العالم مليء باللئام …. التواضع السوداني سبة 

 


 

شوقي بدري
12 September, 2021

 

 قبل فترة كتبت موضوعا تحت عنوان..... كيف يحترمك الآخرون عندما لا تحترم نفسك ! التواضع عند الكثير من الناس يعتبر سبة و يسبب عدم الاحترام خاصة في الشرق الاوسط . والسودانيون يمارسون التواضع مع من لا يقدرونه . ولهذا نجد الاستخفاف . تسويق الذات فن لا يتقنه السودانيون ، بل يفرون من من يمارسه ، كما لا يهلل السودانيون لنجاح ابن جلدتهم كما يقوم به الآخرون. وقد يكون التهليل غير مبرر الا انه يأتي أكله . ويرفع اسهم جميع اهل البلد . وقد يذهب البعض للخداع التزوير والكذب لاعلاء شأن الوطن .

 في الاولمبياد  الاخيرة لاصحاب الاحتياجات الخاصة شارك لاعب مصري مميز في الكرة الطائرة . والجميع يمارسون اللعبة وهم جالسون ويسحبون انفسهم والشبكة على ارتفاع منخفض لانهم معاقون . وفي مباراة ضد الفريق البرازيلي استمرت الكرة عالقة في الهواء لمدة غير طبيعية وابلى الفريقان بمهارة عالية جدا . واخيرا تمكن الفريق المصري من تسديد ضربة قوية وكسبوا النقطة . وفي فورة الحماس نسى اللاعب المصري المميز انه كسيح وانتصب واقفا . وكانت فضيحة وتم استبعاد الفريق المصري ولقد شاهدت الفيديو الذي حير العالم . انا لا ادعو لممارسة الخداع ولكن لكي يكون عندنا وعى بأن الآخرون يغشون .

 قبل سنوات كان العملاق السويدي من اقصى شمال السويد اسفيركا هولمستروم قد قضى مع زوجته 22 ساعة في القطار ليصل الى مدينتنا لزيارة ابنته وحفيدته ابنتي نفيسة . وبيمنا كان جالسا في  السيارة في  هم في انتظار ابنته للخروج من احد المتاجر قامت سيدة كويتية بفتح باب سيارتها وارتطم الباب بسيارتي بقوة . ترجل الجد اسفيركا ليلفت نظر الاسرة العربية . وانكرت السيدة انها قد اعتدت على سيارتنا  بالرغم من انه كان يقول لها انه احس وشاهد ارتطام الباب بالسيارة والكويتيىة تنكر بالرغم من وجود اطفالها  ولا بد من انهم سمعوا واحسوا بالضربة . لاحظت باربروا أن الضربة قد تركت اثرا بسيطا . وقدمت ابنتها نفيسة السودانية وطيبت خاطر الضيوف واتعتبرت الموضوع بسيطا .

 الجد اسفيركا لم يستوعب الامر. كان يعود للموضوع ويقول .... لقد كذبت السيدة .... نعم كذبت بكل بساطة كذبت ..... كذبت ... ام تكذب امام اطفالها !! وكان مندهشا ومصدوما . كان يلتفت الى ويقول كيف يكذب الانسان بهذه الطريقة ؟ في بلدة الجد اسفيركا يبتاع الناس السيارة ويستخدمون المفتاح لادارة المحرك وتظل السيارات مفتوحة .


 قرأنا وسمعنا عن برنامج الثامنة في قناة ام بي سي ومقدمه داؤود الشريان وفي حلقة عن الاجانب في السعودية . احتج احد السعوديين لأنه يوجد طبيب ،،سوداني ،، يتقاضى مائتي الف ريال كمرتب وهو اجنبي ، وهذا من خير السعودية الخ .

 تدخل مدير المستشفي،، وشكم ،، المتكلم وقال انه ليس طبيب سوداني واحد بل هما اثنان تم تعيينهما بامر ملكي  بعد أن دفعت السعودية مبلغا ضخم لمستشفى بريطاني  ،، لفك تسجيلهما ،، . الطبيبان هما  دكتور سعيد أحمد ابراهيم مستشفى الملك فهد  في جدة والدكتور عبد الله عثمان الزبير مستشفى الحرس الوطني في الرياض .

 عندما يطلب الانسان مهندسا طيارا مبرمج كمبيوتر او عربه تتوفر معلومات عن ،، البضاعة ،، وهنالك تقييم عالمي ،، للمواصفات اذا كان الالمر بشر او سفينة فضاء . ويضاف الى هذا ما سمعناه عن الطبيب السوداني   ... السودانيون ذو فكر اصيل وقلب كبير  ، خلق نبيل  ، يتسمون بالصدق الشهامة والمروءة . لا ادري لماذا يحاول الفلسطينيون والمصريون دائما تحطيم مجاذيف السودانيين ونشر الصفاة القبيحة عنهم مثل الكسل وعدم المبالاة . قد يقبلون تفوق الآخرين عليهم خاصة الامريكان والاوربيين ولكن النظرة العنصري الضيقة تجعلهم يتألمون لنجاح السودانيين .

 طالبة الطب ايمان ابو زيد تخرجت من جامعة حيدر اباد وتحصلت على 18 ميدالية في كل العلوم ولم تترك مدالية واحدة لزملائها ، وظهر هذا في فيديو منتشر. وهذا حدث قد لا يتكرر مرة اخرى . ولو كان هذا النجاح قد تم في احدى الجامعات العربية فمن الممكن انهم سيغشون ويعطون مدالية او اكثر  لطالب وطني لأنه ابن شيخ وزير مدير على اقل شئ ،، لكف ،، العين .

 السودانيون لا يزالون يهرعون الى مصر والاردن للعلاج . الدكتور فوزي خطاب درس في انجلترة قال لنا انهم قديما قد نصحوه بالالتصاق بالسودانيين وسوف يساعدونه لانهم يأتون مباشرة من السودان للتخصص او للدكتوراة ولا يتلمسون طريقهم . وفي اليوم الاول يدخلون في نقاش حامي مع البروفسيرات بسبب تمكنهم من اللغة الانجليزية . ولهذا كان الدكاترة الاردنيون يستغربون لتوافد المرضى السودانيين للاردن وكانوا يسألون .... اين دكتور فلا وفلان وعلان السودانيون  ؟ كانوا الاميز في بريطانيا عندما تخصصنا . الجواب هو لقد حاربتهم الانظمة الشمولية الحسد وظروف الحياة الكريهة في السودان . والطبيبان اللذان يتقاضيا 200 الف ريال مثال جيد .  لو ظلا في السودان لما انتجا .

 المخجل هو انني وكل السودانيين لم نسمع بهم . شكرا للسعودي الحسود .

 الفنان العظيم والذي سيخلد في وجدان السودانيين وغير السودانيين سيد خليفة اجرى عملية قلب في القاهرة ودفع مالا وفيرا لصمام قلب صناعي . ولم تتحسن صحته . ذهب الى الاردن واكتشفوا بانهم لم يضعوا له صماما صناعيا وبل تمت عملية فتح صدر ولم يضعوا له الصمام الذي يستورد ويساوي مبلغا ضخما . والشركة التي تستورد الصمامات مسجلة باسم ابن الاخصائي .

 نعم يصعب على الانسان العادي أن يصدق هذا  ، ولكن كشف اخيرا عن  وجود عصابة من 41 اخصائي استاذ وبروفسير في اكبر الجامعات المصرية يقومون بافراغ الجثث من الاعضاء  البشرية  . منهم اربعة في مستشفى دار الشفاء . قبض على بعضهم  وهم يرتكبون جريمتهم . ولهم نساء شركاء يقمن بخطف الاطفال في الهرم واسكندرية وتم اطلاق سراح  الاطفال وسيرجعون لاهلهم . من ال41من ملائكة الرحمة الذين وردت اسماءهم واعمارهم اخترت ..... الطبيب  احمد رجب عبد الواحد حسن  استاذ طب العناية المركزية في جامعة الازهر ..... سعد الباشا احمد محمد  57 سنة استاذ طب القصر العيني  القاهرة  .... هشام شحاتا على محمد يوسف كلية الطب جامعة عين شمس  قسم جراحة الاوعية الدموية . مهما كان السوداني لئيما ومنحطا فلن يصل لهذه المرحلة .


اقتباس

المايسترو _ الدكتور ابراهيم مصطفى

عندما عانى الملك خالد من قلبه طلب من الانجليز ارسال احسن اخصائى قلب عندهم . واستجاب الانجليز لطلب الملك وارسلوا المايسترو كما كانوا يلقبونه د . ابراهيم مصطفى من امدرمان بانت جنب الخور . وعندما اراد الملك خالد ان يكافئ المايسترو رفض ان يطلب اى شئ لنفسه . وتحت الحاح الملك خالد طلب عياده لجراحه القلب فى السودان , لتكون اول عياده فى مستشفى الشعب وفى كل السودان . وأتت المعدات من كوبنهاجن شركه راديو ميتر.

فى سنه 1974 رجعت للسودان بعد غيبه طويله لزواج أخى ( بله ) زينه رجال العباسيه . وتأخر الزواج لان أخ العروس كان فى مؤتمر فى الجزائر . وبالرغم من ان خال العروس هوقاضى الاستئناف والرجل الشجاع عبد المجيد امام عبد الله , وخالها كذلك أخي طه امام واحمد اسكوب , من عتاوله العباسيه . الا ان الجميع كانوا يصرون على حضور د. ابراهيم مصطفى .

اول مره اشاهد المايسترو كان فى مطبعه ايمان عندما ذهبت لطباعه الكروت بصفتى وزير العريس . وكان هو كذلك لسبب مماثل , بصفته أخ العروس . وقلت له مازحاً ( ياخى اخرتونا ) فرد خجلاً وهو ينظر الى الارض ( ما كان فى لزوم للتأخير الناس ديل بس ركبوا راسهم ساكت ) .

وأثناء الحفل الذى احياه شرحبيل كان المنزل مفتوحاً للجميع واختلط اهل المورده بالعباسيه وبانت وبقيه امدرمان , والمايسترو يسألنى بكل رقه ( محتاج مساعده . عاوز حاجه ؟؟ ) وكان يترك اصدقائه لكى يساعد بكل تواضع وابتسامته العذبه لا تفارق فمه .

د. مجدى يعقوب المصرى جراح القلب العالمى ( لندن ) . حضر الى الخرًطوم لمقابله المايسترو . عندما فشل فى الاتصال تلفونياً من الهلتون لكى يحدد موعدا مع المايسترو ذهب الى المستشفى . وعندما سؤال البواب عن المايسترو كان الرد ( ما ياهو داك ) وكان المايسترو كعادته متنقلاً داخل المستشفى بكل بساطه وبدون ( هيلمانه ) .

رفض المايسترو عروض دكتور مجدى , وان يترك السودان . وكان يقول عادهً ( بالرغم من المشاكل والمعاناه يجب ان يضحى الانسان لوطنه ) .

عندما تركت السائق خارج دارهم فى بانت , لاننى احرجت عده مرات بادخال السائق فى صوالين الآخرين رأيته يدخل السائق الى الصالون ويقول لائماً ( بانت دى شجره ما فيها ولا ضل كيف تخلى الراجل فى الشمس ؟ ) وذهب ليحضر مشروباً مثلجاً للسائق . لقد كان بسيطاً متواضعاً سمحاً . لم اسمعه يتحدث عن الآخرين الا بالجميل ولم اره غاضباً او خارجاً عن طوره .

فى سنه 1988 عرفت انه يبحث عنى فاسرعت الى عيادته فى شارع الجمهوريه بالقرب من فندق الشرق , عرفت منه انه فى فتره غيابه تعطلت كل المعدات , لان بعض الاذكياء حاولوا صيانتها بدون سابق معرفه . وكنت وقتها قد صرت وكيلاً للشركه الدنماركية المصنعه .

وحتى هذا التصرف السئ لم يخرجه عن طوره . بل كان يقول ( نعمل شنو ما هى البلد كده انحنا لازم نقعد فى البلد دى لانها بلدنا , ولو ما انحنا قعدنا فى البلد دى حتتطور كيف ؟ ) المطلوب وقتها كان تغيير او اصلاح اللوحات الالكترونيه . ولاهميه الموضوع ولكى يتجنب التأخير عرض ان يدفع التكاليف من جيبه الخاص .

مدير المبيعات لشركه راديو ميتر ادهشنى عندما قال ان الشركه ستتكفل بكل المصاريف بدون مقابل . ولقد كنت اعرفه كرجل اعمال شرس لا يترك مليماً واحداً وحتى عندما كان يزورنى فى السويد كان يحاسبنى على كل مليم .

السبب فى كرمه المفاجئ هو قوله لقد تعاملت مع كل العالم لم ارى ولن ارى رجلاً كدكتور ابراهيم مصطفى . ففى كل مره نعقد صفقه يطالب البشر بعمولات او رشوه او دعوه للدنمارك . ولكن الدكتور ابراهيم مصطفى كان يرفض اى شئ , او خدمه بل يصر ان يدفع تذاكر سفره بنفسه . وهو احد الدكاتره القليلين اللذين حاولوا ان يستوعبوا معداتنا من الناحيه الفنيه . وهو جراح قلب لا مثيل له . وتصادف ان كان للشركه فنياً فى طريقه الى ليبيا . فأرسلوه الى السودان بقطع الغيار وتكلفت الشركه بكل المصاريف . وكانوا يقولون دكتور مصطفى شئ خاص جداً سنتعامل معه بطريقه خاصه جداً .

عندما سمعت ان المايسترو قد مات مع زوجته لان البتوجاز قد انفجر فى زوجته وحاول هو انقاذها ومات الاثنان , تألمت كثيراً وتذكرته بأدبه الجم وابتسامته العذبه والخساره الجسيمه التى تكبدها السودان .

لو اراد المايسترو لكان ساكناً  في قصر محاطاً بالخدم والحشم فى بلاد الغربه . ولم يكن يحتاج لان يقترب من المطبخ ناهيك الى التعرض لانفجار البتوجاز .

من عطف الدنيا عليا ان قابلت كثيراً من الرجال والنساء من هم خيراً منى ولكن امثال المايسترو يشعروننى بتفاهتى كبشر .

الدكتور ابراهيم مصطفى هو خال ندى ابنه تؤام الروح احمد عبد الله ( بله ) رحمه الله عليه الذى لا ازال ابكيه , وهو كذلك أخ الاخت نور ارمله بله . رحمه الله على هؤلاء العظماء وليأخذ الله بيد الباقيين

 شوقي


shawgibadri@hotmail.com

 

آراء