الغـواية … بقلم: عبد الله الشقليني
عبد الله الشقليني
26 July, 2009
26 July, 2009
abdallashiglini@hotmail.com
هي كبعض نساء الدُنيا . تعرف أنوثتها و متصالحة معها. تهتم بأمر تلك الأنوثة بمحبة. هي قمحية اللون ، مائلة لسُمرة . مغلفة الأنوثة بغشاء شفاف إن اقتربت منها ،و لا يشُف إن ابتعدت. إن اقتربت ستنـزَعُكَ بسمتها ، وعيناها الضاحِكتان من دُنياكَ . يسمونه سحر الأنثى . ينتفض الجسد يتلوى من تحت الكساء المُترهِل الذي ترتدي و تهُزه الغواية . تفوح الرغبات من الأعيُن التي تنظركَ . من أي عسلٍ جاء لون زورق أحلام العينين يمخر عُباب البحر الأبيض؟ . ومن أي " سِدرٍ" تغذت جموع النحل لترسم هذا اللون العسلي اللامع الذي مَيَّز عينيها ؟. عندما اقتربتُ منها رأيتُ البؤبؤ نافذة صغيرة مفتوحة لدُنيا أخرى وبساتين لا تشبه بساتيني التي أعرف شجيراتها و أشجارها وثمارها و طينها وماءها.
أ كل أنثى تنشُر رياح رغباتها الفواحة فتأخذ بتلابيبك ، وتنفض عنكَ غُبار التُقى..فتُطيعها ؟ . ترتخي عضلاتك المتوجسة من خدرٍ لذيذ يصرع مقاومتِكَ ، يجاوِب ألاعيب الجنس الآخر وهو يغويك .
قلتُ لنفسي :
ـ يا بنات حواء كل واحدة منكُنَّ خمرٌ من عصير فاكهة مُختلِف .التي أمامي لا تشبهها أخرى . طروب تدفن أفراح قتلاها بين الخدين .
التقيتها في زقاق يُطل على الطريق العام . أعراس الرياضة حينها كانت تملأ المكان . فريق لكرة القدم انتصر وجاء يحمِل كأس بطولة " سيكافا " من خارج الدولة إلى مطار الخرطوم . جماهيره قادمة بأفراحها من المطار. الجميع يحيطون بفيلا فاخرة ويهللون براياتهم الخفاقة الحمراء ، فقد اعتادت أندية كرة القدم أن يكون أقطابها من ذوي المال و النفوذ ، فالغنى يدفع ثمن البهجة المبذولة للعامة.
قالت :
ـ فرحٌ فوق الوصف ! .
قلتُ كالهامس :
ـ سلام .
ردت أختها :
ـ أهلاً ..
وردت هي من بعدها :
ـ أهلاً وسهلاً .
رَفَعتْ ناظريها ، ومرَّ في ساعتنا الضحى مروراً هادئاً حتى صعقنا تيار الكهرباء و أمسكتْ بنا جاذبيته . صرنا نقول أي كلام يخطُر على البال. ادَّعينا أننا ننظر في الجمهرة البعيدة حين تهتف ، ونحن في روعنا عطش لا يطفئه شراب ، ولا تُشغله حفاوة " كرة قدم " أو كأس ذهبية .
صحونا من صدمة المفاجأة . شغل أمر "الكأس" كل من كان حولنا وانصرفوا جميعاً لرؤية الأحداث عن قُرب .
صرنا وحدنا .
قلت:
ـ أ أنتِ أخت " بدرية " ؟
قالت بهدوء يشبه الضحِك :
ـ نعم أنا " كوثر ".
تَمتمتُ بحديث غير مفهوم .
ردت سريعاً :
ـ ماذا قلت ؟.
أجبت:
ـ قلتَ ما شاء الله . اللهُم أحفظها من عيون الحُساد .
قالت:
ـ ومن هيَّ ؟
قلت:
ـ الظبية التي تقف أمامي ؟
انفرجت أساريرها حتى رأيت اللؤلؤ المنثور .مرَّ نسيم الضُحى الآن بارداً ، أو أننا لم نحس بحرِّه. دعوتها للدار ، فشردت عيناها ترقب الطريق وتقاطعاته . فزعٌ ورغبة وغواية مكبوتة . تجوّلت عيناها هنا وهناك لتتأكد أن ليس هناك أحد . تسللنا إلى الدار ثم إلى غرفة الضيافة وحدنا . الماء البارد يقي الحرّ ،وعصير البُرتقال يمُدنا بالسُعرات الحرارية . واقترحت لها : " شُرب الحَمَام " ، فبُهِتتْ من الدخول المفاجئ في الموضوع وفتحت عيناها دهشة ورغبة في المغامرة.
قلت :
ـ تجربة لذيذة أن أسقيكِ كما تسقي الحمام جنينها .
جفلت هيّ جفول الظباء وأنا من خلفها . ضاحكة من غواية ذاك الشيطان الذي ارتدى جُلباب الورع. على وجهه علامات الصلاح وحديثه غواية مَبثُوثة !.
قالت :
ـ جُرعة واحدة.. فقط .
ورافقتها. أمسكت بها حاضناً ليخرُج الشراب من الفم إلى الفم . غاص صدري في إسفنج الصدر الآخر . العيون بوابة الهزائم ، ولِحاظها سيوف القتال . الحياة في قمة عنفوانها تنـزل قاع البئر بحبال الدلو لتشرب أنتَ من ماء صافي و عذب. يشربه الميت فيحيي . ويشربه المُعسِر فيغتني . ويشربه المذهول فيفيق ، ويشربه المريض فيشفى .
تبسطنا في الأمر بلا عجل واقتربنا بيُسر ، وفرشنا لذلك مفارش القتال الناعم ، فلدينا أكثر من لغة لنتحدث و أكثر من وسيلة لنستدفئ وأكثر من رُقاقة خُبزٍ لنطبخها. من المُعتاد أن نتخير من الحديث أعذبه ومن مُفردات اللغة أكثرها أُلفة . أحسستُ بجسدها قربي ، بل أكثر قُرباً مما تصورت في بُرهة الزمان تلك . كأني أحس برائحة هرمون " الأستروجين " يدُب دبيباً يمشي في لحمها لحضانة بويضة صغيرة لا تُرى بالعين .مكنوزة في بيت . والبيت في قارورة . والقارورة في مكان أمين . فيه تنبُتُ الحياة أول نبات التكاثُر . تحِس السيدة عندها براحة نفس وحُب للحياة وللطرف الآخر من وهج كيمياء الجسد . متفائلة هي غبطة ورضا وأنا غاطس في فرحي الذي لا تَحُده الحُدود. هذا يوم الخضوع لسلطان الهرمون يفعل فينا ما يشاء .
في البدء كانت الكلمة .تماماً كما قالت الديانات القديمة ، وتسللت الخيوط لتغزل منّا في هذا الكون الفسيح سجادة خُرافية ، دون مراعاة لأعراف وقيم .لم نتذكر الطقس ، ولا الجوع . بل استكشاف عالم طري ، تنـز منه اللذة المطمورة في بطون الأجساد . فاحت النشوة برغوتها . حرارة اللقاء صعدت مُتدرجة معنا جبال المُتعة حيث الهواء في العُلا رطب وبارد ، والسماء رحيبة ..نرجوها ألا تغضب . فلسنا أوائل الخُطاة ولسنا أواخرهم . هبطنا بمظلة واحدة من أعلى قمم المُتعة مُتدحرجان ثماراً سقطت مُكتملة التكوين .
إنها لعبة الطبيعة إذن . تستثمر هذه الصدفة لنكتب للجنس البشري عُمراً جديداً من محض لقاء حميم عابر....
رمت شباك الألفة حبائلها ، وكان ذاك هو يومنا الأول . تبعته أيام . و غبنا عن بعضنا لأسباب قاهرة ، وما التقينا من بعد انقطاع إلا بعد مضي أكثر من ثلاثة أشهُر وكانت ثمرة الحياة في تكوينها الأول تفوح من وجنتي " كوثر" . أنوثة أكثر جمالاً . تحدثتْ هي عن الحدث بارتباك مشوب بالفرح . لم تحس بندم ، بل أحست أن الأمومة عندها جاءت من محض لحظة حُب حقيقي وهذا هو الذي يهُم . صناعة الصدفة أكثر إمتاعاً من كل القوانين الاجتماعية التي تضع الغريزة في القوالب .
الآن أُسرتها الصغيرة ستصبح بعد أشهُر أربعة أفراد ، ستزيد طفلاً أو طفلة . قالت ضاحكة إني سأصبح أباً سرياً فزوجها لا يعلم ولن يعلم . بيننا أكثر من نسيج مُشترك : اللون والسُمرة وقسمات الملامِح . فَرْونا منسجِم النقش والألوان ، جيد السبك ولن يفضح فعلتنا أحد . لن يتحدث أحد عن الثمرة المُحرمة ، فهي سرٌ بيننا .
الدُنيا مفتوحة على كل شيء . حياتها ميسَّرة والرزق ممدود ، ولكنها كانت تفتقد اللقاء الحميم الدافئ المغموس في حساء المحبة . عَرِفتْ في حياتها آلة جنس بلا عواطف و تلك نقطة رمادية في حياتها: سعة في الرزق وسرير بلا مُتعة . تَََعلمتْ معي أن في تلك الغرائز المطمورة في دواخلنا حياة ومتعة لم تتذوقها من قبل . ها هي تصل ذروتها والنشوة أول وصول لها بالأنين ثم بالصراخ .
جاء اللقاء المُتكرر تلبية لرغبات دفينة . لم تستطع الأعراف بثقل أغلالها أن تُنسينا أننا خرقنا عاداتها . نجلس في كل مرة عند مائدة الشيطان الذي خرج مطروداً من جنة القداسة نحتمي بخيمته من أعيُن المُتربصين ، فليس هنالك من نشوة تعدل نشوة المُحرمات !.
عبد الله الشقليني
30/05/2009 م