المؤتمر السوداني و سيطرة العقل الطائفي
زين العابدين صالح عبد الرحمن
25 February, 2023
25 February, 2023
عندما أسس الأباء الأوائل حزب (المؤتمر الوطني) سابقا و ( المؤتمر السوداني) حاليا كانوا يعتقدون أن البلاد في حاجة إلي أحياء دور الطبقة الوسطى، التي بدأ دورها يتراجع لعوامل كثيرة منها الأزمات الاقتصادية التي ضربت البلاد بعد انقلاب 25 مايو 1969م، التي جاءت بالشعارات الريديكالية اليسارية التي أممت البنوك و المؤسسات الاقتصادية و التجارية حيث هرب رأس المال الأجنبي و المحلي، و بدأت تتراجع قيمة الجنيه السوداني، من خلال سوء السياسات الاقتصادية التي وضعتها مجموعة من الماركسيين و القوميين العرب، في ظل مايو الاشتراكية، و أيضا تراجع دور التعليم الذي ضربته شعارات اليسار الريديكالي ( تغير السلم التعليمي و مناهج التعليم) الأمر الذي أثر بشكل مباشر على الطبقة الوسطى بسبب خروج العديد من المصانع و المؤسسات التجارية من سوق العمل، الأمر الذي أثر سلبا على قطاع الحرفيين و الموظفين و المهنيين حيث قل دخلهم. مما أدى إلي خروج العديد من الكفاءات السودانية من البلاد صوب دول الخليج، إلي جانب القبضة الأمنية التي طالت العديد من القيادات السياسية، و أوقفت حتى الحوار الذي كان دائرا وسط المثقفين في الساحة الثقافية.
جاء أغلبية الأباء المؤسسين لحزب المؤتمر، من الحركة النقابية للمهنيين، و كان عددا منهم مشاركا في قيادة إنتفاضة 6 إبريل 1985م، لذلك كان في مخيلتهم أنموذج الديمقراطية الهندية ( حزب المؤتمر الهندي) الذي قاد عملية التحرير و تأسيس الدولة على النظام الديمقراطي، و استطاع أن يحافظ على الديمقراطية رغم الصراعات الأثنية و الدينية في المجتمع الهندي. كانت الفكرة في مخيلة تلك العصبة هي كيف تؤسس الديمقراطية في مجتمع يعاني من الانقسامات العرقية و الأثنية و التنوع الثقافي و الديني، مجتمع غارق في الأمية، تؤثر فيه أربعة عوامل سالبة، الأول المؤسسة العسكرية التي حكمت 22 عاما و أخلت بميزان القوى في المجتمع، و استطاعت أن تنتج ثقافة شمولية أثرت في الوعي السياسي. الثاني الطائفية التي لم تستطيع أن تخرج من دائرة مصالح البيوتات، لذلك استطاعت أن تجعل العمل السياسي يخدم مصالحها. الثالث قوى يسارية ماركسية و قومية لم تستطيع أن تطور ذاتها و تضيف أفكارا جديدة لمرجعياتها من وحي قرأتها للمجتمع السوداني و الصراع الدائر فيه، بالضرورة يختلف عن مجتمع الاتحاد السوفيتي و كل من القاهرة و دمشق و بغداد. حيث وقف دور اليسار السوداني فقط في استلاف الاجتهادات الفكرية التي أنتجتها نخب تلك المجتمعات من خلال دراساتها لواقع مجتمعاتها، و أيضا القوميين السودانيين لم يستطيعوا تطوير فكرهم لكي يدرس حاجة مجتمعهم، و النخب التي بدأت تفطن لذلك خرجت من أحزابها لأنها لم تستطيع استيعاب الحوارات ذات العمق الفكري. الرابع حركة الإسلام السياسي التي لم ترفد الفكر الإنساني بشيء غير استلاف شعارات السلفيين، و جعل هدم القوى الريديكالية اليسارية هي غايتها دون أن تحدث أي وعي جديد في بنية العقل السوداني، و الدلالة على ذلك الثلاثين عاما من حكمها، التي اسقطت عن وجهها ثوب الطهرانية التي كانت تتدثر به. و أصبحت السلطة هي الغاية و ليست قيم الإسلام الفاضلة. فكل هؤلاء المطالبين بمراجعات فكرية لكي تستقيم أفكارهم مع الديمقراطية.
عندما جاءت الإنقاذ و حظرت عمل الأحزاب، و ضيقت مساحات الحرية في البلاد، و تبنت المعارضة العمل العسكري إسوة بفكرة النضال عند الحركة الشعبية، بدأ يظهر عقل البندقية، و المصطلحات الريديكالية، و تراجع الشغل الذهني، و ظهرت قوات التحالف السودانية كقوى عسكرية سياسية بقيادة الجنرال عبد العزيز خالد، و أنضم عدد من قيادات (المؤتمر الوطني – السوداني) لها، و رغم الأمال العراض التي كانت عند عضويتها، لكن كانت السيادة لعقل البندقية هو عقل لا يقبل الحوار، و لا يشتغل بالقضايا الفكرية و الثقافية، و أصبح القائد يعد نفسه كقائد سوف توصله فوهات البنادق إلي السلطة. الأمر الذي جعل العديد من النخب الديمقراطية تغادر التنظيم، ثم بدأت الانقسامات و حالات التشظي تظهر في التنظيم بسبب عقل البندقية الذي تحكم في كل شيء. اقعدت التنظيم.
ثم بدأ التنظيم يعيد دوره السياسي بعد اتفاقية نيفاشا 2005م، بمسمى ( حزب المؤتمر السوداني) على قواعد و ثقافة ( حزب المؤتمر الوطني - السوداني) بقيادة عبد المجيد إمام لكن بعض القيادات المؤسسة للحزب فضلت الوقوف خارج السياج، ثم اعتمد الحزب في تفريخ عضويته من تنظيم الحركة الطلابية في الجامعات ( مؤتمر المستقلين) الفكرة حافظت على نفسها أن تكون حركة ديموقراطية جديدة تملأ الفراغ الذي خلفته الطبقة الوسطى التي كان ولاءها تاريخيا للحزب ( الوطني الاتحادي) و استطاع الحزب أن يثبت وجوده الفاعل و المؤثر وسط الجماهير، و استطاعت نخبه المثقفة أن تتحدى أجهزة أمن النظام، و تنتشر في الأسواق، و وسط التجمعات غير مبالية بالاعتقالات و الضغوط التي يمارسها النظام. و عندما أعلن الإنظام قيام أنتخابات في 2020م طرحت بعض القيادات في الحزب خوض الانتخابات كواحدة من الوسائل التي تؤدي لإسقاط النظام، و استطاعت أن تدير حوارا فكريا داخل المنظومة الحزبية، أن الدخول في الانتخابات ليس إعطاء النظام شرعية، و لكن أن تخوض بالجماهير معارك النضال و التحدي ضد النظام متحديا أليات النظام. رغم الحملات التي كانت تقودها القوى الريدكالية ذات الأفق المسدود ضد الحزب، إلا أن حزب المؤتمر السوداني كان مقتنعا أن هناك خيارات عديدة تحاصر بها النظام و تنقل الجماهير من المعارضة السلبية إلي معارضة فاعلة، فكان العقل في هذا الحزب فاعلا و منتج للأفكار و لكن....!
جاءت ثورة ديسمبر 2018م التي خرجت فيها الجماهير من الأطراف لكي تعيد ترتيب الأفكار بصورة جديدة، و في نفس الوقت تؤكد أن حركة الوعي ليست بالضرورة أن تنطلق من العاصمة، بل من الأطراف باعتبارها هي الأكثر تأثيرا من أخفاقات السلطة، و الأكثر معاناة من الفقر و سوء الخدمات. و رغم أن الثورة خلقت وعيا جديدا إلا أن هذا الوعي توقف، أو تعطل بقصد من النخب السياسية، عندما غيرت الهدف من فكرة التحول الديمقراطي إلي التركيز مع فكرة السلطة، فبدأ كل يحاول أن يرتب نفسه لإستلام الغنيمة. في هذه الفترة كانت هناك بعض من حتى ( الثقافة الديمقراطية) عند نخبة المؤتمر السوداني التي استطاعت أن تقدم نموذجا جديدا أبهر الوسط السياسي، في مؤتمرها العام السابق، حيث اختارت قيادة جديدة بالوسائل الديمقراطية، أصبح يضرب بها المثل.
كان المتوقع أن حزب المؤتمر السوداني يصبح مؤسسة ديمقراطية تغتدي بها القوى السياسية الأخرى. و يشجع العضوية على ممارسة الحوار السياسي و تأهيلها لكي تقدم نفسها للقيادة، و تثير القضايا الفكرية التي ترفع من شأن الحزب و تثقيف العضوية، و أن لا تجعل أي عضو يفوز بالتزكية، حتى لا تعلم العضوية الخنوع، و تعرضهم للأمراض الاجتماعية ( الانتهازية – الوصولية – التملق و غيرها) فالحزب يتطور من خلال فاعلية عضويته و ما تمتلكه من الثقافة السياسية و الفكر، و لكن للأسف أن فكرة السلطة أصبحت هي محور أهتمام القيادة، لذلك تقلصت مساحة الحرية داخل التنظيم، و أصبح كل عضو يثير قضية لترشيح نفسه للرئاسة يجب أن تتم محاكمته، و أي مجموعة تثير قضية هادفة لتغيير القيادة تطرد من الحزب. و يظهر ذلك حتى في الخطاب السياسي بعد ( الاتفاق الإطاري) عندما يرفض الناس المحاصصة الحزبية التي كانت سببا في فشل الحكومتين السابقتين، يخرج خالد عمر ( سلك) شاهرا سيفه بقول " لا لا لحكومة التكنوقراط و حكومة كفاءات مستقلة.... يجب أن تكون حكومة من السياسيين لكن لا محاصصة" الرجل أصبح لا يفكر في شيء غير (الغنيمة فقد فصل لها إحتياجاتها) رغم أن الرجل كان ديمقراطيا قبل سقوط الإنقاذ و صاحب فكرة منازلة النظام السابق في الانتخابات. أن التفكير في السلطة مفسدة للفكر.
قال أحد القيادات أن الدقير هو المرشح الوحيد لرئاسة الحزب، الأمر الذي يؤكد حب العضوية له. هذا القول يؤكد أن المؤتمر العام لحزب المؤتمر السوداني سوف يدير شأنه بالأغلبية الصامته ( صم – بكم – عمي). هاكذا تتراجع الأفكار العظيمة و الأمال لخلق أحزاب جديدة بسبب المصالح و الطموحات الخاصة، تتراجع الأن فكرة الديمقراطية، أمام حزب كانت أمال الديمقراطية معقودة عليه، ليكون نسخة متدنية من الطائفية، أن الطائفية لا تستميل النخب المثقفة إلا بتقديم العطايا و الإغراء بالسلطة. و كنت قد ذكرت تكررا أن الذي يجعل فكرة السلطة محوره الأساسي يكون قد تبنى الصراع المفتوح، فالقيادة الحالية في حزب المؤتمر السوداني اسقطت فكرة ( التحول الديمقراطي) و جعلتها شعارا خالي من المضمون، و تبنت فكرة محورها السلطة، و كيف الوصول إليها. الأمر الذي جعلها تغلق كل المنافذ التي يدخل منها الضوء للحزب، و تتقلص فيه مساحة الحرية، و لا يعلو صوت فوق صوت القائد. نواصل. نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
جاء أغلبية الأباء المؤسسين لحزب المؤتمر، من الحركة النقابية للمهنيين، و كان عددا منهم مشاركا في قيادة إنتفاضة 6 إبريل 1985م، لذلك كان في مخيلتهم أنموذج الديمقراطية الهندية ( حزب المؤتمر الهندي) الذي قاد عملية التحرير و تأسيس الدولة على النظام الديمقراطي، و استطاع أن يحافظ على الديمقراطية رغم الصراعات الأثنية و الدينية في المجتمع الهندي. كانت الفكرة في مخيلة تلك العصبة هي كيف تؤسس الديمقراطية في مجتمع يعاني من الانقسامات العرقية و الأثنية و التنوع الثقافي و الديني، مجتمع غارق في الأمية، تؤثر فيه أربعة عوامل سالبة، الأول المؤسسة العسكرية التي حكمت 22 عاما و أخلت بميزان القوى في المجتمع، و استطاعت أن تنتج ثقافة شمولية أثرت في الوعي السياسي. الثاني الطائفية التي لم تستطيع أن تخرج من دائرة مصالح البيوتات، لذلك استطاعت أن تجعل العمل السياسي يخدم مصالحها. الثالث قوى يسارية ماركسية و قومية لم تستطيع أن تطور ذاتها و تضيف أفكارا جديدة لمرجعياتها من وحي قرأتها للمجتمع السوداني و الصراع الدائر فيه، بالضرورة يختلف عن مجتمع الاتحاد السوفيتي و كل من القاهرة و دمشق و بغداد. حيث وقف دور اليسار السوداني فقط في استلاف الاجتهادات الفكرية التي أنتجتها نخب تلك المجتمعات من خلال دراساتها لواقع مجتمعاتها، و أيضا القوميين السودانيين لم يستطيعوا تطوير فكرهم لكي يدرس حاجة مجتمعهم، و النخب التي بدأت تفطن لذلك خرجت من أحزابها لأنها لم تستطيع استيعاب الحوارات ذات العمق الفكري. الرابع حركة الإسلام السياسي التي لم ترفد الفكر الإنساني بشيء غير استلاف شعارات السلفيين، و جعل هدم القوى الريديكالية اليسارية هي غايتها دون أن تحدث أي وعي جديد في بنية العقل السوداني، و الدلالة على ذلك الثلاثين عاما من حكمها، التي اسقطت عن وجهها ثوب الطهرانية التي كانت تتدثر به. و أصبحت السلطة هي الغاية و ليست قيم الإسلام الفاضلة. فكل هؤلاء المطالبين بمراجعات فكرية لكي تستقيم أفكارهم مع الديمقراطية.
عندما جاءت الإنقاذ و حظرت عمل الأحزاب، و ضيقت مساحات الحرية في البلاد، و تبنت المعارضة العمل العسكري إسوة بفكرة النضال عند الحركة الشعبية، بدأ يظهر عقل البندقية، و المصطلحات الريديكالية، و تراجع الشغل الذهني، و ظهرت قوات التحالف السودانية كقوى عسكرية سياسية بقيادة الجنرال عبد العزيز خالد، و أنضم عدد من قيادات (المؤتمر الوطني – السوداني) لها، و رغم الأمال العراض التي كانت عند عضويتها، لكن كانت السيادة لعقل البندقية هو عقل لا يقبل الحوار، و لا يشتغل بالقضايا الفكرية و الثقافية، و أصبح القائد يعد نفسه كقائد سوف توصله فوهات البنادق إلي السلطة. الأمر الذي جعل العديد من النخب الديمقراطية تغادر التنظيم، ثم بدأت الانقسامات و حالات التشظي تظهر في التنظيم بسبب عقل البندقية الذي تحكم في كل شيء. اقعدت التنظيم.
ثم بدأ التنظيم يعيد دوره السياسي بعد اتفاقية نيفاشا 2005م، بمسمى ( حزب المؤتمر السوداني) على قواعد و ثقافة ( حزب المؤتمر الوطني - السوداني) بقيادة عبد المجيد إمام لكن بعض القيادات المؤسسة للحزب فضلت الوقوف خارج السياج، ثم اعتمد الحزب في تفريخ عضويته من تنظيم الحركة الطلابية في الجامعات ( مؤتمر المستقلين) الفكرة حافظت على نفسها أن تكون حركة ديموقراطية جديدة تملأ الفراغ الذي خلفته الطبقة الوسطى التي كان ولاءها تاريخيا للحزب ( الوطني الاتحادي) و استطاع الحزب أن يثبت وجوده الفاعل و المؤثر وسط الجماهير، و استطاعت نخبه المثقفة أن تتحدى أجهزة أمن النظام، و تنتشر في الأسواق، و وسط التجمعات غير مبالية بالاعتقالات و الضغوط التي يمارسها النظام. و عندما أعلن الإنظام قيام أنتخابات في 2020م طرحت بعض القيادات في الحزب خوض الانتخابات كواحدة من الوسائل التي تؤدي لإسقاط النظام، و استطاعت أن تدير حوارا فكريا داخل المنظومة الحزبية، أن الدخول في الانتخابات ليس إعطاء النظام شرعية، و لكن أن تخوض بالجماهير معارك النضال و التحدي ضد النظام متحديا أليات النظام. رغم الحملات التي كانت تقودها القوى الريدكالية ذات الأفق المسدود ضد الحزب، إلا أن حزب المؤتمر السوداني كان مقتنعا أن هناك خيارات عديدة تحاصر بها النظام و تنقل الجماهير من المعارضة السلبية إلي معارضة فاعلة، فكان العقل في هذا الحزب فاعلا و منتج للأفكار و لكن....!
جاءت ثورة ديسمبر 2018م التي خرجت فيها الجماهير من الأطراف لكي تعيد ترتيب الأفكار بصورة جديدة، و في نفس الوقت تؤكد أن حركة الوعي ليست بالضرورة أن تنطلق من العاصمة، بل من الأطراف باعتبارها هي الأكثر تأثيرا من أخفاقات السلطة، و الأكثر معاناة من الفقر و سوء الخدمات. و رغم أن الثورة خلقت وعيا جديدا إلا أن هذا الوعي توقف، أو تعطل بقصد من النخب السياسية، عندما غيرت الهدف من فكرة التحول الديمقراطي إلي التركيز مع فكرة السلطة، فبدأ كل يحاول أن يرتب نفسه لإستلام الغنيمة. في هذه الفترة كانت هناك بعض من حتى ( الثقافة الديمقراطية) عند نخبة المؤتمر السوداني التي استطاعت أن تقدم نموذجا جديدا أبهر الوسط السياسي، في مؤتمرها العام السابق، حيث اختارت قيادة جديدة بالوسائل الديمقراطية، أصبح يضرب بها المثل.
كان المتوقع أن حزب المؤتمر السوداني يصبح مؤسسة ديمقراطية تغتدي بها القوى السياسية الأخرى. و يشجع العضوية على ممارسة الحوار السياسي و تأهيلها لكي تقدم نفسها للقيادة، و تثير القضايا الفكرية التي ترفع من شأن الحزب و تثقيف العضوية، و أن لا تجعل أي عضو يفوز بالتزكية، حتى لا تعلم العضوية الخنوع، و تعرضهم للأمراض الاجتماعية ( الانتهازية – الوصولية – التملق و غيرها) فالحزب يتطور من خلال فاعلية عضويته و ما تمتلكه من الثقافة السياسية و الفكر، و لكن للأسف أن فكرة السلطة أصبحت هي محور أهتمام القيادة، لذلك تقلصت مساحة الحرية داخل التنظيم، و أصبح كل عضو يثير قضية لترشيح نفسه للرئاسة يجب أن تتم محاكمته، و أي مجموعة تثير قضية هادفة لتغيير القيادة تطرد من الحزب. و يظهر ذلك حتى في الخطاب السياسي بعد ( الاتفاق الإطاري) عندما يرفض الناس المحاصصة الحزبية التي كانت سببا في فشل الحكومتين السابقتين، يخرج خالد عمر ( سلك) شاهرا سيفه بقول " لا لا لحكومة التكنوقراط و حكومة كفاءات مستقلة.... يجب أن تكون حكومة من السياسيين لكن لا محاصصة" الرجل أصبح لا يفكر في شيء غير (الغنيمة فقد فصل لها إحتياجاتها) رغم أن الرجل كان ديمقراطيا قبل سقوط الإنقاذ و صاحب فكرة منازلة النظام السابق في الانتخابات. أن التفكير في السلطة مفسدة للفكر.
قال أحد القيادات أن الدقير هو المرشح الوحيد لرئاسة الحزب، الأمر الذي يؤكد حب العضوية له. هذا القول يؤكد أن المؤتمر العام لحزب المؤتمر السوداني سوف يدير شأنه بالأغلبية الصامته ( صم – بكم – عمي). هاكذا تتراجع الأفكار العظيمة و الأمال لخلق أحزاب جديدة بسبب المصالح و الطموحات الخاصة، تتراجع الأن فكرة الديمقراطية، أمام حزب كانت أمال الديمقراطية معقودة عليه، ليكون نسخة متدنية من الطائفية، أن الطائفية لا تستميل النخب المثقفة إلا بتقديم العطايا و الإغراء بالسلطة. و كنت قد ذكرت تكررا أن الذي يجعل فكرة السلطة محوره الأساسي يكون قد تبنى الصراع المفتوح، فالقيادة الحالية في حزب المؤتمر السوداني اسقطت فكرة ( التحول الديمقراطي) و جعلتها شعارا خالي من المضمون، و تبنت فكرة محورها السلطة، و كيف الوصول إليها. الأمر الذي جعلها تغلق كل المنافذ التي يدخل منها الضوء للحزب، و تتقلص فيه مساحة الحرية، و لا يعلو صوت فوق صوت القائد. نواصل. نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com