المؤتمر الشعبي: أهو التكتيك ، التَجَمْلُ ، أم إِنْضَاج الجِلْدِ وإبْدَاله؟

 


 

حلمي فارس
6 June, 2011

 


مدخل :  لماذا كلما أمسكنا ( نحن المستقلون الأحرار من قيود الحزبية ) اليراع لنسطر أفكارنا الحرة أو نناقش واقعنا أو ننتقد أحداً أو حزباً ،  يتوجب علينا أن نتحصن خلف الكلمات ونستخدم ( السواتر ) خشية إتهامنا بالإنتماء أو التعاطف مع حزب أو جهة ما ؟ أما عاد مسرح الفكر والسياسة يتسع لغير المنتمين لأحزابنا الهرمة الخربة الكسيحة ؟ أكلما كتبنا رأياً حراً نراه أنهالت علينا سهام الإتهامات بالإنتماء لهذا أو ذاك ؟ وكأن الله ما جعل في السودان مستودع للأفكار أو الرأي سوى هذه ( الفقاعات الهلامية ) المسماة أحزابا ؟ هل السودان ملك لهؤلاء يقررون فيه في حين نحن غير المنتمين لهذه الأحزاب ( فئران تجاربهم ) ونعاج في قطيعهم نساق إلى حيث يريدون ، ونحن سكوت ؟


وبعد ،،

وكأن الله أراد ألا نصمت عن الحديث في ذات موضوع التحولات الكبيرة في المباديء الفكرية والمواقف السياسية بل ومناهج الفتوى الفقهية التي ظلت تتجلى على محيا وسلوك حزب المؤتمر الشعبي وقياداته الفكرية والسياسية وعلى رأسها الشيخ الدكتور الترابي ، فبتدبر قليل وإسترجاع سريع لبعض التصريحات والتخريجات السياسية والتحليلية والفتاوى الفقهية  التي أدلى بها د. الترابي بعد خروجه من حبسه قبل الأخير ، ثم وبعد حبسه الأخير ، والمواقف السياسية المعلنة للحزب منذ المفاصلة الشهيرة ، وتصريحات أمينه السياسي أ. كمال عمر ، إضافة لبعض كتابات مفكري المؤتمر الشعبي وليس آخرها مكتوب الأستاذ المحبوب (مداخلة على مداخلة الإفتتاح : دولة المانجو والنخيل ) ، وما يتداوله عدد من قيادات الحزب وكوادره الحزبية الشبابية على موقع الحزب على الشبكة العنكبوتية ، كل هذا وغيره يشير إلى أن تحت مياه الحزب حركة قوية خفية وربما منظمة يتبناها ذات ربان الحزب ، د. الترابي ، ولعلها تهدف ، إن أحسننا بها الظن ، إلى إستنساخ مشروع ( حزب إسلامي تقدمي ) لا يقوم على القواعد التقليدية للأحزاب والجماعات الإسلامية ذات شعار ( الأسلام هو الحل ) والتي تنادي بقيام ( الدولة الإسلامية ) القائمة على تطبيق الشريعة الإسلامية أو كما يسميها أعدائهم ( الدولة الدينية ) لنسبتها تقبيحاً لعصور التخلف في أوربا ، إنما يقوم مشروع الحزب الجديد على المخاطبة المباشرة لمشكلات الحياة اليومية للإنسان بمنظور علمي يستنير بمعاني التفسير التوحيدي لمفردات الكون ، والذي يتحرك فيه الإنسان بإعتباره أحد هذه المفردات لا المسيطر عليها أو الوصي على الآخرين فيها، و قد يستصحب في ذلك أو يستوحى من روح الإسلام ومبادئه الإنسانية ، ولكن دون إصباغ النمط أو الدسم الديني الكامل  على سجية وبنية الحزب أو الدولة !!؟ أتستعجبون من ذلك ؟ أنتظروا القادم !


هذه التحولات الملحوظة ألتقطتها الرادارات الذكية للأحزاب اليسارية السودانية التي تتجافى مبادئها مع فكرة ( الدولة الإسلامية ) من أساسها ، وسعت بها تروج لها في كافة أجهزة إعلامها في الشمال والجنوب وتحرص على توثيقها سراً وعلانية لتحاكم بها المؤتمر الشعبي إن هو تراجع ولم يلتزم بما قال ،أو أن تحاكمه بها الأحزاب الإسلامية أيضاً إن هو ثبت عليها وألتزمها ونفذها ، فيخسر في الحالتين !؟ ًوقد  وافقت هذه الأحزاب ، بذات الذكاء ، على التعاون والتواصل والإحتضان للمؤتمر الشعبي ضمن تحالف أحزاب المعارضة و ( تحالف جوبا ) الذي قوامه القوة السياسية الداعمة لمشروع ( السودان الجديد ) في مقابل سودان ( المؤتمر الوطني ) القديم !؟، وكان من المتوقع لولا هذه التحولات الظاهرة أن ترفض أحزاب التحالف مجرد مصافحة أيادي ( جلادي الأمس ) ( حلفاء اليوم ) الذين أذاقوا هذه الأحزاب ويلات الكبت والظلم والتعذيب طوال عشرة سنين كانوا فيها جزء من النظام الحاكم .


ولعل ما ظل يبثه بعض كتاب المؤتمر الشعبي من إشارات عن تخلي حزبهم عن برنامج ( المشروع الحضاري الإسلامي ) وتنازله عن الكثير من المباديء التي  قام عليها وبها طوال سنوات عمره الطويلة ، وعن توجهه نحو الدولة المدنية الديمقراطية الحرة  ، هو ما جعل اليسار السوداني العلماني  يتجرأ مرات عدة ويطلب من المؤتمر الشعبي وقياداته توثيق هذه التحولات في برامج عمل واضحة أو تصريحات ومكاشفات مع الشعب السوداني يعترفون فيها بخطل وفشل مشروعهم ( الحضاري الإسلامي ) وتوجههم لخيارات الدولة العلمانية المدنية وفصل الدين عن السياسية والدولة !!؟ ألا تصدقون ؟ تعالوا أقرأوا ما كتبه الأستاذ تاج السر حسين في مقال عنوانه ( إن أراد الترابي خيراً لبلده والعالم أجمع ) ، وقد سبقه كثر  وسيلحق به آخرون ليغتنموا هذه السانحة النادرة ، إذ يقول :


( وعلى كل ، اذا اراد دكتور الترابى بعد أن تقدمت به السنين، خيرا بوطنه السودان وباقليمه والعالم كله، وهو احد رواد (المدرسه) الأسلامويه التى تدعو لتطبيق (الشريعه) أو مقاصدها، وبعد أن اصبح الأسلام متهما بالتطرف والعنف والأرهاب، وظهر دعاة مغالين يشعرونك من احاديثهم وتصرفاتهم كأنهم أكثر غيره من صاحب الرساله نفسه وأكثر حرصا عليها، وضللوا كثيرا من الشباب والصبيه .. اذا اراد د. الترابى ذلك وأن تذكره الأجيال القادمه بشئ من الخير، وأن ينهى حياته على حسن الخاتمه، فعليه وبدلا من الفتاوى (التقدميه) المستنيره التى يدغدغ بها مشاعر (الديمقراطيين) و(الليبراليين) والتى يدلى بها من وقت لآخر، أن يخرج على الملأ ويعترف فى شجاعة بفشل التجربة (الأسلامويه) من حيث النظرية والمنهج، لا التطبيق وحده كما يتهرب من الواقع والحقيقة بذلك التبرير كثير من الأسلامويين. وأن يعرى هذا النظام القائم فى السودان فهو يعرف عنه الكثير والمثير ولا زال يحتفظ بالكثير. وأن يدعو مع الصادقين الداعين لنظام ديمقراطى يفصل الدين عن السياسه وينأى به عن اتونها حتى يحتفظ للدين بقدسيته ونقاءه وطهره ومكانته، وهذا لا يمنع أن يكون السياسى أو الرجل العام (متدينا) وملتزما فى تصرفاته وأفعاله ومعاملاته مع الآخرين، وأن يعكس روح الدين واخلاقه وقيمه دون مظهرية أو ادعاء، ودون أن يحتكر (الأسلام) لنفسه تحت أى برنامج أو مسمى تنظيمى مثل (الأخوان المسلمين) أو غير ذلك من المسميات ) أنتهى النقل !


ألا ترون أخوتي القراء أن أهل اليسار الأذكياء وآل ( علمان ) لما رأوا المؤتمر الشعبي يجهد نفسه ، ويضع المساحيق الكثيفة ليتجمل أمام الرأي العام السوداني ، وأمام أحزاب التحالف ( الخليط ) الذي يسعى لتغيير النظام ، ويجاول جاهداً ( التملص ) من كااااامل تجربة الإنقاذ والبراءة حتى من فكر ونهج وبرامج ( المشروع الحضاري الإسلامي )  ألا ترون أنهم يطلبون منه بخبث سياسي نادر أن يسلخ جلده ويبدله بجلدٍ غيره ؟ أم ان المؤتمر الشعبي بملء إرادته و من تلقاء نفسه وبرعاية قيادته الفكرية والتنظيرية والتنظيمية قد قرر ذلك وسعى إليه ؟


إلا أن زعيم سياسي في حجم و وزن السيد الصادق المهدي يشكك في جدية وصدقية توجه المؤتمر الشعبي وقياداته نحو التغيير الذي تبدو للمراقبين مؤشراته ، ويعتبر ذلك حلقة ليست الأولى ولا الأخيرة من مسلسل ( خداعات الداهية ) ، وكأني به يقول : أنصدق تنازل الترابي وحزبه عن مشروع الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة بعد أم أمضى ستة عقود من الزمان يدعو ويعمل ويقاتل في سبيل هذا المشروع ، وما تزال تتردد في الأجواء أصداء هتافات الشيخ ومن خلفه جماعته ( شريعة أو نموت ، الإسلام قبل القوت ) !؟ أنصدق إخلاص الترابي وحزبه في تحالفهم مع الأحزاب اليسارية وهم من ظلوا طوال عقود يدينون ويوصمون السيد الصادق والسيد الميرغني بالكفر والخروج على الدين لكونهم حلفاء لليسار والشيوعيون والحركة الشعبية حين كانت تقاتل الإنقاذ خارج وداخل البلاد ؟ أنصدق اليوم من ذهب تلميذه للقصر رئيساً وخدعنا وجلس معنا في السجن حبيسا ؟


إن نقد الذات ومراجعة الأفكار والبرامج  والمواقف وتمحيصها وتقييمها وتجديدها تعتبر فضيلة فكرية وسياسية وسلوك حميد يقود للتطور والتقدم ، لكن كل هذه الأفعال الفضيلة يحدها ويحميها ويؤطر لها المباديء العامة الفكرية والعقدية التي إنبنى عليها الحزب من أساسه ، فلو أراد الحزب الشيوعي الصيني أو الروسي ، مثلاً ، الإنتقال لبرامج وسياسات إشتراكية أكثر إنفتاحاً من الإشتراكية الصماء القديمة لصفق لهما الشعب ، ولكن ذات الشعب سيفغر فاه من الدهشة إن قرر الحزبان الكفر بالإشتراكية والإيمان بالرأسمالية والإنتقال لتطبيقها كبرنامج عمل منذ هذا اليوم !!؟ بذات هذه الدهشة ظل الشعب السوداني عامة وإسلامي السودان على الوجه الأخص يتلقون مؤشرات تحول المؤتمر الشعبي من ( حركة إسلامية ) إلى ( حزب لا إلى هؤلا ولا إلى هؤلاء  ) ثم إلى ( حزب ليبرالي تقدمي ) ثم إلى ( حزب يهوى اليسار والشيوعيين  والعلمانيين ) ويتخذهم حليفاً فيتخذونه سخريا !.


لعل الذكاء السياسي ، بل والواجب الأخلاقي للمؤتمر الشعبي يوجب عليه إجلاء الأمر وتوضيح الموقف ،والإجابة على السؤال :  أهو التكتيك أم التجمل أم سلخ الجلد وإبداله ، ولعل الفئات التالية معنية أكثر بإجابة تتسم بالشفافية والصدق والوضوح الذي يتيح لكل منهم إختيار موقفه بناء على بيان موقف المؤتمر الشعبي :


1.       جموع الإسلاميين السودانيين الذين آمنوا بفساد وفشل و عدم قدرة المؤتمر الوطني على تحقيق أحلامهم وأشواقهم لدولة إسلامية راشدة متقدمة نزيهة وطاهرة ، لكنهم لم يكفروا بعد بذات فكرة الدولة الرشيدة المبنية على أسس وروح وشريعة الإسلام ، وما زالوا يتلفتون يبحثون عن بدائل تقودهم لحلمهم هذا ، وبعضهم قد يجد في المؤتمر الشعبي البديل المحتمل والبذرة الباقية التي يمكن أن تنبت لهم دولة الإسلام الراشدة التي ظلت الحركة الإسلامية تبشر بها منذ نشأتها .

2.       عامة أهل السودان الذين ذاقوا وبال مآلات دولة الإنقاذ والتي شاركت قيادات المؤتمر الشعبي في العشر سنوات الأولى منها والأشد سوءً فيها، يرتجون أن تتضح أمامهم الرؤية للتعرف على الجديد في فكر وسلوك وبرامج مستقبل الحزب ، أهي ذات الوعود الكذوبة التي أرهقت آذانهم و عقولهم سنين عدداً ثم قادت بلادهم إلى البوار والعنت التي هي فيه اليوم ؟ ما الجديد الذي سيدفعهم ليجربوا ( المُجَرَبْ ) ويناصروا المؤتمر الشعبي أو يرضوا بمجرد وجوده في الساحة السياسية التي شارك هو في إفسادها بتثبيته لأركان هذا النظام الباطش الفاسد ؟


3.        الأحزاب السودانية الشمالية الأخرى بكافة أطيافها والتي يتودد إليها المؤتمر الشعبي ويتحالف معها ، فيحدثها بعض قادة الحزب من وراء حجاب بأن العملية هي سلخ للجلد وتبديل للسحنة ونكران للمشروع الحضاري وسعي لدولة مدنية بلا شريعة ، ويوحي إليهم آخرون من ذات الحزب أنه تحالف تكتيكي محدود ينتهي بسقوط هذا النظام وحينها ( الحشاش يملى شبكته ) ، والبعض يصك الأسنان لا يرضيه هذا ولا ذاك ويرفض كلا الخيارين ويرى فى ما يحدث تجاوز للشرع والعقل وأنه يلتزم به فقط لأنه قرار الجماعة!؟


إن المؤتمر الشعبي بإعتباره رافد مهم في بحر السياسة السودانية وفصيل كان ولا زال فاعلاً فيها ، وبقمته وبين كوادره ومفكريه قيادات ذات وزن وكسب سياسي تراكمي طويل ، فإننا نرجو له كبقية أحزاب البلاد أن تسوده العافية والقوة ليلعب دوره مع مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق النقلة والتغيير الإيجابي الذي نرجوه ، وذلك لن يتحقق دون قيامه بواجب البوح الصريح عما يخفيه تحت جبته !



أننتظر الجواب قريباً ، أم سنظل نغني مع الأستاذ عبد اللطيف البوني على لسان الفنان  زيدان إبراهيم : خليك واضح يا جميل !




With Love , Respect & Best Regards

Engr. Hilmi A. M. Faris
Hilmi Faris [hilmi.faris@hotmail.com]

 

آراء