العلاقات السودانية المصرية في واقع جديد

 


 

د. حسن بشير
2 April, 2011

 


بالفعل هناك واقع مصري جديد أفرزته ثورة 25 يناير، لكن هذا الواقع يتشكل ولم يأخذ شكله النهائي بعد، يتطلب فهم ما ستكون عليه الأوضاع في مصر ما بعد الثورة انتظار الانتخابات التشريعية في سبتمبر القادم ثم الرئاسية في نوفمبر من هذا العام كما تم الإعلان رسميا من قبل المجلس الاعلي للقوات المسلحة الذي يسير شئون مصر الآن. بالنسبة للسودان هناك واقع جديد لكنه مختلف في معني جدته عن مصر كون ان ما استجد في السودان هو واقع سلبي أنتجه انفصال الجنوب ألي دولة مستقلة. كل من الواقعين الجديدين لم تتضح معالمه بعد ويدور جدل كثيف في البلدين حول ما يخبئه المستقبل من تحديات.
    في هذا الواقع الجديد تمت زيارة وفد مصري رفيع برئاسة السيد عصام شرف رئيس الوزراء المصري الي السودان.تم التركيز بشكل كبير خلال الزيارة علي العلاقات الاقتصادية بين البلدين وهو أمر فرضته الظروف الاستثنائية التي يشهدها الاقتصاد المصري اثر تداعيات الثورة الشعبية. انصب الاهتمام حول عدد من الملفات كان أهمها علي وجه الإطلاق مياه النيل وإصرار مصر علي الحفاظ علي حصتها كاملة دون ان تتأثر بظهور دولة جديدة في جنوب السودان. بحثت المفاوضات بين الطرفين دعم السودان لمصر في هذا الاتجاه وقد كان السودان كريما كعادته مع الجانب المصري، إذ أحسن وفادته وأغدق عليه العطايا ووعد بالتعاون التام علي أسس جديدة والتنسيق حول مواقف مشتركة في ملف المياه.
     الملف الثاني المهم كان بحث الأمن الغذائي المصري، اذ تم منح أراضي واسعة للاستثمار في الأمن الغذائي في شمال السودان إضافة للتوسع الاستثماراي  بمشروع الجزيرة في الشقين الحيواني  والنباتي. تجعل تلك الاتفاقيات  من السودان الضامن الرئيسي للأمن الغذائي المصري. هذا الاستثمار يعتبر مجديا للمصريين نسبة لخصوبة الأراضي السودانية واتساعها، وفرة وسائل الري الرخيصة  والمتعددة طوال العام ووفرة الأيدي العاملة الرخيصة. لكن هذا الموضوع مرتبط أيضا باستخدام المياه وبالأمن المائي للسودان وهو ما نرجو ان لا يكون قد غاب عن الجانب السوداني في سياق صيانة المصالح القومية والمحافظة علي الحقوق كاملة مع تبادل المصالح والتعاون المشترك مع جمهورية مصر العربية التي لا تخفي أهميتها الإستراتيجية للسودان. يستفاد من زيارة الوفد المصري ان هناك حوالي 113 شركة تعمل في السودان كما ذكر رئيس الوزراء المصري، حسب الصحف السودانية، بان الاستثمارات المصرية في السودان قد بلغت في العام السابق 5.4 مليار دولار. في المقابل من غير المعروف عدد الشركات السودانية العاملة في مصر ولا حجم الأموال المستثمرة هناك.
     بينما كان الجانب الاقتصادي هو الغالب في الاهتمام المصري انصبت المطالب السودانية بشكل أساسي علي الجوانب  السياسية مثل موضوع محكمة الجنايات الدولية، رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة علي السودان (وهي أمريكية بشكل أساسي)، رفع اسم السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب. يضاف لذلك مطالبة السودان بالمعاملة بالمثل في الحريات الأربعة التي يتمتع بها المواطن المصري في السودان بعكس نظيره السوداني في مصر، أما أهم الجوانب الاقتصادية من الجانب السوداني فقد تمثلت في مد السودان بالغاز المصري بالرغم من عدم توقيع اتفاق في هذا الشأن. يلاحظ ان المطالب السودانية قد تتعارض مع الالتزامات الدولية لمصر ومصالحها الخارجية الأمر الذي يصعب الوفاء به من الناحية العملية، خاصة بعد استقرار النظام السياسي الجديد في مصر عقب الانتخابات المتوقعة نهاية العام. من الجوانب الملفتة للنظر أيضا موضوع هدية الثيران التي طغت علي التغطية الإعلامية، وفي الحقيقة فان علاقة السودان بمصر ظلت تحكمها العاطفة المفرطة من الجانب السوداني وهو أمر غير مجدي في العلاقات الدولية حتي ولو كان بين أكثر الدول تداخلا وترابطا، ومن الأفيد للسودان أن لا يسير في اتجاه الحب من طرف واحد، وان لا يبني توقعاته علي اعتبارات ظرفية غير مضمونة حول الجهة التي ستتولى الحكم مستقبلا في جمهورية مصر العربية، أي كانت تلك الجهة فهي لن تفرط في المصالح الإستراتيجية المصرية بأي شكل، ويمكن اخذ النموذج التركي كمثال في هذا الشأن.
            بقراءة بسيطة للاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تم توقيعها بين الجانبين السوداني والمصري يمكن الخروج بملاحظات مهمة من حيث طبيعة المؤسسات في البلدين والعقلية التي تحرك أي منهما. تم توقيع 9 اتفاقيات ومذكرات تفاهم وبرامج عمل تنفيذية. من الاتفاقيات التعاون بين (صندوق التنمية الاجتماعي المصري) و(ديوان الزكاة والإنماء في السودان)، ومع وضوح طبيعة المؤسسة المصرية ألا ان ما يقابلها في السودان يتداخل بين الفريضة الشرعية التي لا تقبل الاجتهاد وبين الجوانب الاجتماعية الوضعية مما يعقد أمور التوظيف وطبيعة التصرف في الأموال للجانب السوداني. تم توقيع اتفاقية بين بنك السودان المركزي والبنك المركزي المصري لتبادل المعلومات والبيانات، وهذا يعتبر موضوع مهم يرتبط بالسياسات النقدية، المعاملات  ، تدفقات رؤوس الأموال، الجرائم المالية وإمكانية تطور الأسواق المالية والكثير من معاملات  النقود وحركتها. هناك جانب تجدر الاستفادة منه في الاتفاقيات وهو الاتفاقية بين (الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة) من الجانب المصري، أما ما قابله من الجانب السوداني فتمثل في وزارتين كاملتين هما وزارة العمل والخدمة المدنية ووزارة تنمية الموارد البشرية، هدف كان التعاون في مجال الإصلاح الإداري والتنظيم، إضافة لبرنامج عمل تنفيذي بين (هيئة الاستثمار المصرية) و ووزارة الاستثمار في السودان. يلاحظ في الموضوعين الأخيرين وضوح المؤسسية ومهنية التعاطي مع الإصلاح الإداري ، الخدمة المدنية والاستثمار في مصر واضطرابها من حيث المؤسسية والاختصاص في السودان. هناك وحدة في مركز اتخاذ القرار في مصر بينما تتداخل الاختصاصات الخاصة بالخدمة المدنية والعمل والاستثمار في السودان، إذ  حتي وزارة الاستثمار لا تعتبر هي الجهة الوحيدة المختصة فيه، بل تتداخل الاختصاصات مع عدد من الوزارات الاخري إضافة للولايات والهيئات مما يعقد  من إجراءات الاستثمار ويوجه لمناخه أضرارا بالغة. هناك عدد أخر من الاتفاقيات والمذكرات  متعلقة بالنقل، البيئة والإعلام وغيرها. جميع ما تم الاتفاق عليه يحتاج للتناول الشفاف وفحص وتدقيق جميعا جوانبه، وهو الامر الذي سيحدث بكل تأكيد في مصر.
    علي السودان الاستفادة من الواقع المصري الجديد والاستعداد لإرساء علاقة تتميز بالندية وتبادل المصالح المشتركة والمنافع بين البلدين، في ظل استعداد الجانب المصري في واقعه الجديد لتلبية هذا الشرط، إضافة للاستفادة من ترقية الجانب المؤسسي وضبط العمل في سياقه التنظيمي والقانوني المحكم والكف عن تكوين اللجان ومعالجة القضايا الأساسية عبر تصريحات المسئولين التنفيذيين لأجهزة الإعلام والتوسع في المهام الرئاسية في كل صغيرة وكبيرة.
   يبقي هناك  جانب مهم غاب عن التغطية الإعلامية ومن المرجح  ان تكون قد تمت مناقشته بين الجانبين وهو  ذلك المرتبط بالوضع في ليبيا وتأثيره علي الوضع في دارفور. من المؤكد أن أكثر الدول تأثرا بأحداث ليبيا هما السودان ومصر. هناك وضع خطير في ليبيا ،اذ تجري طباخة أفغانستان أخري هناك علي نار هادئة. الجميع يذكر التدخل الغربي في أفغانستان بغرض (محاربة الشيوعية) وما هي النتائج التي تمخضت عنه بآثارها وتداعياتها العالمية. الآن تتم توسعة نطاق تدخل حلف الناتو وإعطائه صفة شرعية مغطاة بقرارات من مجلس الأمن الدولي، مع اتساع نطاق المطالبات بالتدخل الأجنبي في العديد من الدول التي تشهد اضطرابات وتعدي علي المدنيين. هذا الأمر يمكن ان تكون له عواقب وخيمة علي منطقة مضطربة مثل الشرق الأوسط وأفريقيا، خاصة في حال تمكن جماعات متطرفة من اختراق الوضع والاستثمار فيه، وفي حالة لم يتم التوصل الي حل سريع بتنحي أو إبعاد ألقذافي عن الحكم بعد إيجاد بديل مناسب يلقي قبول معظم الأطراف الفاعلة في الأزمة الليبية. هنا يجب علي الدول والجهات (رسمية وغير رسمية) التي أيدت التدخل الأجنبي في ليبيا بشكل علني او مستتر أن تستعد لتحمل عواقبه مع ضرورة استعدادها، مبدئيا لتأييده في بلدانها التي تنتهك حقوق الإنسان و (تسحق) المعارضة ، ندعوها للتمسك بمبادئها ، إذ أن المبادئ ، حسب فهمنا، غير قابلة للتجزئة.   
 
 
 hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]

 

آراء