لقد شد أنتباهى الخبر الذى جاء بالصفحة الأولى لصحيفة الجريدة وبالبنط العريض " أجتماع سرى بين رئيس الوزراء بكرى حسن صالح ودكتور غازى صلاح الدين" وعندما قرأت محتويات الخبر لم أجد فيه ما يمكن أن يكون سراً من الأسرار اللهم الا أذا كانت ادارة تحرير صحيفة الجريدة كانت تريد أن يكون هذا اللقاء معلناً من قبل. ونتساءل هل أى مسئول يريد أن يلتقى بمسئول آخر أو رئيس الجمهورية او نائبه أو رئيس وزرائه اذا أراد أن يلتقى بأي من المكونات السياسية التى تمتلئ بها الساحة السياسية السودانية يجب عليه أن يعلن عن لقائه بها مسبقاً وألا أذا تم اللقاء يكون فى خانة السرية والأسرار وأخفاء الأمر على الشعب السودانى؟
وقبل أن اخوض فى هذا الخبر أريد أن أقرر حقيقة واحدة أن تركيبة الشعب السودانى وطبائعه لا تعرف الأسرار ودرجات التآمر بليل اللهم الا ما أحدثته النخبة العقائدية والأيدولوجية فى تآمرها على خيارات االشعب السودانى وهم الذين غرزوا العمل السرى وسط منظمات المجتمع المدنى السياسية والفكرية. ومع ذلك حاولوا كثيراً أن يجعلوا تحركاتهم ومؤامراتهم أن تكون محاطة بالسرية ولكن لطبيعة المجتمع السودانى المفتوحة وتداخله الأجتماعى وأمتدادات الأسر والقبائل والأختلاط والأنصهار الذى بينها فلم يكن بينها أسرار كما أن أى حركة أو حتى قول فى ليالى السمر بالليل تجده صباحاً بين السنة الناس وهذا هو الذى جعل الأنقلابات العسكرية تحدث وتنجح برغم علم الكثيرين بها قبل أن تقع بايام وليالى ولكن طبيعة الشعب السودانى وتركيبته جعلته لا يؤبه لها ويعتقد أنها اذا كانت صاح وحقيقة لما كانت متاحة قبل أن تحدث. ولأن القيادات هى جزء من تركيبة هذا الشعب جعلتهم لا يؤبهون لأنكشاف اسرار التخطيط للأنقلابات واعتبرته نوع من الأشاعات ولم تتعامل معها بجدية برغم أن حدوثها ينزع عنهم سلطتهم وأمانة الشعب السودانى لهم فأضاعوها بهذه اللامبالاة وكل الأنقلابات العسكرية الثلاث التى حدثت فى السودان كانت معلومة مسبقاً للعامة ناهيك عن القيادات السياسية أو الممسكة بزمام السلطة. نعود ونقول ما هو منبع السرية فى أن يلتقى السيد رئيس مجلس الوزراء المكلف بتكوين الحكومة أن يلتقى بأى من القيادات السياسية أو القوى السياسية سواءاً التى كانت جزءاً من الحوار الوطنى أو الممانعة والتى لم تشترك فى الحوار الوطنى. وأعتقد أن مثل هذا السلوك يحسب فى صالح السيد الفريق بكرى حسن صالح وهو يعمل على أن يقوم بتشكيل حكومة اصلاح سياسيى واقتصادى للدولة ان يعمل ما بوسعه لأن يستمع لوجهات النظر المختلفة خاصة تلك التى لم تكن جزءاً من حوار قاعة الصداقة أو من يسمون بالممانعين. وأعتقد أنه محتاج أن يلتقى بهؤلاء قبل غيرهم لأن ما يفيدون به ليس فيه بند أو جند المشاركة فى السلطة القادمة وقد تكون أراؤهم مفيدة لكيفية أدارة الدولة فى هذه الفترة الأنتقالية قبل أنتخابات 2020م أذا أستمرت هذه السلطة الحالية الى ذلك الوقت. هذا أذا أضفنا أن الدكتور غازى صلاح الدين هو جزء من منظومة سلطة الأنقاذ على مدى خمسة وعشرين عاماً وعضواً اساسياً وفاعلاً فى الحركة الأسلامية التى قامت عليها الأنقاذ ووقف وقال بآراء جرئية وبتاسيس من منطلق تجاربى فى الأنقاذ ومن منطلق فكرى بعد أن أهتزت قناعاته للتعاطى الأسلامى مع مقتضيات الحكم والربط بينه والحداثة والأرتباط الدولى والعالمى بمواثيق ملزمة لكل دولة تريد ان تكون جزءاً من المنظومة العالمية بكل دولها بمختلف ااديانها وثقافاتها وتقاليدها أتفاقاً على مشتركات القضايا الأنسانية وقيادة السلام وقد كرم الله بنى آدم فى البر والبحر. ويقينى أن دكتور غازى سيكون قد أوضح رؤاه فى كيف يمكن أن تدار المرحلة الأنتقالية وكيف يمكن الخروج بالوطن من عنق الزجاجة الذى أدخلته فيه الأنقاذ بحماس عدم القادرين على فعل التمام حتى ولو كان الفريق بكرى جزءاً منها ولا أعتقد أن الدكتور غازى يكون قد قال كلام مجاملات بحثاً عن منصب له ولمن معه فى قوى المستقبل للتغيير والا سينطبق عليه قوله تعالى " كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" وأتمنى أن يكون فى لقائه مع رئيس الوزراء أن يكون قد نأى بنفسه عن ذلك. أنى أعتقد يقيناً من أجل العبور بالوطن بسلام من هذه المرحلة العصيبة التى يمر بها والتى أعترف بها الحاكمون قبل المعارضين أن يؤجل الفريق بكرى حسن صالح تكوين الحكومة شهراً آخراً من أجل مزيداً من التفاكر والأستنارة بالآراء وخاصة من المعارضين الذين لهم وجهات نظر مختلفة وبهذه الطريقة سيكون الجميع قد ادلوا بدلوهم فى القضية الوطنية. وسيكون بذلك قد توصل الى اراء جمعية دونما وصاية من أحد او تنظيم او حزب وبذلك سيكون قد اشرك الجميع دونما التزامات مكتوبة او مشاركة فى السلطة وايضاً بهذه الطريقة سيكون قد اشرك الجميع ليدلوا بدلوهم فى القضية الوطنية. للأخ الفريق بكرى الآن فرصة نادرة أن يلتقى بالقوى السياسية المعارضة والتى تمنعت من حوار الوثبة أن يلتقى بها كل قوى سياسية على حدة ليتعرف على كامل رؤاها للمرحلة الانتقالية القادمة اذا كان فعلاً الأنقاذ جادة بأن يكون عام 2020م هو عام التحول الديمقراطى الحقيقى. وقلت يجب أن يلتقى بكل قوى سياسية معارضة على حدة لأن الألتقاء بهم مع بعض لن يؤدى الى نتيجة لأنهم فى المجمع جبلوا على أن يزايدوا على بعضهم البعض بالشعارات دونما الكفير الهادئ العميق والجاد الذى سيكون منتجاً أكثر من الغوغائية اذا كان فعلاً يهمهم الوطن وليشهدوا التاريخ أنهم قد حاولوا أن يسهموا فى حل المشكل السودانى ولكن الحاكمين لم يستمعوا اليهم. أتمنى أن يأخذ الأخ الفريق بكرى حسن صالح بهذا الرأى وأن يعمل بجد للوصول للجميع أفراداً وجماعات وقد يستفيد من الأستنارة ببعض الآراء التى قد تكون له مفيدة فى مسيرته القادمة وهو يقود الجهاز التنفيذى فى هذه المرحلة الدقيقة من عمر الوطن. وأختم واقول أن الشعب السودانى كتاب مفتوح ليس فيه أسرار ألا من الذين لا يريدون ان يحتكموا لهذا الشعب الأبى الخلوق الكريم المتسامح والذى لا يستحق ان يجرى له كل الذى جرى له على ايدى بنيه من النخبة المتعلمة عسكرييها على مدنييها وهم الذىن دفع لهم من دم قلبه لتعلموا وليرتقوا اسباب الحضارة أملاً فيهم أن ياتوا بعد ما نالوه من علم ان يرفعوا بأيديهم اقتصاداً وأجتماعاً وأمناً وصحة وعافية وتعليماً لأبنائهم الذين ياتون من بعدهم وما كانوا يرجون أن يقوموا بنسيانهم ويتمحوروا حول ذواتهم والمكاسب المادية لأنفسهم وهم يقولون هل يظن هذا أن ما أكتسب وسلب من اموالنا ستدخل معه القبر او أن يظن أن أبنائه من بعده سيتمتعون بهذا المال الحرام الذى سيكون وبالاً عليهم دنيا وأخرى.