الصحة النفسية للمهاجرين المسلمين في أوروبا .. عرض وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي
الصحة النفسية للمهاجرين المسلمين في أوروبا
The Mental Health of Muslim Immigrants in Europe
تأليف: د/ إحسان العيسى
عرض وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي
تقديم: هذا عرض وتلخيص لفصل في كتاب بعنوان:"الجنون: الأمراض العقلية في العالم الإسلامي"
حرره العالم النفسي الكندي الجنسية (من أصل عراقي) إحسان العيسى، وصدر عن دار نشر الجامعات العالمية في ماديسون بالولايات المتحدة في عام 2000م. ظل الكاتب يعمل منذ منتصف ستينات القرن الماضي وحتى عام 1997م في موضوعات تتعلق بالصحة النفسية عند العرب والمسلمين في الشرق الأوسط وفي الغرب أيضا. ساهم في كتابة المؤلف المذكور علماء علم نفس وأطباء نفسانيون من كثير من الدول العربية (مثل الأردن والسعودية والكويت)، والإسلامية (مثل إيران وماليزيا وباكستان)، ليس من بينها السودان أو مصر!!! رغم أن المؤلف أثار بعض القضايا المعروفة حول ما يتعرض له المهاجرون في الغرب، إلا أنه جنح للتعميم الكاسح، والتركيز علي السلبيات والنواقص. ولقد جانب المؤلف – في نظري المتواضع- الإنصاف حول ما يلقاه المهاجر في الغرب من كثير مما يفتقده في بلاده من حرية (ومن بينها الحرية الدينية) وأمن ورخاء نسبي. ولو كان الأمر بمثل هذا السوء الذي يذكره المؤلف، فلم يسعى الشباب في كل بلاد العالم الإسلامي بالآلف للهجرة؟ المترجم.
------------------------------------------------------
تعد "الهجرة" و"السفر" جزءا هاما من عملية التنشئة الاجتماعية لكل أطفال المسلمين. فالهجرة ترتبط عندهم بهجرة الرسول صلي الله عليه وسلم في حوالي عام 622 م من مكة إلى المدينة. ذكرت في القرآن الكريم كلمة "هجرة" ومشتقاتها مثل "يهاجر" و"مهاجر" عدة مرات، مثل ما ورد في سورة الحشر (الآية 9) وسورة آل عمران (الآية 195) وسورة الأنفال (الآية 72). إن للسفر في كل أنحاء العالم دلالة دينية خاصة، لعل مردها رحلة الحج إلى مكة، والحج هو كما معلوم أحد أركان الإسلام، وهو واجب على من استطاع إليه سبيلا. كذلك تعد الزيارات إلى الأماكن المقدسة أمرا شائعا في العالم الإسلامي. وبالإضافة إلى تلك الجوانب الدينية المتعلقة بالسفر، فإن القرآن والأحاديث النبوية قد حض على السفر من أجل اكتساب فوائد أخرى مثل تحصيل العلم والمعرفة. رصد العالم الإمام الشافعي خمس فوائد للسفر شملت: تفريج هم، واكتساب معيشة وأدب وعلم وصحبة ماجد. لهذه الأسباب ارتبط السفر في الذهنية المسلمة بالفائدة، مثل تفريج الهم والاكتئاب والحزن، وبتوفير معززات (reinforcements) مختلفة، ونشاطات ممتعة. يربط المسلمون بين السفر واكتساب المعرفة، إذ جاء في حديث لأنس بن مالك أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال: "من خرج في طلب العلم، فهو في سبيل الله حتى يرجع" (ذكر في غير موضع أن هذا حديث ضعيف – المترجم). ذكر القرآن أيضا رحلة قريش (قبيلة الرسول صلي الله عليه وسلم) شتاء إلى اليمن، وصيفا إلى الشام. يعد الترحال عند المسلمين في طلب التجارة والرزق عملا تعبديا لنيل رضاء الخالق، ويمثل الربط بين السفر و"صحبة ماجد" سلوكا إيجابيا تجاه الغرباء في أرض أجنبية وقبولا بهم.
عد السفر والترحال في المجتمع الإسلامي في العصور الوسطى من الأمور الجليلة، ليس فقط لأسباب دينية ومعرفية، بل أيضا لدوره في التكامل بين المجتمعات الإسلامية. فكما ذكر أحد العلماء فإن رحلة الحج تأخذ الحاج إلى مكة والمدينة، كما يأخذ طلب العلم الطالب إلى أحد الأماكن المشهورة بالعلم والدين مثل المدينة والقاهرة وفاس، وفي كل هذه الحالات يقرب السفر الأفراد والمجموعات إلى المراكز، ويوحدهم مع قطاعات واسعة في الأمة.
كانت كل أسفار المسلمين وهجراتهم في العصور الوسطى تتم في "دار الإسلام"، حيث تسود ثقافة واحدة (هي الثقافة الإسلامية) رغم تباين الأعراق واللغات والأصول الاجتماعية والثقافية. كان المسلم يشعر وهو يسافر في تلك الأنحاء بأنه "في داره". ثم بدأت من بعد ذلك هجرة للمسلمين في القرن التاسع عشر نحو الغرب "دار الكفر". تعددت أسباب هجرتهم فشملت طلب التعليم العالي، والتدريب، والعمل، أو الاستقرار في تلك البلدان. لا يحرم الإسلام السفر إلى "دار الكفر" إلا إذا لم يأمن المرء المسلم على دينه وماله هناك. رغم أن المسلمين في غير البلدان الإسلامية يتمتعون بالحرية الدينية ويأمنون على أنفسهم وأموالهم، إلا أنهم في ذات الوقت يعانون من صعوبات لغوية، ويشعرون باغتراب ثقافي رغم كل المزايا الاقتصادية وسبل الراحة التي توفرها التكنولوجيا الغربية. تنامت مؤخرا مشاعر العداء للمهاجرين في الغرب نتيجة لارتفاع مستوى البطالة والكراهية العرقية والدينية، خاصة من حركات الأجنحة اليمينية.
يناقش هذا المقال بعض جوانب الصحة النفسية لدي المسلمين (خاصة الباكستانيين والأتراك وسكان شمال أفريقيا) في الدول الغربية (خاصة بلجيكا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة).
نمط هجرة المسلمين Pattern of Muslim Migration: هاجر معظم المسلمين إلى الغرب لأسباب اقتصادية. دعتهم الدول الأوربية في البدء للهجرة المؤقتة لها لمقابلة احتياجات سوق العمل في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية مباشرة.هاجر خلق كثير من شمال أفريقيا وتركيا لبلجيكا وفرنسا وألمانيا، بينما هاجر لبريطانيا عدد كبير من شباب شبه القارة الهندية، ولعل مرد اختيار دول المهجر كان قد تم على أساس التاريخ الاستعماري لتلك الدول. كان أغلب المهاجرين من الذكور العزب، أو من المتزوجين الذين تركوا عائلاتهم في أوطانهم الأصلية. كان كثير منهم يهاجرون لبلاد لهم فيها أقارب أو معارف سبقوهم في الهجرة، وكانوا يعملون في وظائف يدوية متدنية الدخول لا يقبل بها السكان الأصليون. احتفظ معظم المهاجرين المسلمين لأوروبا بعلائق عاطفية مع بلدانهم الأصلية، وبالأمل في الأوبة إلى الوطن الذي ظلوا يبعثون لأهلهم فيه بتحويلاتهم المالية من مهاجرهم. على العكس من ذلك كان هدف المهاجرين لأمريكا الشمالية هو الاستقرار الدائم فيها، حيث كانوا يحلمون بفرص للعمل، وحياة أفضل فيها.
تعد الجالية المسلمة في فرنسا أكبر الجاليات تعداداً، إذ بلغ عددهم نحو 3 – 5 مليون( في عام 2008م صدرت أرقام رسمية أبانت أن هنالك 11.8 مليون مهاجر ولدوا خارج فرنسا يمثلون 19% من كامل عدد السكان، وأن عدد المهاجرين من أفريقيا لفرنسا يبلغ نحو 42% من المهاجرين، وأن عدد المهاجرين من الجزائر في عام 2008م وحده بلغ نحو 24000 مهاجر. المترجم). نجد أن المهاجرين في معظم الدول الغربية الآن هم من الجيل الثاني أو الجيل الثالث، ولا ينتظر أن يعود هؤلاء إلى بلاد آبائهم أو أجدادهم.
يعد معظم المهاجرين المسلمين الأول لأوروبا من الفقراء من ذوي الأصول الريفية والعائلات الممتدة، وليست لمعظمهم تجربة في الحياة في المدن، وغالبيتهم من المستمسكين بعرى دينهم. يعد معظمهم قيم الغرب الاجتماعية (مثل الاستقلالية والفردية) قيما أنانية وغير مسئولة، ويستمسكون بقيم تحض على الاعتماد على العائلة والأقارب والولاء لهم. لا تنتج عن الاختلافات الثقافية مشاكل كثيرة في مجتمع متعدد الثقافات يحترم ويحافظ على قيم المجموعات العرقية المختلفة، ولكن تأخذ هذه الاختلافات الثقافية شكل التضارب الحاد عندما تصر الدولة المضيفة كفرنسا (وسياسات الاستيعاب/ الاندماج الأوربية) على تنفيذ قوانين يرفضها المهاجرون. فمثلا أيدت وزارة التعليم في فرنسا في عام 1989م طرد المدارس للفتيات المسلمات اللواتي يغطين رؤوسهن بوشاح، مع أن غطاء الرأس في المجتمعات الإسلامية يعد جزءا من الهوية الإسلامية، ويمثل فكرة الإسلام عن البساطة، وبذا حرم القانون الفرنسي حق مجموعة من المواطنين في أن تكون "مختلفة" عن غيرها (ينبغي أن نذكر هنا – على الأقل من باب المقارنة إن لم نقل الإنصاف- الحرية الواسعة نسبيا التي يتمتع بها المسلمون في شمال أمريكا، على وجه العموم، في أمورهم الشخصية. المترجم). ساهم تنامي الأجنحة اليمينية المتطرفة في فرنسا، وانتماء عدد من الجزائريين في فرنسا للجماعات الإسلامية الأصولية في إذكاء نار الصراع بين المهاجرين من شمال أفريقيا والمواطنين الأصليين. في الجانب الآخر، يعد المسلمون في فرنسا الإسلام كدين للحرية والديمقراطية والعدالة. يمثل هذا الفرق المبدئي في نظرة المسلمين والفرنسيين الأصليين مصدرا أساسيا لصراعات اجتماعية. جاء في بعض الاستطلاعات التي أجريت بين الشباب المسلم المتعلم المهاجر حديثا لفرنسا خوفه على هويته العرقية. لا تقتصر معاداة المهاجرين على فرنسا بالطبع، فهي شائعة في دول أخرى مثل ألمانيا، وتشمل ليس فقط المشاعر السالبة العلنية المناهضة للمسلمين، بل السخرية منهم والاستهزاء بهم (في الوسائط الإعلامية والحياة عامة)، والنقاش الدائم حول غطاء الرأس (Kopftuch). فمنظر المرأة التركية وهي تغطي رأسها يسبب لكثير من الألمان الانزعاج والضيق، وفي هذا يتفق اليساريون (خاصة "النسويات Feminists") مع اليمينيين المتطرفين، فالحجاب عند هؤلاء يوصف بأنه "قبيح" أو "متخلف" أو "لا ألماني" أو كرمز للتسلط الذكوري على المرأة. وفي مجتمع مسيحي شديد الوعي بذاته يجد غير المسيحي نفسه/ نفسها شخصا مهمشا، بل غير مقبول. تفسر كذلك بعض الممارسات الإسلامية كالامتناع عن أكل لحم الخنزير كرفض "اجتماعي" للمجتمع ومقاومة للاندماج فيه، ومخالفة لممارساته.
لعل أكثر ما يشغل بال المسلم المهاجر في الغرب هو التثاقف/ المثاقفة (acculturation) والهوية (.(identity ويصدق ذلك أكثر ما يصدق على الأطفال الذين كثيرا ما يكتسبون قيما تختلف عما يتعلمونه ويجدونه في البيت مع عائلاتهم. قد يسبب هذا التثاقف (وهو يعرف بأنه تبني مجموعة في المجتمع لقيم وتقاليد مجموعة أخرى. المترجم) عزلة أو إبعادا أو انسلاخا بين قيم الطفل وقيم والديه. وبسبب أن الطفل كثيرا ما يكون أكثر تعليما وأشد إجادة للغة البلاد، فإن والديه يعتمدان عليه (في الترجمة وتفسير كثير مما يرد إليهما)، وهذا مما قد يعد مذلا أو مخذيا بحسب الثقافة البطريركية (الأبوية). يورد الكاتب ما قاله أحد الأطباء النفسانيين المسلمين في أمريكا في كتاب بعنوان "الطب النفسي والدين" عن أحد الرجال الباكستانيين المهاجرين، وعن أنه كان فخوراً بولده، فهو ذكي ومجيد للغة الإنجليزية، ويفسر له ما غمض من تغييرات في قوانين الهجرة وخطب السياسيين، ويستمع بالإنابة عنه للأرقام الفائزة في اليانصيب عندما تعلن في التلفاز! بيد أن الولد غدا – من كثرة اعتماد والده عليه- صفيقا، يرفض الذهاب للمسجد، ويهزأ من والدته وما تطبخه له من طعام آسيوي، ويؤثر عليه الطعام الأمريكي. وصار مهتما أكثر مما يجب بالموضة وبمفتخر الثياب. من يتحكم في البيت. "أهو أم نحن؟" ...يتساءل الأب الباكستاني المهاجر.
يعاني كثير من المهاجرين في الغرب (خاصة في فرنسا) من قلة الفرص في التوظيف بسبب عدم نجاحهم في الحصول على تعليم يؤهلهم للعمل. فهنالك نحو 70% من شباب المهاجرين عاطلين عن العمل، وأدي ذلك بالطبع لجنوح الأحداث والكبار منهم، فانتشرت المخدرات والجريمة في أوساطهم، خاصة في المدن الكبيرة كباريس وليون ومارسيليا. كذلك ذكر بعض الباحثين (في ثمانينات القرن الماضي) أن العنصرية في ألمانيا تتضح في إتاحة الفرص للتعليم والتدريب أمام الألمان (الأصليين) ومواطني الإتحاد الأوروبي بأـكثر من إتاحتها لأبناء الأتراك المهاجرين، الذين عادة ما يدرسون في مدارس ضعيفة المستوى. كل هذا – وغيره كثير- يعقد من عملية الاندماج في المجتمع بالنسبة لشباب المهاجرين. وكيف لا وهم يرون أنهم – ربما بسبب ديانتهم وثقافتهم المختلفة- ينظر إليهم بنظرة تختلف عن نظرة الألمان (الأصليين) لمهاجرين آخرين أتوا من شرق أو جنوب أوروبا مثلا. وحتى في البلدان الأكثر تسامحا وليبرالية مع المهاجرين مثل كندا، لا تخلو من تعصب، فقد نشر العالمان الكنديان بيري وكالان في عام 1995م نتائج استطلاع قومي أجري مع مواطنين كنديين (أصليين) عن المهاجرين، أوضحت أنهم أقل ارتياحا للمهاجرين العرب والمسلمين والقادمين من مناطق مثل الهند وباكستان مقارنة ببقية المهاجرين من أرجاء العالم المختلفة.
يعاني أبناء المهاجرين من شمال أفريقيا من معاملة غير لائقة لا يقبلونها، إذ يعدون ليسوا كمواطنين فرنسيين، بل كمسلمين وعرب أو "بيرس Berus (وهو العربي من شمال أفريقيا المولود في فرنسا) ويطلقون عليهم "صغار المعز /السخلان" (bicots) وصغار الجرذان (ratons)، ويعاني بعضهم من التفرقة بسبب اللون أيضا. ومعلوم أن "تعدد الهويات" من الأمور التي يصعب تحملها لفرد واحد، وقد تتسبب له في مشاكل نفسية. رغم أن الفرنسيين يصفون المهاجرين المسلمين بالتعصب، إلا أن استطلاعا حديثا أشار إلى أن ثلاثة أرباع المهاجرين من شمال أفريقيا لا يمانعون في الزواج من شريك أو شريكة غير مسلمة. بل أن كثيرا من هؤلاء المهاجرين لا يعرفون أنفسهم بأنهم مسلمين، بل هذا هو ما يتصوره المجتمع الفرنسي.
المشاكل النفسية عند مهاجري شمال أفريقيا: لا توجد حول هذا الموضوع سوي بعض الدراسات الوصفية القليلة، ولا يعلم الكثير عن مدي انتشار المشاكل النفسية وسط هؤلاء المهاجرين. يبدو أن معظم هذه المشاكل تتلخص في البارنويا (جنون العظمة) والفصام الحاد وما يعرف ب Boufée Delirante (وهي حالة حادة وفجائية من الهياج والعدوانية والتشوش والارتباك والهلوسة السمعية والبصرية، يوصف بها المهاجرون من شمال أفريقيا والسود من أفريقيا وهاييتي). ذكر أن هذه الحالة تحدث بصورة خاصة عند النساء المهاجرات من شمال أفريقيا، خاصة في أو بعيد ليلة "الدخلة" نتيجة للإجهاد العصبي الذي يصاحب الزيجات المرتبة سلفا. لكن تظل هذه الحالات غير مستقرة، ويصعب تصنيفها بحسب المعايير الغربية المعتمدة. كثيرا ما تعزى هذه الأعراض لتلبس الجن (أو لأرواح شريرة) أو الاعتقاد أن الجسد قد غدا "نجسا" أو أصابه شيء (ربما عين). كثيرا ما تصاحب هذه الأعراض بعض أوهام الاضطهاد. كثيرا ما تظهر عند بعض أفراد الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين أعراضا تشابه الذهان (الاضطراب العقلي) الكلاسيكي، خلافا لما يظهره أفراد المهاجرين من الجيل الأول. يظهر المهاجرون من شمال أفريقيا خوفا (عصابيا) من العنصرية أكثر من المهاجرين القادمين من مناطق أخرى. أظهر قليل من مهاجري شمال أفريقيا أمراضا عصبية لها علاقة بالدين؛ فمن هذه القلة من ادعى النبوة، ومنهم من ادعى أنه تلقي وحيا إلهيا، ومن تنبأ بنهاية قريبة للعالم، وبقرب يوم القيامة، ومنهم من ارتبط اضطرابه العقلي بسبب أمور جنسية أو غيرة أو حسد أو زواج بالإكراه أو اعتداء جنسي أو سفاح الأقارب (نكاح المحارم). تكثر أيضا الشكوى من أعراض جسدية عند المهاجرين من شمال أفريقيا يكون منشؤها أسباب نفسية مثل الاكتئاب.
لوحظ أن حالات الانتحار قليلة نسبيا في أوساط مهاجري شمال أفريقيا، وإن حدث فإنه يحدث عند من عاشوا في الغرب لفترات طويلة، أو من الذين اندمجوا بصورة شبه كاملة في المجتمع الفرنسي. تحدث محاولات للانتحار خاصة عند الفتيات، خاصة عند مهاجري الجيل الثاني، ربما بسبب قيود منزلية، أو بسبب الضغوط من أعمال المنزل، بالإضافة لعملهن أيضا خارج المنزل، أو بسبب التصادم بين قيم المجتمع الذي يعشن فيه وتقاليدهن في المنزل، أو بسبب السلوك البطريركي (الأبوي) الذي يمارسه الوالد أو الأخ الأكبر في العائلة.
الأمراض النفسية في أوساط المهاجرين الباكستانيين والأتراك: ثبت أن شيوع الأمراض النفسية في أوساط المهاجرين الباكستانيين والأتراك يقل كثيرا عن شيوعها بين أوساط المواطنين الأصليين (في ألمانيا مثلا). تثبت إحصائيات المستشفيات في بريطانيا في عام 1981م أن أعداد المهاجرين من باكستان وبنغلاديش المصابين بأمراض عقلية ونفسية (مثل الفصام والاكتئاب والبرانويا والعصاب وإدمان الكحول أقل منها عند البريطانيين الأصليين، وإن نسبة الانحرافات السلوكية عند أبناء المهاجرين الباكستانيين أقل منها عند نظرائهم من أبناء المواطنين الأصليين. يصدق نفس الشيء على المهاجرين الأتراك وأبنائهم. ففي بحث أجري في مدينة انهايم الألمانية ثبت أن أمراض الفصام وإدمان الكحول وعدد آخر من الأمراض العقلية عند المهاجرين الأتراك أقل منها عند المواطنين الألمان الأصليين (ينبغي ملاحظة أن هذه المقارنات قد لا تكون دقيقة تماما من ناحية إحصائية بالنظر إلى التفاوت الكبير في أعداد العينتين من المهاجرين، والمواطنين الأصليين. المترجم).
يعالج المهاجرون في بلجيكا وألمانيا أنفسهم أحيانا من عللهم النفسية بالعودة إلى تركيا حيث "الماء النقي" و"الهواء العليل"، وهم في ذلك يعودون إلى أصولهم الثقافية ذات الصلة بنظرية الأطباء المسلمين في العصور الوسطي الذين يتحدثون عن "المزاج" ويصفون أربعة عناصر فيها الشفاء هي الماء والهواء والأرض والنار.
نقلا عن "الأحداث"