السودان تحت عجلات القياصرة 

 


 

 

بالأمس صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لطرد روسيا من مجلس حقوق الإنسان، الكرت الذي سعت روسيا لكسبه حسب استراتيجيات حربها البائنة للعين المجردة، بضربها ماريوبول ضرباً الغرض منه فناؤها وإبادة سكانها، من أجل خلق واقع تجبر به الحلفاء بالتنازل لها عن سخيدنا أوكرانيا، أي أوكرانيا الشرقية كثيفة السكان، (لوهانسك، دونتسك، أوبلاست وهاركيف)، وتكون ماريوبول معبراً منهما لشبه جزيرة القزم التي احتلتها قبلاً، وهو كما يتضح ليس منه غرض سوى تمكين نفسها من السيطرة على البحر الأسود، ورجعت مرةّ أخرى لتواصل نفس برنامج  الأرض المحروقة (كما فعلت في حلب سوريا) في مدنٍ أخرى وتكملة مهمتها في كييف، بعد أن فشلت في استدراج الحلفاء للتهور بدخول حربٍ عالمية ثالثة مباشرةّ، والتي تكون حاسمةً في بقاء البشرية والكرة الأرضية.

ثم استعرضت روسيا برامجها في مواجهة العقوبات الاقتصادية التي جعلها الحلفاء استراتيجيتهم للرد على العدوان الروسي بعيداً عن الحرب العالمية، وهناك الصين قد خزّنت من البقوليات والحبوب ما يطعم نصف العالم، ومعنى ذلك أن روسيا ستوقف تصدير القمح، وأما أوكرانيا فقد خسرت انتاج هذا العام، وكلا الدولتان يمثلان معظم منتح الغلال لإطعام العالم والذي لمسناه في السودان واثر في تدهور الأحوال في اغلب دول العالم، مهدداً بمجاعة كارثية بدأت غيومها.

وتقول التحليلات في أوروبا وأمريكا أن هذه الحرب ستستمر لاسابيع وشهور، ومحتملاً جداً لسنواتٍ طويلة، فما معنى هذا؟ هل ستستمر المغالطة والمحاججة بهذه العنجهية، أم كما قال الشاعر السيف اصدق أنباءاً من الكتب؟

إن سلاح الحلفاء هو إفلاس روسيا وهو بمثابة قنبلة نووية موجهة إليها. وروسيا تحتال بشتى الوسائل لإبطال سم تلك العقوبات، ولكن الحلفاء يتشددون أكثر وتراهم مطمئنين على سياستهم تلك بابتكارات جديدة في دقة العمليات المؤلمة تلك، وروسيا تماري تدمير أوكرانيا والابادة المتعمدة وتهدد  بدول أخرى، ونجحت في إجبار الحلفاء لحشد الجيوش والمعدات الحربية في جورجيا وعدة دول أخرى مرشحة لمصير أوكرانيا. وهنا لن يدخل الروس في ذلك مالم يكونوا قد أعدّوا حجّتهم بتدخّل الحلفاء، والذي يبدو الآن هو الاتجاه نحو موقف "من يرمش أولاً ويروح فيها مسبقاً" في هذا السجال اللامنتهي، مع قراءة جديدة للمستجدات بموقف الصين غير القريب وليس بالبعيد، كلها حسابات ستترك ساحة الحرب ملتهبة لفترة غير وجيزة.

وفي هذه الحرب دخلت دبلوماسية بقية دول العالم في حيز التأثير، تلك الدول التي تفاجأت بتحديد خياراتها من المحاور وهي تجلس في عيون زوابعها كلها، ولكن كثيراً من تلك الدول خاضت حروباً مع المافيا العالمية من قبل ولها سابق خبرة في كسب الدول العظمى المتحاربة اليوم وحروب الوكالة (الوكالة المبنية على هيكلة قناعٍ هلامي يخادع القانون ويجرى موازياً له وليس الارتزاق المفضوح العاري كالذي يقوم به حميدتي والحركات المسلحة عندنا).

ولكن السودان، ولسوء حظه، أنه بعد لفظه النظام السابق الذي رهن نفسه ورهن السودان معه للمافيا العالمية، بعد أن لفظه بثورة مشهودة أدخلت الأمل في رجوع السودان بصحته الجيدة الى العالم الذي افتقده دهراً، بعد ذلك الأمل والاستبشار، إذا به يقع في قبضة أرذل وأوهى العملاء وبائعي الذمم، الذين لا يبدو أن لهم إحساس ولا استيعاب لما يدور في حلبة الصراع العالمي، يسارعون في الهرولة لبيع أنفسهم في أسواق النخاسة لروسيا، ليس إيماناً بالماركسية اللينينية، ولا معرفةً لجراحة للنظام العالمي التي تقول روسيا إنها بصدد إجرائها، طبعاً لجهلهم عن النظام العالمي والفلسفات التي تتبارى لتشكيله، إنما فقط لأن أمريكا تهددهم بالمحاسبة على الجرائم التي افترضوها لزوماً لما لا يلزم، وهو شيمة الجبناء الذين لا يستحون والذين كتبت عليهم الذلة والمهانة في الدنيا وفي الآخرة.

أنظر إليهم يتلاعبون عبثاً ولا يفهمون في السياسة شيئاً فهل فيهم من درس او احترف السياسة والعلوم الإنسانية والمجتمعية؟ أو تبحّر في علوم الفلسفة وأصول الآديان. هل فيهم على الأقل من تعلم من القرآن الكريم ما لو تعلمه لأنقده من تخبطه ذاك؟ فهم لا يفقدون الآخرة فقط، إنما الدنيا أيضاَ بغياب الفطنة.

الحرب مستمرة،  وكما بثّتها القنوات الفضائية والصحف عبر العالم كله بأنها مرشحة للتوسّع لسنين طويلة، آلامٌ مفرطة تلوح عبرها ودمارٌ وخراب لم يشهده العالم بعد، خلال تغييرٍ حتميٍّ لمصائر عمالقةٍ كثرٌ، وحسمٍ لمتسلقين أكثر.

والذهب عميد الاتجار العالمي (الميركانتيليتي)، ورأس الرمح في سلاح النظام العالمي الحالي لهزيمة روسيا في سعيها لهزيمته، يصادف وفرته بكثرة في الشريط الساحلي وأغلبه في السودان.

هل ترى أن يترك الجبابرة تلك الفئران في السودان لتنشط بسرقة الذهب السوداني وتمريره تحت أعين وانوف الدول الكبرى من أمريكا والاتحاد الأوروبي وجميع حلفائهم لتقييد أياديهم من استراتيجيتهم التي يضعونها لعدم جرهم إلى حرب نووية تنهي العالم؟ قالوا قبلاً "دعوهم يلعبوا بثرواتهم حتى يكبر عقلهم لمعرفة كيف الإفادة منه والتي ستدوم دهوراً"، ولكن هل سيظلون يراقبون تلك المهزلة التي فيها تتلف الفئران السفينة لتغرقاها بركابها؟ أهذه استراتيجيتكم يا عسكر ومرتزقة وتوابع، أم خيابة جهلاء لا يستحقون وجوداً في هذا العالم الذي سلاحه هو عقله وعلمه من أجل البقاء وهزيمة الفناء؟

رحم الله امرئ عرف قدر نفسه.

وهل عقُل هؤلاء أنهم يمكن أن يستمروا في طريق الإبادة والعبث الذي، حتى الفراعنة والقياصرة، لم يقدروا على إدامته. هل عقلوا أنهم، وفي عهد السرعة والعولمة والكاميرا التي لا يخفَى عنها شيءٌ، أنهم سيقودون العالم قيد الهوان، فقط لأنهم قتلة سفلة ظنوا جهلاً أنهم عباقرة الشر؟

ما دام أنهم قرروا ألا تقوم للسودان قائمة، أليس لهم كرامة أو حميّة تجبرهم على عدم إراقة ماء وجههم أمام أهليهم وأمام التأريخ؟ وكما يقول المثل "الاختشوا ماتوا"




izcorpizcorp@yahoo.co.uk

 

آراء