القراي يجادل الربيع حول مقدم الربيع

 


 

 



على طريقة القبائل العربية القديمة ينتظم الصفان متواجهين للقتال وقد رتبوا انفسهم في ميمنة وميسرة وقلب وتواصوا ان تهجم كل وحدة من تلك الواحدات على ما يليها من تشكيلات العدو.وقبل انطلاق الهجوم الشامل والالتحام يخرج رجل واحد من هذا الصف او  ذاك ويطلب كفؤه ( قرنه ) للنزال وعند 
ذ لك يخرج له رجل من القبيلة الاخرى فيتحاوران ويتداوران ثم يلتحمان فتكون الغلبةلاحدهما بينما يخر خصمه صريعا معفرا بالتراب.
والذي حدث في قناة الجزيرة أمس الاول كاد ان يكون تطبيقا حرفيا لذلك التقليد القديم من تقاليد القتال فقد اخرجنا لهم الدكتور عمر القراي واخرجوا لنا الدكتور ربيع   عبد  العاطي   فتحاورا وتداورا حتى ثار الغبار وحجب النهار ثم انجلى عن رجلهم صريعا مجندلا وفارسنا واقف على قدميه وسيفه يقطر من دماء غريمه الصريع فكان لذلك قيمة رمزية كبشارة بالنصر المرتقب وتأكيدا لغلبة الحق في حواره الابدي مع القوة.
والواقع ان اداء القراي الممتاز كان تعبيرا بليغ الأثر عن القوى المصطفة على الساحة السياسية هذه الايام حيث يقف المعارضون مسلحين بالفكر وتقف السلطة على الجانب الآخر مزودة بالسلاح..ومن الطبيعي ان تلحق بنا السلطة بعض الهزائم لكونها تملك مصادر القوة من رجال وسلاح بما يضمن لها   التفوق متى تمت المواجهة في الشوارع والميادين ولكنه من الطبيعي ان يهزمها الفكر متى دار القتال على ساحة فكرية كقناة الجزيرة وبرنامجها الجدالي المثير. خاصة وقد جاء ممثلها بحصيلة فكرية متواضعة معظمها  موضع شك.وكان من سوء حظه لجوؤه الى احصاءات غير واقعية ومستفزة وتوصيفه للوضع السوداني الجهنمي بما يجعله قريبا من الحال في جنات عدن من حيث الحرية والرفاه وهو توصيف غير مقبول للمخيلة العربية. وأخشى ان هنالك تصورا عربيا مسبقا للوضع السوداني يرى فيه قمة البؤس والفقر وشظف العيش.وهو تصور توارثوه من ايام رفاعة الطهطاوي الى يومنا هذا وله الكثير من المبررات.وفي يومنا هذا يحتفظ العرب نحو النظام الحاكم بضغينة مرة لكونه حرم خريطة العالم العربي من نتوئها الجنوبي كما اضاع على نفسه ثروة بترولية كانت كفيلة باخراجه من الجب وتحويله لقوة داعمة للعالم العربي بدلا من منافسة دوله الضعيفة على معونات الدول الثرية في الخليج.
لقد كانت تلك المناظرة في غاية الخطورة من الناحية السياسية فقد فرغت جعبة النظام من الحجج والاعتذارات ووقف عاريا مكشوفا أمام رأي عام عربي لم يعد يستسيغ اكاذيبه خاصة وهو يقف على اعتاب مرحلة جديدة في التاريخ العربي ترفض القهر باسم القومية او باسم الدين او باسم القضية ويعزو الفشل في تلك المجالات الى الوسائل القهرية التي اتبعتها   الانظمة في حشد الناس حولها بغير وسائل الحكمة والاقناع فتنكرت لها الشعوب التي كان مفترضا ان تقاتل من اجلها وباسم تلك الاهداف النبيلة عرف العالم العربي أسوأ انكساراته وهزائمه ورفض الجمهور لتلك الوسائل هو ما يفسر كل احداث الربيع العربي من الالف الى الياء
من المؤكد ان معارضي النظام يقفون على الجانب الصحيح من مسيرة التاريخ ولكنهم لايملكون ما يملك النظام من اسباب القوة من مال وسلاح الا انهم يملكون سىلاحا مدمرا اقوى من كل ما في ترسانة النظام وهو قدرة الصبر والتحمل الى ان تكل يد الجلاد من ضربهم وقتلهم فيكون لهم النصر المؤزر ولخصمهم الهزيمة والاندحار. ومن هذا المنظور فان ا نتصار الدكتور القراي هو اولى بشريات النصر النهائي ويضاف مع انتصارات سابقة للاستاذ  وراق الى حصيلتنا المتنامية من الانتصارات الفكرية على عتاولة الانقاذيين وابطال سحرهم الدعائي الذي خبت جذوته وانطفأ بريقه منذ خروحهم من اندلس الجنوب.
هنيئا للدكتور القراي انتصاره للربيع السوداني على محاوره الذي يحمل نفس الاسم والجمنسية

Ibrahim ELMEKKI [ibrahimelmekki@hotmail.com]

 

آراء