موقع الحرب في التحليلات الماركسية للتراكم البدائي (2/2)

 


 

 

موقع الحرب في التحليلات الماركسية للتراكم البدائي (2/2)
دانيال ايجان (Daniel Egan )
ترجمة عصام على عبد الحليم

قلنا – وفقا للوكسمبورج -ترتبط عملية تراكم رأس المال بأشكال الإنتاج غير الرأسمالية ، وان ذلك يحدث على مستوى العالم ، وحددت اختلافها مع ماركس بانه يقول جميع وسائل الإنتاج والاستهلاك المطلوبة يجب أن تستمد فقط من الإنتاج الرأسمالي ، لكن لوكسمبورج تقول بان ذلك لا يتوافق مع الممارسة اليومية وتاريخ رأس المال ، ولا مع الطابع المحدد لنمط الإنتاج الراسمالى .
لم تكن هذه ، بالنسبة إلى لوكسمبورغ ، حجة نظرية بحتة. لقد كانت حقيقة يمكن ملاحظتها على مدار أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ؛ في مقدمتها لكتاب الاقتصاد السياسي ، أشارت إلى أن "تصادم المصالح المادية الملموسة" بين العلاقات الاجتماعية الرأسمالية وغير الرأسمالية ازداد حدة "كلما ازداد تقدم النظام الرأسمالي في ترسيخ نفسه كقوى عظمى في أوروبا الغربية" ( لوكسمبورغ 2014 ، 163). لا يمكن لرأس المال أن يتحمل وجود أي حدود في سعيه للتوسع الذاتي ، وعلى هذا النحو يجب عليه شن "حرب إبادة مستمرة في كل مكان ضد أي شكل تاريخي للاقتصاد الطبيعي يواجهه" ( لوكسمبورغ 2016 ، 265). وبالتالي فإن التراكم البدائي هو "مسألة حياة أو موت" ( لوكسمبورغ 2016 ، 267) لرأس المال الذي يجب معالجتها على أساس مستمر.

وتقول لوكسمبورغ إن رأس المال لا يعرف "أي حل آخر للمشكلة سوى العنف ، الذي كان طريقة ثابتة لتراكم رأس المال كعملية تاريخية ، ليس فقط خلال ظهوره ، ولكن أيضا حتى يومنا هذا" ( لوكسمبورغ 2016 ، 267). وبشكل أكثر تحديدا ، حددت النزعة العسكرية على أنها تلعب تاريخيا "الدور الحاسم" في التراكم البدائي ، أولا مع "غزو العالم الجديد والدول الآسيوية المنتجة للتوابل" ولاحقا في إخضاع المستعمرات الحديثة ، وتدمير الأشكال الاجتماعية للتنظيم للمجتمعات البدائية ، والاستيلاء على وسائل إنتاجها ، وفرض تبادل السلع في البلدان التي تشكل هياكلها الاجتماعية عقبة أمام الاقتصاد البضاعي (او السلعي) ، والتحويل القسري للسكان الأصليين إلى بروليتاريا ، وفرض العمل المأجور في المستعمرات. (لوكسمبورغ 2016 ، 331)

كانت النزعة العسكرية هي الأساس الذي الذي اعتمد عليه رأس المال الأوروبي في فرض نفسه على "مناطق الحضارة غير الرأسمالية" ( لوكسمبورغ 2016 ، 331) لضمان الوصول إلى الأسواق والمواد الخام والعمالة والتي سعت العواصم الأوروبية إلى حماية وتوسيع أراضيها الاستعمارية من العواصم الاروربية الأخري المنافسة. في الفصل 27 من كتاب تراكم رأس المال ("الصراع ضد الاقتصاد الطبيعي") ، حددت لوكسمبورغ الفتح البريطاني للهند والغزو الفرنسي للجزائر على أنهما "المثالان الكلاسيكيان لتطبيق رأس المال لهذه الطريقة" ( لوكسمبورغ 2016 ، 267) ، وفي الفصل 28 ("إدخال اقتصاد السلع") قدمت تحليلا مفصلا لكيفية انفتاح الصين على تجارة السلع "في مواجهة أحدث تقنيات الحرب للقوى العظمى المتحالفة في أوروبا" ( لوكسمبورغ 2016 ، 279) أدّت إلى جرى انهار الدم وتفش المذابح والدمار " (لوكسمبورغ 2016, 285). قدمت مقالتها عام 1902 "مارتينيك"- التي كتبت قبل عدة سنوات من كتابة تراكم رأس المال استجابة لرد الفعل الأوروبي على الخسائر المدمرة في الأرواح بعد ثوران بركاني في الجزيرة - صورة حية لهذا العنف وتستحق الاقتباس مطولا:
تبكي فرنسا على 40 الف جثة في الجزيرة الصغيرة ، ويسارع العالم كله إلى تجفيف دموع الجمهورية الأم. ولكن كيف كان الوضع حينها قبل عدة قرون ، عندما أراقت فرنسا الدم سيولا متدفقة تجرى في جزر الأنتيل الصغرى والأخري الكبرى؟ في البحر قبالة الساحل الشرقي لأفريقيا تقع جزيرة بركانية-مدغشقر: قبل 50 عاما ، رأينا هناك جمهورية بائسة تبكي على أطفالها الضائعين اليوم ، وكيف أخضعت السكان الأصليين العنيدين إلى نيرها بالسلاسل والسيف. لم يفتح أي بركان فوهة هناك: بل فغرت أفواهها المدافع الفرنسية وأطلقت الموت والإبادة ؛ حصدت نيران المدفعية الفرنسية آلاف الأرواح البشرية المزهرة من على وجه الأرض حتى خر راكعا على بسيطتها شعب حر ابى ، حتى أُخذت ملكة "أولئك المتوحشين" تلك الجميلة السمراء ككأس، كجائزة ونصب تذكاري ، رُحّل إلى "مدينة النور".”

على الساحل الآسيوي ، تستلق الفلبين مبتسمة تغسلها أمواج المحيط . قبل ست سنوات ، رأينا اليانكي الخيرين ، رأينا مجلس الشيوخ في واشنطن يعملون هناك. لا تنهمر النار من قمم الجبال - هناك، بل سحقت البنادق الأمريكية أرواح البشر وتركتها في أكوام، الحارسون لمصالح كارتل السكر في مجلس الشيوخ يرسلون اليوم الدولارات الذهبية إلى مارتينيك ، لإقناع الحياة بالعودة و النهوض من الأنقاض ، أرسلت مدفع وراء مدفع ، سفينة حربية وراء أخري، وأرسلت ملايين الدولارات الذهبية إلى كوبا، لزرع الموت والدمار.

بالأمس ، فى منطقة قصية في الجنوب الأفريقي ، حيث قبل بضع سنوات فقط عاش شعب صغير ينتجون حياتهم الهادئة في سلام ، رأينا كيف يعيث الإنجليز وينشرون الخراب ، نفس هؤلاء الإنجليز الذين ينقذون الأم وأطفالها والأطفال وآباءهم في مارتينيك : رأيناكم هنا تختمون على أجساد البشر ، تدسون على جثث الأطفال بأحذية الجنود الوحشية ، تخوضون في برك من الدماء، والموت والبؤس أمامهم وخلفهم . . . وجميعكم- سواء كنتم فرنسيين أو إنجليز أو روس أو ألمان أو إيطاليين أو أمريكيين-رأيناكم جميعا معا -مرة واحدة- من قبل في اتفاق أخوي ، متحدين في عصبة أمم عظيمة ، تساعدون وتوجهون بعضكم البعض: كان ذلك في الصين. هناك أيضا نسيتم كل الخلافات بينكم ، وهناك أيضا صنعتم سلام بينكم-من أجل القتل المشترك وإشعال الحريق. نعم ، كيف سقطت القنابل قبل الرصاص ، مثل حقل الحبوب الناضج الذي ضربه البرد! نعم ، كيف غرقت النساء النائحات في الماء ، يحملن موتاهن في أذرعهن الباردة ، هربا من تعذيب عناقكم المتحمس! (لوكسمبورغ 1983 ، 5)

وبينما كان هذا العنف تعبيرا عن قوة خارج نطاق الاقتصاد ، إلا أنه لا يقع خارج نطاق إعادة إنتاج رأس المال. هو ليس سوى وسيلة اخرى مرتبطةبالعملية الاقتصادية ؛ كلا الوسيلتان من تراكم رأس المال مرتبطتان عضويا ببعضهما البعض من خلال ظروف إعادة إنتاج رأس المال ذاتها ، وينتج عنهما معا المسار التاريخي لرأس المال. (لوكسمبورغ 2016 ، 329) . أصبح التراكم خارج الاقتصاد المرتبط بتغلغل رأس المال في المساحات" غير الرأسمالية " شرطا لاستمرار إعادة إنتاج التراكم الرأسمالي .

التحليل المعاصر للتراكم البدائي
مفهوم ديفيد هارفي للتراكم عن طريق نزع الملكية ، والذي عرفه بأنه "استمرار وانتشار ممارسات التراكم التي تعامل معها ماركس على أنها" بدائية " أو "أصلية" أثناء صعود الرأسمالية " (هارفي 2005 ، 159) ، هو أهم مساهمة حتى الآن فيما يتعلق بالأشكال المعاصرة للتراكم البدائي. من بين ممارسات التراكم التي لاحظها ماركس والتي كانت ذات أهمية خاصة لهارفي ، ضمت تسليع الأراضي وخصخصتها والطرد القسري للسكان الفلاحين، وتحويل أشكال مختلفة من حقوق الملكية (مشتركة ، جماعية ، حكومية ، إلخ.) إلى حقوق الملكية الخاصة الحصرية ؛ قمع الحقوق في المشاعات ؛ تسليع قوة العمل وقمع الأشكال البديلة (الخاصة بالمجتمعات والسكان الأصليين) للإنتاج والاستهلاك ؛ العمليات الكلونيالية و الكلونيالية الجديدة والإمبريالية للاستيلاء على الأصول (بما في ذلك الموارد الطبيعية) ؛ نقدنة التبادل والضرائب ، وخاصة في الأراضي ؛ تجارة الرقيق والربا ، الدين الوطني ، وفي نهاية المطاف نظام الائتمان. (هارفي 2003، ص 145)

يجادل هارفي بأن الافتراضات الكامنة وراء تحليل ماركس لرأس المال—أي أن التراكم يحدث من خلال إعادة الإنتاج الموسع لرأس المال-دفعته إلى استبعاد إمكانية استمرار أهمية التراكم البدائي بعد عصور ما قبل التاريخ لرأس المال ؛ وبالمثل ، مع الاعتراف بالأهمية التي أعطتها لوكسمبورغ للتراكم البدائي كضرورة لتجنب الأزمات الرأسمالية ، فقد انتقد الطريقة التي قصرت بها هذا على مساحة "خارج" البنية الرأسمالية ، بحجة أن الرأسمالية "يمكنها إما الاستفادة من بعض ما هو موجود مسبقا خارجها . . . أو يمكنها تصنيعها بنشاط " (هارفي 2003، ص 141). اتخذت الأشكال المعاصرة للتراكم البدائي ، التي يصنفها هارفي على أنها تراكم عن طريق نزع الملكية ، أربعة أشكال رئيسية (هارفي 2005): 1) تسليع ( تبضيع) وخصخصة الأصول المجتمعية أو العامة (على سبيل المثال ، إغلاق المشاعات البيئية العالمية ، وإنشاء منظمة التجارة العالمية لحقوق الملكية الفكرية) ؛ 2) أمولة رأس المال (على سبيل المثال ، ممارسات المضاربة والممارسات الافتراسية الناتجة عن رفع القيود المالية) ؛ 3) إدارة الأزمات والتلاعب بها (على سبيل المثال ، أزمات الديون وبرامج التكيف الهيكلي التي يفرضها صندوق النقد الدولي); و 4) إعادة توزيع الدولة (مثلا ، خصخصة الضمان الاجتماعي).

على عكس التراكم من خلال إعادة الإنتاج المتوسع لرأس المال ، والذي يحدث من خلال قدرة رأس المال على استخراج قيمة تزيد عن السعر الذي يدفعه لاستخدام قوة العمل العمالية ، فإن التراكم عن طريق نزع الملكية هو إلى حد كبير وظيفة "احتكار الدولة الرأسمالية للعنف وتعريف القانون" ( هارفي 2003 ، ص 145). في حين أن التراكم عن طريق نزع الملكية "موجود في كل مكان بغض النظر عن الفترة التاريخية" ( هارفي 2003 أ ، 76) للرأسمالية ، فإنه يصبح مهما بشكل خاص خلال الفترات التي يكون فيها إعادة الإنتاج المتوسع لرأس المال في أزمة ، لأنه خلال أزمات التراكم المفرط يمكن أن يؤدي التراكم عن طريق نزع الملكية إلى فتح مساحات اجتماعية ومادية مغلقة سابقا لاستثمار فائض رأس المال. وبشكل أكثر تحديدا ، يجادل هارفي بأن التراكم عن طريق نزع الملكية أصبح أكثر أهمية في سياق أزمة التراكم المفرط المزمنة التي بدأت في أوائل 1970 ، وهو ما يمثل "الآليات الرئيسية" ( هارفي 2005 ، 159) التي يمكن من خلالها للنيوليبرالية "نقل الأصول وإعادة توزيع الثروة والدخل من كتلة السكان نحو الطبقات العليا [أو بين الرأسماليين أنفسهم] أو من البلدان الضعيفة إلى البلدان الغنية" ( هارفي 2006ب ، 43). في الواقع ، يذهب هارفي إلى حد القول بأن "التوازن بين التراكم عن طريق نزع الملكية وإعادة الإنتاج المتوسع قد تحول بالفعل نحو الأول ومن الصعب رؤية هذا الاتجاه يفعل أي شيء آخر غير التعمق" ( هارفي 2003 أ ، 82). هذا التحول في طبيعة التراكم هو الذي قاد هارفي إلى استنتاجه بأن الرأسمالية المعاصرة أصبحت تعرف بإمبريالية "جديدة".

يجب أن يبدأ التحليل النقدي لنظرية هارفي بالافتراضات التي يضعها حول كيفية فهم ماركس ولوكسمبورغ للتراكم البدائي. كما أوضحت سابقا ، أدرك ماركس بوضوح الأهمية المستمرة لتقنيات التراكم البدائي (بشكل أكثر تحديدا ، الأهمية المستمرة للقوة العسكرية) لتوسع الرأسمالية البريطانية . بعبارة أخرى ، قدر ماركس أهمية التراكم البدائي داخل الرأسمالية إلى درجة لم يعترف بها هارفي. وبالانتقال إلى نقده لوكسمبورغ ، فإن تأكيده على أنها فشلت في إدراك أنه يمكن إنشاء فضاءات غير رأسمالية داخل البنية الرأسمالية لمعالجة مشكلة التحقق ، التي تعتبرها مركزية للأزمات الرأسمالية ، يهمل تحليلها للنزعة العسكرية كشكل من أشكال تراكم رأس المال. إن إنتاج الأسلحة هو من نواح كثيرة فضاء "غير رأسمالي" داخل الرأسمالية ، وبالنظر إلى أن الوظيفة الرئيسية لهذه الأسلحة عند لوكسمبورغ كانت توطيد القوة الرأسمالية على مستوى العالم ، يمكن اعتبارها جسرا بين العمليات "الداخلية" لتراكم رأس المال والعمليات "الخارجية" للتراكم البدائي.

بالنظر إلى أن التراكم عن طريق نزع الملكية ، بالنسبة لهارفي ، هو في الأساس عملية اقتصادية وليس عملية خارج الاقتصاد ، فإن القوة العسكرية كوسيلة لمثل هذا التراكم هي مجرد "قمة جبل الجليد الإمبريالي [الجديد]" (هارفي 2003 ب ، 181). مثاله الرئيسي في هذا الصدد هو الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ، لكنني لست متأكدا من أن هذا مثال جيد لإثبات قضيته بأن التراكم عن طريق نزع الملكية يرتبط بإعادة التوزيع بدلا من توليد رأس المال. بعد انقلاب عام 1968 الذي أوصل حزب البعث إلى السلطة في العراق ، تم وضع برنامج "الاشتراكية العربية" الذي تميز بتخطيط الدولة ، وتأميم الموارد الطبيعية ، وملكية الدولة للصناعات في القطاعات الاقتصادية الرئيسية ، والقيود المفروضة على ملكية الملكية الخاصة ؛ بالإضافة إلى ذلك ، قامت الدولة العراقية بدعم أسعار الضروريات الأساسية ، وتوفير التعليم والرعاية الصحية المجانية ، وتقديم ضمانات توظيف واسعة للعمال ( وحدة أبحاث الاقتصاد السياسي 2003).

بينما كان حزب البعث ينطلق من منظور قومي عربي ، فقد رأى فى الاتحاد السوفيتي ونظام الدولة الاشتراكي الخاص به كنموذج التنمية المناسب للعراق. بعد الغزو الأمريكي والإطاحة بصدام حسين ، تم تفكيك هذا النظام الاقتصادي بشكل منهجي واستبداله ببرنامج نيوليبرالي فتح الاقتصاد العراقي أمام الاختراق الكامل لرأس المال العالمي: تمت خصخصة ممتلكات الدولة ، أو إضعاف حماية العمال ، أوتم إلغاؤها تماما ، وتوسعت الملكية الأجنبية ، إلخ. يبدو هذا "التكيف الهيكلي" أقرب بكثير إلى التراكم البدائي الذي رآه ماركس في الهند والصين وأيرلندا في القرن التاسع عشر من العديد من الممارسات المعاصرة التي يميزها هارفي بالتراكم عن طريق نزع الملكية. بدلا من مجرد إعادة توزيع لرأس المال ، فإنه يعكس انفراطا أعمق للعمليات غير الرأسمالية التي تسمح بتوطيد العلاقات الاجتماعية الرأسمالية في المساحات التي لم تكن فيها في السابق ، مقيدة أو غير مقيدة. وللسبب نفسه ، أعترض على إدراج هارفي لانهيار الاتحاد السوفيتي، الذي "استلزم الإفراج الهائل عن الأصول غير المتوفرة حتى الآن في التيار الرئيسي لتراكم رأس المال" ( هارفي 2003 ب ، 149) الناجم في جزء كبير منه عن انهيار اقتصاده تحت وطأة الضغط من سباق التسلح بقيادة الولايات المتحدة ، ضمن عنوان التراكم عن طريق نزع الملكية.
تمشيا مع تحليل ماركس للتراكم البدائي ، فإن ما يجب أن يجعل هذا تعبيرا معاصرا للتراكم البدائي ليس قيمة الأصول المتاحة للاستثمار بل بالأحرى تدمير العلاقات الاجتماعية غير الرأسمالية. وبالتالي ، فإن حقيقة أن هارفي يرى كلتا الحالتين على أنهما تراكم عن طريق نزع الملكية هو تعبير ملموس عن الحجة القائلة بأن المفهوم يتضمن الكثير من الظواهر المختلفة بحيث لا يمكنه أن يكون مفيدا. يبدو أن الطبيعة الإشكالية لهذه الأمثلة تؤكد أيضا نقد وود (WOOD) الأكثر عمومية لمفهوم هارفي للتراكم عن طريق نزع الملكية—حيث "يبدو أنه لا يتعلق بإنشاء أو الحفاظ على علاقات الملكية الاجتماعية التي تولد دوافع السوق أكثر من كونه يتعلق بإعادة توزيع الأصول لتمكين الاستثمار" ( وود 2006 ، 23).

أود أن اقدم الحجة بأن ما وصفه كالدور (Kaldor 2012) بـ "الحروب الجديدة" هو الأقرب ملاءمة لأغراض هارفي. ففي هذه الحروب ، مثلت الحرب الأهلية 1992-1995 في البوسنة والهرسك لكالدور أوضح وأهم أمثلة لها ، وعبرت عن التوتر بين القوة الاقتصادية والسياسية المعولمة بشكل متزايد والهويات المحلية المتجزئة بشكل كبير. على عكس اقتصاد الحرب المركزي المرتبط بالحروب" القديمة "في القرن العشرين، فإن اقتصاد الحرب للنزاعات " الجديدة " هو اقتصاد لامركزي أكثر بكثير. وبينما يشير كالدور إلى الدور الهام الذي يمكن أن يؤديه الدعم الخارجي في مثل هذه الحروب ، يجادل بأن المقاتلين يعتمدون إلى حد كبير على مجموعة متنوعة من أشكال إعادة التوزيع الداخلي من أجل تمويل أنشطتهم العسكرية: الاستيلاء المباشر على الممتلكات من المدنيين ، وفرض "ضرائب" على النشاط الاقتصادي المحلي (القانوني وغير القانوني على حد سواء) والمساعدة الإنسانية ، والبيع المباشر للسلع الأولية (مثل النفط والماس والذهب والكوبالت ، إلخ.المشاركة المباشرة أو غير المباشرة في نشاط إجرامي (مثل المخدرات وغسل الأموال والتهريب وأخذ الرهائن وما إلى ذلك.) الخ ... عمليات التراكم هذه تمول الأنشطة العسكرية لمقاتلي الحرب" الجدد " وبالتالي لا تنتج ثروة جديدة ، ولا يكون لها تأثير في تغيير العلاقات الاجتماعية القائمة للإنتاج بطريقة أساسية. إنها بدلا من ذلك شكل طفيلي من التراكم يعكس التراكم غير المنتج الذي هو محور عمل هارفي.

الخلاصة: الحرب كتراكم توليدي
إذا كنا نرغب في القول بأن عمليات التراكم البدائي ذات صلة بما وراء عصور تاريخ البنية الرأسمالية ، فنحن بحاجة إلى تعريف مثل هذه العمليات كما فعل ماركس—على أنها تراكم توليدي ، وليس غير منتج يتم تحقيقه من خلال وسائل خارج الاقتصاد. ومع ذلك ، هناك فرق مهم بين التراكم البدائي التاريخي والمعاصر: الأول كان الشرط الأساسي لتطوير العلاقات الاجتماعية الرأسمالية ، بينما يحدث الشرط الثاني في محتوى هذه العلاقات التي تم تأسيسها وتوطيدها بالفعل. نتيجة لذلك ، ينظر إلى الرأسمالية على أنها كلية جدلية للأشكال الاقتصادية وغير الاقتصادية للتراكم: الأخير يشترط الأول ، ولكن بمجرد توطيد العلاقات الاجتماعية الرأسمالية ، فإنها تساهم في التكاثر الممتد لرأس المال إلى الحد الذي يقلل من تكلفة إما رأس المال الثابت أو رأس المال المتغير ( BiN بن 2018 ، 2019). ولهذا السبب أصف التراكم البدائي المعاصر بأنه" تراكم توليدي " لتمييزه عن التراكم البدائي التاريخي.

إن الدور الذي تلعبه الحرب كشكل من أشكال التراكم البدائي هو وظيفة لمراحل محددة من التطور الرأسمالي ، ولذا يجب أن نميز بين الحرب في فترة التراكم البدائي التاريخي والحرب في سياق التراكم التوليدي. خلال فترة التراكم البدائي التاريخي ، كما هو موضح سابقا ، لم تؤد الصراعات العسكرية بين دول أوروبا الغربية الكبرى في ذلك الوقت (إسبانيا ، البرتغال ، الجمهورية الهولندية ، فرنسا ، بريطانيا العظمى) فقط إلى تراكم وتركيز ثروة كبيرة ، ولكن الأهم من ذلك ، بدأ فصل المنتجين المباشرين عن وسائل الإنتاج التي كانت تحدد نمط الإنتاج الرأسمالي. كانت هذه عملية غير متساوية سقطت فيها بعض البلدان (البرتغال وإسبانيا) بسرعة نسبية وظهرت دول أخرى ، أولا الجمهورية الهولندية ثم بريطانيا العظمى ، كقوى رأسمالية كبرى. مع توطيد نمط الإنتاج الرأسمالي ، فإن التناقض المتأصل بين الطابع العالمي لتراكم رأس المال والطابع الوطني للدولة الرأسمالية كفل أن تكون الحرب وسيلة مهمة للتراكم التوليدي. وقد اتخذت هذه الحروب شكلين رئيسيين. الأول مرتبط بظهور الإمبريالية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، وهي عملية تطلبت من الدول الرأسمالية الاستفادة من قوتها العسكرية للإطاحة بالبنى الاقتصادية والسياسية المحلية والتغلب على أي مقاومة لاحقة للحكم الاستعماري قد تنشأ.

في هذه الحروب ، تمكنت القوى الاستعمارية من تحقيق السيادة العسكرية على الشعوب المستعمرة بسهولة نسبية ، ولكن هذا أيضا أدي إلى اشتداد التنافس بين الدول الرأسمالية الكبرى، مما أدى بدوره إلى الحروب بين الدول الإمبريالية بين 1914-1945. بدأت الثانية مع ثورة أكتوبر 1917 في روسيا والتطور على مدار القرن العشرين - لا سيما في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية- للنظام الاشتراكي العالمي. كانت القوة العسكرية وسيلة للدول الرأسمالية المتقدمة لتقويض أشكال الدولة أو الملكية الجماعية—أي الملكية غير الرأسمالية-التي ظهرت في سياق الثورات الاشتراكية أو حركات التحرر الوطني. حقيقة أن مثل هذه الحروب وقعت في سياق نظام اشتراكي عالمي ، بغض النظر عن مدى انقسامه حول المسائل العقائدية ، يمكن أن يوفر الدعم للمقاومة ضد مثل هذه الحروب، ويضع حدودا للمدى الذي يمكن أن تذهب إليه الدول الرأسمالية المتقدمة في شن مثل هذه الحروب، وقد مثل هذا فرقا كبيرا بين هذه الفترة والفترة التاريخية السابقة. أهداف القوة العسكرية الرأسمالية المتقدمة (على سبيل المثال ، كوبا وفيتنام وأنغولا ونيكاراغوا ، إلخ.) يمكن أن تلجأ إلى دول الاشتراكية القائمة بالفعل والحركة الشيوعية الأممية للحصول على الدعم ، وبينما قد يكون هذا الدعم في كثير من الأحيان مشكلة ، إلا أنه كان كافيا لتوفير مساحة آمنة لتطوير العلاقات الاجتماعية غير الرأسمالية. أدى انهيار الاتحاد السوفيتي والنظام الاشتراكي العالمي إلى تسهيل قيام القوى الرأسمالية الكبرى بإعادة تأكيد نفسها على مستوى العالم ، وكانت النتيجة غزوات قادتها الولايات المتحدة لأفغانستان والعراق وحملات القصف التي قادتها الولايات المتحدة ضد يوغوسلافيا السابقة وليبيا. في هذا السياق ، يجب فهم تعريف الصين على أنها "التهديد" الرئيسي الذي يجب توجيه القوة العسكرية الأمريكية ضده في السنوات القادمة.

الحرب كوسيلة للتراكم التوليدي ، على أية حال، لها حدودها. إن الطبيعة التوسعية المتأصلة للرأسمالية تجبر رأس المال على السعي إلى "تحرير" قوى الإنتاج غير الرأسمالية ودمجها في عمليات الإنتاج والتداول الرأسمالية. بمجرد حدوث ذلك ، لا تخضع هذه القوى لأشكال قوة خارج الاقتصاد ولكن لقوانين تراكم رأس المال التي حددها ماركس. وبعبارة أخرى ، فإن مثل هذه الحروب تنتج وتعيد إنتاج الظروف التي يمكن أن تخلق فيها القيمة ، لكنها لا تنتج نفسها قيمة؛ لا يمكن أن يحدث هذا إلا بعد أن تتحول القوى الإنتاجية غير الرأسمالية إلى رأس مال ثابت ورأسمال متغير. 4 القوة غير الاقتصادية التي تعمل الحرب من خلالها كشكل من أشكال التراكم التوليدي لا يمكن أن يمارسها رأس المال نفسه. ماركس ، كما رأينا سابقا ، لم يعرف رأس المال على أنه شيء بل علاقة اجتماعية ، علاقة يحددها قانون القيمة. الدولة الرأسمالية هي وسيلة أساسية لضمان هذه العلاقة الاجتماعية. فهى تضمن إعادة إنتاج رأس المال على نطاق واسع من خلال تهيئة والحفاظ على تلك الظروف اللازمة لاستخراج فائض القيمة ، والتي لا يمكن أن توفرها رؤوس الأموال الفردية نفسها ، فهي ، أي الدولة، تفعل ذلك من خلال ممارستها للقوة غير الاقتصادية. ونتيجة لذلك ، فإن الدولة الرأسمالية هي جزء من علاقة رأس المال نفسها ، بينما في الوقت نفسه "تضمن الدولة علاقة رأس المال من حيث أنها تعمل بطريقة غير رأسمالية" ( التفاتر Altvater 1973 ، 108). قد لا تنتج القوة العسكرية للدولة الرأسمالية - كتعبير خارج الاقتصاد عن السلطة - فائضا في القيمة ، لكن التكاثر الممتد لرأس المال غير ممكن في غياب مثل هذه القوة.

isamabd.halim@gmail.com
////////////////////

 

 

آراء