الصحافة الورقية ما بين الانتشار والاندثار

 


 

 

بشفافية -
أذاع مجلس الصحافة الثلاثاء الأول من أمس، ما أسماه تقرير التحقق من انتشار الصحف، وهو التقرير الذي دأب المجلس على اذاعته كل عام، قبل ان يتوقف لنحو خمس سنوات، ليعود اليه المجلس هذا العام، وليس من اغراضي هنا التطرق لما جاء في التقرير، رغم ما يمكن أن يؤخذ عليه من عيوب جوهرية، أبرزها ضعف المنهج المتبع في اعداده وافتقاره للعلمية، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً للطعن في صدقيته ونزاهته وتجرده، فما يعنيني هنا هو ما تعانيه الصحافة اليوم والذي يهدد أصل وجودها، مما يجعل من هذا التقرير ترفاً وعملاً انصرافياً لا قيمة له، فآخر ما تحتاجه الصحافة وهي تكابد لتحيا وتبقى على قيد الحياة، تقرير يتحدث عن الانتشار والتوزيع، وكان الأحرى والاجدى لمجلس الصحافة ان يلتزم الصمت طالما ليس عنده ما يقدمه لمريض ممدد على فراش الموت، وكان الانفع للصحافة لو ان المجلس كان مهموماً بمعاناتها والتراجع المخيف في نسب التوزيع المتدهورة عاماً بعد عام، والأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي تعانيها الصحف، وبدلاً من ان يعقد مؤتمراً لاذاعة تقرير مخجل عن نسب توزيع الصحف (أولها وأخيرها)، بما لا ينبغي لها ان تشرف أحداً أو تسعده، لو نظم المجلس ورشة جامعة تنظر في أسباب هذا التدني المقلق وتتدارس الكيفية التي يمكن بها انقاذ المهنة من الفناء الذي يتهددها..
الصحافة كما يعلم مجلس الصحافة وخاصة الورقية تعاني مر المعاناة في اقتصادياتها، ونخشى ان ظلت هذه المعاناة قائمة دون ان يسعى المجلس لتخفيف وطأتها على الصحف، سوف لن يجد المجلس العام القادم صحفاً يصدر بشأنها تقريراً عن الانتشار، بل سيصبح المجلس نفسه اسماً بلا مسمى، وعليه يبقى على المجلس ان كان جاداً في وجود صحافة حقيقية ان يسعى بجدية لتحسين أوضاع هذه الصحف، اما بالدعم المباشر كما تفعل الكثير من الدول، أو بطريق غير مباشر بالغاء أو تخفيض الرسوم على مدخلات الصناعة الصحفية التي تشمل الورق والاحبار وكل مستلزمات الطباعة، فواقع الصحف اليوم يعكس معاناة معظم المؤسسات الإعلامية والصحفية في السودان من أزمات اقتصادية تهدد استمراريتها، وقد زادت حدتها جراء الافرازات السالبة لجائحة كورونا اضافة للتدهور الاقتصادي والتضخم المتسارع الذي تعانيه البلاد والذي زاد حدة بعد الانقلاب، ولذلك لا بد في ظل مناخ اقتصادي هش ومضطرب وسوق إعلانية ضئيلة من أن يفتقر الإعلام إلى مداخيل حقيقية تمكنه من النمو والازدهار،
وقد أدى الانخفاض المتسارع في مقروئية الصحف وتدني اقتصادياتها الى توقف عدد من الصحف وتشريد العاملين فيها من محررين وفنيين واداريين، ذلك بعد أن وجدت تلك الصحف نفسها عاجزة عن مواجهة الضغوط المالية الناتجة عن انخفاض مبيعات التوزيع وعوائد الإعلانات، لتبدأ في التساقط واحدة تلو الأخرى، في مشاهد أثارت قلق المهتمين بصاحبة الجلالة، حيث توقفت عدد من الصحف عن الصدور، نذكر منها المجهر السياسي، آخر لحظة، الأخبار، الرأي العام، المستقلة، مصادر، الأيام، الحداثة، بينما تمكنت صحيفة الحراك السياسي من معاودة الصدور مجددا بعد أن توقفت لعدة أشهر. وكان السبب المحوري والمشترك لتوقفها هو تدهور الوضع الاقتصادي وعجز هذه المؤسسات عن الوفاء بتكاليف التشغيل..ان الوضع الماثل ينذر بخطر كبير يحدق بالصحافة الورقية وقد يوقف مسيرتها الممتدة لأكثر من قرن، الأمر الذي يستوجب على الجميع التحرك لإنقاذ الموقف.
أما الصحف التي صمدت وواصلت الصدور فانها ليست بمنجاة من مصير سابقاتها التي توقفت اذا لم يتم تدارك أمرها بما يعينها على الاستمرار في الصدور، ولهذا ليس من المستبعد أن يأتي اليوم الذي لا تكون في البلاد ولا صحيفة ورقية واحدة، رغم أهمية وجود الصحف الورقية في بلد مثل السودان يحتاج لوجودها لظروف وأسباب شتى..
الجريدة

 

آراء