السودان وحرب البقاء أو الفناء – (جزء 3)

 


 

 

سيرة البقاء أو الفناء، هي ناقوس الخطر عند تشظّي الانحراف السياسي من فساد المحسوبية إلى مافيا الجريمة المنظمة بين جشع الأحزاب وشوفينية العسكر في السودان منذ الاستقلال.
ونحن نغوص في التلكّؤ لترتيب بيتنا نجدنا تعثّرنا تحت عجلات القياصرة مجهولة هويّتنا ليذبحنا هذا النظام الطائش وليد سياسات عالمنا الخرب الذي ظلّ مكسّحاً في ساحة الفشل الإقليمي والغياب الدولي في كل المحاور التي نصف أنفسنا بالانتماء إليها.
تطرقت في مناقشات هذا العنوان لمعالم النظام العالمي، بين واقعِهِ من الوصائية العرقية، الوصائية الدينية، الوصائية المجتمعية، عبر فلسفة السلام الأبدي الذي يفصِل بين "الواجب" و "الضمير"، والذي قاد إلى فصل الدين عن الدولة، عبر حوارٍ بنّاء بالحجية العقلانية أو الراشونيل.
أو في تقييم حرّية الدفاع عن النفس بشفافية وبدون قيود، حسب نظرية الأمير وهي الغاية تبرر الوسيلة. وأن المطبّات التي وقع فيها النظام العالمي عبر التجارب السابقة بما أبانت من عيوب في إنكارها، كيف يمكن احتواؤها لحين الاتفاق على نظام عالمي ادق كما نشهد في السياسات التي انتهجتها روسيا في حربها الحالية.
فوضعنا المعقّد في السودان إثر الانقلاب الذي انقضّ على مسيرة الثورة هو صورة لعجالة القرار في حسم المباح من خيارنا المصيري بين ضرورة الغاية وعيب الوسيلة، كما تجلّى لنا في قراءة روسيا ضرورة بقائها من فنائها، المماثلة في تطبيق وسائل معيبة لإزالةٍ ضرورية لوباءٍ سرطاني في جسم النظام العالمي الحالي، تُصِحّح قراءتَها بأنها فرض مغامرةٍ لإعمال مُخْلٍ (قَرْصة) مفصلي للنظام العالمي، كعزوف الباكستان البارحة وغضب رئيسها عمران خان، من طلب الاتحاد الأوروبي ومجموعة دولية أخرى من باكستان في معيتهم إدانة روسيا، متسائلاً هل نحن رهن إشارتكم؟ لِمَ الباكستان، وليس حليفتكم الهند؟ أو في موقف بريطانيا في نفس النزول لتجاوز النظام العالمي بطلب مساعدة السعودية في حرب الطاقة ضد روسيا لعقابها في نفس التهم التي يوجهها النظام العالمي للسعودية بعدم احترام حقوق الانسان. أو في رد الفعل المعيب لرئيس أمريكا بايدن وقتَ قيام روسيا بالتعدي على أوكرانيا والتحذير بجاهزية سلاحها النووي، والذي لم تحدد حجمه، برَدِّ التهديد لها بأنه سيعد أخطر "سلاح نووي بدفعٍ صاروخي عابرٍ للقارات" (آي سي بي إم)! أو في نعته في جنيف للرئيس بوتن بأنه "قاتل"، مما أضطره للإتصال به هاتفياً للإعتذار له. وقمنا نحن، عضو دول عدم الانحياز، ولزيادة حرج موقفنا، في نفس الوقت الذي تجري فيه العملية الدولية الجراحية الدقيقة في خيار استئصال ذلك العيب، نسارع بمد روسيا بما يكفيها من ذهب لإبطال مفعول رد فعل الغرب، ونحن لم تقم لنا دولة بعد بغياب الدستور الذي لم نوفّق بوضعه طوال فترة استقلالنا!!
الدكتور عبد الله حمدوك الخبير في علوم الاقتصاد، والأسطورة في سرعة إعادة تأهيل السودان برفعه من قائمة الإرهاب، وإعفاء الديون، وبتدفّق التمويل لإعادة بنائه، اعتقل ووُضِع في حبس منزلي، ثم أُجْبِر على مشاركة الانقلابيين بحجة حقن الدماء.
تماماً كما قامت به الطغمة العسكرية في دولة ما ينمار بالسماح بانتخابات عامة عام 1990، ففازت زعيمة جماعة الدعوة للديمقراطية، المناضلة أون سانقشو كاي كرئيسة جمهورية، نُزّلت حسب الدستور إلى مستشارة (رئيسة وزراء) بسبب أن زوجها أجنبي. ذهبت المناضلة سانقشو لمحكمة الجنايات الدولية عن حكومة ماينمار واستطاعت تبرئة الحكومة، ولما عادت تعرّضت للقتل بواسطة عصابة كالجنجويد تتبع للطغمة، ومنعتها الطغمة بتلفيق اتهاماتٍ لها بصرف مكافأة الدكتوراه التي حازت عليها خارج الدولة تهرّباً من الضرائب، بينما هي أوكلت عنها زوجها وإبنيها لصرفها على حزبها المناضل للديمقراطية، وزادت الطغمة تهم إضافية باطلة حتى تمكنت من التحفّظ عليها منزلياً عام 1994 لمدة 21 عاماً، وأطلق سراحها بعد أن قضت منها 15 عاماً. وخسرّت السند الشعبي حتى صارت عضو برلمانٍ فقط.
أليس التشابه يُدهش؟ هذه هي الما فيا المتمترسة تحت جلد النظام العالمي
في عيب النظام العالمي أن مواثيق الأمم المتحدة، بالنسبة للقطب الأقوى، ليست حاسمة إلا من خلال مقايضات ومساومات الدول الكبرى في المكاسب والخسائر، مما يعيب ميزته في الحرية والسلام الأبدي. وبالنسبة للأقطاب الأخرى الحرية بالتعامل غير المباشر مع المافيا العالمية سراً يُلزِمُه حق البقاء، بحجة إنها طرق تستطيع الشعوب الضعيفة الاحتماء بها والمشاركة في الكسب فيها، وعيبها أنها غير ممكن تقنينها.
ويجب على السودان أن يقرر موقفه من ذلك وبالتالي الانحياز لأي قطبٍ يرى فيه إصلاح للنظام العالمي.
فإلى حين معافاة النظام العالمي أو تغييره، وبمشاركتنا في ذلك، علينا أن نتحرّى سلامة بقائنا بدلاً من فنائنا، بكل اجتهادٍ، ولكن ليس بعيداً عن مرأى الأمانة وهي الالتزام الإيجابي في حمايتنا أيضاً، والبديل للتقنين الكامل.

والمستخلص حسب ما ناقشنا في المواضيع الخاصة بالحوار، أن للبقاء وفرصة تحديد الانحياز لأي قطبٍ، أحد شرطين أساسيين: إما كامل السيادة لنا في وطننا وبكامل حقوقنا الأساسية والسياسية ووقف إجراءات تزييف الهوية التي يقوم بها الدعم السريع بتهجير وتوطين القبائل، وإبطال الانقلاب العسكري ومحاسبة فساد وجرائم النظام السابق، مع العودة لمدنية الحكم بدستور 1957 مع القرارات الإيجازية الخاصة بالحكم المركزي والولايات وحق تقرير المصير خالياً من التعديل في الهوية والحريات. وليس الوثيقة الدستورية التي سقطت بفشل جدّيتها.
ثم الحوار البنّاء بين الأطراف المتعارضة بعد إزالة الانقلاب، إما فعلياً، أو مبدئياً مع برنامجٍ مفصل للوصول إليه فعلياً.
إزالة الانقلاب فعلياً يتم بضمان دولي، فيه يتقدم أولياء دم الضحايا في انقلابي 11 يوليو 2019، و25 أكتوبر 2021 إما بالعفو أو بقبول الدية فداءاً للوطن مع ضمان حقوق الشهداء بواسطة الشعب السوداني بقرارٍ يتم استخلاصه من جلسات الجمعية التشريعية المقبلة، وبالمقابل يتنازل الحكم العسكري من السلطة للمدنيين، على أن تكون لهم وزارة الدفاع والأمن تحت رئاسة الوزراء المدنية.
مما ورد أعلاه يمكننا أن نبوّب تلك الخطوات لتأمين الهوية السودانية على النحو والترتيب التالي:
الحرية:
1- إنهاء الدكتاتورية: والحل يكمن في أ- العفو بالقصاص، ب- تطوير وانعاش نشاطات الرياضة والمنافسات في المجتمع
2- إنهاء الاحتلال المصري: أ- التعرف عليه، ب- تنفيذ التصحيحات بموجبه
3- الشعوبية وإجهاضها من أساسها (وهو الفصل العنصري): أ- حل الدعم السريع، وتنقيته وإعادة هيكلته مع القوات المسلحة. ب- عمل مجلس أعلى للإدارة الأهلية، مسئولة لدى اللجنة الدستورية. ج- خلط الأقاليم في التوزيع على المدارس العليا (داخليات) كما كان أيام عبود: تجربة ممتازة ناجحة. د- ترقية الثقافة والفنون الشعبية والرحلات المدرسية للأقاليم المختلفة في السودان.
4- إعادة تقييم حرية وهيكلة وتسجيل الأحزاب والجماعات، مع حظر الأحزاب ببرامج: الحزب الشيوعي –التسييس الديني والطائفية السياسية وبرامجها – برامج الكيانات العرقية.
الديمقراطية:
5- تطوير واقع الشفافية فلسفياً وتربويّاً للتعامل بمبدأ الأمانة (حسن النية، أي أمانة المقصد، من موروثات مكارم الأخلاق الإسلامية) بما يعكس المصداقية الصادقة، مع مبادئ الحريات والحقوق في النظام العالمي ومد يد الصداقة للمعسكر الغربي، والمعسكر الشرقي معاً، بدلاً من عدم الانحياز.
6- حماس وإسرائيل لا تطبيع مع أيٍّ، إلا بالاعتراف بحق تقرير المصير، والتصالح في حرب 1967 وبعقلانية في رد الأراضي المحتلة مع علاج حجم التعويض في خسائر العدوان.
7- حراسة مشددة على الحدود لمنع التهريب ومنع تجارة البشر والمخدرات والسلاح وموجات النزوح
8- تطوير وتقوية بنية المعلوماتية والاتصالات لكل الشعب لفعالية رقابة الشعب على سياسات واتجاه سير الدولة ولتعبيد أرضيات الحوار

izcorpizcorp@yahoo.co.uk
/////////////////////////////

 

آراء