المجتمع الدولي، كذبة الايديولوجيا وايديولوجيا الكذب (2-2)
عصام على عبد الحليم
27 February, 2023
27 February, 2023
المجتمع الدولي كإمبريالية: او الامبريالية كمجتمع دولي
في السطور القليلة السابقة، وردت ملامح او بعض مكونات وممارسات ما اقصده بالإمبريالية. ولنتناول المفهوم بشكل مباشر ومختصر. انطلقت المعرفة به من المساهمة الفذة للينين في كتابه " الإمبريالية اعلى مراحل الرأسمالية “، ليتراكم حوله وانطلاقا منه تعددا في المدارس التي استخدمته، وانتجت ادبا ضخما. سأتجاوز الخوض المفصل في المفهوم – لضيق الحيز – وأقدم تعريفا مختصرا، يفيد في تقدم هذه المناقشة.
يمكن تعريف الإمبريالية باعتبارها نظام تراتبي يقوم على تحويل القيمة باعتبارها البنية الاساسية، والتي تُنتج ويعاد انتاجها بوسائل ايديولوجية، سياسية وعسكرية تمثل عماد ومكونات ما يمكن تسميته بنيته الفوقية. وهي نظام كلى، يضم العديد من الاقطار مرتبطة في بنية تراتبية، اسفلها هي الاقطار التي تنتج القيمة ومجموع الفائض بأنواعه المختلفة، يتم تحويله لمجموعة البلدان التي تجلس على قمة التراتبية، تستخدم كل وسائل القهر، اقتصادية، سياسية، عسكرية.. الخ لتحويل تلك الفوائض إلى خزائنها. وهي تلك التراتبية التي تم ذكرها في تحديد تلك الثنائيات: دول العالم الاول- العالم الثالث، الصناعية المتقدمة – الدول المتخلفة/ثم لاحقا النامية، الشمال الكوني- الجنوب الكوني، دول المركز -دول الهامش. هذه الثنائيات وتعدد وحركة اطلاقها واستخدامها، تتأثر بحركة الصراع الدولي ومالاته، كما تتحدد بتطور البنية الرأسمالية العولمية. فتعدلت في تجربة الاستعمار الكلاسيكي، عنها في تجربة الاستعمار الحديث، ثم في التجربة المعاصرة، تجربة سيادة أيديولوجيا النيو ليبرالية، وفقا لتغير وللتعديلات التي بدلت وسائل ضمان عمليات سرقة الفوائض الاقتصادية. ففي تجربة الاستعمار الكلاسيكي، كانت الوسائل القهر المباشرة والعارية، وفى تجربة الاستعمار الحديث سميت الوسائل بالعون الاقتصادي، تولته منظمات ما سمى بالوكالات الدولية للتنمية ما يسمى ب “المعونة" الأمريكية، او الوكالة الفرنسية، او الالمانية، وكالات تزعم تقديم المساعدة في التنمية.. الخ. وفى مرحلة النيو ليبرالية تولت عمليات تحويل الفائض منظمات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، منظمة التجارة الدولية وبنوك التنمية الاقليمية (التنمية الأفريقي، الأسيوي ... الخ)
في ورقته " إمبريالية، وجهة نظر الجنوب “، يقول بروفيسور برابهات باتنايك (اقتصادي ماركسي): أن النظام الرأسمالي لا يمكن أن يوجد -وببساطة - كنظام مكتف بذاته، انه لا يوجد الا في وجود بنية قبل رأسمالية ملحقة به بنيويا، تعمل فيها على اخضاع عملية الانتاج والمنتجين، وهي عملية اخضاع تحقق الترابط الداخلي بين الرأسمالية والامبريالية. فالرأسمالية الصناعية الحديثة في غرب اروبا ارتبطت ومنذ البدء بمعالجة المواد الخام التي لم تنتج في بلدانها، والتي تم استيرادها من المستعمرات. هذا الاعتماد على المواد الخام والبضاعة الاستهلاكية المنتجة في البنى قبل الرأسمالية الموجودة في المستعمرات، يستمر إلى اليوم. وهذه الحقيقة يتم اخفاؤها او التشويش عليها، بعكس أثرها ليصبح هامشيا في حسابات القيمة الاجمالية للناتج القومي للبلدان الرأسمالية المتقدمة. وهو رقم صغير تنتجه عمليات حسابية محددة، تعكس في ذاتها عملية او علاقات الاخضاع الإمبريالية، حيث تعرض تلك الموارد المستوردة بسعر لا يرتفع بشكل يمكن أن يهدد قيمة النقد في الدول الاستعمارية.
ضمنت الدول الاستعمارية استمرار تدفق المواد الخام والمواد الغذائية، بتقليل استهلاكها في المستعمرات، عن طريق ضغط وتخفيض قيم الدخول لسكان المستعمرات. واستخدمت في ذلك وسيلتان: الضرائب الباهظة (طريقة استنزاف الفائض)، وتحطيم الحرف المحلية بمواجهتها بمنافسة جائرة مع السلع الصناعية القادمة من المتروبول. لقد مثلت عملية فرض تخفيض قيمة الدخل لسكان المستعمرات، خصيصة اساسية للإمبريالية. فهي الوسيلة إلى جانب اخرى، والتي اُستُخدمتْ للتأكد من تماسك قيمة النقد في المتروبول في سياق عملية التراكم الرأسمالي.
بعد نهاية الحقبة الاستعمارية، تحررت الدول المستقلة من نظام تخفيض قيمة الدخول الذي فرضته الدول الاستعمارية، فارتفعت اسعار منتجاتها. الا أن ذلك لم يستمر طويلا، فدورات التضخم في السبعينيات ادت إلى ركود اقتصادي، ساهم في تخفيض اسعار تلك المنتجات القادمة من الدول النامية. وقد ساهم الركود في الجانب الاخر في بدء عملية عولمة التمويل (او ما سمى براس المال التمويلي الدولي) وهو الكيان المفتاح للظاهرة الحالية التي تسمى بالعولمة. استطاعت العولمة وبقيادة أيديولوجيا النيوليبرلية استعادة نظام تخفيض قيمة الدخول في دول ما يسمى بدول الجنوب الكوني. وقد تم ذلك بثلاث ماكينزمات اساسية، الأول: اجبارها على تخفيض الانفاق الحكومي كأحد ضرورات نظام التمويل العالمي وحرية تنقله (سحب جورج سوروس امواله من اسواق جنوب شرق اسيا، فتحطمت اقتصاداتها). وقد ارتبط شرط تقييد تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، باستبداله بشرط " التمويل السليم" او "الادارة المالية السليمة" التي تفرض الحصول على ميزانية عامة متوازنة عن طريق خفض الضرائب، وتقليل الانفاق الحكومي مما يقلل من التحويلات المطلوبة والمستهدفة الفقراء، والاستثمار الحكومي العام ومشاريع التنمية في الريف، وهي الاجراءات تفرض عملية تخفيض قيمة الدخول لسكان الريف.
الميكانزيم الثاني: هو تحطيم الانشطة الانتاجية المحلية تحت ضغط المنافسة العولمية وسطوة النيو ليبرالية المصاحبة، تفتح الباب واسعا للبضاعة القادمة من المتروبول (حرية التجارة) مع انماط استهلاك تفضلها الصفوة المحلية. تحطم الصناعات المحلية وتعمل كذلك في تعميق عملية تخفيض الدخول المذكورة.
الميكانزيم الثالث: في سياق حرية التجارة تدخل الشركات الكبرى في عمليات تسويق المواد الخام، وهي عمليات تسويق تعمل بأشكال مباشرة في تخفيض دخول المنتجين، والضغط على طلب المنتجات المحلية في السوق المحلى، وبالتالي الضغط على اسعار البضائع، مما ينعكس على محافظة النقود على قيمتها في دول المتروبول، تماما كما كان يحث في المرحلة الاستعمارية. وهذا هو جوهر الإمبريالية.
. ( https://journeyofideasacross.hkw.de/between-times-shifts-in-imperialism-orientalism-and-occidentalism/prabhat-patnaik.html )
ليست دول الترويكا هي المجتمع الدولي، ولا الحكومات الأمريكية، الفرنسية، الالمانية، او الاتحاد الأوربي. من اتوا لبلدنا، متوشحين تدخلهم العنيف والفظ في شأنها وهم يلبسون البدل الانيقة، هم الإمبريالية الأمريكية، الإمبريالية الفرنسية، الإمبريالية البريطانية، هم ليسوا اصدقاء البلد وانما هم قوة تطمح لاستئناف حيازتهم على مواردها وفوائضها، بعد أن وقفت قليلا في زمن مقاطعة نظام الكيزان الساقط. هل كانوا اصدقاء للشعب العراقي؟ لقد قتلت أمريكا وحلفاؤها ما قدره الجيش الأمريكي بما يتجاوز ال 109 ألف نفسا، وقدرته منظمة بريطانية تعمل في مجال استطلاع وقياس الرأي (Opinion Research Business poll) بما يتجاوز المليون من سكان العراق. وقد كلفت الحرب – وفقا لتقديرات جامعة براون – حوالي 1.1 ترليون دولار (نعم ترليون!)، وقد كانت تقديرات مكتب الميزانية التابعة للكونجرس أن تكلفة الحرب في العراق تبلغ ال 1.9 ترليون دولار. اما بريطانيا فقد كلفتها الحرب في العراق 8.4 بليون إسترليني.
هل كانوا اصدقاء للأفغان؟ هل جلبوا لهم التحضر، والديمقراطية، والتقدم الاجتماعي والاقتصادي؟ كلفت الحرب في افغانستان 2.313 ترليون دولار دفعتها الخزينة الأمريكية. وكلفت بريطانيا 8,164.2 بليون إسترليني. قتل فيها أكثر من 70 ألفا من السكان في افغانستان والباكستان. وحوالي 2.4 الفا من الجيش الأمريكي. (انظر احصاءات القتل وتكلفته في ويكبيديا على الانترنت).
أعلنت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الحرب الأمريكية "البنتاغون"، دانا وايت أن دبلوماسيي الولايات المتحدة سيقررون مصير التسوية السورية في مفاوضات جنيف. وقالت وايت خلال موجز صحفي: " أن الولايات المتحدة مصممة على التحدث من موقع القوة في مفاوضات جنيف حول سوريا.. هدفنا ضمان أن يستطيع دبلوماسيونا التحدث من موقع القوة فيما يتعلق بعملية جنيف". وبتشديد أضافت وايت: "دبلوماسيينا هم من سيقررون في نهاية المطاف مصير ما يحدث في سوريا"!!
المصدر: "defense.gov/Ne…/Transcripts/Transcript-View/Article/1436566
هل هم اصدقاء الناس في اوكرانيا؟ الاجابة لا قاطعة، يقدمها السناتور ريتشارد بلاك، الجنرال السابق في الجيش الأمريكي وعضو الكونجرس الحالي. يقول السيد بلاك انهم غير مهتمين بموت الاوكرانيين، "نحن، امريكا والناتو، لسنا مهتمين بموت النساء والرجال والاطفال او الجنود الاوكرانيين (…) نشحن كميات مبهرة من الاسلحة، مكنًت من التخلص من مخزون شركة ريثيون من الصواريخ، وشركة نورث اوف جرومان التي تصنع الطائرات، كل هذه الشركات التي اتخمتها اموال الضرائب (...) أن قرارات الحرب والسلام لا تتخذ في اوكرانيا، بل في واشنطون، ستستمر الحرب وسوف نستخدم الاوكرانيين كوكلاء .”(يوتوب Senator Richard H. Black - The US and NATO don't care how many Ukrainians die)
يقول الموقعون على الاتفاق الاطارى: ستنهمر علينا الهبات والقروض، ستعفى الديون، سنعبر إلى ما بعد الفقر والجوع والمرض، إلى المن والسلوى … إلى اخر الخديعة. ولكن هل هذا صحيحا؟ الا يداخلك ولو قليلا من الشك؟ ما رأى رئيسة وزراء بريطانية السابقة، السيدة تريسا ماي؟ نقلت عنها صحيفة الجارديان: " لا أشعر بالخجل من حاجتي إلى التأكيد على أن برنامج المساعدة الخاص بنا يعمل لصالح المملكة المتحدة. لذلك، فإنني ألتزم اليوم بأن إنفاقنا على التنمية لن يقتصر على مكافحة الفقر المدقع، ولكن في الوقت نفسه، نتصدى للتحديات العالمية وندعم مصلحتنا الوطنية، "وتقول ماي "سيضمن هذا أن استثمارنا في المساعدات يعود بالفائدة علينا جميعًا، ويتماشى تمامًا مع الأولويات الأوسع لأمننا القومي"(الجارديان،27 اغسطس 2018).
اما الوكالة الامريكية للتنمية الدولية (والتي تكتب بالعربية بشكل يثير الارتباك وسوء الفهم، عندما تترجم إلى المعونة الأمريكية!) فتحدد هيئة بحوث الكونجرس دورها عندما تكتب في أحد منشوراتها: “بالاشتراك مع وزارة الخارجية، تشارك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في إدارة صندوق الدعم الاقتصادي (ESF)، وصندوق دعم اروبا، اوراسيا واسيا الوسطى (AEECA)، وبرامج صندوق دعم الديمقراطية، والتي تدعم في كثير من الأحيان أنشطة التنمية باعتبارها وسائل لدعم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.”
تلاحظ الجارديان أن دولا مثل النيجر، افريقيا الوسطى، برنداي، موزمبيق وبوركينا فاسو – وهي الدول الاكثر فقرا في العالم - لا تجد عونا من أي من وكالات التنمية الدولية إمبريالية. الدول التي تتلقى معظم العون البريطاني هي وبشكل أساسي اما اسواق كبيرة مثل نيجريا او تحتاز على اهمية جيوسياسية بارزة، بالذات فيما يخص سياسات الحرب الإمبريالية ضد الارهاب مثل باكستان وسوريا.
ونفس السياسة تعكسها ممارسة المعونة الأمريكية، لا تتلقى تلك الدول الاكثر فقرا أي " معونة ". تذهب جل " المعونة" إلى اسرائيل، الاردن، وكينيا، ولنفس الاسباب: الاهمية الجيوسياسية والتجارة. وتقول الجارديان نفس هذه الدوافع هي الكامنة في تقديم القروض والمنح يقدمها البنك الدولي وصندوق النقد الدوليين.
استعادة الممارسة الاستعمارية الكلاسيكية بقيادة الإمبريالية الامريكية:
يرصد وولفجانج استريك (عالم الاجتماع الاقتصادي الألماني) سمات الأزمة التي تمر بها اروبا الان. بريطانيا غارقة في ازمة اقتصادية، الحرب الاوكرانية تشيع الاضطراب في المجال الأوربي، وهي امور مرتبطة بشكل وثيق مع ازمة الديون المتجددة في الاتحاد الأوروبي، حيث تدفع البرتغال، ايطاليا واسبانيا مستويات عالية من اسعار الفائدة على الديون الحكومية، أكثر من المانيا. لم يتحقق التقارب الاقتصادي الموعود، بل استمر التباعد بين المركز (تحديدا المانيا) وهامشه من دول البحر الابيض المتوسط. قل المال وذادت بانفجار مستويات الديون، ارتفعت اسعار الفائدة والتضخم، وارتفعت معها مستويات الفقر، التي تطلبت توزيع الصدقات المالية من قبل الحكومات، لتجنب الاضطرابات الاجتماعية، وهي الدفوعات التي مولها التوغل في مزيد من الدين العام.
https://www.conter.scot/2022/9/30/wolfgang-streeck-europe-is-being-subjugated-to-us-power/
في افريقيا تصادر الاحتكارات الدولية كميات مهولة من الارباح، وبممارسة واسعة من العنف العاري المباشر، عن طريقه تُقتلع الأراضي، كما في حالة الصومال وليبيا، وتُقتلع الغابات والحيوانات البرية والاسماك، وما تبقى من نصيب العالم الاكبر الموجود في ارض افريقيا من موارد الطاقة والمعادن النفيسة النادرة. وهي عمليات متسعة ومتسارعة أطلقت عقارها أيديولوجيا النيو ليبرالية، لتتلخص في برامج صندوق النقد الدولي المشهورة ببرنامج التكيف الهيكلي (وهو تكيف استعماري)، يفرض سلطة تراعى المصالح الإمبريالية المتسعة. لنأخذ على سبيل المثال تجربة يوغندا – وهي أحد أكبر المنتجين للبن في العالم. ففي 2019 انتجت أكثر من 5 مليون جوال من البن (60 كلجم للجوال) تبلغ قيمتها 494 مليون دولار. وبالرغم من أن هذه القيمة تم احصاؤها داخل يوغندا، الا إنها لم تنته في أيادي المزارعين ورجال ونساء الاعمال اليوغنديين، بل انتهت في جيوب التكتلات التجارية العملاقة في بريطانيا، سويسرا والمانيا. ويستمر المزارع في يوغندا واثيوبيا وكينيا مستغلا بعنف تماما كما كان حال جدوده من قبل.
https://roape.net/2022/01/26/colonialism-is-alive-and-well-in-africa-but-goes-by-many-nice-names/
أصدرت منظمة العدالة الدولية بالمملكة المتحدة (globaljustice.org.org) تقريرا بعنوان : كيف تَربحَ العالم من ثروة افريقيا (How the world profits from Africa’s wealth) تذكر فيه :
(1) تلقت الدول الافريقية في 2015 ما يساوى 161 بليون دولار تمثل قروضا وهبات، ولكن اُخذ في مقابلها 203 بليون دولار من القارة، اما مباشرة – او من خلال اخذ وترحيل الارباح بواسطة الشركات العالمية بطرق قانونية او غير قانونية.
(2) تلقت الدول الافريقية 19 بليون دولار من العون والهبات، لكن اخذ مقابلها 68 بليون دولار في رأسمال هارب بواسطة الشركات متعددة الجنسية، والتي ابلغت في تقارير مغشوشة حجم استيرادها وتصديراتها، بغرض تخفيض قيمة الضرائب
(3) تلقت الحكومات الافريقية قروضا بلغت 32.8 بليون دولار في 2015 ، ولكنها دفعت اقساطا مع خدمة الديون ما يساوى 18 بليون دولار! وبالرغم من ذلك يستمر الدين العام في الارتفاع بوتائر عالية.
(4) قُدِر ما يساوى 29 بليون دولار هو قيمة المسروق من قطع الاخشاب، وصيد الاسماك والتجارة في الحيوانات البرية والاعشاب تتم كلها وبأشكال غير قانونية. ( https://www.globaljustice.org.uk/)
المجتمع الدولي نقيض السيادة الوطنية:
هذه هي السيرة القديمة المستمرة لبعض دول المركز الأوربي تنضم إليها أمريكا لتصبح ما يسمى بالغرب (او المجتمع الدولي)، في علاقتها بأفريقيا. حضر إلى الخرطوم مناديب الإمبريالية المرتبطة وظائفهم بأفريقيا (مثلا مبعوثة الإتحاد الأوربي للقرن الإفريقي، والمبعوث الفرنسي الخاص للقرن الإفريقي، ورئيس شعبة القرن الإفريقي بالخارجية الألمانية ...الخ)؛ وقالوا قولا صريحا، يعكس نواياهم.
اصدرت وزارة الخارجية الأمريكية، بيانا قالت فيه:" المبعوثون والممثلون التقوا خلال زيارتهم المشتركة بمجموعة واسعة من الجهات السودانية، بما في ذلك الموقعون المدنيون والعسكريون على الاتفاق السياسي الإطارية والمجتمع المدني ولجان المقاومة وممثلي بعض الأطراف التي لم تدخل بعد في الاتفاق السياسي الإطاري”. وأضافت: “حثوا الأطراف السودانية على إجراء حوار شامل على أساس الاتفاق السياسي الإطاري وتنحية المصالح السياسية الضيقة جانباً للتوصل إلى اتفاق سياسي نهائي لدفع عملية الانتقال الديمقراطي في السودان تحت قيادة مدنية”. وشددت على أن المبعوثين أقروا بأن الباب ما يزال مفتوحاً أمام مجموعات إضافية للمشاركة في عملية الاتفاق السياسي الإطاري.
قال سفير الاتحاد الاوربي في جمهورية السودان ايدان اوهارا، “نحن هنا اليوم كشريك، ليس فقط في العملية، ولكن كشريك في السودان (...) ويسعدني أن ينضم إليّ سبعة سفراء من دولنا الأعضاء”!! اما السفير الأميركي في الخرطوم جون غودفري، قام بدعوة الفصائل السياسية السودانية التي لم تشارك في “الإطاري” الى الانضمام الى الاتفاق سعيا لإعادة السلطة الانتقالية الى مسارها في البلاد. وقال غودفري إن الولايات المتحدة واصلت تقديم “مساعدات إنسانية” وبعض المساعدات التنموية”. وأضاف “أوضحنا أنه ما لم يتم تشكيل حكومة مدنية جديدة في السودان، فلن نكون في وضع يسمح لنا باستعادة المساعدات الأخرى”. ولان الحرية والتغيير تحب المجتمع الدولي، هاهى الان ترجع لصفوفها من رفدتهم من تحالفها، سمتهم قبلا مؤيدي الانقلاب، ويا دار التحالف ما دخلك شر!
اما المبعوث الأمريكي السابق للسودان اسكوت قرايشون، فقد صرح لسونا في 23 -8 – 2019، إلى أن إحدى المحفزات لإتاحة الفرصة للسودان للاندماج في المجتمع الاقتصادي العالمي هو كمية الثروات الضخمة التي يمتلكها السودان والتي تغني السودان حتى من ثروات النفط إضافة الى موارده البشرية. - وقال – لا فض فوه- " لقد حان الوقت للمؤسسات المالية الدولية أن تأتي إلى السودان وتبدأ في إدماج السودان في المجتمع الاقتصادي الدولي، لقد آن الأوان للشركات الدولية لبدء الاستثمار في السودان الذي يمتلك موارد ضخمة، هذا بلد يمكنه أن يكون سلة خبز العالم، يمكنه توفير الماشية واللحوم للعديد من الدول التي حوله، هذا بلد يمتلك العديد من المعادن النادرة اللازمة التي يحتاجها العالم للتطوير ويمكن استخراج هذه المعادن ويمكن زراعة الأراضي وتربية الماشية (تسمينها) وتصديرها". هذه دوافع المجتمع الدولي، ليست امرا يتاح من خلال التحليل الذكي والاستنتاج، انه هنا، في عراء التصريح المباشر الواضح بدون أي قدر من الفضائح او احاسيس الخجل، ولا الدبلوماسية الملساء كحية.
وقد شرف البلاد السيد ديفيد بيزلى مدير منظمة الغذاء العالمي، مصطحبا وفدا كبيرا متعدد الجنسيات من رجال ونساء الاعمال، وهو امر يثير الانتباه والريبة. فما شأن ناس الشركات العالمية متعددة الجنسيات بموظف يترأس منظمة تابعة للأمم المتحدة؟ لقد أكرم الدكتاتور المبتدئ البرهان السيد بيلي بوسام النيل الازرق الرفيع، وخاطبه قائلا: "أن السودان أبوابه مفتوحة للاستثمار، مشيراً إلى الإمكانيات التي يذخر بها في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والذهب والمعادن الأخرى، مؤكدا استعداد السودان لتذليل كافة العقبات أمام الاستثمار والقطاع الخاص وذلك لجذب المستثمرين.” أي انه قال ما قالته السيدة مريم الصادق وزيرة الخارجية لقحت، مخاطبة وزير الخارجية المصري: أستاذي، تعالوا استعمرونا.
لم يفت سوق التصريحات الامبريالية السيد فولكر بيرتس فقال " إن اتفاقية جوبا انها مثلت “إنجازًا هامًا يجب الحفاظ عليه”، فاكتملت صيغة الاوامر. وقالت المصادر الصحفية انه رأى أن عدم إحراز تقدم في تنفيذه بسرعة وفعالية” يشكل “خطرًا يجب معالجته”. فاكتملت صرة الوجه والعين الحمراء.
لم يفت مولد بيع موارد البلد وسيادته الوطنية وزير الخارجية الروسي، الذي قدم - مسرعا- في بحر ايام زيارة الوفد الغربي، ليحرس رغائب التمدد الروسي في أفريقيا والذي بدأ متخذا اطلالة السودان على البحر الاحمر منفذا لأفريقيا المنبسطة. جاء يتابع مشروع القاعدة العسكرية، ووعود المخلوع البشير مع اعضاء لجنته الامنية المسيطرة، ونجاحات فاغنر في سرقة الذهب والتدريب العسكري للجنجويد.
ليسوا هم المجتمع الدولي صديق الشعوب، تحدوه الرغبة في نشر الديمقراطية وحقوق الانسان.. الخ ، انهم ممثلو وممثلات الإمبريالية ، ممثلو وممثلات قوى رأس المال العالمي والإقليمي، يبحثون منذ نشأة البنية الرأسمالية الإمبريالية عن استمرارية تراكم راس المال المتوسع ، يعتبرون احتياطي ثروات العالم خارج حدودهم، حقا طبيعيا وتاريخيا لهم ، يأخذونه بكل الوسائل ، اما عن طريق الاستعمار العولمى الحديث او عن طريق الحرب بالأصالة او بالوكالة ، و/اوعن طريق المنظمات الدولية الإمبريالية ( كالبنك والصندوق الدوليين ، منظمة التجارة الدولية ... الخ) او/و عن وكيل مطيع ( كما في حالتنا، وهم كثر) ينفذ سياساته و ما يتقاطع في بلدنا مع استراتيجياته الدولية والاقليمية ، ويبيع له ثروات بلدنا المهولة من أراضي زراعية خصبة وثروة حيوانية ومياه سطحية وجوفية ومعادن في باطن باطن الأرض وسطحها. والوكيل المطيع هو سلطة سياسية تدين بالولاء والتبعية الذليلة لسياساته السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والأمنية. وهي سلطة تدخل في تركيبها الجهة الناشطة من النادي الإمبريالي، كما رأينا، متدخلة بصورة مباشرةً وفجة بما يسمى بالهيئات الدولية من ثلاثية ورباعية وسفراء، وبالمتابعة اللصيقة لمحاولة تكوين السلطة التابعة فيما يسمى بعملية الاتفاق الاطارى وهو تسوية ركيكة مهتزة.
ما يواجه ما يسمى بالمجتمع الدولي هو نهوض شعبنا يقف على ارضية راسخة من الوعي السياسي تعبر عنه شعارات المطالبة بالحرية والسلام والعدالة تعكسها الشعارات تزين سماء المظاهرات، تنم كالأشجار في الشوارع، وانواع من اغان واناشيد، تنظم خطى الكر والفر في المظاهرات، كأنه رقص في حلبة ومشروع الحل الجذري، يوعد البلد بالخروج من ضيق الأزمة إلى براح التحول الديمقراطي في دولة مدنية ديمقراطية، ضد تحالف قوى الرأسمالية الطفيلية التابعة لرأس المال الأجنبي والمتحالفة مع الإمبريالية العالمية والاقليمية.
ما يسمى بالمجتمع الدولي هو الإمبريالية القحة، حيث يمكن لجون لجودفرى أن يقول "دبلوماسيينا هم من سيقررون في نهاية المطاف مصير ما يحدث في السودان " فذلك بالضبط ما قاله البنتاجون على لسان دانا وايت بشأن سوريا. فلنواجهم بالمعرفة وبالهتاف المألوف: يسقط يسقط الاستعمار.
isamabd.halim@gmail.com
///////////////////////////
في السطور القليلة السابقة، وردت ملامح او بعض مكونات وممارسات ما اقصده بالإمبريالية. ولنتناول المفهوم بشكل مباشر ومختصر. انطلقت المعرفة به من المساهمة الفذة للينين في كتابه " الإمبريالية اعلى مراحل الرأسمالية “، ليتراكم حوله وانطلاقا منه تعددا في المدارس التي استخدمته، وانتجت ادبا ضخما. سأتجاوز الخوض المفصل في المفهوم – لضيق الحيز – وأقدم تعريفا مختصرا، يفيد في تقدم هذه المناقشة.
يمكن تعريف الإمبريالية باعتبارها نظام تراتبي يقوم على تحويل القيمة باعتبارها البنية الاساسية، والتي تُنتج ويعاد انتاجها بوسائل ايديولوجية، سياسية وعسكرية تمثل عماد ومكونات ما يمكن تسميته بنيته الفوقية. وهي نظام كلى، يضم العديد من الاقطار مرتبطة في بنية تراتبية، اسفلها هي الاقطار التي تنتج القيمة ومجموع الفائض بأنواعه المختلفة، يتم تحويله لمجموعة البلدان التي تجلس على قمة التراتبية، تستخدم كل وسائل القهر، اقتصادية، سياسية، عسكرية.. الخ لتحويل تلك الفوائض إلى خزائنها. وهي تلك التراتبية التي تم ذكرها في تحديد تلك الثنائيات: دول العالم الاول- العالم الثالث، الصناعية المتقدمة – الدول المتخلفة/ثم لاحقا النامية، الشمال الكوني- الجنوب الكوني، دول المركز -دول الهامش. هذه الثنائيات وتعدد وحركة اطلاقها واستخدامها، تتأثر بحركة الصراع الدولي ومالاته، كما تتحدد بتطور البنية الرأسمالية العولمية. فتعدلت في تجربة الاستعمار الكلاسيكي، عنها في تجربة الاستعمار الحديث، ثم في التجربة المعاصرة، تجربة سيادة أيديولوجيا النيو ليبرالية، وفقا لتغير وللتعديلات التي بدلت وسائل ضمان عمليات سرقة الفوائض الاقتصادية. ففي تجربة الاستعمار الكلاسيكي، كانت الوسائل القهر المباشرة والعارية، وفى تجربة الاستعمار الحديث سميت الوسائل بالعون الاقتصادي، تولته منظمات ما سمى بالوكالات الدولية للتنمية ما يسمى ب “المعونة" الأمريكية، او الوكالة الفرنسية، او الالمانية، وكالات تزعم تقديم المساعدة في التنمية.. الخ. وفى مرحلة النيو ليبرالية تولت عمليات تحويل الفائض منظمات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، منظمة التجارة الدولية وبنوك التنمية الاقليمية (التنمية الأفريقي، الأسيوي ... الخ)
في ورقته " إمبريالية، وجهة نظر الجنوب “، يقول بروفيسور برابهات باتنايك (اقتصادي ماركسي): أن النظام الرأسمالي لا يمكن أن يوجد -وببساطة - كنظام مكتف بذاته، انه لا يوجد الا في وجود بنية قبل رأسمالية ملحقة به بنيويا، تعمل فيها على اخضاع عملية الانتاج والمنتجين، وهي عملية اخضاع تحقق الترابط الداخلي بين الرأسمالية والامبريالية. فالرأسمالية الصناعية الحديثة في غرب اروبا ارتبطت ومنذ البدء بمعالجة المواد الخام التي لم تنتج في بلدانها، والتي تم استيرادها من المستعمرات. هذا الاعتماد على المواد الخام والبضاعة الاستهلاكية المنتجة في البنى قبل الرأسمالية الموجودة في المستعمرات، يستمر إلى اليوم. وهذه الحقيقة يتم اخفاؤها او التشويش عليها، بعكس أثرها ليصبح هامشيا في حسابات القيمة الاجمالية للناتج القومي للبلدان الرأسمالية المتقدمة. وهو رقم صغير تنتجه عمليات حسابية محددة، تعكس في ذاتها عملية او علاقات الاخضاع الإمبريالية، حيث تعرض تلك الموارد المستوردة بسعر لا يرتفع بشكل يمكن أن يهدد قيمة النقد في الدول الاستعمارية.
ضمنت الدول الاستعمارية استمرار تدفق المواد الخام والمواد الغذائية، بتقليل استهلاكها في المستعمرات، عن طريق ضغط وتخفيض قيم الدخول لسكان المستعمرات. واستخدمت في ذلك وسيلتان: الضرائب الباهظة (طريقة استنزاف الفائض)، وتحطيم الحرف المحلية بمواجهتها بمنافسة جائرة مع السلع الصناعية القادمة من المتروبول. لقد مثلت عملية فرض تخفيض قيمة الدخل لسكان المستعمرات، خصيصة اساسية للإمبريالية. فهي الوسيلة إلى جانب اخرى، والتي اُستُخدمتْ للتأكد من تماسك قيمة النقد في المتروبول في سياق عملية التراكم الرأسمالي.
بعد نهاية الحقبة الاستعمارية، تحررت الدول المستقلة من نظام تخفيض قيمة الدخول الذي فرضته الدول الاستعمارية، فارتفعت اسعار منتجاتها. الا أن ذلك لم يستمر طويلا، فدورات التضخم في السبعينيات ادت إلى ركود اقتصادي، ساهم في تخفيض اسعار تلك المنتجات القادمة من الدول النامية. وقد ساهم الركود في الجانب الاخر في بدء عملية عولمة التمويل (او ما سمى براس المال التمويلي الدولي) وهو الكيان المفتاح للظاهرة الحالية التي تسمى بالعولمة. استطاعت العولمة وبقيادة أيديولوجيا النيوليبرلية استعادة نظام تخفيض قيمة الدخول في دول ما يسمى بدول الجنوب الكوني. وقد تم ذلك بثلاث ماكينزمات اساسية، الأول: اجبارها على تخفيض الانفاق الحكومي كأحد ضرورات نظام التمويل العالمي وحرية تنقله (سحب جورج سوروس امواله من اسواق جنوب شرق اسيا، فتحطمت اقتصاداتها). وقد ارتبط شرط تقييد تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، باستبداله بشرط " التمويل السليم" او "الادارة المالية السليمة" التي تفرض الحصول على ميزانية عامة متوازنة عن طريق خفض الضرائب، وتقليل الانفاق الحكومي مما يقلل من التحويلات المطلوبة والمستهدفة الفقراء، والاستثمار الحكومي العام ومشاريع التنمية في الريف، وهي الاجراءات تفرض عملية تخفيض قيمة الدخول لسكان الريف.
الميكانزيم الثاني: هو تحطيم الانشطة الانتاجية المحلية تحت ضغط المنافسة العولمية وسطوة النيو ليبرالية المصاحبة، تفتح الباب واسعا للبضاعة القادمة من المتروبول (حرية التجارة) مع انماط استهلاك تفضلها الصفوة المحلية. تحطم الصناعات المحلية وتعمل كذلك في تعميق عملية تخفيض الدخول المذكورة.
الميكانزيم الثالث: في سياق حرية التجارة تدخل الشركات الكبرى في عمليات تسويق المواد الخام، وهي عمليات تسويق تعمل بأشكال مباشرة في تخفيض دخول المنتجين، والضغط على طلب المنتجات المحلية في السوق المحلى، وبالتالي الضغط على اسعار البضائع، مما ينعكس على محافظة النقود على قيمتها في دول المتروبول، تماما كما كان يحث في المرحلة الاستعمارية. وهذا هو جوهر الإمبريالية.
. ( https://journeyofideasacross.hkw.de/between-times-shifts-in-imperialism-orientalism-and-occidentalism/prabhat-patnaik.html )
ليست دول الترويكا هي المجتمع الدولي، ولا الحكومات الأمريكية، الفرنسية، الالمانية، او الاتحاد الأوربي. من اتوا لبلدنا، متوشحين تدخلهم العنيف والفظ في شأنها وهم يلبسون البدل الانيقة، هم الإمبريالية الأمريكية، الإمبريالية الفرنسية، الإمبريالية البريطانية، هم ليسوا اصدقاء البلد وانما هم قوة تطمح لاستئناف حيازتهم على مواردها وفوائضها، بعد أن وقفت قليلا في زمن مقاطعة نظام الكيزان الساقط. هل كانوا اصدقاء للشعب العراقي؟ لقد قتلت أمريكا وحلفاؤها ما قدره الجيش الأمريكي بما يتجاوز ال 109 ألف نفسا، وقدرته منظمة بريطانية تعمل في مجال استطلاع وقياس الرأي (Opinion Research Business poll) بما يتجاوز المليون من سكان العراق. وقد كلفت الحرب – وفقا لتقديرات جامعة براون – حوالي 1.1 ترليون دولار (نعم ترليون!)، وقد كانت تقديرات مكتب الميزانية التابعة للكونجرس أن تكلفة الحرب في العراق تبلغ ال 1.9 ترليون دولار. اما بريطانيا فقد كلفتها الحرب في العراق 8.4 بليون إسترليني.
هل كانوا اصدقاء للأفغان؟ هل جلبوا لهم التحضر، والديمقراطية، والتقدم الاجتماعي والاقتصادي؟ كلفت الحرب في افغانستان 2.313 ترليون دولار دفعتها الخزينة الأمريكية. وكلفت بريطانيا 8,164.2 بليون إسترليني. قتل فيها أكثر من 70 ألفا من السكان في افغانستان والباكستان. وحوالي 2.4 الفا من الجيش الأمريكي. (انظر احصاءات القتل وتكلفته في ويكبيديا على الانترنت).
أعلنت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الحرب الأمريكية "البنتاغون"، دانا وايت أن دبلوماسيي الولايات المتحدة سيقررون مصير التسوية السورية في مفاوضات جنيف. وقالت وايت خلال موجز صحفي: " أن الولايات المتحدة مصممة على التحدث من موقع القوة في مفاوضات جنيف حول سوريا.. هدفنا ضمان أن يستطيع دبلوماسيونا التحدث من موقع القوة فيما يتعلق بعملية جنيف". وبتشديد أضافت وايت: "دبلوماسيينا هم من سيقررون في نهاية المطاف مصير ما يحدث في سوريا"!!
المصدر: "defense.gov/Ne…/Transcripts/Transcript-View/Article/1436566
هل هم اصدقاء الناس في اوكرانيا؟ الاجابة لا قاطعة، يقدمها السناتور ريتشارد بلاك، الجنرال السابق في الجيش الأمريكي وعضو الكونجرس الحالي. يقول السيد بلاك انهم غير مهتمين بموت الاوكرانيين، "نحن، امريكا والناتو، لسنا مهتمين بموت النساء والرجال والاطفال او الجنود الاوكرانيين (…) نشحن كميات مبهرة من الاسلحة، مكنًت من التخلص من مخزون شركة ريثيون من الصواريخ، وشركة نورث اوف جرومان التي تصنع الطائرات، كل هذه الشركات التي اتخمتها اموال الضرائب (...) أن قرارات الحرب والسلام لا تتخذ في اوكرانيا، بل في واشنطون، ستستمر الحرب وسوف نستخدم الاوكرانيين كوكلاء .”(يوتوب Senator Richard H. Black - The US and NATO don't care how many Ukrainians die)
يقول الموقعون على الاتفاق الاطارى: ستنهمر علينا الهبات والقروض، ستعفى الديون، سنعبر إلى ما بعد الفقر والجوع والمرض، إلى المن والسلوى … إلى اخر الخديعة. ولكن هل هذا صحيحا؟ الا يداخلك ولو قليلا من الشك؟ ما رأى رئيسة وزراء بريطانية السابقة، السيدة تريسا ماي؟ نقلت عنها صحيفة الجارديان: " لا أشعر بالخجل من حاجتي إلى التأكيد على أن برنامج المساعدة الخاص بنا يعمل لصالح المملكة المتحدة. لذلك، فإنني ألتزم اليوم بأن إنفاقنا على التنمية لن يقتصر على مكافحة الفقر المدقع، ولكن في الوقت نفسه، نتصدى للتحديات العالمية وندعم مصلحتنا الوطنية، "وتقول ماي "سيضمن هذا أن استثمارنا في المساعدات يعود بالفائدة علينا جميعًا، ويتماشى تمامًا مع الأولويات الأوسع لأمننا القومي"(الجارديان،27 اغسطس 2018).
اما الوكالة الامريكية للتنمية الدولية (والتي تكتب بالعربية بشكل يثير الارتباك وسوء الفهم، عندما تترجم إلى المعونة الأمريكية!) فتحدد هيئة بحوث الكونجرس دورها عندما تكتب في أحد منشوراتها: “بالاشتراك مع وزارة الخارجية، تشارك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في إدارة صندوق الدعم الاقتصادي (ESF)، وصندوق دعم اروبا، اوراسيا واسيا الوسطى (AEECA)، وبرامج صندوق دعم الديمقراطية، والتي تدعم في كثير من الأحيان أنشطة التنمية باعتبارها وسائل لدعم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.”
تلاحظ الجارديان أن دولا مثل النيجر، افريقيا الوسطى، برنداي، موزمبيق وبوركينا فاسو – وهي الدول الاكثر فقرا في العالم - لا تجد عونا من أي من وكالات التنمية الدولية إمبريالية. الدول التي تتلقى معظم العون البريطاني هي وبشكل أساسي اما اسواق كبيرة مثل نيجريا او تحتاز على اهمية جيوسياسية بارزة، بالذات فيما يخص سياسات الحرب الإمبريالية ضد الارهاب مثل باكستان وسوريا.
ونفس السياسة تعكسها ممارسة المعونة الأمريكية، لا تتلقى تلك الدول الاكثر فقرا أي " معونة ". تذهب جل " المعونة" إلى اسرائيل، الاردن، وكينيا، ولنفس الاسباب: الاهمية الجيوسياسية والتجارة. وتقول الجارديان نفس هذه الدوافع هي الكامنة في تقديم القروض والمنح يقدمها البنك الدولي وصندوق النقد الدوليين.
استعادة الممارسة الاستعمارية الكلاسيكية بقيادة الإمبريالية الامريكية:
يرصد وولفجانج استريك (عالم الاجتماع الاقتصادي الألماني) سمات الأزمة التي تمر بها اروبا الان. بريطانيا غارقة في ازمة اقتصادية، الحرب الاوكرانية تشيع الاضطراب في المجال الأوربي، وهي امور مرتبطة بشكل وثيق مع ازمة الديون المتجددة في الاتحاد الأوروبي، حيث تدفع البرتغال، ايطاليا واسبانيا مستويات عالية من اسعار الفائدة على الديون الحكومية، أكثر من المانيا. لم يتحقق التقارب الاقتصادي الموعود، بل استمر التباعد بين المركز (تحديدا المانيا) وهامشه من دول البحر الابيض المتوسط. قل المال وذادت بانفجار مستويات الديون، ارتفعت اسعار الفائدة والتضخم، وارتفعت معها مستويات الفقر، التي تطلبت توزيع الصدقات المالية من قبل الحكومات، لتجنب الاضطرابات الاجتماعية، وهي الدفوعات التي مولها التوغل في مزيد من الدين العام.
https://www.conter.scot/2022/9/30/wolfgang-streeck-europe-is-being-subjugated-to-us-power/
في افريقيا تصادر الاحتكارات الدولية كميات مهولة من الارباح، وبممارسة واسعة من العنف العاري المباشر، عن طريقه تُقتلع الأراضي، كما في حالة الصومال وليبيا، وتُقتلع الغابات والحيوانات البرية والاسماك، وما تبقى من نصيب العالم الاكبر الموجود في ارض افريقيا من موارد الطاقة والمعادن النفيسة النادرة. وهي عمليات متسعة ومتسارعة أطلقت عقارها أيديولوجيا النيو ليبرالية، لتتلخص في برامج صندوق النقد الدولي المشهورة ببرنامج التكيف الهيكلي (وهو تكيف استعماري)، يفرض سلطة تراعى المصالح الإمبريالية المتسعة. لنأخذ على سبيل المثال تجربة يوغندا – وهي أحد أكبر المنتجين للبن في العالم. ففي 2019 انتجت أكثر من 5 مليون جوال من البن (60 كلجم للجوال) تبلغ قيمتها 494 مليون دولار. وبالرغم من أن هذه القيمة تم احصاؤها داخل يوغندا، الا إنها لم تنته في أيادي المزارعين ورجال ونساء الاعمال اليوغنديين، بل انتهت في جيوب التكتلات التجارية العملاقة في بريطانيا، سويسرا والمانيا. ويستمر المزارع في يوغندا واثيوبيا وكينيا مستغلا بعنف تماما كما كان حال جدوده من قبل.
https://roape.net/2022/01/26/colonialism-is-alive-and-well-in-africa-but-goes-by-many-nice-names/
أصدرت منظمة العدالة الدولية بالمملكة المتحدة (globaljustice.org.org) تقريرا بعنوان : كيف تَربحَ العالم من ثروة افريقيا (How the world profits from Africa’s wealth) تذكر فيه :
(1) تلقت الدول الافريقية في 2015 ما يساوى 161 بليون دولار تمثل قروضا وهبات، ولكن اُخذ في مقابلها 203 بليون دولار من القارة، اما مباشرة – او من خلال اخذ وترحيل الارباح بواسطة الشركات العالمية بطرق قانونية او غير قانونية.
(2) تلقت الدول الافريقية 19 بليون دولار من العون والهبات، لكن اخذ مقابلها 68 بليون دولار في رأسمال هارب بواسطة الشركات متعددة الجنسية، والتي ابلغت في تقارير مغشوشة حجم استيرادها وتصديراتها، بغرض تخفيض قيمة الضرائب
(3) تلقت الحكومات الافريقية قروضا بلغت 32.8 بليون دولار في 2015 ، ولكنها دفعت اقساطا مع خدمة الديون ما يساوى 18 بليون دولار! وبالرغم من ذلك يستمر الدين العام في الارتفاع بوتائر عالية.
(4) قُدِر ما يساوى 29 بليون دولار هو قيمة المسروق من قطع الاخشاب، وصيد الاسماك والتجارة في الحيوانات البرية والاعشاب تتم كلها وبأشكال غير قانونية. ( https://www.globaljustice.org.uk/)
المجتمع الدولي نقيض السيادة الوطنية:
هذه هي السيرة القديمة المستمرة لبعض دول المركز الأوربي تنضم إليها أمريكا لتصبح ما يسمى بالغرب (او المجتمع الدولي)، في علاقتها بأفريقيا. حضر إلى الخرطوم مناديب الإمبريالية المرتبطة وظائفهم بأفريقيا (مثلا مبعوثة الإتحاد الأوربي للقرن الإفريقي، والمبعوث الفرنسي الخاص للقرن الإفريقي، ورئيس شعبة القرن الإفريقي بالخارجية الألمانية ...الخ)؛ وقالوا قولا صريحا، يعكس نواياهم.
اصدرت وزارة الخارجية الأمريكية، بيانا قالت فيه:" المبعوثون والممثلون التقوا خلال زيارتهم المشتركة بمجموعة واسعة من الجهات السودانية، بما في ذلك الموقعون المدنيون والعسكريون على الاتفاق السياسي الإطارية والمجتمع المدني ولجان المقاومة وممثلي بعض الأطراف التي لم تدخل بعد في الاتفاق السياسي الإطاري”. وأضافت: “حثوا الأطراف السودانية على إجراء حوار شامل على أساس الاتفاق السياسي الإطاري وتنحية المصالح السياسية الضيقة جانباً للتوصل إلى اتفاق سياسي نهائي لدفع عملية الانتقال الديمقراطي في السودان تحت قيادة مدنية”. وشددت على أن المبعوثين أقروا بأن الباب ما يزال مفتوحاً أمام مجموعات إضافية للمشاركة في عملية الاتفاق السياسي الإطاري.
قال سفير الاتحاد الاوربي في جمهورية السودان ايدان اوهارا، “نحن هنا اليوم كشريك، ليس فقط في العملية، ولكن كشريك في السودان (...) ويسعدني أن ينضم إليّ سبعة سفراء من دولنا الأعضاء”!! اما السفير الأميركي في الخرطوم جون غودفري، قام بدعوة الفصائل السياسية السودانية التي لم تشارك في “الإطاري” الى الانضمام الى الاتفاق سعيا لإعادة السلطة الانتقالية الى مسارها في البلاد. وقال غودفري إن الولايات المتحدة واصلت تقديم “مساعدات إنسانية” وبعض المساعدات التنموية”. وأضاف “أوضحنا أنه ما لم يتم تشكيل حكومة مدنية جديدة في السودان، فلن نكون في وضع يسمح لنا باستعادة المساعدات الأخرى”. ولان الحرية والتغيير تحب المجتمع الدولي، هاهى الان ترجع لصفوفها من رفدتهم من تحالفها، سمتهم قبلا مؤيدي الانقلاب، ويا دار التحالف ما دخلك شر!
اما المبعوث الأمريكي السابق للسودان اسكوت قرايشون، فقد صرح لسونا في 23 -8 – 2019، إلى أن إحدى المحفزات لإتاحة الفرصة للسودان للاندماج في المجتمع الاقتصادي العالمي هو كمية الثروات الضخمة التي يمتلكها السودان والتي تغني السودان حتى من ثروات النفط إضافة الى موارده البشرية. - وقال – لا فض فوه- " لقد حان الوقت للمؤسسات المالية الدولية أن تأتي إلى السودان وتبدأ في إدماج السودان في المجتمع الاقتصادي الدولي، لقد آن الأوان للشركات الدولية لبدء الاستثمار في السودان الذي يمتلك موارد ضخمة، هذا بلد يمكنه أن يكون سلة خبز العالم، يمكنه توفير الماشية واللحوم للعديد من الدول التي حوله، هذا بلد يمتلك العديد من المعادن النادرة اللازمة التي يحتاجها العالم للتطوير ويمكن استخراج هذه المعادن ويمكن زراعة الأراضي وتربية الماشية (تسمينها) وتصديرها". هذه دوافع المجتمع الدولي، ليست امرا يتاح من خلال التحليل الذكي والاستنتاج، انه هنا، في عراء التصريح المباشر الواضح بدون أي قدر من الفضائح او احاسيس الخجل، ولا الدبلوماسية الملساء كحية.
وقد شرف البلاد السيد ديفيد بيزلى مدير منظمة الغذاء العالمي، مصطحبا وفدا كبيرا متعدد الجنسيات من رجال ونساء الاعمال، وهو امر يثير الانتباه والريبة. فما شأن ناس الشركات العالمية متعددة الجنسيات بموظف يترأس منظمة تابعة للأمم المتحدة؟ لقد أكرم الدكتاتور المبتدئ البرهان السيد بيلي بوسام النيل الازرق الرفيع، وخاطبه قائلا: "أن السودان أبوابه مفتوحة للاستثمار، مشيراً إلى الإمكانيات التي يذخر بها في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والذهب والمعادن الأخرى، مؤكدا استعداد السودان لتذليل كافة العقبات أمام الاستثمار والقطاع الخاص وذلك لجذب المستثمرين.” أي انه قال ما قالته السيدة مريم الصادق وزيرة الخارجية لقحت، مخاطبة وزير الخارجية المصري: أستاذي، تعالوا استعمرونا.
لم يفت سوق التصريحات الامبريالية السيد فولكر بيرتس فقال " إن اتفاقية جوبا انها مثلت “إنجازًا هامًا يجب الحفاظ عليه”، فاكتملت صيغة الاوامر. وقالت المصادر الصحفية انه رأى أن عدم إحراز تقدم في تنفيذه بسرعة وفعالية” يشكل “خطرًا يجب معالجته”. فاكتملت صرة الوجه والعين الحمراء.
لم يفت مولد بيع موارد البلد وسيادته الوطنية وزير الخارجية الروسي، الذي قدم - مسرعا- في بحر ايام زيارة الوفد الغربي، ليحرس رغائب التمدد الروسي في أفريقيا والذي بدأ متخذا اطلالة السودان على البحر الاحمر منفذا لأفريقيا المنبسطة. جاء يتابع مشروع القاعدة العسكرية، ووعود المخلوع البشير مع اعضاء لجنته الامنية المسيطرة، ونجاحات فاغنر في سرقة الذهب والتدريب العسكري للجنجويد.
ليسوا هم المجتمع الدولي صديق الشعوب، تحدوه الرغبة في نشر الديمقراطية وحقوق الانسان.. الخ ، انهم ممثلو وممثلات الإمبريالية ، ممثلو وممثلات قوى رأس المال العالمي والإقليمي، يبحثون منذ نشأة البنية الرأسمالية الإمبريالية عن استمرارية تراكم راس المال المتوسع ، يعتبرون احتياطي ثروات العالم خارج حدودهم، حقا طبيعيا وتاريخيا لهم ، يأخذونه بكل الوسائل ، اما عن طريق الاستعمار العولمى الحديث او عن طريق الحرب بالأصالة او بالوكالة ، و/اوعن طريق المنظمات الدولية الإمبريالية ( كالبنك والصندوق الدوليين ، منظمة التجارة الدولية ... الخ) او/و عن وكيل مطيع ( كما في حالتنا، وهم كثر) ينفذ سياساته و ما يتقاطع في بلدنا مع استراتيجياته الدولية والاقليمية ، ويبيع له ثروات بلدنا المهولة من أراضي زراعية خصبة وثروة حيوانية ومياه سطحية وجوفية ومعادن في باطن باطن الأرض وسطحها. والوكيل المطيع هو سلطة سياسية تدين بالولاء والتبعية الذليلة لسياساته السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والأمنية. وهي سلطة تدخل في تركيبها الجهة الناشطة من النادي الإمبريالي، كما رأينا، متدخلة بصورة مباشرةً وفجة بما يسمى بالهيئات الدولية من ثلاثية ورباعية وسفراء، وبالمتابعة اللصيقة لمحاولة تكوين السلطة التابعة فيما يسمى بعملية الاتفاق الاطارى وهو تسوية ركيكة مهتزة.
ما يواجه ما يسمى بالمجتمع الدولي هو نهوض شعبنا يقف على ارضية راسخة من الوعي السياسي تعبر عنه شعارات المطالبة بالحرية والسلام والعدالة تعكسها الشعارات تزين سماء المظاهرات، تنم كالأشجار في الشوارع، وانواع من اغان واناشيد، تنظم خطى الكر والفر في المظاهرات، كأنه رقص في حلبة ومشروع الحل الجذري، يوعد البلد بالخروج من ضيق الأزمة إلى براح التحول الديمقراطي في دولة مدنية ديمقراطية، ضد تحالف قوى الرأسمالية الطفيلية التابعة لرأس المال الأجنبي والمتحالفة مع الإمبريالية العالمية والاقليمية.
ما يسمى بالمجتمع الدولي هو الإمبريالية القحة، حيث يمكن لجون لجودفرى أن يقول "دبلوماسيينا هم من سيقررون في نهاية المطاف مصير ما يحدث في السودان " فذلك بالضبط ما قاله البنتاجون على لسان دانا وايت بشأن سوريا. فلنواجهم بالمعرفة وبالهتاف المألوف: يسقط يسقط الاستعمار.
isamabd.halim@gmail.com
///////////////////////////