المؤتمر السوداني يطالبني اعتذارا و لكن !!

 


 

 

في البدء تحياتي و تقديري لكل عضو في المؤتمر السوداني، لسببين، الأول لحضوري أول أجتماع تأسيسي لحزب المؤتمر السوداني ( سابقا حزب المؤتمر الوطني) الاجتماع الذي كان قد عقد في بيت مصطفي التني بالصافية ببحري جوار مسجد المسرة. و كان قد دعاني للاجتماعي الأخوين الصحفيين ( محمد لطيف و عبد الرحمن الأمين) و الثاني معرفتي بالأباء المؤسسين الذين كان لهم الدور الكبير من خلال التجمع النقابي الذي قاد ثورة إبريل المجيدة 1985م، هؤلاء كان أغلبيتهم من المهنيين الذين يمثلون الطبقة الوسطى و هي طبقة الاستنارة، و كانوا يتطلعون لحزب وسط يحدث وعيا جديدا في المجتمع، كما أن الطبقة الوسطى يقع عليها عبء استخدام الفكر في عملية التغيير. و عندما قرر حزب المؤتمر السوداني أن يخوض انتخابات 2020م ضد حزب المؤتمر الوطني، و القرار الذي وجد موقفا سلبيا من بعض القوى الحزبية، و اعتبروه يخدم بقاء النظام السابق، دافعت عن القرار و كتبت عددا من المقالات في العديد من الصحف الورقية و الالكترونية منها ( جريدة الجريدة – سودانيل – سودانيزاون لين – الراكوبة) و تأييد لقرار لإيماني أن الحزب ليس يملك أدوات جامدة، بل عليه أن يجدد أدواته حسب قدرته على التكتيك الذي يساعده أن يحرك قطاع واسع من الجماهير لساحة الصراع.
في اليومين السابقين: كتبت مقالين بعد ما تم تطرد عدد من عضوية الحزب ، و تجميد نشاط البعض. منهم عضو رشح نفسه لرئاسة الحزب منافسا للأستاذ عمر الدقير. و جاءت قرارات قيادة الحزب قرب انعقاد المؤتمر العام للحزب الأمر الذي يحرم المرشح حق الترشيح. و كان المقالان بعنوان الأول ( المؤتمر السوداني و سيطرة العقل الطائفي) و الثاني بعنوان ( المؤتمر السوداني و إحتكارية القيادة للشيوخ) و صلتني رسالة عبر الواتساب أحترمها و أقدرها جدا, و اقدر راسلها الأستاذ إبراهيم الشيخ، رسالة تعبر عن المساحة الواسعة في ذهنه التي تحتلها الثقافة الديمقراطية، التي بالفعل نحتاجها في ظل سيطرة التراكم الكبير للثقافة الشمولية التي خلفتها النظم الشمولية و خاصة نظام الإنقاذ. يقول الأستاذ إبراهيم الشيخ في رسالته:-
" تحياتي و سلامي – تقديري أن المقال جانبه الصواب . نظام الحزب الأساسي ينص على أنه من حق العضو تولي موقع الرئيس لدورتين- و ذلك موجود في أرقى الأنظمة الديمقراطية، عمر الدقير الأن في دورته الثانية و بارادة الناخبين من أعضاء الحزب، سبق لي أن توليت رئاسة الحزب لدورتين ، عشرة أعوام ثم امتنعت عن الترشيح طوعا و أختيارا ملتزما دستور الحزب، و كذلك سيفعل عمر الدقير بانتهاء دورته المشروعة، فكيف تقول ما كتبت، تقديري أن الحزب يستحق منك أعتذارا، فقد جنيت و تحاملت عليه و ظلمت ممارسته الديمقراطية بمقالك هذا" حقيقة هي رسالة يشكر عليها و تحترم. و كتبت ردا مختصرا لآن الرسالة لم تجاوب على مقصد المقالين قلت في الرسالة " السلام عليكم و رحمة الله شكرا أستاذنا؛ من حق عمر الدقير يترشح حسب نص الأئحة ليس هناك مشكلة، لكن تقرر محاسبة الناس مع قرب المؤتمر تصبح المحاسبة لها علاقة بالانتخابات كان الافضل تحويلها لكي يبت فيها المؤتمر" جاء رد الأٍستاذ إبراهيم مقتضبا يقول فيه " تحياتي – حقيقي المحاسبة لا علاقة لها بالانتخابات، أحداث و خروقات من وقت باكر فقط النتائج خرجت مع موعد المؤتمر العام، الذي تأخر لظروف موضوعية" يؤكد الأستاذ إبراهيم الشيخ أن الخروقات كانت مبكرة و ـاخرت النتائج حتى قرب المؤتمر، ماذا يعني ذلك....! شكرا لتذكيري بثقافة الآعتذار و هي ثقافة مفقودة في المجتمع لضعف الثقافة الديمقراطية، لآن الأعتذار يشكل ركن أساسي في الديمقراطية يتم تعليمه من الروضة. و هنا أنا بنقد ممارسة أعتقد أنها خاطئة في أبجديات التعليم و التثقيف الديمقراطي.
الأستاذ إبراهيم الشيخ: أنا ليس عضوا في المؤتمر السوداني لكي أقف مع جانب ضد الأخر، و لكن لقناعتي أن حزب المؤتمر السوداني من الأحزاب الحديثة التي سوف يصبح لها دورا في ترسيخ عرى الديمقراطية في البلاد، و معلوم أن الديمقراطية لا يتم تعلمها بالشعارات الجوفاء غير المخدومة فكريا، و لكن من خلال قدرة عضوية الحزب في تقدم مبادرات و أفكارو تسويقها في الشارع السياسي و تحمل تبعاتها. و هذا يتطلب الوعي بالممارسة الديمقراطية و تعليم و توعية الشارع بها. و مادامت الثقافة الديمقراطية في بلدنا ضعيفة، و تواجه تحديات من قبل ثقافة شمولية راسخة بحكم تراكمها، فاللوائح و تطبيقها في مجتمع يتلمس خطاه في مسار الديمقراطية ليست هي الوسيلة الصالحة لوحدها رغم أهميتها، بل الديمقراطيون دائما يحاولون البحث عن الحلول عبر الحوار و البعد عن الشبهات، و عبر تطويل الممارسة الديمقراطية عندما تكون هناك قضايا مثارة تقع في شبهة إختلاف الرأي، كان الأفضل أن تقدم هذه القضايا إلي المؤتمر العام، بدلا من أتخاذ قرارات لحرمان هؤلاء من حضور المؤتمر و الدفاع عن رؤيتهم، و ليس هناك قول فوق سلطة المؤتمر. و لكن تؤخر النتائج حتى قرب المؤتمر ثم تخرج بعد ذلك لمقصد تريده القيادة، يعني ذلك حرمان هؤلاء من المشاركة في المؤتمر، لآن الاستئناف سوف يتأخر حتى ينتهي المؤتمر. صحيح تكون القيادة قد استخدمت اللوائح، لكن بقصد عزل منافسين، و ليس بقصد ممارسة ديمقراطية.
أن الممارسة التيمارستها قيادة الشيوخ في المؤتمر السوداني: هي نفس الممارسة التي كانت قد مارستها القيادة التاريخية الاستالينية في الحزب الشيوعي، عند قرب المؤتمر السادس، أن تخضع الدكتور الشفيع خضر للمحاسبة، و تعلل ذلك بأنها تريد أن تستخدم اللائحة الحزبية. و شكلت له مجلس محاسبة، و جاءت تبرئة الشفيع من التهم التي وجهت له، لكن القياداة قررت حسب ( مركزيتها الديمقراطية) أن تطرد الشفيع من الحزب قبل المؤتمر السادس حتى تحرمه من حضور المؤتمر. الصراع الذي كان دائرا بين القيادة التاريخية الاستالينية و الدكتور الشفيع خضر كان صراعا فكريا يدور في محور الديمقراطية و كيفية تعزيز ثقافتها في المجتمع السوداني، و تغيير أسم الحزب و مرجعيته. و معلوم أن القيادة التاريخية الاستالينة التي ما يزال عقلها يقف عند تاريخ البيان الشيوعي عام 1848م. و يظهر الآن في تعطيل قدرة عضوية الحزب التي تشغل بالعمل الفكري لينقل الحزب من حالة الثبات التي يعيش فيها. في ذلك الوقت دافعت عن الدكتور الشفيع لمعرفتي برؤيته الديمقراطية منذ الحوار الذي كنت قد أدرته بين الشفيع و الخاتم عدلان في أواخرتسعينيات القرن الماضي في القاهرة، كان الشفيع لا يختلف كثيرا عن الخاتم لكنه كان يعتقد أن يكون الحوار داخل الحزب لكي تتم مشاركة قطاع واسع من عضوية الحزب. كان رأي الخاتم أن ( المركزية الديمقراطية) في الحزب سوف تقف عائا كبيرا، و هذا ذكرني بتصريح التجاني الطيب لجريدة الخرطوم " إذا 85% من قيادة الحزب وافقت على تغيير أسم الحزب و مرجعيته الفكرية على أن تكون الماركسية واحدة من مرجعيات متعددة على 15% أن يذهبوا بالحزب الشيوعي لا يديرون بالا لمجموعة 85%" لذلك كان لابد من الدفاع لرؤيتي الديمقراطية. و هي نفس الرؤية التي جعلتني أقف مع المرحوم محمد على جادين و عبد العزيز حسين الصاوي عندما قدما طرحا عن الديمقراطية داخل حزب البعث العربي الاشتراكي، باعتبارها تمثل القضية المركزية للحزب، و لابد من إعادة النظر في مرجعية حزب البعث. كان جادين و الصاوي يصارعان عقليات دغمائية، لا تملك إلا أن تردد شعارات جوفاء قد تخطاها الواقع القطري و القومي. و كتبت عددا من المقالات تأييدا لهما و تتبعت مسار العمل الفكري في المجال القومي منذ كتابات ساطع الحصري و عفلق و منيف الرزاز مرورا بعصمت سيف الدولة و عبد الله خيري.
في الختام أقدم شكري و تقديري للأستاذ إبراهيم الشيخ على رسالته، و على طلب الأعتذار للحزب، و لا اعتقد أنني أخطات، و كان على الحزب درء الحدود بالشبهات. و رسالة الأستاذ إبراهيم تؤكد حرصه و قناعته أن الحوار هو الطريق الوحيد لحل الخلافات، و أن الديمقراطية تنتج ثقافتها من خلال الممارسة و أحترام الرأي الأخر. و تحياتي للأستاذ الدقير و لست طاعنا في ترشيحه و لا مخالفة اللوائح و لكن يمكن استخدمها إيجابا و سلبا حسب تصور القيادة. فالديمقراطية تحتاج لسعة الصدر و إنفتاح الذهن. مع التقدير لعضوية الحزب و أتمنى أن يخوض نور الدين صلاح الانتخابات حتى ترسى قيم الديمقراطية دون شبهات. نسأل الله التوفيق و حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com
/////////////////////////////

 

آراء