأخيرة نجد أن الصين ايضاً رفعت راية حمراء ملوحة بذلك ومنوهة بها. في السياق ذاته، يقترح اليوم المشرع الصيني الإسراع في سن قانون حول الحصانة السيادية للدول الأجنبية يتماشى مع الظروف الوطنية الخاصة بالصين، لحماية الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنين والمستثمرين الأجانب، عملاً بمبدأ التعامل بالمثل مع الاتهامات التي وجهتها الولايات المتحدة ودول أخرى ضد ها بسبب جائحة كوفيد-19 العالمية.
لذا جاء إقرار مجلس الشيوخ الأميركي قانون جاستا 2016 ومن ثم تصويت الكونقرس الأميركي بمجلسيه النواب والشيوخ بأغلبية ساحقة رافضاً الفيتو الذي استخدمه الرئيس باراك أوباما ضد هذا القانون الذي مثل سابقة خطيرة في مسار القانون الدولي، حيث سمح بعد إقراره للمحاكم الأميركية بالنظر في قضايا تتعلق بـ "مطالبات ضد أي دولة أجنبية" ترتبط بعمل "إرهابي". ويسمح للمواطنين المتضررين من الارهاب رفع دعاوى قضائية ضد الحكومات الأجنبية التي ينتمي او يحمل جنسيتها الارهابيون.
ساد حينها بعض الجدل بين المشرّعين الأميركيين، في أنهم وُضعوا أمام معضلة تتمثل في جعل مبدأ الحصانة السيادية، الذي يعد أس القانون الدولي والعمود الفقري الذي تقوم عليه العلاقات الدولية، في مواجهة تحقيق العدالة لضحايا الإرهاب. وبذلك جاء قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" أو "جاستا"، ليضحي بمبدأ الحصانة السيادية للدول، لصالح تمكين ضحايا الإرهاب من محاكمة الدول المشتبه بدعمها هجمات على الأراضي الأميركية، أو استهداف أميركيين. بيد أن ذاك صار واقعاً، الا ان الراسخ يظل أنه ليس من المعقول سن قوانين وطنية في أية دولة بغرض خضوع دولة أخرى مستقلة وذات سيادة لبراثن اختصاص محاكم وطنية.
العلاقات السودانية الامريكية:
إتسمت العلاقات السودانية الامريكية منذ نشأتها- على اختلاف مواسمها- بالحرص على تبادل المنافع، وقد بدأ الاهتمام الأمريكي بالسودان حتى قبل الاستقلال بفترة طويلة، منذ بواكير القرن العشرين حيث الاهتمام بالزراعة، ثم ارسال الولايات المتحدة اول مبعوث لها في السودان للمشاركة في الاشراف على الانتخابات الآذنة بتكوين أول حكم وطني بعد الاستقلال. وعلى مستوى الحراك السياسي في البلاد فقد هدأت أمواج التطرف الأممي والقومي بسقوط الاتحاد السوفيتي في نهاية ثمانينات القرن العشرين، وكان اسلاميو تلك الحقبة ينظرون الى أمريكا والغرب عموماً كدار لأهل الكتاب فهاجروا اليها هرباً من جحيم ديارهم المسلمة ولجوءاً. وحرصت حينها الحركات الإسلاموية – بما فيها الحركة الإسلامية السودانية- الى ابتعاث كوادرها الى الغرب للتدريب والتأهيل في الجامعات والمؤسسات الاكاديمية، الأمريكية منها، الفرنسية والبريطانية وغيرها.
بدأت بوادر الاستعداء تلوح بعد تسنم عسكر الإنقاذ الى سدة الحكم ففي مرحلته الأولى كان الاستعداء شعاراتي على شاكلة " أمريكا روسيا قد دنا عذابها" ذاك النهج الذي أسماه د. منصور خالد ب “امتداد للسياسة الطلابية“ campus politics، ثم تلتها مرحلة الخطر حين بدأ التحالف الجهادي مع جماعات المتطرفين الإسلامويين، ثم حدث ما حدث.
ذلك التوجه الاهوج ارتد اليه رد الفعل الأمريكي برواجم تشريعية بلغت مداها قواعد حاضني القاعدة، كانت حصيلة تشريعيي الكونقرس أن أصدروا اثني عشر قانوناً ضد حكومة السودان، وهو شأن غير مسبوق في تاريخ الكونقرس. وتوالت الاحداث تطوراً حتى إعلان وزير الخارجية وارين كريستوفر، في العام 1993 أمراً بضم السودان الى قائمة الدول الراعية للإرهاب، ثم أضاف الرئيس كلينتون أمرا رئاسياً في 1997 معلناً فيه أن سياسات حكومة السودان تمثل خطراً على غير عادي في مجالات: مساندة الإرهاب، زعزعة الدول المجاورة، تفشي الخروقات الجسيمة لحقوق النسان.
لم تقف الأمور من جانب حكومة الإنقاذ عند حد المراجعة بل التمادي، فإرتد عليهم غضب المجتمع الدولي فأدان مجلس الأمن "بشكوى من مصر واثيوبيا" السودان، الأمر الذي أدى الى فرض عقوبات دولية متنوعة multiple sanctions – اقتصادية دبلوماسية سياسية - على السودان
ظل السودان منذ سنة 1993، في القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، لاستضافته زعيم القاعدة وقتها أسامة بن لادن، وعدد من قادة التنظيمات المتطرفة، وتهم لاحقة إثر تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في سنة 1998، وكذلك تفجير المدمرة كول. رفعت عن السودان الحصانة السيادية أمريكياً وظلت الدعاوى تلاحقه الا أن انتفض الشباب في ديسمبر لتكتمل ثورة الشعب على الظلم، فكانت ثورة أخرى في ردهات الدبلوماسية وثنايا منافذ القانون، الى أن كللت المساعي بالنجاح بعودة الحصانة السيادية.
السودان- بناء الثقة وترميم علاقاته الدولية ما بعد الثورة
استعادة السودان للحصانة السيادية تعني منع الأفراد في الولايات المتحدة من ملاحقة الحكومة السودانية قضائيا بدعاوى تتعلق بالإرهاب، لكن التشريع قد تضمن بندا يحفظ لضحايا هجمات 11 سبتمبر وعائلاتهم حق رفع دعاوى قضائية أو استكمال أخرى.
لكن حتى ذاك البند لم يمنع من طالبوا بإدراجه "عضوا مجلس الشيوخ الديمقراطيان، تشاك شومر، وبوب مينيندز" من تأكيد اهتمام واشنطن بتقارب أكبر مع الخرطوم، ويعلم المشرع الأمريكي والإدارة أنه في حال الاستقرار السياسي بعد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وإقامة السلام وبدء التحول الديمقراطي المدني ستهرع طوابير الاستثمار من كل صوب وناحية، فلن يدعوا الفرصة تفوت، فالسودان بلد الموارد الاستثنائية، والموقع الجيوبوليتكي الاستثنائي أيضا.
سيغدو الوضع القانوني للسودان بعد بدء سريان التشريع آذناً لحركة المصالح بشكل طبيعي، ليصبح دولة مكتملة الحصانة السيادية أمام أي محاولات مستقبلية للتقاضي ضده استنادا إلى وضعه السابق كدولة كانت مدرجة في قائمة الدول الراعية للإرهاب. فاتحاً الباب أمام تدفق حركة المصالح وعلى وجه الخصوص الاقتصادية بالانسياب سلاسة وحرية. وقد شدد العديد من المشرعين على أهمية العلاقات الأميركية السودانية، بإعتبار أن مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية ومصالح الأمن القومي تكمن في دعم العملية الانتقالية للسودان إلى الديمقراطية نحو حكم مدني يؤهل للإنتقال الديمقراطي السلس والسليم.
عودة الحصانة السيادية جاءت بعد أن أجاز الكونقرس التشريع الخاص باعتماد اتفاقية التسويات التي تم التوصل إليها بين حكومة السودان وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يتعلق بقضايا تفجيرات السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا والمدمرة كول، والتي تم بموجبها تم الاتفاق على أن تدفع الحكومة السودانية مبلغ 335 مليون دولار، وذلك مقابل حذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب كخطوة أولى، يعقبها شطب الأحكام القضائية الصادرة ضد السودان في تلك القضايا، والتي كانت قد قضت بدفع السودان أكثر من 10.2 مليار دولار، ومن ثم استرداد الحصانة السيادية للسودان بخصوص أي محاكمات مستقبلية تتعلق بالفترة التي كان مدرجا فيها على قائمة الدول الراعية للإرهاب" وكان السودان خلال هذه المعركة القانونية والسياسية قد طالب السودان في البدء إلى شطب جميع القضايا المرفوعة ضده تحت طائلة قانون الإرهاب، وتحويل القضايا المرفوعة عليه في أحداث 11 سبتمبر 2001، لتكون بموجب "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب" المعروف اختصارا بـ "جاستا"، والذي يمكن بموجبه مقاضاة أي دولة بما في ذلك الدول غير المدرجة في قائمة الإرهاب، إلا أن الأمر اصطدم بمعارضة اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ مدفوعين باعتراضات محاميي أسر ضحايا 11 سبتمبر، وفي الغالب يعود ذلك لحسابات الانتخابات التشريعية ومطالب الناخب المتماهية مع برامج أعضاء الكونقرس المعنيين. وبذاك السبب ذلك قضي التشريع الذي تمت إجازته باستمرار هذه القضايا وفق قانون الإرهاب، وليس قانون "جاستا"، كما طلب بذلك السودان.
استعاده الحصانة السيادية للسودان تعني الكثير ومبدأً تعني منع الأفراد في الولايات المتحدة من ملاحقة الحكومة السودانية قضائياً بدعاوى تتعلق بالإرهاب، وذلك بعد شطب القضايا السبع بشأن تفجير السفارتين، المرفوعة ضد السودان "وبقاء قضية ضحايا 11 سبتمبر في المحاكمة" مع إلغاء أحكام أخرى. إجرائياً بعد أن يوقع الرئيس الأميركي على القرار، سيصبح قانونا نافذا وساري المفعول، غير قابل للتغيير او التعديل.
ثم ماذا بعد الخلاص
ستدعم إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن عملية التغيير الديمقراطي المدني في السودان، حسب أنها كإدارة ديمقراطية تنطلق في سياستها الخارجية من دعم لحقوق الإنسان والمنظمات المدنية والحريات الأمر الذي تختلف فيه عن إدارة الرئيس المنتهية حقبته والحازم حقيبته – ترمب- والجمهوريين
بقي السودان ولنحو قارب الثلاثة عقود، أسير إدراج اسمه في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وانعكس ذلك على أداء الاقتصاد السوداني، وظلت تداعياته السلبية على قدرته، وفي الوقت ذاته قيّدت إمكانية تلقي المساعدات الدولية، جلها مستحق بدون حساب. لكن نشهد اليوم تعهد الولايات المتحدة الأمريكية بأنها تدعم الانتقال الديمقراطي في السودان دعما كبيرا، وتتفهم صعوبة أوضاعه الاقتصادية، والتزمت بمساعدات اقتصادية مباشرة للخرطوم، لدعم مشاريع صحية وتعليمية وكذلك برامج دعم الأسر. فبمقتضى التشريع ستصدر واشنطن تفويضا بدفع 111 مليون دولار لسداد جزء من دين ثنائي على السودان و120 مليون دولار للمساهمة في سداد ديون عليه لصندوق النقد الدولي وفي الوقت نفسه ستتيح للسودان مساعدات قدرها 700 مليون دولار حتى سبتمبر أيلول 2022.
إن مساعدات الديون هذه ستدفع لإنطلاق الخطوات التالية في عملية تخفيف أعباء الديون على السودان على مستوى العالم، الأمر الذي سيسهم في تأهله لبرنامج الدول الفقيرة المثقلة بالديون بصندوق النقد الدولي highly indebted poor country (HIPC) initiative بعد استيفاء جميع الاشراط، وقد أقر الصندوق خططاً للسودان لمراقبة برنامج إصلاحات اقتصادية مدته 12 شهرا تنفذه الحكومة الانتقالية الجديدة في السودان مع سعيها لاكتساب ثقة دولية والتحرك نحو تخفيف عبء الديون في نهاية المطاف. سيسمح الوضع الجديد بدمج الاقتصاد السوداني وجهاز الدولة المصرفي في الاقتصاد العالمي وتدفق النقد والاستثمارات الأجنبية للبلاد، والوصول إلى السوق المالية الدولية. سيعين رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب واستعادة الحصانة السيادية على حيازة التكنولوجيا الحديثة التي حتماً يحتاجها السودان، وعلى وجه الخصوص في مجال الإنتاج الزراعي، بشقيه النباتي والحيواني، والقطاعات الإنتاجية الأخرى، الأمر الذي سيعمل على تحسين إدارة صادراته ووارداته. وسينتج عن هذا القرار مضاعفة قيمة المساعدات التنموية والإنسانية التي ستقدمها واشنطن للسودان.
على الحكومة العمل بجدية ومهنية لمواجهة التحديات الداخلية لاستعادة ثقة المجتمع الدولي بتنفيذ مستحقات السلام وإجراء كم من الإصلاحات الاقتصادية اللازمة، وتأهيل القطاع المصرفي، ومعالجة الملفات المتراكمة دون تباطؤ أو تردد، لتشجع إنسياب رأس المال وفتح باب الاستثمارات، هي مهمة جماعية تشارك فيها قطاعات عدة، لكن على الحكومة أن تلعب دورها القيادي والريادي لإدارة الإرادة الثورية وتحقيق المكاسب التي من أجلها قامت الثورة.
وحتماً ستعيد السودان مقعده المتقدم في مسرح العلاقات الدولية، بيد أن شأن إقامة العلاقات مع دولة إسرائيل تمت بضغوطات جمة، الا ان الطبيعي ان تقام علاقات طبيعية مع كل دول العالم وفق متطلبات المصالح الوطنية وحدها، المصالح الوطنية العليا.

suanajok@gmail.com

 

آراء