القارعة تقرع ابواب السودان 1-2 … بقلم: صديق محيسى

 


 

صديق محيسي
29 April, 2010

 

نجح  حزب المؤتمر  الذى هو  السلطة  فى الانقلاب  الجديد    الذى  استخدم  فى  الكذبوقراطية  ذلك  الاسم  الذى نحته  صديقنا الكاتب فتحى الضو   وهاهو  يستعيض  بصندوق  الاقتراع  هذه  المرة  بدلا عن  الدبابة   فى  الاستيلاء على  السلطة  لاربعة  سنوات اخرى ,ولعمرى   ان هذا او ل انقلاب  يجد  التأييد  الرسمى  من وشنطن  والاتحادين  الاوربى  والافريقى  والجامعة العربية  ومعهد  كارتر , وبنجاح  الانقلاب  يبرز  واقع  جديد  اهم  معالمه  ان الانقاذ تحاول  ان تغسل عنها  صفة  الشمولية  التى اتسمت  بها لاكثرمن عشرين عاما     و(لتخرس ) اعدائها  من الاستمرار  فى دمغها  بحيازة  السلطة   بالقوة,  الواقع  الجديد  الذى  سعت  الانقاذ  الى  انتاجه  بمساعدة  اميركية  اوربية  عبر الاعتراف  بنتيجة  الانتخابات   التى لم  ترق  الى المعايير  الدولية  حسب  تعبير  الخبراء  الاجانب , هذا  الواقع على  الصعيد  الاميركى لايؤشر  الى  ان الولايات  المتحدة  ستسعى  او ستفكر   قريبا فى رفع    العقوبات الاقتصادية عن  السودان  وحذفه من قائمة  وزارة الخارجية للد ول المساندة  للارهاب  حتى  ولو انفصل  الجنوب ,  انظر  تصريحات غريشن  الاخيرة , لان  السياسية الاميركية  تتناسل   شروطها  الى  مالا  نهاية , كلما  استجاب  الطرف  الثانى الى شرط , اطلت  برأسها  شروطا  اخرى , وفى الحالة السودانية  فأن  الاستراتيجية الاميركية بعد  قيام   دولة  الجنوب  لن تضع  نهاية  لنظرتها  المتوجسة  تجاه  نظام   الاسلاموى  , ومن هنا  علينا  ان    نتأكد  اكثر  من   الرغبة الاميركية   المحمومة  والهادئة فى  ان ترى  الجنوب  دولة  ذات  سيادة  وكذلك  ترى فى  الشمال   دولة اخرى  ذات هوية اسلاموية  معتدلة  مستعدة  لتقديم  المزيد  من التنازلات  التى ربما  تصل   الى جعل  الشريعة   ديكورا فقط  للنظام  الجديد   مقابل  الرضاء  الاميركى   الذى   تعمل   على تحقيقة بدأب عناصر  فى منظومة  الحكم  ابرزها  غازى  صلاح  الدين  مسئول  ملف  العلاقات  مع  واشنطن ,  وفى الضفة الاخرى  حيث  تنمو  قوة  القوميين  الجنوبيين   فى الحركة  الشعبية وفى مقدمتهم  سلفا  كير  نفسه  وباقان  اموم     وريك  مشار  فأن  المراقب  يرى  ان الطريق  سالكة  الى   تحقيق   هدف  الانفصال   بدعم  وحماس اميركيين     لاتخطئهما العين , وتعزز   هذا  الاتجاه  المتنامى  تصريحات   كانت قد صدرت   قبل  عام  من الان  من ازيكل  غات  كوك ممثل جنوب  السودان في واشنطن   نشرتها  صحيفة  الشرق الاوسط 26 ديسمبر 2009   نقلا  عن   صحيفة الواشنطن  تايمز اليمينية   والتى   قال فيها ( إن الحكومة الأميركية تساعد حكومة جنوب السودان للاستعداد (للاستقلال) بعد استفتاء سنة 2011 في الجنوب. و  إن جزءا كبيرا من المليار دولار التي تقدمها الولايات المتحدة سنويا إلى السودان سيذهب إلى الجنوب لبناء طرق ومدارس ومستشفيات، وجيش منفصل.  ومما  يزيد  نعرة الانفصال  قوة  وتأكيدا  هو  قول  ايزكيل  ان ( استقلال)  جنوب  السودان  صار هدفا

  واحدا من أهداف الولايات المتحدة أن يكون جنوب السودان دولة فعالة بعد استفتاء سنة 2011».)   انظر  ان   ايزكيل  استخدم  تعبير   استقلال  وليس  انفصال  مما يعنى  ان الجنوب  كان  مستعمرا  من قبل الشمال  طيلة العقود الماضية وان الاوان قد  ان  ان يتحرر , تصريحات جات كوث  عاد  واكدها  المبعوث  غريشن  فى موقف  غريب  حينما  اعترف  بأنه  كان يعلم  بأن  الانتخابات  مزورة   الشرق  الاوسط  27  ابريل   ولكنهم      اي  الاميركيين  تقاضوا  عن ذلك    من اجل  تمرير  الاستفتاء  المفضى  لانفصال الجنوب  ومع  ذلك  رد المبعوث  الاميركى  على تساؤلنا  الذى طرحناه  فى الحلقة الاولى  من ان واشنطن  لن تحمى  البشير  من  المثول امام المحكمة  الدولية  مما يعنى  ان   واشنطن  تتعامل مع  النظام  ككتلة  واحدة  وليس  مع  البشير  المتهم  بارتكاب  جرائم  ضد  الانسانية فى دارفور وربما عما قريب  جرائم ابادة.

  ننتقل من هذه  المحطة الى محطة  اخرى   وهى  اصرار الانقاذ  على رفضها  العنيف  لتغيير  القوانين  المقيدة  للحريات  وفى  مقدمتها  قانون الامن الوطنى , وعند القراءة  الفاحصة  لذلك  الرفض  نكتشف  ان الانقاذ  كانت تتحوط  منذ ذلك  التاريخ  على  نشوء  وضع  متوتر  ستفرزه  الانتخابات , وضع  قد يقود  الى احتجاجات شعبية واسعة   تتحول  الى انتفاضة  تطيح  بالنظام كله  , وهنا  استخدم  نافع  مساعد  رئيس الجمهورية  الورقة  المخبأة  عندما حذر  المعارضة  من الخروج  الى الشارع  عند  اعلان  نتيجة  الانتخابات  المزورة  وقال للصحافة   15  سبتمبر  2009    (هناك قانون يحدد كيفية النشاط السياسي، معلناً عدم حماية الدولة لأي خارج عن القانون.)    وواضح  ان نافع  عندما  تحدث  عن  القانون الذى  ينظم  النشاط  السياسى  كا ن يقصد  قانون  الامن الوطنى , ثم  جاءت  بعد  ذلك  تصريحات  اكثر  وضوحا  وهى  لوالى الخرطوم  المزور  عبد  حمن  الخضر  الذى  هدد  بعنجهية  شديدة   وبأسلوب  نازى  تنم  عليه  تقاطيع  وجهه بأن  حكومته ( لن  تسمح  بتكرار  التجربة الايرانية  او  الكينية  وقال فى مؤتمر  صحفى الأربعاء, 21 أبريل/  2010   لن نسمح بان تكون الخرطوم طهران او نيروبي اخرى)     وبدا  واضحا      الهاجس  الباطنى  من  الثورة  الشعبية  العارمة  التى قادتها  المعارضة  الايرانية  ضد  التزوير  الذى اتى  بأحمدى  نجاد  رئيسا  للبلاد , وعليه  فأن  ملالى  الخرطوم   جاهزون    لردع  اى تحرك  شعبى  ضدهم,  وتصريحات   نافع  والوالى  تعبران  عن رعب  شديد  من الشارع , والا  فلماذا  يخاف  من اتت به   صناديق  الاقتراع  الى  السلطة  مجددا ؟ ولماذا  يخشون  ان يعبر الشارع  عن  نفسه  وهو  حق  كفله  الدستور  ؟ , وعلى  خلفية  هذا الخوف  تبرز  قضية هامة   شكلت دائما  حضورا فى  اذهان  المتابعين  للهم  السودانى , وهى  ان الانقاذ  احدثت  عبر عشرون عاما   من حكمها  مايشبه  الزلزال  فى الجغرافيا  السياسية  للمجتمع  السودانى  طاول  ذلك  التركيبة  السكانية , ثم التركيبة الطبقية ,  فهى  من  خلال مشاركتها  فى الحياة  السياسية شمولية كانت ام تعددية اكتشفت  ان البقاء  فى  السلطة  ارتبط  دائما  بمهددات  مجربة  مثل  النقابات  والاتحادات  كصيغ  ثورية  جريئة  يمكن  ان تتحول  بالتدرج  الى اسلحة  فتاكة  قد  تؤدى  الى  قيام   ثورات  شعبية  تطيح  بالنظام  كله , وقد  كان اضراب  الاطباء  الاخير  والذى  اخاف  النظام  اى خوف  نموذج  اعاد  الى ذهن  الحاكمين  صور  من الماضى  لا يريدون  رؤيتها     مرة اخرى , ومن  هنا جاءت  الضرورة  فى بداية حكمهم  لتغيير  الخريطة الاجتماعية  والسياسية  وذلك  بقيام  نقابات  تابعة  للحكومة  فصل  قانونها لخدمة  النظام , ولسد  الطريق  ام الصيغ  النقابية القديمة ,   ولاول  مرة  نرى  رئيسا  لاتحاد  عمال  السودان  بدرجة  بروفسير ,  بينما   كان  تاريخيا على راس  هذه  الاتحادات   عمال    امثال   سليمان موسى  محمد  السيد سلام  ,  والشفيع  احمد  الشيخ  ,  والحاج  عبدالرحمن , ومحمد  الحسن  عبدالله   وهاشم  السعيد وهو الامر  ينفى عن  مثل  هذه  الاشكال  النقابية التى ابتدعتها  السلطة الصفة الطبقية   , على  هذا  النحو  تم  اخراج  مثل  هذه  الاسلحة  من المعركة , وتم  السيطرة  على الحركة  العمالية  وجرى خلط  متعمد  بين   المخدم  والمستخدم  ليجمع الاثنين تنظيم  واحد,  ليس  هذا  وحدة   بل  ان الة التغيير  المذهبية   الاسلاموية ذهبت  الى الحد  الى فصل  الالاف  من النقابيين  القدامى  والاحلال  محلهم  عناصر  تابعة  لها , كما تم  الفتح  الباب  واسعا  لهجرة   الطبقة  الوسطى  باكاديمييها  ومثقفيها  الى خارج  البلاد , وتخريب  مشاريع  كبرى  كمشروعى الجزيرة  والرهد  وغيرها  لاجبار  العاملين  فيها   على اللجوء  الى المدن  بحثا  عن الرزق  ولكن ابعد  من ذلك  كان  النظام  يسعى  لخلق وسط  شعبى جديد  مدقع    ينهمك  فى البحث  عن لقمة  العيش  غير  ابه   بما  يجرى  حوله  ولذا  تمت  هجرتان احداهما  خارجية  شملت الطبقة الوسطى  التى كانت  تصنع  التغيير   وداخلية   من  بروليتاريا  رثة  غير  منتجة  تدخل  دورة الاستهلاك  فى  معارك  يومية   لا تنتهى  معركة الا وتبدأ  اخرى ,واذ  ينظر المراقب  الى نموذج  الخرطوم  كعاصمة للبلاد  فا نه  يجد  هزة  ديمغرافية  ضربت  مفاصل المجتمع  القديم  واطاحت  ببنيته  التقليدية الى غير رجعة.  

 وفق  هذه  الالية الجهنمية  استطاعت  الانقاذ  السيطرة   على مفاصل  الحياة  فى البلاد,  واستطاعت  ان تخلق  ادواتها  الخاصة  بها  متحوطة  من   اية اخطار , وهذا  مادعا  الناس  يعلقون  الامل  فى   التدخل  الخارجى  لتخليصهم  من هذه  الورطة   المستمرة .

 الى ذلك  استطاع  الانقاذيون  مقابل  هذا  التغير  ان يتبعوه  باجراءات   شديدة  الشيطانية  هى  قيام  كيبوتات   خاصة اشبه  بالكيبوتات  الاسرئيلية    ,  كيبوتات  البنوك  وشركات التأمين  وشركات  الاستيراد  الكبرى   وشركات الامن   وغيرها  من الشركات   عابرة القارات    فى  ماليزيا ا  ودبى وهنونغ  كونغ   ودول اسيا الوسطى , وخير  من يكشف  هذا النشاط  الاخطبوطى  كتاب  نزاع  الاسلاميين فى  السودان   للتيجانى  عبد القادر. 

   ثمة موضوعة  هامة  وهى مقاربة  ديكتاتوريتان واحدة للنميرى  والثانية للا نقاذ , وكيف  استفاد الانقاذيون  من الاولى  ثم اختلفوا  عنها  فى المبنى  والمعنى , وسدروا  فى الاستنباط لكل  ماهو  يدعم  حكمهم, فهم   استبدلوا تجربة الاتحاد  الاشتراكى  التى    انيطت  بها  ايديولوجية النظام  التى كانت تدعو  للاشتراكية  عبر تحالف قوى الشعب العامل  الى  مشروع  يستخدم  الدين   كأداة ابتزاز  وان حمل  فى مظهرة  التبشير  والدعوة الى  المجتمع  المسلم, الا  ان   ذلك قدم  لنا  تحالفا   بين الجامع  والشركة,   ومر  عبر    اخدود  طويل   لايزال  يفصل  بين   نوعين من المسلمين , مسلم جرت  صياغته  فى  مختبرات داخل  هذه  المنظومة , واخر  خاضع لنظرية     اختبار الدرجة  التى يمنحها  القائمون  على المشروع  على ان  القضية  تصل  الى نهايتها  بالسيطرة  الكاملة  على الناس   وخصوصا  البسطاء  منهم, ,  لقد  اعتمدت  الانقاذ  منذ  بداياتها  لكى  تحقق  ماشرنا  اليه  على   الاعلام  فى هذه  المعركة الجديدة  وخلافا  لنظام النميرى فهى  اختارت  هذه  المدفعية  لتقديم  نفسها  للناس  من خلال  تدمير  المفاهيم  القديمة  السائدة  واستبدالها  بأخرى  تقوم  على الحصار  الكامل  لعقل المواطن  وهكذا  تمت  السيطرة على الوسائط  الاعلامية   وجىء  اليها  بكوادر  تابعة  لها  بعضها مؤمنة  بالخطاب  واخرى انتهازية  تعمل  مع كل نظام, فعلى  سبيل  المثال  ولاول  مرة   تدأب   الانقاذ  فى  العناية بصحفيين  تبدو  فى كتاباتهم  روح  الاستقلال  ولكنك  اذا تمعنتها  جيدا  تجدها  مؤيدة  بذكاء  شديد  للنظام , ومثل  هؤلاء  الكتاب  وان انتقدوا  النظام   بما يشبه  المعارضة  الكاملة, فأن  السلطة   لاتحتج  ولاتقف  منهم  موقف  الخصم  لانها  بالفعل  تريد  لهم   لعب هذا  الدور, وذلك  ما  فتح  الباب  امام  هذه  النسخ  الجديدة من الكتاب  يمطرون  بالملايين  وتسلط  عليهم  اضواء  النجومية     وتصبح  الدرب سالكة امامهم  للوصول  الى صناع  القرار  بأعتبارهم اصدقاء   للسلطة   بمساحة  محددة  تقلص  اوتزداد  حسب اداء  هذا الكاتب  وخدمته  لها.

تتداخل  ثم تتشابك الكتابة  عن  الانقاذ  بتداخل  وتشابك  القضايا  المثارة  ضدها  وعليها , غير  ان الانتخابات  التى تناولتها  الاقلام  والاحزاب  السياسية المعارضة  كانت  نقطة  تحول  فى مشروعها ( الديمقراطى ) الجديد  باعتباران هذا المشروع  يصبح  اليوم من اهم القضايا  الوطنية   التى تبرز  على   الساحة ولكونه  مرتبط  بمصير  السودان كله  و هو امر تتسع  به  ومعه ساحة  الاخطار  اتساعا  كبيرا  يتطلب  من جميع القوى الوطنية    ان تكون  متأهبة  للتعامل  مع  هذا  المتغير    الخطير  فى مسيرة الوطن

  يتبع

sedig meheasi [s.meheasi@hotmail.com]

 

آراء