اللغة العربية للناطقين بها .. لسان الفتى نصف ونصف فؤاده

 


 

 

لفت نظري، في إرشيفي الورقي الذي خدمني لعقود طويلة، أن لدي عدد من الوثائق تشهد بأني تلقيت دراسات باللغة الإنجليزية. منها شهادة خاصة بأني اتبعت (followed) أو اتخذت برنامجا في اللغة الانجليزية لمدة سبعة اسابيع، بجامعة كرانفيلد. وكان ذلكم تمهيداً وتأهيلاً للدراسة بالجامعة، بعد اجتيازي إمتحان اللغة الإنجليزية المعروف بال IELTS، الذي يعقده المركز البريطاني في الخرطوم، وهو اختصار للجملة International English Language Testing System ، وقد كان إجتياز ذلكم الإمتحان شرطاَ من شرط القبول في الجامعات البريطانية. بالطبع هناك امتحانات لأمتحانات اللغة الإنجليزية لمطلوبات دراسية أخرى.
وإمعاناً في أني درست باللغة الإنجليزية وجدت شهادة أصدرتها الجامعة (بطلب منّي) أنّي قد درست كل المواد باللغة الإنجليزية، وهي اللغة الرسمية بالدراسة في جامعة الخرطوم. وهذا لمن يهمه الأمر. وأخرى من كلية الأداب بالجامعة، بأني قد تلقيت دورة في اللغة الإنجليزية العلمية Scientific English، هذا إبان دراستي السنة الإعدادية في الجامعة. وعلى ضؤ تلكم الشهادات والخبرات اللغوية باللغة الإنجليزية، أستطعت أن أدق صدري، والتقدم للدراسة حيناً وللتقديم للعمل أحياناً أخر. ورغم أني لا أزال أتتعتع فيها، كتابة وتحدثاً. ثم أجتمعنا في تأني وفي تمني.. ثم أفترقنا وكأني ما كأني.
فاللغة الإنجليزية، قد بدأت معنا من المرحلة المتوسطة. وسارت معنا حتى أدخلتنا الجامعة. وما درسناه باللغة الانجليزية يستأهل الكتابة عنه تفصيلاً، للتعرف عليه والتعرف على الدروس المستفادة منه. ومما يذكر، في هذا الصدد أن الدخول إلى جامعة الخرطوم، كان يتطلب النجاح في مادة اللغة الإنجليزية، وتعقد امتحانات ملاحق في اللغة الإنجليزية للذين لم يحققوا النجاح فيها. وأثناء إذاعة أسماء الطلاب المقبولين بالجامعة، تسمع جملة (يتوقف نجاحة على نجاحه في مادة اللغة الأنجليزية.
أما مع اللغة العربية، اللغة الأم، فلا شهادة تبل الشوق ولا رداً يطمن. حيا الله هذا الحاسوب الذي جعل الواحد منّا يكتب، ثم يذهب يراجع ويدقق. رغم ذلك يظهر ضعفنا وقلة حيلتنا. فقد درست، مثل أندادي اللغة العربية، في مرحلتى التعليم الإبتدائي والمتوسط والثانوي، كل المواد باللغة العربية وفيها مادة اللغة العربية مادة دراسية قائمة بذاتها. منذ الحروف الأولى، وتراكيب الجمل الأولية. وكتب المطالعة، وفيها قصص وموضوعات، وأناشيد ومحفوظات وقواعد النحو والصرف. وإملاء منقولة وأخرى منظورة، وإنشاء، والتي بدأت بأكمل الجمل.. ولخص الكتاب، وأكتب قصة من خيالك. حتى وصلنا إلى مشارف البلاغة والتوجيه الأدبي، ثم تركنا كثير منها كطلاب للمساق العلمي، ثم أمتحناها كمادة واجبة النجاح. كان أخر النصوص الطويلة في اللغة العربية واجبة الحفظ والإمتحان كانت المعلقة، وقتنا، لزهير إبن ابي سلمة المزني، والتي منها، هذا البيت : لِسَانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فُـؤَادُهُ فَلَمْ يَبْـقَ إَلا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالـدَّمِ
وبمثل هذه الخلفية أكون قد وقفت في مستوى لغتي العربية على مستوى الثانوي. فإن كانت المهارات في اللغة، أي لغة، هي: مهارة الاستماع، مهارة المحادثة، مهارة القراءة، مهارة الكتابة (يضاف لها الأن مهارة سرعة الطباعة على لوحة المفايتح). فكل الذي حاولت فعله في تطوير قدراتي في اللغة العربية، هو إلتحاقي في وقت مبكر بدورة في الخط العربي، لتحسين الكتابة لدي، ولقد كان ذلك أيضاً إلى جوار مهارات في الرسم و التلوين. ثم دورة في تجويد القرأن الكريم، وتعهدى بالتمرين في القراءة الصحيحة للقرأن الكريم (إلى اليوم) لتحسين مهارتي في النطق الصحيح، ثم محاولة تحسين الاستماع عبر الاستماع لبعض الإلقاء الشعري أو حتى الغناء بالفصحى (يا ضنيناً بالوعد). ثم تعهدي للكتابة باللغة العربية وبعض أعمال الترجمة من الإنجليزية التي استعين فيها بالحاسوب، وببعض قواميس اللغة العربية. فما الذي ينبغي فعله إن أردت تقييم قدراتي في مزاولة اللغة العربية. فهل من جهة تمتحنني؟
وقد بدى لي أنه ثمة حاجة لطيف واسع من مجتمع المتعلمين والمعلمين للتأهل الموثق المعتمد للغة العربية. فقد سألت مختصين في تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها، وبعض كبار الإعلاميين، هل توجد في السودان أي جهة تقدم برنامجاً دراسياً لتحسين مهارة اللغة العربية. أو حتى تقدم إمتحاناً لتحديد مستوى (أي مستوى) في اللغة العربية؟. كانت الإجابة بالنفي.
ثم يطرأ السؤال التالي: هل هناك احتياج، لتحديد المستوى في اللغة العربية، أو أن هناك امتحان معادلة مهني لتحديد المستوى في اللغة العربية؟ خاصة وهناك أساتذة جامعيون يدرسون العلوم والإنسانيات باللغة العربية، يحتاجون لتطوير مهاراتهم. وهناك إعلاميون، أومحامون أوقضاة، أوسياسيون، أودبلوماسيون، أو أطباء، أو مطلق الكُتاب، أوآخرون من دونهم يودون تحسين مهاراتهم في اللغة العربية.
والذي يتابع قنوات البث الإعلامي المقروء والمنظور والمسموع، يتأكد بأن الحاجة لمثل ما أشرت له، حاجة غير محدودة. وأن مساحة التطور في اللغة العربية مساحة غير محدودة. فأين تقع المسؤولية أو سمها دائرة الاهتمام، هل هو التعليم العالي؟، أم هيئات الإعلام، أم الجامعات والمدراس. أم وزارة الخارجية، وغيرها وغيرها. ويظل الإهتمام الشخصي لتطوير المهارات مسألة في غاية الأهمية. وقد قيل فؤاد الفتى نصف، ونصف فؤاده.. ولم يبق إلا صورة اللحم.
والدم.
الصادق عبدالله عبدالله
sadigabdala@gmail.com
19 نوفمبر 2022

 

آراء