العلاقات السودانية المصرية بعد ثورة 25 يناير المصرية .. بقلم بروفيسور/ محمد زين العابدين عثمان

 


 

 



بقلم بروفيسور/ محمد زين العابدين عثمان – جامعة الزعيم الأزهرى

سنتناول قى هذا المقال مستقبل العلاقات السودانية المصرية بعد ثورة 25 يناير 2011م المصرية وأنتخاب أحد جماعة الأخوان المسلمين رئيشاً لجمهورية مصر الدكتور محمد مرسى فى أول أنتخابات حرة وديمقراطية فى تاريخ مصر الحديث. وسننظر لهذه العلاقات المشتركة نظرة عقلانية مستبصرة دونما أن تؤثر عليها الشعارات العاطفية الجوفاء من كلمات التاريخ المشترك وأبناء وادى النيل والعلاقات السرية الممتدة، هدفنا من ذلك أن نبنى علاقاتنا المشتركة المستقبلية على المصالح المشتركة والتبادل المنفعى والأخلاقى لتكون متعمقة الجذور فى وجدان الشعبين المصرى والسودانى ومعبرة عن التطلعات الشعبية التى لا تتحكم فيها الأجهزة الحكومية التنفيذية فى البلدين اذا كان هدفنا خلق علاقات وطيدة ومتطورة وعادلة فى التعامل والتعاطى بين البلدين ليس فيها أى روح من الستعلاء والوصاية.
ولنتحدث عن مستقبل هذه العلاقات لا بد أن نمر مروراً سريعاً على العلاقات بين البلدين على مر الحقب التاريخية والتى نعتقد نحن السودانيون أننا قد تأذبنا منها كثيراً. أول هذا التأذى هو نظرة الحكومات المصرية للسودان بطريقة أستعلائية وأن السودان تابع لمصر وليس بلداً قائماً بذاته له كينونته ومقوماته وسماته التى تختلف عن مقومات النسان المصرى لدرجة أن المصريين قد حاولوا مسح ومسخ حضارتنا الممتدة عبر التاريخ وجيروها بأنها حضارة تابعة للحضارة المصرية الفرعونية القديمة فى حين أن علماء التاريخ والآثار والحفريات قد أثبتوا علمياً أن الحضارة  الفرعونية القديمة قد بدأت فى جنوب الوادى فى أرض السودان وليس فى شمال الوادى فى مصر وأن مصر كانت تلبعة ومحكومة ومستعمرة لملوك كوش النوبيين مثل تهراقا وبعانخى وشبتاكا وغيرهم من ملوك حضارة جنوب الوادى. وقد أثبتت الكشوفات أن بناء الهراملت قد بدا فى الحضارة النوبية قبل المصرية ، بل أن كل آثار الحضارة النوبية قد نهبت وجيرت وعرضت فى المتاحف المصرية على أنها من صميم الحضارة المصرية دونما الأشارة الى مصادرها فى جنوب الوادى ونعلم السياحة قى مصر تعتمد اساساً على الاثار التاريخية دونما اعطاء السودان حتى حقه المعنوى.
فى الحقبة الملكية بمصر قبل أنقلاب الضباط الأحرار على النظام الملكى فى يوليو 1952م، كانت مصر ملكاً (فاروق) وحكومة وأحزاب وباشوات يعتبرون السودان تابعاً لمصر تحت التاج الملكى وسمى الملك فاروق ملك مصر والسودان مع العلم أن السودان على مر تاريخه القديم والحديث لم يكن جزءاً من الدولة المصرية وكانت به حكوماته القائمة بذاتها فى مروى ونبتة وعلوة والمقرة والسلطنة الزرقاء  وجاء الأتراك الذين استعمروا مصر والسودان معاً ولكن السودان تحرر منهم بالثورة المهدية واقامة والدولة المهدية والتى زحفت حتى لتحرر مصر من الستعمار التركى وكانت معركة توشكى بقيادة الأمير ود النجومى. ولذلك تعتبر الحكومات المصرية ان السودان جزءاً من ممتلكانها وأقاليمها وليس له صفة اعتبارية بمعزل عن مصر. هذه حقائق تاريخسة نريد أن نذكر بها أخوتنا المصريين وشباب ثورة 25 يناير والرئيس المناخب الدكتور محمد مرسى حتى يتم تغيير السياسة الثابثة المتخذة من قبل كل الحومات المصرية السابقة  سواءاً أكانت ملكية أو جمهورية المتخذة تجاه السودان. وليعلموا أن شعب السودان ما عاد يقبل النظرة الستعلائية للحكومات المصرية ولا نقول الشعب المصرى الشقيق لأن كل الحكومات السابقة ما كانت تعبر عنه ومستلبة لأرادته. ونقول الحكومات لأن كل الحكومات المصرية السابقة لم تكن متخبة أنتخاباً حراص مباشراً شفافاً ونزيهاً وهى بذلك لا تمثل الشعب المصرى حتى نحاسبه بها.
سأدلل على ما قلت سابقاً بحوار دار بيننا والرجل الثانى فى المخابرات المصرية فى عهد حكم الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك. وجدنا هذا المسئول المخابراتى المصرى الكبير نجلي فى قهوة بوسط لندن بمنطقة كوينزوى وحيانا بأخوة وادى النيل ولعله خبير فى معرفة سحنات السودانيين. وسألنا لماذا نحن هنا فى أنجلترا ؟ فأجبناه بأننا كلنا هنا كلاجئييت سياسيين بعد أن قام نظامنا الحاكم فى السودان بتشريدنا. فقال لنا الى أى الأحزاب تنتمون؟ فقلنا له كلنا نتمى للحزب الأتحادى الديمقراطى. فقال أنتم جماعة الأزهرى أم السيد الميرغنى؟ فقلنا له من ذكرت كلهم أتحاديون ولسنا منقسمين الى جماعات فنح جماعة السودان الوطن الباحثين لشعبنا عن حريته وديمقراطيته المسلوبة، ولكن من انت حتى تطرح علينا هذه السئلة وانت لا تعرفنا من قبل ودونما أن تعرفنا بنفسك رغم أننا من لهجتك عرفنا انك مصرياً؟ فعرفنا بنفسه أنه الرجل الثانى فى المخابرات المصرية. وقال أنه من تجربته يظهر له أننا من جماعة الأزهرى فى الحزب الأتحادى. وقال لأنهم هم  حكومة وشعب  لهم شئ من حتى فى أنفسهم وأننا خدعنا مصر بعد رفعنا شعلر وحدة وادى النيل وأن الحكومة المصرية قامت بدعن الحزب الأتحادى حتى فاز بالأغلبية البرلمانية فتنكرنا لمصر وأعلنا الستقلال من داخل البرلمان برغم تفويض الشعب السودانى لكم على وحدة وادى النيل وليس الأنفصال. ثم جاء حكم الفريق عبود وضباطه الختمية جماعة الميرغنى قام رئيسك الأزهرى بمعارضته وتكوين الجبهة الوطنية حتى اسقاطه فى أكتوبر 1964م وهو نظام كنا ندعمه ونؤيده والذى وافق لنا على بناء السد العالى وترحيل أهالى حلفا. ثم جاء حكم النميرى والذى وقفنا معه من أول يوم بضباطه الأحرار قام رئيسكم الشريف حسين الهندى بتكوين الجبهة الوطنية لسقاط نظام النميرى صديقنا الول فى العالم العربى. وعند توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع اسرائيل بواسطة الرئيس السادات قام الشريف حسين بتكوين جبهة الصمود والتصدى وأستعدى بقية العالم العربى على مصر. والآن جاء نظام الأنقاذ الذى ايدناه من أول وهلة والذى جدد معنا توقيع اتفاقية مياه النيل دونما زيادة أو نقصان فى أتفاقية 1959م ومع ذلك قام حزبكم بقيادة المعارضة ضد نظام الأنقاذ فى التجمع الوطنى الديمقراطى. ولذلك نعتبر أن كل مواقفكم أنتم الأتحاديين ضد مصر التى فضائلها عليكم لا تحد ولا تعد. وهذ كلام قال به مسئول كبير فى الحكومة المصرية وليس أى احد آخر لأنه يعتبر من مفاتح وضع السلسة المصرية تجاه العالم ودول الجوار.
حديث هذا المسئول المصرى الكبير قد جعل دماءنا تغلى فى عروقنا وحاولنا بقدر الأمكان أن نتمالك اعصابنا بأرادة قوية. فقلنا له ما كان يمكن تحقيق الوحدة بين مصر والسودان وهنالك اختلاف بين نظامى الحكم، نظام حكم ديمقراطى ليبرالى فى السودان ونظام حكم عسكرى ديكتاتورى فى مصر. وقد أتضحت لنا ديكتاتورية النظام المصرى عندما أخل عبد الناصر بوعده بالعودة الى النظام الديمقراطى ولذلك قام بالأنقلاب على اللواء محمد نجيب نصير العودة للحياة النيابية ووضعه تحت الأقامة الجبرية وهو يعلم ماذا يعنى اللواء نجيب بالنسبة للسودانيين. نجيب كان يمثل قوة الآصرة العرقية والدماء المشتركة والمختلطة بين دماء المصريين والسودانيين ونظام جمال يرفض ان يتحول الى نظام ديمقراطى. ونحن شعب معظمه رعاة وزراع تقليديين لا يعرف أن يعيش الا فى ظل الحريات الكاملة وهذا هو المنطق الذى جعلنا نختار الأستقلال على الوحدة والوقع تحت سنابك الديكتاتورية العسكرية برغم ما يعود على الشعبين من منافع ولكننا شعب لا يساوم فى امر الحرية والديمقراطية وألا لكان الأفضل لنا الستمرار تحت حكم التراك او تحت حكم البريطانيين.
أما عن موقفنا من نظام الفريق عبود كان من أجل الحرية والديمقراطية اللذان هما مبدأين اساسيين من مبادئ حزبنا وليس لأنه قد وافق لكم على بناء السد العالى فى أرض سودانية ورغم كل الأضرار التى لحقت بالسودان من جراء بناء السد العالى من أغراق آثار حضارتنا القديمة وهى كانت ثروة وكنز دائم فقدناه بسبب بناء السد العالى. كما أن أهلنا من سكان حلفاء شردوا ولم يجدوا التعويض المنصف الكامل ، هذا غير أننا لم نستفد من مياه اليد العالى لا فى زراعة ولا فى ثروة سمكية ومع ذلك لضرورة هذا السد لأخوتنا شعب مصر أعتبرناه هدية الشعب السودانى اشعب مصر الشقيق ما دام انه بهذه الضرورة لشعب مصر ونحن نعرف أهمية المياه بالنسبة لمصر.
زمن ثم بعد استطاع الشعب السودانى أنتزاع حريته وديمقراطيته من نظام هبود العسكرى فى ثورة شعبية مشهودة عالمياً  فى أكتوبر 1964م. ومع تأييد مصر للنظام الشمولى الذى كان يحكم شعب السودان، كان للسودان شعب وحكومة موقف نادر من البطولة اجاه مصر. اذ بعد هزيمة مصر وجمال عبد الناصر فى يونيو 1967م فيما عرف بنكسة حزيران برغم أنها كانت هزيمة كاملة الدسم وهذا ديدن النظم العسكرية دائماص تخفى الحقيقة عن شعوبها. بعد هذه الهزيمة قام السودان بالدعوة لأنعقاد مؤتمر قمة عربية سريع يعقد بالخرطوم واستطاع ان يقنع كل الدول العربية التى استعاداها جمال عبد الناصر فى حقبة حكمه قبل الهزيمة. وأنعقد المؤتمر عام 1968م ما عرف بمؤتمر اللاءات الثلاثة لا تحاور ولا تصالح ولا أعتراف مع اسرائيل وبذلك رفع السودان حكومة وشعباص راس جمال عبد الناصر عالياً بعد ان جاءهم منهزماً ومكسور الخاطر ومهين الجناح واضافوا الى ذلك أنهم صالحوا جمال عبد الناصر مع الملك فيصا والذى وافق أن يضع كل مقدرات السعودية من أجل مصر لسترداد الرض المسلوبة فى حرب ايتنزاف طويلة وأعادة تأهيل وتسليح القوات المسلحة المصرية الى أن تم الأنتصار فى عهد الرئيس السادات. وقلنا له ماذا كان موقف جمال عبد الناصر لرد هذا الجميل للأزهرى وصحبه؟ كان رد الجميل هو التآمر على حكومة الأزهرى ودعم وتدبير أنقلاب الضباط الأحرار بقيادة نميرى فى مايو 1969م وكان النقلاب بتوجيه جمال عبد الناصر شخصياً وقيادة المخابرات المصرية. اعتقد جمال أن التوافق فى الفكر العروبى مع نميرى وصحبه والقذافى وصحبه افضل له من مقابلة الأحسان بالأحسان الى أن هد الله أركان حكمه بأخذه اليه أخذ عزير مقتدر. وأنا شخصياص اعتقد ان جمال عبد الناصر هة كارثة العالم الثالث والعربى والسلامى الذى علم الآخرين الأنقلابات العسكرية على حكومات الشعوب المنتخبة ولنا مقال قادم كامل حول هذا الأمر. وكان مصير الزهرى صاحب مؤتمر اللاءات الثلاث الموت فى سجون نظام نميرى اذناب جمال عبد الناصر. بل لم يتدخل عبد الناصر حلى لطلاق سراحه وه يعلم انه زعيم محبوب لكل شعب السودان ناهيك عن افضاله على مصر.
وقلنا لمسئول المخابرات المصرية أن حكوماتكم دائماً تتآمر على أى نظام ديمقراطى ليبرالى ينشأ فى السودان لأنهم لا يتحملون ديمقراطية فى جنوب الوادى. هذا الفتراض دللت عليه أيضاً تجربة نظام الأنقاذ أذ كانت مصر أول دولة تعترف بنظام النقاذ وأستعملت علاقاتها مع العالم العربى لتقنعهم بالأعتراف بالنظام الجديد فى السودان من قبل أن يتأكوا من هوية الأنقلاب والذى تكشف لهم بعد ذلك أنهم جزء من الأخوان المسلمين الذين يملأوون سجون مصر وما وقفوا معه موقف العداء الا بعد محاولة تظام الأنقاذ اغتيال الرئيس مبارك باديس ابابا. قامت مصر بالأعتراف بنظام الأنقاذ رغم أن هنالك قرار من منظمة الوحدة الأفريقية بعد الأعتراف بأى تظام عسكرى ينقلب على نظام ديمقراطى منتخب. هذه هى الأشيلء التى تأذى منها الشعب السودانى من الحكومات المصرية على مدى التاريخ السابق لثورة25 يناير. ولنا أن نتفاءل بأن مصر الديمقراطية سيكون منهاجها فى التعامل مع الشعب السودانى مختلفاً عما كان فى السابق.
أذا كان نجاخ الثورة المصرية من أجل الحرية والديمقراطية وأنتخاب رئيس لها لأول مرة أنتخاباً حراً مباشراً شفافاً ونزيهاً دون تزوير أن يكون خطاً فاصلاً لعلاقات جديدة مع الشعب السودانى أولاً قبل حكوماته وشعب السودان ممثلاً فى أحزابه ونقاباته ومنظمات مجتمعه المدنى التقليدية والحديثة، لأن أى تجاوز فى بناء العلاقات مع الشعب السودانى والقفز للحكومات مباشرة لن يغير شيئاً مما شاب العلاقات فى السابق من فتور وبرود وشك وتربص. نريد ان نعرف كيف سيتعامل الرئيس المصرى الجديد الدكتور محمد مرسى المنتخب ديمقراطياً مع النظام الحاكم فى السودان وهو نظام عسكرى شمولى ظل يذيق الشعب السودانى الأمرين كما كان يفعل نظام مبارك المباد. بل كيف سيتعامل الرئيس المصرى وحكومته مع الثورة المندلعة الآن فى كل أنحاء السودان لسقاط نظام البشير؟ هذا اذا وضعنا فى الأعتبار أن النظام الحاكم فى السودان يقول أنه جزء أصيل واساسى من التنظيم العالمى للأخوان المسلميت والرئيس الجديد ايضاً جزء من جماعة الخوان المسلمين والفرق أن الذين فى السودان قد جاءوا للحكم على فوهة البندقية والنظام المصرى الجديد جاء منتخباً ديمقراطياً. هل يقف الرئيس المصرى الجديد حيال السودان معضداً للتغيير الديمقراطى أم سيدعم النظام الشمولى ضد الشعب السودانى؟ أم أنه سيقف فى منطقة وسطى بين الجنة والنار بين الديمقراطية والشمولية. وأذا كان الدكتور محمد مرسى يؤمن بأن الاسلام هو دين الحرية والكرامة والعدالة الأجتماعية والشورى والديمقراطية فان الذى يجرى فى السودان باسم الأسلام عكس هذا تماماً فماذا هو فاعل فى علاقة مصر بهذا النظام. فاذا بنى علاقات وطيدة مع النظام اليكتاتورى العسكرى يكون قد فقد الشعب السودانى وانحرف عن المنهاج السلامى. ولذلك من بعد هذا لن نثق فى أى علاقة تبنى مع مصر حكومة وشعباً ما دامت السياسة نحو السودان واحدة ولم تتغير فى العهود العسكرية او العهد الديمقراطى بعد الثورة.
أن مصر حكومة وشعباً أذا أرادت يمكنها ان تمارس ضغطاً كبيراً ومؤثراً على النظام الحاك فى الخرطوم حتى يتغير نظام ديمقراطى كامل الدسم وذلك بالأحتكام لأنتخابات حرة ونزيهة وشفافة ومراقبة أقليمياً ودولياً. واذا لم يستجب لها نظام الخرطوم برغم الرابط الأيدولوجى فما على حكومة وشعب مصر الا دعم الثورة المندلعة فى السودان من أجل الحرية والديمقراطية والعيش الكريم. أن السباب التى تدعو للثورة فى اليودان لهى اضعاف السباب التى أدت لأندلاع ثورات الربيع العربى . وأتمنى بعد أن يثبت الرئيس المصرى الجديد الدكتور محمد مرسى فى كرسى الرئاسة وحلف اليمين الدستورية أن يدعو الى مؤتمر للنخبة السودانية والمصرية لمناقشة مستقبل العلاقات المصرية السودانية ووضع خارطة طريق مستقبلية طويلة الأمد لتطوير هذه العلاقات حتى تصل الى الوحدة الكاملة بين شعبى وادى النيل.    
Mohamed Osman [z_osman@yahoo.com]

 

آراء