العالم يتشكل وأفريقيا محوره

 


 

 

مقدمة :
تؤكد كل الارهاصات والمؤشرات على شيء واحد اليوم، وهو أن حلفاء الأمس المنتصر ين في الحرب العالمية الثانية (الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين ) ، هم قاب قوسين او أدنى من الدخول في حرب جديدة مختلفة في الوسائل والأدوات التي استخدمت في الحرب الباردة.

يتم ذلك بعد اعتماد النظامين الصيني والروسي على مقاربة تقوم على إعادة صياغة النظام العالمي الجديد، والذي كاد في التسعينات ان يتحول لنظام احادي القطبية، تسيطر عليه مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات والتداول السلمي للسلطة.

تحاول روسيا والصين اذن؛ تحويل هذا النظام الى نظام بقطبين او اكثر ، بإضافة قطب شيوعي- شمولي بقيادة كل من موسكو وبكين. وتستعين كلاهما بأدوات مختلفة لتثبيت هذا القطب القديم - الجديد وتوسيع نفوذه وضم أطراف عديدة له، بغرض تحقيق انتصاره عل القطب الغربي.

إفريقيا والصين :
ان الانفتاح الصيني على القارة الأفريقية وتقديم مشروعات تنموية ومنح وقروض عديدة منذ التسعينات وخلال الألفية الجديدة، جعلها القوة الأكثر تأثيراً ونفوذاً على معظم دول القارة الأفريقية، لاسيما في مجالات الاستثمارات بالبنية التحية والنفط والطاقة والتعدين، بما يشمل ذلك الذهب واليورانيوم والموارد الخام الأخرى.

وتركز الصين في نشاطها على عدة دول محورية في إفريقيا تعتبر بوابات للقارة، مثل جمهورية جنوب افريقيا ونيجيريا واثيوبيا ومصر والسودان والكونغو والنيجر والجزائر ، حيث لعبت وكالة التعاون الصيني الأفريقي (FOCAC) التي تأسست عام 2000م دورا محوريا في هذا النشاط الصيني.

ان أهمية افريقيا للصين تمحورت بشكل مختلف مؤخرا، حيث بدأت بالتوسع العسكري فيها، عندما أنشأت اول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي لحماية مصالحها في القارة الأفريقية ومحاولة السيطرة النسبية على البحر الأحمر، وذلك لتامين انسياب تدفقات النفط والطاقة والمواد الخام. كما تسعي بكين لإنشاء قاعدة بحرية عسكرية في جمهورية غينيا الاستوائية في الطرف الغربي من القارة.

مؤخرا اخذت الصين منهجا جديدا العلاقات مع افريقيا، تمثل في التعاون الجماعي الأفريقي مع الصين بعد سنوات من العلاقات الثنائية بين الصين ودول افريقيا المختلفة؛ وتحاول الصين تبريره بزعم وحجة النضال المشترك ضد الامبريالية الاستعمارية، لكنه يتم في إطار مساعي بكين لإحكام سيطرتها الاقتصادية الناعمة على القارة الأفريقية.

روسيا وأفريقيا:
ان الحضور الروسي الجديد في إفريقيا لم يتأخر كثيراً عن الصين، فعقب وصول الرئيس فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم اعتمد مقاربة للتعاون العسكري والامني مع العديد من الانظمة في افريقيا، حيث تستورد اغلب الدول الأفريقية تسليحها ومنظوماتها الدفاعية من موسكو. ومن أهم تلك الدول المستوردة للسلاح الروسي الجزائر والسودان ومصر وأفريقيا الوسطى ومالي والسنغال .

في الفترة الأخيرة لعبت موسكو دوراً مغايراً عن الأدوار الماضية حيث تبنت مقاربة تقوم على المزاحمة للقوى الاستعمارية صاحبة التأثير الثقافي والاقتصادي الأكبر مثل "فرنسا " في إفريقيا الوسطى ومالي.

ويبدو ان اتساع نطاق النفوذ الروسي قابل للتمدد في غينيا كوناكري وبوركينا فاسو لاعتبارات عديدة، متمثلة في تضييق الخناق على المجالس العسكرية الحاكمة في تلك البلدان، فضلاً عن تجدد واتساع نطاق وأنشطة الجماعات المسلحة الإرهابية فيها او في جوارها.

ان الشراكة مع تلك الدول مرتبطة بتوفر السلاح الروسي ورخص سعره، عطفاً على نشر عناصر من جماعة فاغنر الروسية التي اثبتت فاعليتها في قمع المجموعات المسلحة المعارضة لحكومة افريقيا الوسطى، تلعب دور المحفز لزيادة الدور الروسي. لذلك سعت وتسعى الانظمة العسكرية للاستفادة من الروس كضامن أمني.

حرب اوكرانيا والمتغيرات الجديدة :
ان العدوان الروسي على أوكرانيا أكد حقيقة واحدة بأن تداعيات الحرب سيكون لها ما بعدها فيما يتعلق بإعادة تشكيل النظام العالمي الجديد، حيث تراهن الصين وروسيا على المعادن والمواد الخام في أحداث واقع جديدة لاسيما في مجال أمن الطاقة الدولي واشباه الموصلات؛ بما يسهم ذلك في إعادة صياغة وهيكلة الاقتصادي العالمي.

ان العدوان الروسي على أوكرانيا واصطفاف الدول الأوروبية والولايات المتحدة وبعض دول آسيا دعما لأوكرانيا وعدم اكتراث اغلب الدول الأفريقية بالحدث، اتاح فرصة من ذهب للنفوذ الروسي بالتوغل والتغلغل في مناطق النفوذ الفرنسي بالأخص دول وسط افريقيا والساحل الأفريقي ودول خليج غينيا.

ان روسيا ودعايتها ليست بعيدة عن تنامي الروح الشعوبية الرافضة للحضور الفرنسي ونفوذه الثقافي والاقتصادي المتمثل في اللغة الفرنسية والاستثمارات الفرنسية بقطاع الطاقة والتنقيب عن الذهب والهيمنة الفرنسية على عملات غرب ووسط افريقيا الفرنك عن طريق سندات الطباعة.

ان تزايد التنافس والتكالب على افريقيا ستكون تداعياته وآثاره على الأمن والسلم الدوليين أعمق واعقد من آثار الحرب على أوكرانيا، باعتبار ان أطراف الصراع الدولية او الإقليمية متعددة ومتقاطعة المصالح والأهداف، وتعاطي العديد من الدول الأفريقية معها لا يزال بعيدا عن المصلحة الأفريقية.

التحديات والفرص:
ان المصالح الأفريقية يجب أن تتركز في البحث عن شراكة عادلة تحقق التنمية المستدامة وترسخ مبادئ الحكم الرشيد والشفافية .

هذا النهج هو ما تفقده العديد من المشاريع التنموية الدولية و الإقليمية التي ظلت تعمل على تجيش وعسكرة القارة بتوفير السلاح للحكومات والجماعات المسلحة المناوئة، وتفضيل خيارات نهب وسرقة الثروات بالتواطؤ مع أصحاب المصالح والاجندات الشخصية والرأسمالية الطفيلية، بدلا عن التعاون في اطار المصالح المشتركة والحيوية لشعوب القارة.

ان فرضية فتح آفاق جديدة للتعاون العسكري والامني بين العديد من الدول الأفريقية وروسيا والصين من جانب، وعدم وجود استراتيجية موحدة للغرب من الجانب الثاني، تفترض من الطرف الأفريقي ممثلا في الاتحاد الأفريقي ورئيسه الحالي ماكي سال التقدم بقوة وطرح مشروع افريقيا الخاص للتعاون الدولي مستفيدا في ذلك من أهمية القارة المتعاظمة.

لذلك اعتقد ان تعدد فرص الجهات التي تتوافر لها فرص وادوات التعاون مع افريقيا، سيفرض مقاربات جديدة يكون المستفيد منها الأول شعوب القارة بقيادة الحكومات الرشيدة الديمقراطية.

 

mohamedtorshin@gmail.com
////////////////////////////

 

آراء