الجبهة السودانية للتغيير: بيان حول خطاب المشير البشير

 


 

 



في ظل انغلاق الأفق السياسي، وتكالب الأزمات السياسية، والاقتصادية والاجتماعية على نظام الجبهة الإسلامية القومية، تابعت جماهير الشعب السوداني بالأمس، ما أطلق عليها نظام المؤتمر الوطني وثيقة الإصلاح السياسي الشامل، لمخاطبة ودعوة الشعب السوداني ممثلا في أحزابه السياسية ومنظماته المدنية والأهلية وقواه الحية والحركات التي تحمل السلاح، إلى حوار سياسي شامل تنطلق أرضيته من المرتكزات الأربع التي حوتها تلك الوثيقة، وهي قضايا السلام وربطها بالنهضة الشاملة والتنمية المتوازنة. والشورى وما ترتكز عليه من حقوق دستورية تكفل الحريات العامة والخاصة وتصونها. والأزمات الاقتصادية وارتباطها بقضايا الفقر. وحسم الجدل حول الهوية التاريخية للشعب السوداني.
إن استمرار حروب الهامش التي قضت على الأخضر واليابس، وأفرزت مآسي بشرية، وصفتها أجسام الأمم المتحدة المختصة بأنها أفظع كارثة إنسانية في العصر الحديث، وما تبعها من اقتتال قبلي وتدمير للنسيج الاجتماعي وعلو كعب العنصرية والجهوية والقبائلية والمناطقية. ومواصلة الاعتداء على الحريات العامة، ومصادرة الصحف وقمع واعتقال وسجن أصحاب الرأي المعارض. ورفع سيف القوانين المقيدة للحريات وإطلاق يد المليشيات والقوات النظامية المتعددة المهام والمسميات لحسم الصراع السياسي أمنياً وعسكرياً. واستفحال الفقر الذي وصل مؤشره إلى ٩٥% من الشعب السوداني يقبع تحت خطه، وفقا لدراسة قامت بها مؤسسات النظام نفسه. وتفكيك القطاع العام وتدمير المشاريع العامة وما تبعها من فساد مالي تحت نظر السلطة وحمايتها. وانكار الهوية السودانية التي تم حسمها قولا وفعلا بأن الدولة السودانية هي دولة إسلامية عربية لا تعترف بالتعدد العرقي والاثني.    
إن القفز على واقع تلك الحقائق المؤلمة التي يعيشها الشعب السوداني، وعدم مخاطبتها والاعتراف بها وتحديد من المسؤول عنها، ونطاق مسؤوليته، وبالتالي إقرار مبدأ المحاسبة السياسية والإدارية والجنائية لا يساعد في أي حوار جاد يفضي إلى نتائج تنقذ الدولة السودانية من الانهيار والسقوط، وإن الخروج من هذا الواقع المأزوم الذي صنعه النظام بيده لن يتم بالخطب السياسية والكلمات الإنشائية التي تفتقر إلى الجوهر والمضمون، بل بإقرار دستور يجمع عليه كل أفراد الشعب السوداني ليضمن استقلال السلطة التفيذية والتشريعية والقضائية لتطلع بدورها الوطني الذي تم تعطيله منذ الثلاثين من يونيو 1989م، ويسبق ذلك فترة انتقالية تأسيسية تنتهي بانتخابات عامة يقول فيها الشعب كلمته ويختار من يمثله.  
جاء الخطاب في جمل عائمة ومرسلة تحمل أكثر من وجه ومعنى ويفتقر إلى آليات الحوار وأسسه وضماناته متجاهلا جذور الأزمات ونتائجها الكارثية التي حلت بالدولة السودانية وشعوبها، والتي كان إنقلاب الجبهة الإسلامية القومية على النظام الديمقراطي هو المقدمة لها بفضل سياساته الشمولية والاقصائية التي تقوم عليها فكرة وأيديولوجيا التنظيم العالمي لللإسلام السياسي في عدم الاعتراف بالسياسة كوسيلة غايتها خدمة الناس، وما يرتبط بها من ديمقراطية وحرية وحقوق إنسان باعتبارها نتاج للعقل البشري المحدود، وإنكار الدولة الوطنية ذات الحدود السياسية وما تمثله من عقبة أمام حلم قيام دولة الخلافة الإسلامية الراشدة.
لكل ذلك من أسباب ترى الجبهة السودانية للتغيير الآتي:ـ
أولا: إن الحوار السياسي له موجبات تسبقه وتتمثل في إطلاق الحريات العامة وإلغاء كافة القوانين المقيدة لها وفتح المنابر السياسية للخطب والندوات. لم يتطرق الخطاب إلى سقف زمني لهذا الحوار. ولم يحدد ما هية آلياته وضماناته والالتزام بنتائجه.
ثانيا: إن صحيفة سوابق النظام السياسية وسجله الحافل بنقض الاتفاقيات والعهود والمواثيق لا تأهله بأن يدير أي حوار مجتمعي يفضي إلى نتائج تساعد في تجاوز أزمات الدولة السودانية الخطيرة.
ثالثا: عدم الإعتراف بخطأ السياسات التي أدت إلى فشل الدولة اقتصاديا وسياسيا وتجاهل قضايا الفساد وكل الجرائم والموبقات ضد الإنسان السوداني التي ارتكبها النظام، وعدم التطرق إليها في الخطاب تؤكد بأنه ماض في نهجه القديم بمكابرة وعناد.
رابعا: إن النظام ماض في نهجه الاقصائي والشمولي، وخطابه موجه إلى عضويته من الإسلاميين وحلفاءه من قوى اليمين والطائفية السياسية والدينية التي ترتبط بعلاقات المصاهرة وصلة القرابة لحماية مصالحها.
خامسا: أغفل الخطاب مبدأ التداول السلمي للسلطة ولم يحسم مسألة ترشيح البشير إلي ولاية ثالثة الأمر الذي يتعارض مع الدستور المعمول به حاليا.
سادسا: إن الغرض الأساسي من هذا الخطاب هو الدعوة إلى توحيد صفوف الإسلاميين وكافة فصائل قوى اليمين العقائدي والطائفي لمواجه ما يعتبرونه خطرا ياتي من حاملي لواء الدولة الوطنية الديمقراطية التي تفصل بين الدين والدولة وتقوم على أساس المواطنة، وخوفا على مصالحهم التي ترعاها دولة العروبة ذات المرجعية الإسلامية وتحميهم من عاقبة المساءلة والمحاسبة على جرائمهم التي ارتكبوها بحق الوطن والمواطن.
سابعا: إن دعوة النظام للحركات المسلحة لنبذ العنف دون معالجة أسباب وجذور الأزمات التي أدت إليه يؤكد أنه ماض في طريق الحلول الأمنية لقضايا اعترف بأنها تتطلب حلولا سياسية.
تؤكد الجبهة السودانية للتغيير بأن الحل يكمن في العمل المثابر والدؤوب لاسقاط هذا النظام لتهيئة المناخ وخلق فضاء سياسي معافى لإعادة هيكلة المؤسسات السيادية للدولة السودانية على أسس يرتضيها الجميع، وهذا لن يتأتى إلا إذا انتبهت القوى التي تؤمن بالديمقراطية وتتلاقى مصالحها في إقامة وتأسيس وطن الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية.
وتجدد الجبهة السودانية للتغيير الدعوة إلى توحيد القوى ذات المصلحة الحقيقية في التغيير على قاعدة مؤتمر القاهرة المنعقد في أبريل ٢٠١٣م، وورقة توحيد القوى الديمقراطية التي تقدمت بها الجبهة لمواجهة المشروع الظلامي الذي اتخذ من الدولة السودانية ومواطنيها رهينة لخدمة مصالحة في الداخل، ولتنفيذ سياسة فروع تنظيمه العالمي في الخارج.
عاش كفاح الشعب السوداني
الجبهة السودانية للتغيير
٢٨ يناير ٢٠١٤م

 

آراء