موقع الحرب في التحليلات الماركسية للتراكم البدائي (2/1) .. ترجمة: عصام على عبد الحليم

 


 

 

موقع الحرب في التحليلات الماركسية للتراكم البدائي (2/1)
دانيال ايجان (Daniel Egan )
ترجمة عصام على عبد الحليم

الملخص
منذ فترة طويلة فهم الماركسيون - ابتداءً بماركس-، أن التراكم البدائي لم يقتصر على مرحلة التأسيس التاريخي للرأسمالية. بدلا من ذلك ، استمرت العمليات غير الاقتصادية لتراكم رأس المال ذات صلة طوال التطور اللاحق للرأسمالية. يشير فحص التحليلات الكلاسيكية للتراكم البدائي التي أجراها كارل ماركس وروزا لوكسمبورغ إلى أن التفسير المعاصر الأكثر أهمية للمفهوم ، والذى قدمه ديفيد هارفي للتراكم عن طريق نزع الملكية، يفشل في تفسير الدور الذي تلعبه الحرب والقوة العسكرية في تراكم رأس المال اليوم. فهو نتاج تفسير إشكالي لتحليلات ماركس ولوكسمبورغ للتراكم البدائي ، وهو – بنفس القدر- تفسير إشكالي للغزو الأمريكي للعراق عام 2003. أنا أزعم أن ماركس ولوكسمبورغ يستمران فى تقديم أساس أكثر نضجا يمكن من خلاله معالجة هذه المسألة.
نص المقال الرئيسي
استندت عملية التراكم في نمطى الإنتاج العبودى والإقطاعي ، على امتلاك الطبقة الحاكمة لسلطة سياسية قسرية صريحة ، أي قوة خارج الاقتصاد. في هذا السياق ، كان دور القوة العسكرية كوسيلة للتراكم مهما بشكل خاص. في مجتمعات العبيد في العصور الكلاسيكية القديمة ، على سبيل المثال ، كانت الهزيمة العسكرية لما يسمى بالشعوب "البربرية" هي الطريقة الرئيسية التي يمكن أن يتوسع بها العمل القائم على كد العبيد. أما بالنسبة للإقطاع ، فقد استندت حقوق ملكية اللورد على الأرض ، والقدرة على استخراج الفائض من الفلاحين، على البنية التراتبية تُشيّدُ تسلسلا هرميا للعلاقات الاجتماعية يقوم على توفير الخدمة العسكرية. في كلتا الحالتين ، كان التراكم من خلال القوة غير الاقتصادية واضحا في أشكاله الاجتماعية ، سواء كان ذلك من خلال الملكية القانونية للعمالة المستعبدة ، أو من خلال السخرة والإيجارات المستخلصة من الفلاحين ( وود 2005). مع ظهور العمل الحر بشكله المزدوج المرتبط بنمط الإنتاج الرأسمالي-متحرر من أي امتلاك لاى وسيلة إنتاج ، وحر في بيع قوة عمله—تم استبدال مركزية الإكراه القائمة خارج الاقتصاد بـ "الإكراه الصامت للعلاقات الاقتصادية" ( ماركس 1976 ، 899). كانت ملاحظة استخراج البرجوازية للفائض من البروليتاريا أصعب بكثير ، لأن حدوثه يبدو - ظاهريا- في سياق تبادل حر ومتكافئ لقوة العمل مقابل الأجور. ومع ذلك ، يجب الاعتراف بالطبيعة الديالكتيكية لهذه العملية ، حيث تم إنجاز هذا الانتقال من خلال أشكال الإكراه خارج الاقتصاد التي تمارسها الدولة، مثل القوة العسكرية. ومع ذلك ، في الوقت نفسه ، لا يلغي هذا الانتقال أهمية القوة خارج الاقتصاد بشكل عام ، والقوة العسكرية بشكل خاص ، في إعادة إنتاج البنية الرأسمالية.

الغرض من هذه المقالة هو دراسة كيف ناقش الماركسيون الدور الذي تلعبه الحرب والقوة العسكرية في التراكم البدائي. يسلط ذلك الضوء على المساهمة الأساسية للدولة في عملية تراكم رأس المال. أتفحص أولا التحليلات الكلاسيكية للتراكم البدائي التي أجراها كارل ماركس وروزا لوكسمبورغ ، ثم التفسير المعاصر للمفهوم-التراكم عن طريق نزع الملكية—الذي قدمه ديفيد هارفي. أنا أزعم أن الطريقة التي يدمج بها هارفي الحرب في تحليله للتراكم عن طريق نزع الملكية إشكالية ، وأن منظور ماركس ولوكسمبورغ يوفر أساسا منتجا يمكن من خلاله معالجة هذه الموضوعة بطريقة مثمرة كليا.
عن التراكم البدائي عند ماركس ولوكسمبورغ
في مقدمة مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي ، حدد ماركس خطة تحليله لـ" نظام الاقتصاد البرجوازي بالترتيب التالي: رأس المال ، ملكية الأرض ، العمل المأجور ؛ الدولة ، التجارة الخارجية ، السوق العالمية " (ماركس 1970 ، 19 ). وقد ابتدأ ماركس بالعمل فى الجزء الأول من هذا المخطط فقط ولكن لم يكمله أبدا ، ولم يتم الوفاء بوعده بتحليل الدولة. كان من المتوقع أن تتيح خطته الفرصة ليدرس بالتفصيل الدور الذي لعبته الحرب في عملية تراكم رأس المال. هذا لا يعني أن الدولة فشلت في الظهور في تحليله للرأسمالية. في الجزء الثامن من المجلد الأول لرأس المال ، عرف ماركس التراكم البدائي بأنه "تراكم ليس نتيجة لنمط الإنتاج الرأسمالي بل نقطة انطلاقه" ((ماركس 1976 ، 874). (1) . إن إشارة ماركس التحقيرية إلى " ما يسمى بالتراكم البدائي " تعكس ازدراءه لافتراضات آدم سميث وآخرين بأن" نقطة انطلاق " الرأسمالية كانت نتيجة لجهود التفكير المستقبلي لتلك الفئات والتى ستصبح قريبا الطبقة الرأسمالية، لممارسة اكتناز الثروات الخاصة التي يمكن استثمارها لأغراض كسب الربح.
لم يكن رأس المال بالنسبة لماركس شيئا بل علاقة اجتماعية. وهى عملية تتطلب إنشاء "علاقة رأس المال" ، والتي لا يمكن أن تكون سوى العملية التي تفصل العامل عن ملكية شروط عمله ؛ إنها عملية تخلق تحولين ، حيث يتم تحويل الوسائل الاجتماعية للعيش والإنتاج إلى رأس مال ، وتحويل المنتجين المباشرين إلى عمال بأجر. إن ما يسمى بالتراكم البدائي . . . ماهو إلا العملية التاريخية لفصل المنتج من وسائل الإنتاج. (ماركس 1976 ، 874-875)
لقد كانت عملية الفصل بين المنتج ووسائل الإنتاج عملية تاريخية، لعب فيها" الغزو والاستعباد والسرقة والقتل ، باختصار ، القوة ، الجزء الأكبر " (ماركس 1976 ، 874). انه – فقط- تبعا "لما قبل تاريخ رأس المال" (875) ، الذي اتسم بهيمنة القوة ، وعمليات تعزيز "الإكراه الصامت للعلاقات الاقتصادية" (899) يمكن تعريف العمليات التي تحدد بنية الاستغلال الرأسمالي.
لقد كان ماركس واضحا في تحديد أن عملية التراكم البدائي لم تكن عملية عالمية أو ميكانيكية ، بل إنها "تفترض جوانب مختلفة في بلدان مختلفة ، وتمر بمراحلها المختلفة في تواليات مختلفة من الترتيب ، وفي عصور تاريخية مختلفة" (ماركس 1976 ، 876). ومع ذلك ، فقد حدد "الشكل الكلاسيكي" ( ماركس 1976 ، 876) بانه ذلك الذي حدث في إنجلترا ، وفي هذا السياق درس دور الدولة كعامل رئيسي للتراكم البدائي. وأشار ل"أعمال العنف الفردية" (ماركس 1976 ، 885) التي تم من خلالها إبعاد الفلاحين قسرا من الأرض بدءاً من أواخر القرن الخامس عشر . بحلول القرن الثامن عشر، تم استبدال تلك الممارسات ، بسن البرلمان لقوانين "ضم الأراضي" ( وهى سلسلة من قوانين اصدرها برلمان المملكة المتحدة ، حددت الحقول المفتوحة والأراضي العامة في البلاد واخضعتها لحقوق الملكية القانونية للأرض التي كانت تعتبر في السابق شائعة او ملكية عامة. بين عامي 1604 و 1914 ضمت هذه ألأراضى 6.8 مليون فدان (المترجم). رافق هذه العملية ما وصفه ماركس بـ "التشريع الدموي ضد المصادرة" ، وهو التشريع الذي يُجرّم الفقر الناتج عن الإخلاء الجماعي للفلاحين من الأرض ، مع عقوبات على" التشرد "تتراوح بين الجلد والسجن والاستعباد ، وبعد ذلك" النقل " إلى المستعمرات العقابية في الخارج ، وينص على تمديد إلزامي ليوم العمل ووضع حد أقصى للأجور بدون وضع حد أدنى لها ، وحظر تجمع العمال الهادف لتحسين ظروف عملهم. وكانت النتيجة هي تجريد السكان من وسائل الإنتاج وإجبارهم - بدافع الضرورة- على العمل في ظل ظروف مريعة وأجور منخفضة مفروضة . لقد مثلت تلك المجموعات التأسيس التاريخي لطبقة البروليتاريا. مثّلَ هذا التشريع أيضا ، من خلال ضمان التدمير النهائي للصناعة المحلية الريفية وإنشاء سوق محلية ، معبرا تطورت من خلاله البرجوازية الصاعدة. توضح هذه الأمثلة قوة الدولة ، قوة المجتمع المركزة والمنظمة ، لتسريع -كفقاسة - عملية تحويل النمط الإقطاعي للإنتاج إلى النمط الرأسمالي ، وتقصير فترة الانتقال. القوة هي قابلة كل مجتمع قديم يحمل في أحشائه آخرا جديدا. إنها في حد ذاتها قوة اقتصادية. (ماركس 1976 ، 915-916)
لم يكن الدور المحدد للقوة العسكرية الإنجليزية في هذه العملية بعيدا عن سردية ماركس-كانت الأشكال القانونية التي تم من خلالها فصل المنتجين عن وسائل الإنتاج مدعومة دائما بالقوة العسكرية ، كما توضح إشارته إلى استخدام الجنود لفرض عمليات الإخلاء في اسكتلندا في أوائل القرن التاسع عشر ( ماركس 1976 ، 897)—ولكن لم يحيطها بأي تفاصيل.

في مناقشته للتراكم البدائي على المستوى العالمي ، أظهر ماركس بوضوح أكبر الدور الهام الذي لعبته الحرب والقوة العسكرية ، بشكل مباشر وغير مباشر ، في هذه العملية. الصورة التي رسمها ماركس هنا للتراكم البدائي هي صورة قاتمة حقا: اكتشاف الذهب والفضة في أمريكا ، واستئصال واستعباد ودفن السكان الأصليين في المناجم ، وبدايات غزو الهند ونهبها ، وتحويل إفريقيا إلى محمية للصيد التجاري للأفارقة ، كلها أشياء تميز بزوغ نمط الإنتاج الرأسمالي. هذه الإجراءات "الشاعرية" هي اللحظات الرئيسة للتراكم البدائي. (ماركس 1976 ، 915)

يقول ماركس "الكنوز التي تم الاستيلاء عليها خارج أوروبا عن طريق النهب والاستعباد والقتل الصريح" ، ويتابع "عادت إلى البلد الأم وتحولت إلى رأسمال " (ماركس 1976 ، 918). ضَمِنتْ القوة العسكرية اللازمة لهذه العملية ظهور" الحروب التجارية للدول الأوروبية ، التي جعلت الكرة الأرضية ساحتها "، والتي " تبدأ بالثورة الهولندية ضد إسبانيا ، واتخذت أبعادا هائلة في حرب إنجلترا ضد اليعاقبة ، وما زالت مستمرة في شكل حروب الأفيون ضد الصين ، إلخ."(ماركس 1976 ، 915). نرى في كتاب راس المال ، على سبيل المثال ، كيف أن سلسلة المعاهدات على مدار 1713-1715 التي شكلت سلام أوتريخت بعد حرب الخلافة الإسبانية (أشعل فتيلها موت كارلوس الثاني ملك إسبانيا في نوفمبر عام 1700، والذي لم يخلّف ذرية ترث العرش ، فاندلعت الحرب بين المتنافسين على العرش، تدخلت فيها دول أروبية - المترجم)، انتهت بتوسيع احتكار إنجلترا لتجارة الرقيق إلى جزر الهند الغربية لتشمل مستعمرات إسبانيا في الأمريكتين ، وكذلك كيف ساهمت المكافآت التي وضعتها مستعمرات نيو إنجلاند على فروة الرأس التي تم الحصول عليها نتيجة حروب الإبادة ضد السكان الأصليين، في تحويل الأراضي العامة- المتاحة للاستخدام الجماعي- إلى ملكية خاصة. مع هذه الأمثلة وغيرها الموجودة في كتاب رأس المال ، استطاع ماركس ان يدفع باستنتاجه بلا لجاجة أن "رأس المال يأتى متبخترا، يقطر من الرأس إلى أخمص القدمين ، ومن كل المسام ، دماً وأوساخاً ( ماركس 1976 ، 926).

تجدر الإشارة إلى أن كتابات ماركس الأخرى المتعلقة بالاستعمار ذات صلة بفهم تحليله للتراكم البدائي ، حتى لو كانت هذه الكتابات تسبق كتابته لرأس المال (انظر براديلا 2013). تعليقات ماركس على الهيمنة البريطانية على الهند والصين ، التي كتبت خلال 1850 ، تقدم أمثلة على ذلك. فقد أشار، على سبيل المثال ، أن "التدخل الوحشي للجندي البريطاني " (ماركس 1979 أ ، 131) لعب دورا مهما في توسيع قوة شركة الهند الشرقية في جميع أنحاء الهند. على مدار سلسلة من حروب القرن الثامن عشر ، وأبرزها حروب كارناتيك من 1746-1763 التي هزم فيها البريطانيون الفرنسيين وحلفائهم المحليين ،ثَبّتتْ الشركة نفسها كقوة تجارية أوروبية مهيمنة في الهند وتحولت "من مؤسسة تجارية إلى قوة عسكرية وإقليمية" ( ماركس 1979 ب ، 149). خلال هذه الفترة ، "تم اكتساب الكنوز المنقولة من الهند إلى إنجلترا بشكل أقل بكثير من خلال التجارة غير المهمة نسبيا ، مقارنة بالاستغلال المباشر لذلك البلد ، والثروات الهائلة التي تم ابتزازها واستخلاصها ونقلها إلى إنجلترا" (ماركس 1979 ب ، 154). لاحظ ماركس أيضا أن الحروب خلال 1830 و 1840 ، ولا سيما تلك ضد السيخ والأفغان ، أكملت إخضاع الشركة لشبه القارة الهندية وأنشأت "إمبراطورية أنجلو هندية عظيمة " ( ماركس 1979 ب ، 152) بحلول عام 1849. وفي عام 1857 إنطلقت ثورة هندية ضد الحكم الاستعماري البريطاني قمعت بشكل دموي ، وصلت التكاليف المرتبطة بـ "مسيرة الغزو اللامتناهي والعدوان الدائم التي يشارك فيها الإنجليز لحيازة الهند" ( ماركس 1986 ب ، 352) إلى درجة أن الشركة لم تعد قادرة على تأمين النظام اللازم للحفاظ على النهب الاستعماري دون ضخ أموال ضخمة من البرلمان ؛ فتم إلغاء ميثاق الشركة وتولت بريطانيا الحكم في شكله الاستعماري المباشر.

فيما يتعلق بالصين ، جادل ماركس بأن الجهود البريطانية لإنهاء عزلة الصين التي فرضتها على نفسها" وجدت تطورها الكامل تحت فوهة المدفع الإنجليزي " (ماركس 1979 ج ، 95). وأشار إلى أن البيع غير القانوني للأفيون للصين ساهم بشكل ضخم في زيادة إيرادات شركة الهند الشرقية ،وكذلك في زيادة الطلب الهندي على السلع المصنعة البريطانية. كان يُنظر إلى الغاء الحظر الصيني على استيراد الأفيون على أنه وسيلة لمعالجة اختلال التوازن التجاري طويل الأمد ، الناشئ عن الطلب البريطاني على السلع الكمالية الصينية مثل الحرير والخزف ، وعكس ما كان - حتى ذلك الحين - تدفقا صافيا للمعادن الثمينة من بريطانيا إلى الصين. حرب الأفيون الأولى 1839-1842 ، التي شنها البريطانيون باسم "التجارة الحرة" ، لم تجبر الصين على شراء الأفيون من الهند الاستعمارية فحسب ، بل فتحت أيضا موانئ صينية للتجار البريطانيين ،وفى سياقها تنازلت الصين فيه عن السيطرة على هونغ كونغ للبريطانيين. أدت "الإهانات" اللاحقة لحقوق الوصول البريطانية في الصين ، إلى زيادة استخدام القوة العسكرية في حرب الأفيون الثانية ، لتعزيز وتوسيع السيطرة الأوروبية على تجارة الصين. بعد أكتوبر 1856 ، صعد المسؤولون الصينيون لسفينة صينية ترفع العلم البريطاني من أجل القبض على أفراد الطاقم الصينيين المتهمين بالقرصنة ، ردت القوات البريطانية وقصفت بالمدافع الجبارة عدة حصون في ميناء كانتون، ثم استولت علي كامل المدينة. عن ذلك ، كتب ماركس أنها كانت "الحرب الأكثر ظلما في التاريخ" ( ماركس 1986 أ ، 234) اتت من قبل "مروجي الحروب/الحضارة الذين يرمون القذائف النارية على مدينة عزلاء ويضيفون الاغتصاب إلى القتل" ( إنجلز 1986 ، 281).تم الاستيلاء على كانتون نفسها من قبل القوات البريطانية والفرنسية في ديسمبر 1857 ، وفي مايو 1858 استولوا على الحصون بالقرب من تيانجين. لم تفرض معاهدة تينتسين اللاحقة في يونيو 1858 تعويضات للصينيين فحسب ، بل فتحت أيضا المزيد من الموانئ الصينية للتجارة الأوروبية ، وسمحت للتجار الأجانب بالسفر داخل الصين. في وقت لاحق ، في يونيو 1859 ، عندما رفض المسؤولون الصينيون مرور سرب بحري من السفن الحربية البريطانية والفرنسية التي ترافق الدبلوماسيين على نهر هاي في تيانجين ، تم إطلاق" حرب حضارية أخرى " (ماركس 1980 ، 517) لفرض الوصول الأوروبي إلى الصين ، والتي انتهت بنهب القصر الصيفي الإمبراطوري في بكين في أكتوبر 1860.

في كل من الهند والصين ، كان التراكم البدائي نتيجة لنقل مخزونات غير عادية من الثروة إلى بريطانيا ، تلك الثروة التي اصبحت متاحة بعد ذلك لاستخدامها كرأس مال من قبل البرجوازية الناشئة. وبالمثل ، في كل من الهند والصين ، كانت الصناعة المحلية ، وعلى الأخص الغزل والنسيج ، غارقة في الاستيراد القسري للمنسوجات البريطانية. سهل هذا التآكل البطيء ولكن المطرد لأنماط العمل الأصلية ظهور قوة عاملة متعاقدة شبه بروليتارية في الصين (كما في الهند) ، على سبيل المثال ، لعبت دورا مهما في استخراج ذرق الطيور( يستخدم كسماد طبيعي - المترجم) من بيرو للتصدير إلى بريطانيا ، وهي قوى عاملة تخضع لعملية تشبه "العبودية المقنعة" ( ماركس 1973 ، 97 ن) ؛ لعب العمل التعاقدي الصيني أيضا دورا مهما في تعدين الذهب في كاليفورنيا وأستراليا وبناء السكك الحديدية في غرب الولايات المتحدة.

ومع ذلك ، في مناقشتهم لأيرلندا ، يمكن للمرء أن يرى بوضوح كيف فهم ماركس (وإنجلز) الدور الذي تلعبه الحرب في التراكم البدائي. وأشارا لعمليات المصادرة والتهجير القسري من الأراضي الأيرلندية والتطور اللاحق لملاك الأرض الإنجليز الذي رافق الغزو الإنجليزي لأيرلندا ، بدءا من غزو هنري الثاني عام 1171 ، وامتد من خلال إنشاء مزرعة أولستر بواسطة جيمس الأول بعد عقود من الحرب التي بدأها هنري السابع ، وإخضاع كرومويل لأيرلندا الكاثوليكية ، وانتهاءاً بانتصار ويليام الثالث على اليعاقبة في عام 1691. كانت أيرلندا ، وفقا لماركس ، "قلعة للأرستقراطية الإنجليزية "،" وكان استغلالها ليس فقط أحد المصادر الرئيسية للرفاهية المادية لهذه الأرستقراطية ؛ بل كانت أعظم قوتها الأخلاقية " (ماركس 1988 ، 473 ). أدى القهر الإنجليزي لأيرلندا إلى تحويلها إلى ما أسماه ماركس "المقاطعة الزراعية الإنجليزية" ( ماركس 1985 أ ، 192) ، توفر الصوف اللازم لصناعة النسيج الإنجليزية ، والمواد الغذائية اللازمة لإعادة إنتاج قوة العمل الإنجليزية. بالإضافة إلى ذلك ، أدت أنماط الزراعة التي تقوم على استئجار الأرض - التي فرضها الحكم الإنجليزي- إلى تطور فائض السكان في أيرلندا ، والتي لم يستسلم جزء منها للمجاعة فهاجرت إلى المدن البريطانية، لتصبح مصدرا وفيرا لاستغلال قوة العمل الصناعية. نتيجة لذلك ، اضطرت أيرلندا إلى "المساهمة بعمالة رخيصة ورأس مال رخيص لبناء" الأعمال العظيمة لبريطانيا " (ماركس 1985 ب ، 200-201). كانت الأهمية المتساوية إن لم تكن الأكبر لرأس المال البريطاني هي حقيقة أن العمالة الأيرلندية في الشتات ،كانت تستخدم كإسفين لإضعاف تضامن الطبقة العاملة ضد رأس المال. كانت البروليتاريا الإنجليزية تميل إلى رؤية العمل الأيرلندي كمنافس اقتصادي يدفع الأجور إلى الانخفاض وتعدها كطبقة ادني اجتماعيا: كتب ماركس: "هذا العداء هو سر عجز الطبقة العاملة الإنجليزية ، على الرغم من تنظيمها. إنه السر الذي تحافظ به الطبقة الرأسمالية على قوتها " (ماركس 1988 ، 475). لاحظ إنجلز أيضا ، على وجه الخصوص ، كيف أن الانتصارات العسكرية الإنجليزية في القرن السابع عشر "سحقت تماما" الشعب الأيرلندي ، "سرقت ممتلكاتهم من الأراضي وأعطها للغزاة الإنجليز ، وحظر الشعب الأيرلندي من التواجد في أراضيه وتحول إلى أمة من المنبوذين" ( إنجلز 1985 ، 140). ومع ذلك ، لم تكن الطبيعة القسرية للحكم البريطاني في أيرلندا مجرد حقيقة تاريخية ، كما أوضح إنجلز في رسالة إلى ماركس بعد جولة في أيرلندا عام 1856:
تستند ما يسمى بحرية المواطنين الإنجليز على اضطهاد المستعمرات. لم أر قط هذه الكثرة من رجال الشرطة في أي بلد ، وقد تم تطوير المظهر المتبلد للشرطى البروسي المخمور إلى أعلى مستوى من الكمال، اولئك المسلحين بالبنادق القصيرة والحراب والأصفاد. (إنجلز 1983 ، 49)

أوضحت مناقشة إنجلز للفقر المدقع للأيرلنديين ، سواء كمزارعين مستأجرين في أيرلندا أو كعمال في المراكز الصناعية البريطانية ، في كتابه " حالة الطبقة العاملة في إنجلترا "، أنه في حين أن "الهجرة الإنجليزية" "اكتفت بالنهب الأكثر وحشية للشعب الأيرلندي . . . لم يكن للأيرلنديين الكثير ليكونوا شاكرين للهجرة الإنجليزية" ( إنجلز 1973 ، 310). وكانت النتيجة أنه "نتيجة للغزو الإنجليزي ، تعرضت أيرلندا للغش وسلبت فرص تطورها بالكامل ، وألقيت بقرون إلى الوراء" (إنجلز 1988 أ ، 409). أكد إنجلز أيضا على مدى أهمية الهيمنة الإنجليزية على أيرلندا والأدوار التي لعبتها في التطور اللاحق للرأسمالية البريطانية:" يبدو واضحا لي أن الأمور في إنجلترا كانت ستتخذ منعطفا آخر لولا ضرورة الحكم العسكري في أيرلندا وخلق أرستقراطية جديدة " (إنجلز 1988 ب ، 363).
بينما أكد ماركس أن التراكم البدائي ميز عصور ما قبل التاريخ لرأس المال ، أوضحت كتاباته عن التجربة المعاصرة للاستعمار البريطاني أنه لا يرى أنها تنتهي بظهور العلاقات الاجتماعية الرأسمالية. حقيقة أنه أدرج حروب الأفيون-التي حدثت بعد فترة طويلة من توطيد العلاقات الاجتماعية الرأسمالية في بريطانيا-في مناقشته للتراكم البدائي في رأس المال هو دليل على ذلك. ومع ذلك ، لم يأخذ هذه النقطة إلى أبعد من ذلك. ونتيجة لذلك ، تركت مسألة التعبير عن التراكم البدائي مع الاستنساخ الموسع لرأس المال دون إجابة.

تم طرح هذا السؤال بشكل مباشر أكثر في تحليل لوكسمبورغ لتطور الرأسمالية. مثل ماركس ، أشارت إلى أهمية التراكم البدائي لإنشاء البروليتاريا ، سواء من خلال تحرير المنتجين المباشرين من القنانة وفصلهم عن وسائل الإنتاج ، من خلال أساليب مثل مصادرة الأراضي في الممارسة الإنجليزية التي بدأت في القرن الخامس عشر ( لوكسمبورغ 2014). كما أنها ، مثل ماركس ، حددت أهمية "الهجوم الأول لأوروبا على العالم الجديد" الذي بدأ في أواخر القرن الخامس عشر ، "مسألة نهب أسرع للكنوز والثروة الطبيعية للأراضي الاستوائية المكتشفة حديثا من حيث المعادن الثمينة والتوابل والحلي القيمة والعبيد" ( لوكسمبورغ 2014 ، 150-151) ونهب المواد الخام واستعباد الشعوب الأصلية من قبل الشركات التجارية الهولندية والإنجليزية من أجل التطور اللاحق للرأسمالية. ومع ذلك ، على عكس ماركس ، الذي رأت أنه يقصر التراكم البدائي على عصور ما قبل التاريخ لرأس المال والذي "يعود باستمرار إلى افتراضه المسبق للهيمنة العالمية والحصرية للإنتاج الرأسمالي" ، أكدت لوكسمبورغ:
حتى في نضجها الكامل ، تعتمد الرأسمالية في جميع علاقاتها على الوجود المتزامن لطبقات ومجتمعات غير رأسمالية . . . ترتبط عملية تراكم رأس المال بأشكال الإنتاج غير الرأسمالية في جميع علاقات القيمة والعلاقات المادية-أي فيما يتعلق برأس المال الثابت ورأس المال المتغير وفائض القيمة. (لوكسمبورغ 2016 ، 262) وقالت ببعدين لتراكم رأس المال : أ)

عملية اقتصادية يتم تنفيذ أهم مرحلة لها بين الرأسمالي والعامل المأجور ، لكنها عملية تتحرك حصريا داخل حدود تبادل السلع-التبادل بين متعادلين—في كلتا المرحلتين (أي داخل مجال الإنتاج ومجال التبادل) ؛ (لوكسمبورغ 2016 ، 329 )

و ب)" عملية تحدث بين أشكال الإنتاج الرأسمالية وغير الرأسمالية " (لوكسمبورغ 2016 ، 329) على المستوى العالمي. إن أهمية هذا الأخير ، حسب لوكسمبورغ ، هي أن افتراض ماركس بأن "جميع وسائل الإنتاج والاستهلاك المطلوبة يجب أن تستمد فقط من الإنتاج الرأسمالي لا يتوافق مع الممارسة اليومية وتاريخ رأس المال ، ولا مع الطابع المحدد لهذا النمط من الإنتاج" ( لوكسمبورغ 2016 ، 257) وبالتالي يجب رفضه. لا يمكن لاستهلاك الرأسماليين والعمال على حد سواء أن يضاهي أبدا الدافع الثابت المتعطش لتجميع رأس المال ، وبالتالي فإن إنتاج فائض القيمة سوف يفوق دائما الفرص لتحقيق ذلك الفائض من القيمة من قبل الرأسماليين. نتيجة لذلك ، أشارت لوكسمبورغ إلى ضرورة أن تمتص المنافذ غير الرأسمالية فائض القيمة الذي لا يمكن امتصاصه داخل النظام الرأسمالي نفسه. "في أشكاله وقوانين الحركة" ، جادلت لوكسمبورغ ، أن الإنتاج الرأسمالي يعتبر العالم كله خزينة للقوى المنتجة ، وقد فعل ذلك منذ نشأته. في سعيه إلى الاستئثار بهذه القوى المنتجة بهدف استغلالها ، يقوم رأس المال بنهب الكوكب بأسره ، وشراء وسائل الإنتاج من كل صدع في الأرض ، وانتزاعها أو اكتسابها من الحضارات من جميع المراحل وجميع أشكال المجتمع. (لوكسمبورغ 2016 ، 258)

isamabd.halim@gmail.com

 

آراء