المجلس السيادي: بين الوهم والعلم
بسم الله الرحمن الرحيم
منشورات حزب الحكمة:
abdelmoniem2@hotmail.com
لا يبدو أنّ لأعضاء المجلس العسكري وأعضاء حلف الحرية والتغيير إحساس بحاجة الوطن المُلحّة للفعل، أو لا يدركون فداحة ما هم مقبلون عليه من فوضى وشعبوية مدمِّرة ستلقي بهم في أتون حرب أهلية جديدة لا تُبقي ولا تذر.
والإحساس المُلحّ للفعل، وعدم التلكَُؤ أو التسويف، هو أهم صفات القائد الناجح إذ أنّ الأحداث تسبق الأفعال، ممَّا يجعل معظم الأفعال مُجرد ردّ فعل لما سيحدث، وهو ما يسمي بمعالجة الكوارث أو الانخراط في إطفاء الحرائق. وذلك يعني أن نعود إلى دائرة وقف النزيف لا أن نبدأ مرحلة التعافي والتعمير والتنمية المستدامة النامية والمتوازنة.
إن أولويات من يديرون شئون الوطن، في هذه الأيام شديدة السيولة، غائمة؛ فهم أسري لوهم الاستثناء البشري كأنّهم من كوكب آخر، وسجناء لسلطة انتفاخ الذات بنسب مختلفة، فيظنون خيراً بأنفسهم، ويحسبون أنّهم الآباء الأمهات الشرعيين لطفل الثورة الرضيع، يخططون له، ويتخذون قرارات بشأنه بعيداً عن أعين وآذان الشعب والذي هو الوالد الشرعي لطفل الثورة. وإذا كان المجلس السيادي سيكون رمزيّاً لا تنفيذيّاً، كما صُرِّح بذلك، فيجب أن يكفّ أعضاؤه فوراً عن إصدار القرارات التنفيذية، وترتيب اللقاءات، ورسم السياسات الخارجية.
أمّا ما يخصّ تحديد الفترة الانتقالية فيجب أن يتبع الدليل العلمي، فالتغيير يتم في دورات أقلها ستة أسابيع، ولذلك فيتوقع أن يتم تكوين المجلس السيادي وتعيين الوزراء خلال ستة أسابيع من سقوط الحكومة.
والتغيير الحقيقي لتحقيق هدف جديد لا يتم في مدّة أقل من عام ونصف إلى عامين، ويمكن قياس نتيجة ملموسة للتغيير كل ثلاثة شهور، ولذلك مثلاً مدّة علاج الإدمان ثلاثة أشهر ويأخذ تثبيته ثلاثة أشهر أخري وبذلك تتمّ الدورة المتوسطة. والأفضل أن يتم التغيير في عامين لأنّ كسر العادات السيئة يأخذ هذه المدّة. وأي مدّة بعد العامين تزيد في صلابة التغيير المُكتسب وتكوّن عادة مجتمعية جديدة.
كيف يقترحون أن يكون على رأس الدولة خمسة عشرة شخصاً ويتوقعون أن يتفقوا على رؤية واحدة أو قرار واحد؟ وعلمياً ذلك لا يتمّ، إذ أنّ تفكير المجموعة في أقصاه لا يزيد عن سبعة أشخاص ولا يقلّ عن ثلاثة، للفعالية والفاعلية حتى تتناسق الآراء ويحدث الاتفاق، والأفضل أن يكون ما بين الثلاثة والخمسة أعضاء.
فالرقم المقترح من مختلف القوي السياسية لعدد المجلس السياسي هو اختيار اعتباطي يقوم على المحاصصة لتمثيل كافة ألوان الطيف السياسي السوداني، ولأصحاب المصلحة وهذا أمر مستحيل لأنّ التمثيل الشامل لا يمكن أن يتم ولو أنّك اخترت مائة عضو.
أمّا إذا كانوا ينوون ممارسة التصويت داخل المجلس الرئاسي لاتخاذ القرارات فتلك أغلوطة سقيمة، لأنّ القرار سيعتمد على الهوى وليس على الدليل العلمي، ولأنّ المجلس يتكوّن من مدنيين وعسكريين، ولكلّ فريق أجندة مختلفة، ولذلك فاحتمال الاتفاق بينهم على مصلحة الوطن، ووضعها في بؤرة نظرهم وهمٌ كبير لا تسعه الطبيعة البشرية في أغلب الأحيان. من المتوقّع أن تؤثر الشعبوية النامية على كلّ القرارات، وإذا لم يكبح المجلس السيادي جماحها قبل فوات الأوان فستقودهم بدلاً عن أن يقودوا الشعب.
وهل يمكن أن نعُدّ عبد العزيز الحلو أو مالك عقار أو عبد الواحد محمد نور أو جبريل إبراهيم من المدنيين وهم قد قادوا جنوداً لما يزيد عن العقد ولهم رتب عسكرية معروفة؟ وكيف ستشركهم وهم يعتبرون بعض أعضاء المجلس السيادي أعداءً يستحقون المحاكمة؟
هذه سذاجة سياسية لا غير، وهي ستفتح الباب لجهاز رئاسي منتفخ، ويليه مجلس وزراء ثمّ مجلس حكماء، ومن بعد ذلك مفوضيات وما شابهها من منظمات حكومية، وكل هذا الرتل من المسئولين لن يقلوا تكلفة عن الرتل السابق الذي رضع من ثدي الوطن الأعجف من غير مردود يمكن حسابه أو قياسه غير الخراب.
وسيكون أمراً غير طبيعي لو أنّ أعضاء المجلس السيادي لن يفكروا في تزكية أفكارهم، أو أيديولوجياتهم، أو مصالحهم والسعي لنصرتها، إن كان ذلك في المدي القريب أو في المدي البعيد. وسيكون أيضاً أمراً مُستغرباً إذا لم يفكروا في مستقبلهم السياسي فتكون لهم تطلعات لحكم السودان، ولذلك سيحاولون تلميع أنفسهم، وكسب النقاط من عامة الشعب بتقديم خدمات، ذات دوي إعلامي، مباشرة للناس أو للدولة، في منافسة مُستترة، استثماراً في الانتخابات المستقبلية.
إذا كان أعضاء المجلس السيادي المرتقب فعلاً بالنزاهة والوطنية المخلصة التي يدّعونها، فليعلنوا على الملأ إقرارات الذمة قبل وبعد الفترة الانتقالية ومصادر أموالهم وممتلكاتهم، وأيضاً يعلنون عن تنازلهم عن حقّهم في خوض السياسة بعد الفترة الانتقالية، بعد أن يوصلوا سفينة الوطن بسلام إلى شاطئ الأمان.
أو على الأقل ألا يسمح لهم بتكوين حزب سياسي أو أن يدعموا حزباً سياسياً أثناء الفترة الانتقالية، وأن يَعِدُوا ألا يطالبون بأكثر من فترة رئاسية واحدة، إذا قرروا الترشح لرئاسة الدولة بعد انتهاء الفترة الانتقالية، حتى لا نقع مرّة أخري في شراك شمولية تدمّر الوطن، وتسمح لشخص واحد أن يجلس على صدر الشعب سنين عددا ولو كان من الصديقين.
ودمتم لأبي سلمي