العقيدة والقبيلة والغنيمة

 


 

 

 

 

alshiglini@gmail.com

يشير الدكتور" طه حسين " في كتابه الفتنة الكبرى، ويعزي أسبابها إلى ثلاثة:
(العقيدة و القبيلة و الغنيمة). وهي ذات مفاتيح معرفة الأزمة السودانية، بل هي ذات القواعد التي تبناها تنظيم الإخوان المسلمين وأدخلها في جيبه الأسود وفي السودان منذ انقلاب 1989، وجعل سيادتهم وحدهم وإقصاء الآخرين عن سدة الحكم، بل واغتيال بعضهم، رغم أنهم كانوا أقليّة. فبدل أن نتطور كما تطورت ماليزيا أو كوريا الجنوبية، رغم علمنا أن الموارد التي تزخر بها أرض السودان، أكثر غنى من موارد الدولتين، ولكن تدهور السودان وعاد إلى الخلف دهوراً، وبشّر صناع التنظيم بأمرين غريبين ومتناقضين في ذات الوقت: أن يعودوا بالوطن إلى دولة الخلافة الأولى- أي التخلف منهاجاً وهدفاً- وفي ذات الوقت يبشرون بدولة حضارية!. وسقط كل ذلك بعد تجربة الأتوبيا الحالمة على أرض الواقع.

(1)

من الأهمية بمكان تثبيت مبدأ قدسية الحدود التي خلفها الاستعمار في إفريقيا، في سبيل الافصاح عن خطيئة استفتاء مواطني جنوب السودان، وخطل الاستفتاء والانفصال: ويقفز التساؤل حول:
منْ هم الذين يحق لهم المشاركة في استفتاء جنوب السودان الذي تم في يناير 2011؟:

{حين يضع القانون ضمن الفئة الأولي الناخب الذي ينتمي الى أي من المجموعات الأصلية الاثنية المستوطنة في جنوب السودان في أو قبل الاول من يناير 1956 وهو موعد استقلال السودان كدولة.
*
اما الفئة الثانية من الناخبين فتشمل الناخب الذي ينحدر بعض أسلافه من احدى المجموعات الاثنية الأصلية المستوطنة في جنوب السودان، ولكنه لا يقيم اقامة دائمة دون انقطاع في جنوب السودان منذ أو قبل الأول من يناير 1956، هذا الناخب له حق التصويت في جنوب السودان فقط حيث يمكن التعرف عليه، حسب تبرير القانون.
*
وتشمل الفئة الثالثة من الناخبين الناخب الذي لا ينتمي إلى احدي المجموعات الاثنية الأصلية في جنوب السودان، ولكنه يقيم أو أن أحد أبويه أو جديه أو كلاهما يقيم إقامة دائمة دون انقطاع في جنوب السودان منذ الاول من يناير عام 1956. وهذا الناخب لا يحق له التسجيل او التصويت إلا في جنوب السودان.
*
ومنح قانون الاستفتاء سلاطين القبائل صلاحيات كبيرة في تحديد من يحق لهم المشاركة في الاستفتاء، اذ اشترطت المادة 26 من القانون لإثبات شخصية الناخب أن يبرز أصل البطاقة الشخصية أو مستند اثبات الشخصية أو شهادة صادرة من سلطة الحكم المحلي بالمقاطعة مع توصية من السلطان المختص. وبالنسبة للمقيم في الخارج مستند إثبات شخصية صادر من المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة. كما أعطى القانون لموظفي الاستفتاء حق الاستعانة بالسلطات المحلية أو السلطان المختص أو أعيان المجتمع المعني للتأكد من وثيقة الناخب. وكان القانون مرنا جداً أيضا في تحديد هذه الوثيقة، لإثبات الشخصية اذ لم يشترط كونها مكتوبة بل أنه يقبل الشهادة الشفاهية أيضا كوثيقة !.كما يعطي القانون للسلطان المختص صلاحية التأكد من شخصية من لا يملك أي مستند لإثبات شخصيته.}
*
ما ورد أعلاه، هو طريق الأشخاص المنوط بهم التصويت في استفتاء جنوب السودان، وهو يكشف العوار والعجلة في تحديد منْ لهم الحق، ليس لوجودهم المكاني، بل لانتمائهم العرقي والقبلي. وسقط كثيرون من الجنسية السودانية ، رغم أ منهم أحفاد البطل العظيم عبد الفضيل ألماظ ، شهيد ثورة 1924، رغم وجودهم في شمال السودان قبل استقلال السودان في الأول من يناير 1956!!.

عموماً انطلقت الرصاصة من فوهة البندقية، ولا راد لها في المستقبل القريب.

(2)
قامت منظمة الوحدة الإفريقية عام 1964 بتمرير قرار ينص على حتمية تطبيق مبدأ استقرار الحدود - جوهر مبدأ الحدود الموروثة- في جميع أنحاء قارة إفريقيا. فلقد كانت معظم الدول الإفريقية قد حصلت على استقلالها في ذلك الوقت، لذا كان القرار أساسًا بمثابة توجيه سياسي لحسم الصراعات بإقرار معاهدات تقوم على الحدود القائمة مسبقًا بدلاً من اللجوء إلى القوة.
*
وحتى وقتنا هذا، أدى الالتزام بهذا المبدأ إلى تجنب اشتعال الحروب الحدودية بين الدول الإفريقية، ولكن هناك حالة استثنائية بارزة في هذا الصدد وهي الحرب الإثيوبية الإرتيرية التي استمرت ما بين عامي 1998 و2000، وترجع جذور تلك الحرب إلى انفصال دولة إفريقية مستقلة، فتلك الحرب ليست صراعًا بين جارتين واقعتين تحت الاستعمار.
*
على الناحية الأخرى، لا تتبع الحدود الاستعمارية عادةً الخطوط العرقية، وهذا ساعد في اشتعال الحروب الأهلية العنيفة والدموية بين مختلف المجموعات العرقية في العديد من الدول التي كانت واقعة تحت الاستعمار(وبعد سقوط الشيوعية)، ومن أمثلتها السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأنغولا ونيجيريا وأوغندا وجورجيا وأذربيجان ومولدوفا ويوغوسلافيا السابقة. ولقد تم التأكيد على هذا المبدأ في محكمة العدل الدولية في قضية بوركينا فاسو ومالي: عام 1986.
*
مبدأ الحدود الموروثة هو مبدأ عام، يرتبط ارتباطًا منطقيًا بظاهرة الحصول على الاستقلال حيثما يكون. والغرض الواضح من هذا المبدأ هو الحد من تقويض استقلال واستقرار الدول الحديثة نتيجة مخاطر صراعات الأقطار الشقيقة التي تشتعل نتيجة تغيير الحدود بما يؤدي إلى سحب السلطة الإدارية.

(3)
عن الإخوان المسلمين في السودان:
رفعوا القرآن على أسنة الرماح. وأدعوا أنهم جاءوا ليصلحوا الكون للمرة الأخيرة, وأنهم جاءوا ليكتبوا الصفحة الأخيرة من كتاب التاريخ. وقالوا نحن جئنا نعلمكم الإسلام من جديد، لأن ما تظنونه إسلاماً، ليس هو كذلك. وأن تنميتكم التي كنتم تفعلونها هي مجرد عبث. وأن الجنوب سوف نحسم قضيته في أشهر. وأن قيمة الجنيه السوداني سترتفع ( وكان قبل انقلاب الإخوان المسلمين قد بلغ الدولار 12 جنيه سوداني). وقالوا إن صبرتم علينا سوف نأتي بالجنة إلى الأرض. ولسوء الحظ أنه لم يتحقق شيئاً من ذلك. وانتهي بهم الأمر أن بدأوا يرسلون الشباب إلى الجنة الثانية!. وكلما يموت واحد، يقولون نحن أجرينا عقد قرانه على واحدة من حور الجنة، كأنهم يملكون مفاتيح الجنة. هذا غرور كبير لا يفهم من أناس يفترض الناس أنهم ورعين، فهذه الدعوات أضحت محض أباطيل.
(4)
الحداثة :
العقدة الأساسية في تقبل الحداثة، هي الخوف من فقدان الدين. وغالب شعوبنا تعتقد أن أية خطوة نحو الحداثة ستخسر معها الدين. وهذا الخوف رسخه الفقهاء الغوغائيين. ورسّخه الإسلام السياسي في وجدان الشعوب. على الشعوب أن تعلم أن الدخول في الحداثة مسألة حتمية، و إن لم ندخل الحداثة ستطحننا الحروب الأهلية والفتن. وسنقتتل مع بعضنا البعض. وسنصبح مشكلة، بدل المساهمة في هذا العالم بإبداعنا، و أن نصبح عالة على العالم. الفلسفة هي عقل كوني. وقدرنا أن ندخل في الفكر الكوني. نفسه سيتطور، ففي عهد الخلفاء الأوائل يختلف عن ديننا، حتى القرآن لم يكن موجوداً كما نعرفه اليوم. إن الكثير من التشريعات لم تكن في الإسلام القديم، مثلاً لم تكن هناك الصحاحات. إن إن لم يتطور مع الحياة سوف يموت. ما يقوله الفقهاء من أن الشباب يخرجون عن الدين، سببه الخطاب الديّني. يجب أن نقدم خطاباً دينياً تصالحياً، مع المسلم ومع المرأة مع حواس الإنسان و مع الأقليات و مع العصر الذي نعيش فيه، لأن مضمون الخطاب الآن أدى إلى خصومات عطلتنا من الإبداع، وعجلت إلى انفصام في شخصيات الكثير منا و أدى لعصاب جماعي. إن الذي قاد الاصلاح الديّني في أوربا ليس "مارتن لوثر"، بل الفلاسفة من أمثال " باروخ سبنوزا" و" إيمانويل كانت"، هم الذين قادوا تطوير الدين.

(5)
لقد انتهي زمن الأيدولوجيات العابرة للأقطار. وقد بين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 أن الناس جميعاً متساوون، لا تفرقة بينهم، بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر:
الديباجة
لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم. ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة. ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان، لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم. ولما كان من الجوهري تعزيز تنمية العلاقات الودية بين الدول، ولما كانت شعوب الأمم المتحدة قد أكدت في الميثاق من جديد إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية وحزمت أمرها على أن تدفع بالرقي الاجتماعي قدماً وأن ترفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح.
ولما كانت الدول الأعضاء قد تعهدت بالتعاون مع الأمم المتحدة على ضمان اطراد مراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها. ولما كان للإدراك العام لهذه الحقوق والحريات الأهمية الكبرى للوفاء التام بهذا التعهد. فإن الجمعية العامة تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية واتخاذ إجراءات مطردة، قومية وعالمية، لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الأعضاء ذاتها وشعوب البقاع الخاضعة لسلطانها.
المادة 1.
يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء.
المادة 2.
لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر. وفضلاً عن ذلك لا يجوز التمييزُ علي أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلاًّ أو موضوعًا تحت الوصاية أو غير متمتِّع بالحكم الذاتي أم خاضعًا لأيِّ قيد آخر على سيادته.

عبدالله الشقليني

25يوليو 2019

 

آراء