الكيزان قبل وبعد الثورة … بقلم: بشرى أحمد علي

 


 

 

أعتقد ان الغرض من إطلاق سراح الكيزان اليوم هو تكريس حالة الإحباط بين الثوار ، وهي خطوة إستفزازية ولكنها متوقعة في ظل عزلة النظام وسعيه لتكوين حاضنة سياسية تجعله يخترق صمود الشارع ، وإنتشر مقطع فيديو للبروف غندور وهو يخطب في مناصريه ويتحدث عن عهد جديد تسود فيه قيم التسامح وقبول الجميع في وطن موحد ، لكن الأمر الذي أود أن أقوله هو أن البروف غندور كان هو الحلقة الضعيفة في حزب المؤتمر الوطني ، وربما يكون السبب أنه غير مسنود قبلياً مثل الدكتور نافع أو علي عثمان ، وكثيراً ما كان الدكتور غندور يعتز بجذوره المصرية ، وكلنا نتذكر بيانه الشهير في البرلمان عندما أعلن إفلاس السودان في حقبة البشير ، ذلك البيان كلفه خسارة المنصب ثم فقدان مقعده الأمامي في حزب المؤتمر الوطني ، بعدها ترك الحزب وعاش مع زوجاته الأربعة كما يقول صاحب ألف ليلة وليلة في هناء وحبور وسعادة ، لكن حزب المؤتمر الوطني في أيام الثورة جلبه من جديد فتحدث من علو منبر الحركة الإسلامية، فقد شعر الدكتور غندور وقتها أن وحدة الحركة الإسلامية تتطلب التنازل والسعي لإنقاذ النظام من خطر السقوط.
ومهما تحدثنا عن تداعيات عودة الكيزان من جديد إلا أن المشهد السوداني أصبح معقداً ولا يمكن اللعب فيه وفق القواعد القديمة عندما كان المخلوع البشير رئيساً للبلاد ، حزب المؤتمر الوطني أو الحركة الإسلامية لا يرضى بمقاعد الشعب ، فهو يريد أن يكون في المقدمة ويمنح غيره الفتات.
والآن أكبر تحدي الذي يواجه المُفرج عنهم اليوم هو مصير حزب الحركة الإسلامية والتي كانت التنظيم الفعلي الذي يحكم البلاد ، فهل يعلنون موتها أم أنهم سوف يسعون لترتيب بيتها من جديد مع طرح شعارات الإخوان المعروفة مثل (الإسلام هو الحل ) ليقودوا المصادمة مع زملائهم العسكر والذين بنوا تحالفاتهم مع دول إقليمية تعادي فكر الإخوان . بل أنهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك عندما إعتبروا أن إسرائيل هو الحليف الوحيد الموثوق به .
التحدي الثاني هو قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي والتي سرقت سلاح القبائل من حزب المؤتمر الوطني ، وقد أصبحت كل القبائل السودانية تدور حول فلك حميدتي والذي أغدق على زعمائها بالعطايا والأموال فجعلها أكثر إستقلالاً عن الأحزاب السودانية ، وقد افتتح حميدتي فروع للقبائل داخل قوات الدعم السريع والتي تستخدم الأموال وليس الأيدلوجية لكسب المناصرين ، والدعم السريع تنظيم جهوي ومسلح وله علاقات وإمتدادات عميقة خارج السودان وداخله ، وهو رقم لا يتجاوزه حتى عسكر الحركة الإسلامية.
ومن التحديات التي تواجههم هو مشاركة الحركات المسلحة في الحكومة ، ولا أحد ينكر ان حكومة البشير قد قضت على هذه الحركات ومزقتها شر ممزق ، والنجاح الوحيد الذي امتاز به نظام البشير هو يده الطولى في قهر الحركات وأسر قياداتها وطردهم إلى خارج السودان ، ولكن الفريق برهان في خضم معركته مع حكومة الدكتور حمدوك تقوى بهذه الحركات وقوى من شوكتها لتناصر الإنقلاب ، وقد صنع البرهان إتفاق جوبا لضرب الوثيقة الدستورية ، ولذلك سوف تعود الإحن القديمة بين الكيزان والحركات المسلحة . وهو عداء يدور حول المراكز والنفوذ ، وكلنا نعلم أن كل من وزارتي المالية والطاقة أصبحت تتقاسمها الحركات المسلحة .
اما بخصوص العلاقات الخارجية ، فالبرهان كان يعتقد أنه ذكياً عندما إستخدم الدكتور حمدوك لشطب السودان من قائمة الإرهاب ، لكنه يجهل أن السودان قد خرج من عهد الإرهاب ولكن هناك سيف لا زال مسلطاً على رأسه وهو التحول للحكم المدني وتمثيل المرأة والشباب وإحترام حقوق الإنسان في اي صيغة قادمة ، و من دون الإيفاء بتلك الشروط يكون السودان قد خرج من سجن ضيق إلى سجن أضيق ، و وفي ظل الإنقلاب لن يعد في مقدور السودان الإستفادة من أموال الصناديق المالية الدولية أو الإعفاء من الديون ، وحتى دول الخليج لن تدعم هذا النظام للأبد ، فهي لم تعد تحتاجه في حرب اليمن ، ولا شئ يلزمها التكفل بإقتصاد بلد كامل عاش على القروض والودائع ، والحركات المسلحة عينها على كل مال يدخل السودان لتوظفه في التجنيد وصرف المرتبات على المليشيات ، لذلك مهما دخلت السودان كمية من الأموال فإنها سوف تذهب للمليشيات ويبقى الدين معلق على رقبة كل سوداني.
لكن التحدي الأكبر الذي يواجه الكيزان ويدخل في قلوبهم الرعب هو الشباب الثوري الذي إستلم زمام المبادرة ، فقد تعثر الإنقلاب حتى اليوم وتعرض للعزلة الدولية بسبب صمود الشباب وتصديهم للإنقلاب ، فلم يعد القتل أو الترويع يقف حائلاً بين الشعب وثورته ، خرج رموز المؤتمر الوطني من السجون ولكن فرحتهم لن تكتمل بعد ، فهم لا يعلمون الرمال المتحركة التي يسير عليها البرهان ، فهم الآن بلا قيادة وبلا رؤية والبرهان سوف يضعهم في المواجهة مع الشارع ..
فهل سيقفون معه ؟؟ ام يخذلوه كما فعلوا مع البشير ؟

 

آراء