الصديق عبد الرحمن المهدي: الفارس الذي مات مقهورا

 


 

 


الصديق عبد الرحمن المهدي (:1911 -1961) الفارس الذي مات مقهورا

د-عبدالسلام نورالدين

abdelsalamhamad@yahoo.co.uk


**
في الذكرى الخمسين  للرحيل الباكر لهذا الفارس الذي اذا قدم رجلا لا يؤخر أخري.أعيد نشر هذا المقال بعد  حذف ما لايمت للمناسبة الاليمة بصلة.

-1-
سيد المنزله بين المنزلتين
صانع السيد عبدالرحمن المهدي(1885-1959)  البريطانيين)الذين قتلوا أشقاءه)    في أمور كثيره و قبل منهم ما أنكر أبوه  المحارب الذي جمع بين الوهابيه والتشيع والتصوف في نسج  ديني لم يتأت لغيره من قبل ومن بعد    .
.تقبل البريطانيون من السيد عبد الرحمن الهديه الغاليه التي لا تقدر بثمن: سيف أبيه الذهبي الذي أتي به خصيصا من وراء البحار ,, لتهنئة جلالة الملك جورج الخامس في 28 يوليو 1919 وكان يرافقه السير ونجت واللورد جرنفيل واللورد كرومر بنهاية الحرب  العالميه الاولي نهاية سعيدة مقرونة بالانتصار ,, ثم أعادوه له  بمكرهم الاستهزائي المدثربغشاء من  العرفان ليحارب به أعداء الامبراطوريه في السودان, وقد فعل  اذ  لم يكن خصوم الامبراطوريه المعنييين سوي أنصار أبيه واحبابه   في كردفان ودارفور  و النيل الابيض الذين تحولوا منذ تلك اللحظه في التاريخ   من  مجاهدين الي خفراء   ومن شركاء الي اتباع   ومن احباب  الي عدو في ثياب صديق .  وكان ذلك ميلاد المهديه الجديده التي فتكت  بالقديمه,, صاحبه الاسم,, وتلفعت ثوبها وقرأت راتبها بنبرها وحلت محلها بعد حذفها وتحسبهم جميعا ومقاصدهم شتي
-2- 
السيد ألصديق الثائر كصالح في ثمود
أقشعر بدن مدير كلية غردون وذهب بعض عقله حينما  اضرب  طلابها في عام    1931دون "  تخاذل" من أحد -  ذيالك الاضراب  الذى استقر فى قاع  ذاكره متعلمي السودان لاجيال متعاقبة وظلت تتلوه بقراءات ذات    روايات  متعدده من اهمها   رواياتي  مكى  المنا ومحمود الفضلى*.
قد بذلت إدارة كليةغردون جهد مستطاعها لتصميم مقررات وبرامج  في التدريب والتأهيل لها تجاريب واجازات  وحبكه  متقنه  فى إسلوب متميز لصياغه سلوكيات طلابها  لاعدادهم كنخبة عليها ان تسير على صراط الإدارة البريطانية المستقيم وفق  جهاز تحكمها من بعد الذى ظنت  لا يبصره سواها ومع ذلك وقعت الواقعة وادار الطلاب ظهرهم  لتوقعاتها "و لاحسانها" تماماً  كما فعل "الاولاد السود" الذين غدروا بها في 1924.
يبدوا ان قد ارسل ذلك الاضراب موجات كهربية  صاعقه في اعصاب السكرتير الإدارى وقتئذ الذى استعان لتوه برجل مهماتهم الصعبه  السيد عبدالرحمن المهدى  لمكانته و هالته ومواهبه الفذه فى  التعبير والاقناع ولامر آخر جد خطير اذ قد أقلق مضجع الامبراطورية البريطانية فى الخرطوم -  أن الصديق – نجل  السيد الذي عليه السند "والرك"  ليس فقط  مشاركاً  بتلقائيه الطلاب وتضامنهم فى " اضراب الكلية"  ولكنه كان  ضالعاً  فيه بحماس ملحوظ  لم يفت  على حبر قلم المخابرات الذى سال بذعر لتسجيل ضربات انفاسه الوطنية.

أطل  السيد المهيب عبدالرحمن المهدى بقامته المديدة وعمامته المكية ذات الدوائر بخيوط  مذهبه  ليخاطب ابناءه الطلاب لينسلوا جمعيا  عن الاضراب الذى اصاب قاعات الدرس والتحصيل بالعطل وحثهم ان يعودوا فورا  ادراجهم لينهلوا من ينابيع العلم التى تفجرت تحت اقدامهم وكفاهم الله بكليه غردون  قلق الاسفار لطلب العلم فى  بلاد  الصين  وذاكرهم بتبجيل المعلم الذى كاد ان يكون رسولاً وهنا التفت الى يمينه حيث  يقف مدير الكلية ثم مد بصره الى اعلى الجدار حيث    تتدلي صوره  المؤسس المدير ,(  Dr Andrew Balfour  1873  -1931 )
ثم دعا ونبه السيد عبدالرحمن-  الصناجه الذرب-   ابناءه المشاغبين   ان يستلهموا تراثهم الوضيء في الاسلام في تقدير العلم والمعلمين واولى الامر منهم ،  اذ  لا يستوى  الذين يعلمون والذين لا يعلمون ،  ومن عملنى حرفاً صرت له عبدا !!!
وقبل ان يسترسل السير  عبد الرحمن المهدي فى ازجاء  ما ينبغى ان يقال  من النصح اللازم  انتفض فجاءة  ابنه الصديق  واتجه بتحد وانفعال  صوب الجدار  وانتزع منه صورة المدير والقى بها ارضاً "ليدوس" عليها بكل ما اوتيت اقدامه من قوة و نفره الغضب والاحتجاج -  فتحطم الاطار  الخشبي  وتناثر الزجاج وطارت الصوره اشتاتا والتصق بعضها بمضرب الحذاء.
اصيب مرافقوا السيد  من البريطانيين  بالوجوم ولم يدروا ماذا  يفعلون بانفسهم في تلك اللحظات العصيبه اما السيد نفسه  فقد تمثل حال سيف أبيه الذي اهداه لخصومه  متماسكا -  وفتح  ذراعيه   متسائلا  متعجباً مستنكرا  ومرددا  بصوته الرخيم الذي تهدج شيئا ما   ثلاث مرات  وكأنه يأتى الي  نهاية  القصيدة التي لم تبدأ أصلا:
هذه ليست طريقه.....
هذه ليست طريقه.....
هذه ليست طريقه.....
ثم ادار ظهره وعاد من حيث أتى لايلوي علي شيء  وكأنه يقول لمن تمنوا ان يبقي الي حين: أنك لاتهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء*.
**
يبدو ان قد استقي  الصديق نفوره العميق من الحكم الاستعماري من روافد ثلاث تسربت  مباشره الي  روحه
1-  امتص ذلك الشق الخفي الذي لايبدو للاخرين من روح أبيه المصانع  تقيه  للبريطانيين   الذين  لا بد له  ان  يواددهم  ويصادقهم رغم عدائه لهم  وان يذلل لهم  ما استعصي عليهم  من أمرهم في ادارتهم وان كره لكي تبقي مصالحه المرسله معهم جاريه  ومن نكد الدنيا على الحر أن يري عدوا له ما من صداقته بد.
2-  استنشق من  شذي مجالس صهره  الفارس الكردفاني  عبدالله جادالله - والد رحمه-  ناظر الكواهلة  -كسار قلم مكميك()  الذي لم يخف يوما بغضه للانجليز "حطب النار" الشذرات القاتلات: ان الفتي يلاقي المنايا كالحات ولايلاقي الهوانا.
3-تشرب  الوطنيه  من ينابيعها الحاره في الصحوه الوطنيه في 1924 –اضراب كليه غردون 1931  الذي شارك فيه بجساره رغم معارضه أبيه وضغوط الادارتين: كليه غردون والحكم الثنائي.
كان الصديق  في شرخ شبابه الوطني 27 عاما حينما هب الخريجون في1938 لاقتحام الابواب المغلقه في وجوههم كسودانيين والتي تحطمت اقفالها في 1946  وتسلقوا اسوارها  في 1956 .
*
يبدو ان لم يك الصديق المهدي طرفا في  حز عنق الديمومقراطيه  في 17نوفمبر 1958 ولكنه لا يملك  ايضا حق الفيتو علي ابيه  الامام الشيخ الذي بلغ من العمر الثالثه والسبعين أو كاد و الذي تأذي  من قذي الحمله الشائنه  التي لم تترك له" صفحه" ينام عليها  :موت القداسه  علي أعتاب السياسه , التي قادها   يحيي الفضلي  وشاركه  بنصل ذكائه  القاطع من تربي في بيته وبين أبنائه الشريف حسين يوسف الهندي بدهاء وتدبير لا يتأتي الا لحفيد السيد المكي وعرق السياسه دساس.
*
توسمت جبهه المعارضه التي تصدت للاطاحه بنظام 17 نوفمبر 1958 والتي ضمت اسماعيل الازهري وعبدالخالق محجوب وأحمد سليمان وعبدالله خليل واخرين من النقابات والمزارعين والشخصيات الوطنيه المستقله في السيد الصديق الاهليه الكامله  ان يكون قائدها   الذي لاينثني ولا ينحني  حتي الخلاص من عبود وصحبه سبع بيوت.
*
حينما افضت المواجهه  بقياده الصديق للانصار  في  المولد  النبوي بميدان بيت الخليفه الي كارثه   1961 تفجر بركان الغضب من قلبه  فمات في أكتوبر1961 بالشذرات القاتلات: ان الفتي يلاقي المنايا كالحات ولايلاقي الهوانا التي استنشقها من عبير  مجالس صهره  الفارس الكردفاني  عبدالله جادالله - والد رحمه-  ناظر الكواهلة  -كسار قلم مكميك.
*
قد كان  الصديق المهدي قليل الكلام غير محب للاضواء مقداما  معتزلا لاهل الاطراء والنفاق.
لقد كان السيد الصديق  عبدالرحمن المهدي  بلا ذنوب.
هذا ليس صحيحا.
فقد خلف فينا ابنه الصادق
*
د-عبدالسلام نورالدين
abdelsalamhamad@yahoo.co.uk

 

آراء