الفنّان وامرأة السّقوط الظّلامي

 


 

 

1. إسقاطٌ ذاتيٌّ:-

"بنيْةَ الطُّهر الصّافية نفَتْنِي/ وحسَّه مهاجر/ في شلاّل الحُرقَة ومَرْمِي/في شفق الوحدة وسَادِرْ/ في وديان الموتْ وبَقَالِدْ/ بِكَا جُوَّاني/ في رعشَةْ مطرَةْ حزنُو نفاني – من قصيدة "زمن الحزن الجُّوَّاني"- شعر: إبراهيم جعفر ".... " وذاهلاً أراها.. غمامةٌ كانت وحمامةٌ ترقُصُ في القلبِ ولكن الخِنجَرَ امتزجَ بدمائها في القلبِ.. هي حاضرةٌ لكنّها تمتزجُ بوحشةِ الغربةِ اللاّعذبة– من قصةِ "موت العاشق الحالم بالتّوَحّدِ!"– إبراهيم جعفر.."..

لماذا يكونُ السّقوطُ الظّلاميُّ هو المقولة الفاجعة التي تُؤسِّسُ علاقة الفنان بالمرأة، أيّ امرأة..!.. لماذا يتكثّفُ هذا الحزنُ الشَّفَقِيُّ في الرّوحِ بقدرِ "الهوّةِ الفاجعة" التي تتربّص بعلاقاتِ الفنّان العاطفيّة التي يُريدُها "تجاوُزاً وسماوِيّة ً" فتُصبحُ غثياناً وهامشيّة؟

2. تداعياتٌ رومانسيّةٌ– صوفيّةٌ:-

أحلُمُ في الخلدِ القصيِّ من روحي بانبثاقِ عالمٍ ذي طبيعةٍ أُنثويّةٍ كي يكونَ "القلبُ بحيرةَ موسيقى– من شعر:- الفاتح محمد أحمد..".. وأنتِ تتوهّجينَ في ضفافِ عالمٍ لن يكون.. بعيدةً كنرجسةٍ إلهيّةٍ تندسُّ وتُبينُ "خلسةً" في ضبابِ الرّوحِ، سماويّةً جالسةً على أرائكِ جنانِ الوعيِ بالذّاتِ الجّديدةِ المتجاوزة لهذا "المسخِ السّائدِ" الذي يُسمّونهُ إنساناً، من خلالكِ يأتي التّغنِّي بالذّاتِ الجّديدةِ و بالفتحِ المُجاوِزِ لمبتذلاتِ العالمِ اليوميِّ إلى عالمٍ أُنثوِيٍّ حدائقِيٍّ إلهيٍّ .. وأنتِ تكونينَ (في شَوفِ المُغنِّي) تجاوزاً لحياةِ (العالمِ اليوميِّ الباهتةِ) ومستوى "كيفَ نحيا؟!" لمستوى "لماذا نحيا؟!" وإجابةً لذاكَ السُّؤال تأتي كالحدسِ، أُغنيةً تفجؤُكَ بالحيويّة والمعنى كالمطر.. وأنتِ، في شَوْفِ المغنِّي، "نرجَسَةَ شارونَ، سوسنةَ الأودية– من نشيد الإنشاد".

3. تأمُّلٌ عقلانيٌّ باردٌ:-

إنَّ الأساسَ في فشلِ العلاقاتِ العاطفيّةِ بين المرأةِ والفنّان، أو المُثقّف المرهف عموماً، يكمنُ في التّعارض بين ما "يُريدُهُ" الفنّان وما يجدُهُ في الواقع الاجتماعيِّ. فهو يريدُ امرأةً غنيَّةً شعوريّاً "وتأمُّلياً " فيُجابَهُ إما بامرأة تُمثِّلُ نسخةً مُلمّعةً، ومُلمّعةً فقط!– ولذلكَ هي خادعة- من جدَّتها القانعة الرّاضية فهي مترددة ومتذبذبة ولا تملكُ حرية القرار وتخافُ من مسؤولية الاختيار ومن سلطة الأسرة وليسَ لها زمام المبادرة في علاقاتها العاطفية وفي مجمل القرارات المتعلقة بحياتها الشخصية والاجتماعية إلى آخرِ صفاتِ "الأُنثى" التي لا تستطيع التّحرّك إلاّ من "خلالِ" ظلِّ رجلٍ. وقد تكون بعضُ فتيات هذا النّموذج "غنيّات شعورياً" رغم فقرهنَّ "في التّأمّل" ولكن ذلكَ وحدهُ قد لا يُجدي إذا لم تتحرّر الإرادةُ وتنطلقُ قدرةُ الاختيار.

أو قد يُقابَلُ بالنّموذج الآخر، وهو نموذج "المرأة الدِّيكوريّة"، التي يُوهِمُكَ مظهرها وتصرفاتها الظّاهرة بتحرّر إرادتها وقدرتها على الاختيار ولكن ما أن تدخلَ في علاقةٍ واقعيّةٍ معها حتى تكتشف فقر روحها وفقر تأمّلها معاً فتكونُ فاجعتُكَ العاطفيّةُ ثمناً لذلكَ الاكتشاف.

مصيبةُ الفنان، كما كنتُ ولا أزالُ أقولُ لأصدقائي من شبابِ الأُدباء، أنّهُ ما أن يتوهّمَ، حينَ يعشقُ امرأةً، وجودَ بعضِ الضياء، ولو النذر اليسير، في ذاتها حتى يُحيلُها كلّها إلى ضياء وإشراق ومن ثمّ يُعامِلُها، لا على أساسِ أنها بعض ذلكَ الضياء الذي قد يكون هو ذاته وهمياً، بل على افتراضِ أنها كلّها مضيئة، فهو متعلِّقٌ عاطفياً، في الواقعِ، بـ"صورتها" في ذاته وليس بحقيقتها الواقعيّة لذا يكونُ "السّقوطُ الظَّلاميُّ" دائماً هو المقولةُ الأساسيّةُ التي تُؤسِّسُ علاقةَ الفنان بالمرأة..!

4. مخرج:- موقف نداء:-

ولكن.. يظلُّ نداءُ الفنان اللاّهبُ الشّمسيُّ هاتفاً بالدّواخلِ علَّ "مجهولةً رائعةً" تطلُّ ذاتَ يومٍ فتمنحه وقتَ حضوره الشّفيف وتنطلقُ الأعماقُ مُغنِّيَةً بصفاءٍ نادرِ الحدوثِ:-
أيا امرأةَ الحضورِ الشّفيفِ
تعالي، ادخُلِي ذاتي افتَحِي
قارورةَ الوردِ اجعلِيْنِي
في خيالِ الوردِ أَصْحُو
في خيالِ الوردِ أغفُو
دثِّريني بانفعالِ القُدْسِ
انشُرِي في القلْبِ أَستارَاً
ضفائرَكِ البهيّةِ واستكِيْنِي- ديسمبر 1981.

الجمعة 15/4/1983.
إبراهيم جعفر.

khalifa618@yahoo.co.uk

 

آراء