السودان والريادات الوطنية الواعية التي يحتاجها

 


 

طاهر عمر
6 June, 2022

 

ما الذي يجعل المثقف السوداني لاحق للاحداث فيما يتعلق بعلاقته بالفكر الذي يفضي الى خلق مسيرة تجر المجتمع من وحل المجتمعات التقليدية؟ سأحاول في هذا المقال إعطاء بعد المؤشرات التي تدل على أن النخب السودانية قد تأخرت كثيرا في إعمال معنى القطيعة مع التراث القريب منه قبل البعيد فيما يتعلق بتحول المفاهيم. و سببه أن النخب السودانية تتحاشى و تتفادى طرق التفكير النقدي و لهذا غاب الفحص لأفكارهم و تقيمها و نقدها و تجاوزها لأن التوافق و الاتفاق مع الأفكار القديمة قد تجاوزه العقل البشري في تعامله وفقا لتجربة الانسان و ضمير الوجود و هذا يتطلب طرح فكر جديد لا يهادن و لا يسير على طريق التوفيق الكاذب و التلفيق و بالتالي يصبح سيد الموقف هو الترقيع و هذا ما هو سائد وسط النخب السودان.
و لهذا غاب عن أفقنا ظهور نجم شخصية تاريخية قادرة على جسر البون الفاصل ما بيننا و ما توصل له المجتمع البشري في مسيرته التي قد حققت تقدم و إزدهار مادي. و خاصة في زمن يعتبر لحظة إنقلاب زمان و في لحظة إنقلاب الزمان تحتاج الشعوب الى الشخصيات التاريخية القادرة بأن تكون متسلحة بصفات الشخصية الحدية و لها القدرة على إعمال معنى القطيعة مع التراث القريب منه قبل البعيد.
حال السودان اليوم يعكس عجز النخب السودانية عن استيعاب ما يجري و عجزها ناتج من أن النخب السودانية ليس لها أدوات تفكيك تساعدها على فحص تاريخ كسادها الفكري أضف الى ذلك خوفها المرضي بأن أي فحص لمسيرة النخب السودانية سوف يدينها و هي ترفض أي إدانة بسبب وعيها الزائف و لهذا في ظل إنقلاب فاشل كإنقلاب البرهان تعجز النخب السودانية في توحيد جهود فكرية معارضة تقدم شخصية تاريخية و يقال أن في لحظات انقلاب الزمان يولد الفلاسفة و الحكماء و الأنبياء فلماذا عجزت النخب السودانية عن تقديم فلاسفتها و حكماءها و أنبياءها لمكافحة أفشل إنقلاب و هو إنقلاب يقوده في الحقيقة فشل النخب و خيبتها في أن تقدم فكر يلحق بالشعب المتقدم دوما على النخب و قد أكد بأننا في زمن تقدم الشعب و سقوط النخب.
و سبب فشل النخب السودانية بأنها قد ذهب أغلبهم الى الحزب قبل الذهاب الى الكتب و هذه واحدة من مصائب النخب السودانية و أخطر من ذلك الذهاب الى الحزب قبل الذهاب الى الكتب في مجتمع تقليدي كحال مجتمعنا السوداني يجعل من عضو الحزب أشبه بالعسكري و علاقته بالكتب و الفكر تكاد تكون معدومة و بالتالي يتراكم الكساد الفكري و ها هو رصيد مفكري أتباع الأحزاب السودانية يحدثنا عن حال كسادهم و خاصة بأن أحزابنا السودانية لم تخرج بعد من نوعيين إما أحزاب اللجؤ الى الغيب المجسدة لأتباع الفكر الاسلامي و السلفيين و أحزاب الطائفية أو أحزاب الايديولوجيات المتحجرة كما هو سائد بين أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية فمن أين يأتي المفكر الذي يصل لمصاف الشخصية التاريخية من وسط هذا الرميم لأحزاب السودان؟
في ظل أحزاب سودانية الداخل إليها كالعسكري لا يمكن أن يزدهر أي فكر بل يسود الترقيع و لهذا لا تجد أي علامات فكر متجاوز بل كل أفكار مفكري الأحزاب السودانية نجده يميل للتوفيق الكاذب و التلفيق الذي يحاول جاهد في أن تطول لحظة التلفيق الكاذب حيث نجد المثقف السوداني يعاني في تبرير تبعيته للأمام و المرشد و مولانا و الاستاذ عند أتباع الحزب الشيوعي الذي يفكر بدلا عن العضو و في ظل تبعية المثقف السوداني نجده قد سيطرت على أفقه سحب جهل من يذهب الى الحزب قبل الذهاب الى الكتب و تمر الأيام و لا يظهر من بينهم أي مفكر يقلل من المسافة التي تفصلنا عن ما وصل له عقل البشرية و بالمناسبة حال النخب السودانية في أحزابها التي يسيطر على أفقها المرشد و الامام و مولانا و الاستاذ عند الشيوعيين يجسدون إصرار من لا يريد أن يعرف كيف أجاب عمانويل كانط على سؤال ما التنوير؟
و عندما يغيب فكر عقل الأنوار طبيعي يسود فكر أحزاب اللجؤ الى الغيب و هو فكر أتباع الحركة الاسلامية و أحزاب الطائفية و السلفيين و كذلك فكر أتباع النسخة الشيوعية السودانية و هذا الفكر السائد وسط أتباع الأحزاب السودانية ضد الحداثة وفقا لعلماء اجتماع و فلاسفة و مؤرخيين غاب فكرهم عن ساحتنا السودانية.
نحن في زمن قد قضت فيه الحداثة على جلالة السلطة و قداسة المقدس و هذا يحتاج الى تأسيس لفكر جديد وسط النخب السودانية التي لم تسمع ضحكة فردريك نيتشة على أمثالهم أي من يتلذذ بأن يكون تحت قيادة المرشد و الامام و مولانا و الاستاذ عند الشيوعيين في كتابه هكذا تكلم زرادشت و عليه في نظر نيتشة الذي قد ساهم فكره في توسيع ماعون الحرية بأنه من العار أن تكون تابع للامام أو المرشد و مولانا و الاستاذ و عليه كيف ننتظر ممن يكللهم العار ظهور مفكر من بينهم يصل الى مصاف الشخصية التاريخية؟ و عليه نقول للنخب السودانية فارقوا روح العبودية التي تسيطر على أفقكم و تجعلكم أتباع للامام و مولانا و المرشد و الاستاذ فارقوا فلسفة العبيد كما قال نيتشة بأن إتّباع الغرب للفكر اليهودي المسيحي بدلا من الفكر اليوناني و الروماني كان تكريس لفلسفة العبيد بدلا عن فكر الأحرار فكر الانسان المتفوق.
جاء الوقت بان ينفض المثقف السوداني رماده و سجمه الذي قد أصبح علامة من علامات فكر السجم و الرماد و يتجه باتجاه فكر عقل الأنوار و هذا لا يكون بغير الخروج من الحزب و الذهاب الى الكتب و حينها سيعرف المثقف السوداني بأننا نسير مع الانسانية باتجاه الدولة الحقوق و لم يعد هناك أي شئ يجعلنا نعتقد في فكرة الدولة الارادة الالهية و هي تضلل أتباع المرشد و الامام و مولانا و الاستاذ عند الشيوعيين.
حان الوقت بأن يعتقد المثقف السوداني في ان ظاهرة المجتمع و ليس فكرة الصراع الطبقي هي التي عبرها يمكن معالجة علاقة الفرد مع مجتمعه في صراع تضبطه معادلة الحرية و العدالة. و فكر الحرية و العدالة يفترض بان الفرد عقلاني و أخلاقي و بالتالي لا طريق غير ان نسلك طريق التاريخ الطبيعي للانسانية و لا يدلنا عليه غير الفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الاقتصادي و للاسف لا نجد له أي أثر وسط نخب إستكانت الى تعبيد طريق فلسفة العبيد في تبعية المرشد و الامام و مولانا و الاستاذ عند الشيوعيين.
و عليه فان مقاومة انقلاب البرهان الفاشل يضع على النخب السودانية جهد مضاعف و هو ان تعي بأن فكرها القديم و هو تبجيلها لفكر فلسفة العبيد قد فات أوانه و عليها ان تركله و في نفس الوقت أن تؤسس لفكر جديد لم تتعوّد على دروبه و هذا ما يطلبه منهم الوطن و الشعب بأن يضاعفوا سيرهم بعد أن يفارقوا فلسفة العبيد التي قد كبلتهم لزمن طويل و أن يفارقوا أحزاب لا يرضى أن يكون بين صفوفها غير من يؤمن بفلسفة العبيد و هذا طريق غير الطريق الذي قد سارت عبره ثورة ديسمبر و خاصة ان شعارها حرية سلام و عدالة أول كلمة فيه تحارب فلسفة العبيد و من يؤمن بها الشعب السوداني قد قال في شعاره حرية سلام و عدالة و حرية تعني مفارقة فلسفة العبيد لان من يرضى بالعبودية و من يؤمن بفلسفة العبيد لا يكون من مجسدي شعار ثورة ديسمبر حرية سلام و عدالة. و عليه يمكننا ان نقول ان فشل النخب في العبور بالانتقالية من أسبابه تكالبهم على المحاصصة و هي من علامات من تسيطر عليه أفكار فلسفة العبيد و تحقيق شعار ثورة ديسمبر يحتاج لمفكر يؤمن بالحرية.

taheromer86@yahoo.com

 

آراء