المحبوب واليسار السوداني المنكوب: الغزل المسكوب والوعد الكذوب

 


 

حلمي فارس
30 May, 2011

 



مدخل : ( كتبت ما كتبت وأعلم أن البعض سيراه تطاولاً على قامة فكرية وسط تيار الإسلاميين ، وإن كان من عذرٍ أو عزاء فهو الإيمان بألا قدسية لمنقول سوى الوحي ) **


لا حياء في أن اعترف بأن مكتوب الأستاذ المحبوب عبد السلام  ( مداخلة على مداخلة الإفتتاح: الأرض ذات المانجو والنخيل ) والمنثور على أثير الأنترنت قد أربكني لحد الذهول ، فوجدتني أحاول إجتراره مثنى وثلاث ورباع وخماس عساي أصل للخلاصة التي أرادها القلم الشفيف للرجل المفكر الفيلسوف ذي التاريخ الطويل في ساحات الفكر والعمل الإسلامي !!  أو لعلني قد أجتررته مرات عساي أصل لخلاصة أخرى غير تلك التي سيصل إليها كل من طالع هذا المكتوب !  فظننت السوء بنفسي أولاً حتى لا يذهب ظني السيء نحو  الكاتب أو المكتوب ، وحسبت أن عقلي ربما بات أضعف من أن يستجمع وابل أفكار الرجل الذي يكفيه غموضاً و( غتاتةً )  في عالم الأفكار ( حمالة الأوجه ) أنه تلميذ الشيخ الدكتور حسن الترابي وخزانة أفكاره ، وأشد المجتهدين مثابرة في تقمص نهج الدكتور الترابي وأساليبه في الكتابة  !

ولأستجلاء الأمر بقصد ونية التبين ، دفعت المقال لخمسة ممن أثق في مهاراتهم العالية في التعاطي مع الأفكار و سبر الأغوار ، وحرصت أن يكونوا جميعهم من الإسلاميين الذين لا يحملون في نفوسهم غلاً للأخ المحبوب و مدرسته الفكرية أو الفلسفية أوتوجهاته السياسية ، أستفكرتهم فيما كتب ، ورجوتهم مدي بخلاصة لما فهموا مما كتب الرجل في طيات ما كتب ، فأثبتت لي ردودهم أنني لم تخني طاقتي الذهنية ولا مقدرتي على الإستيعاب والفهم ، وأن المقصد الذي أستنبطته من المكتوب هو حقيقة ما رمى إليه الكاتب ، فقلت بحثاً لأخي المحبوب عن عذرٍ آخر : ربما الأصل في الأمر أن المقصد من المكتوب قد تاه بين ثنيات الفذلكة اللغوية وضل الطريق وسط غرابة مبنى المقال وكثافة ( الجرجرة ) الإستذكارية لكثير من الحيثيات التي  ما عرفنا لها رابط بالرسالة التي أراد  الأستاذ المحبوب  بثها لأدمغتنا ( العاطلة والمضطربة ) بحسب قوله سامحه الله .!!

لقد ظللت  أتابع وأطالع ما ظل يكتبه الأخ  د. محمد وقيع الله عن أخيه الأستاذ المحبوب عبد السلام ، مفنداً للكثير من أفكاره وكتاباته وليس اخرها كتابه عن تجربة الإسلاميين في الحكم في العشرة الأولى من سنين الأنقاذ ، ولا تخلو كتابات د. وقيع الله من كثير همز ولمز وطعن وفجور خصومة في حق المحبوب  عبد السلام ، وقد كان ظني ولا زال أن  د. وقيع الله إنما يفعل ذلك بهذا الأسلوب القاسي للتنفيس عن ( غبنٍ ) شديد ظل يلازمه تجاه الشيخ الدكتور الترابي وكل المقربين منه ، كما أنني لم أكن أستغرب ذلك من د. وقيع الله من واقع ما نبأ إلي علمي من طبعه الشخصي الحاد اللاذع الذي ساد وطغى بأثرٍ عظيم حتى على حياته الشخصية  !  فلم يسلم من يده ولا لسانه أقرب الناس إليه ، وما مقالاته الأخيره التي ( سلخ ) بها جِلد وجَلَد عديله السابق الأستاذ فيصل حامد وزير النقل إلا مثالاً آخر لذلك !!  و قد كنت أكظم غيظاً غليظاً إذ كنت أرى فيما يكتب د. وقيع الله تجنياً ولذعاً بغير حق في حق الأستاذ  المحبوب عبد السلام ، وقد خاطبت المحبوب مرةً بضرورة الرد على الدكتور وقيع الله من باب الحرص على تبيان الحقائق وتجذير الأفكار وإثبات وتحقيق التأريخ ، فرفض المحبوب ذلك لأسباب أختلفت معه حولها وأحترمت فيها رغبته في سد الباب أمام فرص ( المهاترات ) التي قد يقودها إليه د. وقيع الله .

ومن أشد ما عابه الأخ د. محمد وقيع الله على الأخ الأستاذ المحبوب عبد السلام ، وما أكثر ما عابه الرجل في أخيه ، إفتتان المحبوب باليسار الإشتراكي والشيوعي العربوي والأجنبي على حدٍ سواء، وحرصه على الأستشهاد بمنتجات أفكار وآداب قادة الفكر اليساري دون أدب وفكر الإسلامويين من المفكرين والأدباء ، بل ودون حتى كثير إستشهاد بآي القرآن الكريم وأحاديث  الحبيب المصطفى وخلفائه وتابعيهم !!  ومن عجبٍ فإن المحبوب بمكتوبه المشار إليه أعلاه كأنما أراد أن يقفل الباب تماماً أمام أي فرصة لدحض حجج د. وقيع الله عليه وضده في هذا الشأن . فالمقال المنشور والمشار إليه أعلاه وثيقة تثبت ما ذهب إليه د. وقيع الله من تتيم المحبوب باليسار وأفكاره وأدبه ومنتجيها ، بل لعل المحبوب ( الإسلامي ) قد تعدى ذلك في مقاله هذا إلى بث النصح وإبداء الحرص على سلامة وقوة ونجاح اليسار السوداني في بسط مشروعه ( العلماني ) ، وبل ولعله  لولا بعض إشارات هنا وهناك بالمقال أضفت عليه بعض صباغات الأسلمة لظن القاريء أن المقال مخطوط بقلم يساري أو شيوعي عاشق مخلص لأيدولوجيته ، مشفق على حزبه ورفاقه يسدى لهم النصح ويوجه إليهم الإرشاد ويمارس معهم فضيلة النقد الذاتي ، بل ويتمنى لهم ، من قلبٍ متيم مخلصٍ  ، كل التوفيق والسداد في إنفاذ مشروعهم ( السودان الجديد ) على أرض وأنقاض السودان القديم !

ثم أنظروا ، يرحمكم الله ، للأستاذ المحبوب في مقدمة قوله ، يشتمنا ونفسه بدمٍ بارد وبعدها يمتدح في ذات السطر بغزل يتدفق دفءً وحنان  الدكتور الواثق الكمير  ( اليساري المعتق ) إذا يقول : (  حملت إليّ الكلمة الإفتتاحية التي قدمها الدكتور الواثق الكمير لإجتماع لجنة الرؤية و البرنامج في القيادة الإنتقالية للحركة الشعبية في الشمال, حملت إليّ طمأنينة خاصة. فإذ لا غرابة أن تجيء أفكار د.الواثق واضحةً مُحفِّزةً للتفكير و حاضَّةً على التأمل-شأن أطروحاته كافة التي ظل يطرق بها على أدمغتنا العاطلة و المضطربة, فإنها تأتي في زمن قلق بالغ القلق ) !!؟
ثم يحدثنا المحبوب عبد السلام ( القلق جداً ) على مستقبل  بقاء الحركة الشعبية بالشمال ، ويعبر نيابة عنها وبتراجيديا عميقة مبكية عما سيحدث من وداع ( الأبن ) قطاع الشمال للـ ( الأم ) الحركة الشعبية ، وعن قلقه من توجه حكومة الشمال  لمنع قطاع الشمال أن يظل ممثلاً  للحركة الشعبية الجنوبية ولدولة الجنوب بدولة الشمال !؟ وقد حاولت أن أتحاشى فهم أن المحبوب يؤيد بقاء ( خلايا ) لحكومة أجنبية بجوف دولة الجمهورية السودانية الثانية الشمالية ! أو فرع للحركة الشعبية الحاكمة لدولة الجنوب الجديدة في دولتنا الشمالية الجديدة !! ، من عجب وحيرة ، فإن حديثه لا يفيد بغير ذلك !!  فالحكومة الشمالية بحسب علمنا جميعاً لا تمانع من تكوين ( الأفراد ) الشماليين الذين كانوا بالحركة الشعبية لحزب سياسي يخضع لقانون دولة الشمال ولا يتخابر ولا يتعاون من دولة قد تكون مصنفة كدولة معادية أو حتى دولة صديقة !! ما عيب في ذلك وما المقلق فيه !! فهل كانت أي دولة ذات سيادة لتسمح بذلك ؟ كأن نرى للحزب الجمهوري الأمريكي فرع أو قطاع أو أتباع في بريطانيا !؟ أم الأخ المحبوب ما استوعبت طبيعته العاطفية بعد أن الجنوب صائر إلى دولة مستقلة ، و ربما معادية ؟ وأن الحركة الشعبية بأيدولوجيتها ، وبقيادتها الحالية ، وبطريقة حكمها وسياساتها الحالية هي في الواقع ( عدو ) من الدرجة الأولى ليس ( لحكومة المؤتمر الوطني ) بل ( لدولة الشمال ) التي أنا وأنت مواطنيها ، والتي إن سادت فيها اليوم حكومة المؤتمر الوطني فإن الأيام دول ، وغداً لناظره قريب ، فهل يظن المحبوب أن الحركة الشعبية وحكومة الجنوب سوف تصبح صديقة لحكومة وطنية إسلامية يقودها حزبه الشعبي ؟ أو يقودها تحالف أسلاموي يجمع حزبه مع أحزاب الشمال الوطنية الإسلامية الأخرى ؟ أم أن المحبوب مستعد للتنازل عن مشروع حزبه الإسلامي النهضوي لأرضاء الحركة الشعبية وكسب صداقة حكومة الجنوب المستقلة الجديدة !!!؟

و المحبوب  من فرط خوفه وإشفاقه على اليسار الشيوعي السوداني يرى أنه من حسن حظ يساري الشمال وبقايا الحركة الشعبية بالشمال ، بل ومن حسن حظ السودان أجمع  ( أي والله ، السودان كله )  أن للحركة ( أي = لحكومة الجنوب ) ركن شديد من قوة ومال وسلاح  ، تستطيع أن ترهب به حكومة الشمال ( حكومة وطني ووطنك يا محبوب ) ومما قد يمنع ( المؤتمر الوطني = حكومتنا ) من التصدي لنشاط الحركة أو التضييق على شمالييها كما تفعل مع غيرهم ، ويقصد نفسه وحزبه وأحزاب الشمال !! فالرجل في حين يرى أن الإنفصال هو نجاح للحركة في تنفيذ برنامجها لأستقلال الجنوب ، يتبختر نيابة عنها بأنها تملك وتحكم ولاية النيل الأزرق ويجيز تطلعها بثقة لنيل ولاية جنوب كردفان  أيضاً، كما ويخوف ( حكومتنا ، أتفقنا معها أو خالفناها ) الشمالية بجيش الحركة الذي لا يزال يتواجد بالشمال والذي يفوق قوة حركات دارفور المسلحة !!  ثم يخلص بفرحٍ عجيب أن ( ياسر عرمان ) قد حسم ( جدل البقاء )! بقاء فرع حزب الحركة الشعبية ودولة الجنوب بدولة الشمال  ، دولتنا يا أخوتي ! يا حسرتي !!  أسنستطيع الدفاع عنك أخي المحبوب إن أتهمك جهابزة وطغاة أمنجية المؤتمر الوطني  بالخيانة العظمى وأنت تقول ذلك وتكتبه موثقاً !؟؟

برغم الذكاء الفلسفي أوالخبث السياسي الذي قاد الأخ المحبوب لأثبات أن للحركة الشعبية وجود في الشمال لا تخطئه العين ولا ينفيه الواقع ، في سبيل تبرير بقاء فرعها وقيادييها بالشمال بعد إستقلال الجنوب ، ولأستخدام ذلك لوصم حكومة المؤتمر الوطني بالدكتاتورية المطلقة التي ترفض ( الأعتراف بالآخر ) برفضها ببقاء أفرع و ( غواصات ) لدولة أجنبية بدولة الشمال ،  إلا أن  هذا الذكاء خانته الحصافة السياسية هو يتصادم به مع أبسط أبجديات القانون ، وأوضح حيثيات الواقع ، فدولة الشمال بغض النظر عمن يحكمها لم تتبنى  فقهاً ولا نهجاً مرسوماً ومقنناً يرفض أو يحظر عنصراً أو عرقاً أو ديناً معيناً من ممارسة نشاطه السياسي وفق قوانين الدولة التي يقيم بها ، وهاهي أحزاب الشمال السوداني تعج بكل أطياف تكوينات المجتمع السوداني . أما قضية الهوية الأفريقانية أو العربية أو السودانوية المبنية على البحث في أصل العرق والعنصر وتلاقح الثقافات التي أنتجت ( الزول السوداني ) ، القضية التي أفرد لها الأخ المحبوب في مقاله مساحات شاسعة وأستحضر فيها كم هائل من مخزون ذاكرته ، و هي ذات القضية التي ظلت تمثل ساحة صراع عند الكثير من مفكري بلادي ( المترفين ) ، فما هي في حقيقتها  الإ هماً إنصرافياً و قضية ثقافية توعوية إجتماعية يسهل سحبها من الساحة السياسية لساحة التفاكر والتثاقف والتذاهن والتواصل الإنساني ، فهي ما أثرت يوماً بقدرٍ كبير في السياسة العامة للسودان ولا ( كيفية حكم البلاد ) بقدر ما أثرت في البعض القليل من سلوكيات المجتمع السوداني الذي برغم كل خزائن عقله ونفسه المبنية على التواضع والترابط والتعايش إلا أنه قد يتأبى على ذلك حين يتعلق الأمر بالتزاوج  أو التصاهر أو التناسب ، وعدا ذلك فلا ينقصن عنده الإعتراف بالآخر  ولا تجدن عنه التحقير أو الأستصغار لأحدٍ أبداً ، إلا بمثل ما يفعل الآخر تجاهه ، وذاك من طبائع وفطرة البشر عموماً ، وإن بدر شيءٌ ذلك من بعض شذاذ الآفاق من منسوبي حكومة المؤتمر لوطني المتجبرة فلا يجوز عقلاً أن نحسب كل الحزب أو الوطن ومواطنيه من شاكلة هؤلاء ، إلا أن أراد المحبوب تبرئة نفسه من ذلك ووصم الجميع غيره بها خاصة عدوه اللدود المؤتمر لوطني !

وإن كان السودانيون الشماليون في عمومهم يعترفون بالآخر ويحترمونه ، لكن  الإعتراف بالآخر أخي المحبوب لا يعني بأي حال أن نشاطره قصوره أو أن نقبل عيوبه وأن نجاريه في سعيه إن كان يعاكس أو يخالف سعينا ، ولا كما فعلت أنت نتخذه خليلاً وحميماً نكيل له المدح وهو مذموم ، خاصة إن كان من الرافضين لتحكيم شرع الله والساعين صراحة لمنع ذلك ببرنامج عمل منشور كما هو الحال مع أحبابك اليساريين السودانيين ! أنسيت أخي المحبوب الآيات الكثيرة التي كنتم تشنفون بها آذان الشعب السوداني طوال سنين : ( فلا وربك لا يؤمنون .......) و ( لن نجد قوماً يؤمنون باله واليوم الآخر يوادون .............. ) و ( .. ومن لم يحكم بما أنزل الله فأؤلئك هم .......... ) !! أمضى زمان هذه الآيات وصار ( تكسير التلج ) في حق الشيوعيين ويساري السودان واجب فكري نبيل ، بل والحرص على توحيدهم وتقويتهم وتأكيد مساهمتهم في تطويرنا !؟ أخي : نحلم بدولة فيها من حلاوة المانجو وتمر النخيل ، لكننا لن نمتطي لها ظهور يساري الشمال من تلاميذ الحركة الشعبية ، وسيكفينا ( لالوب بلدنا) إن كان ثمن مانجو دولتهم هو التواطوء والتنازل والتقارب مع مشاريع يساري شمال السودان من أتباع حكومة جنوبه .

ثم نتجاوز عن الكثير الذي ساقه الأخ المحبوب والذي لا يبدو ذو أهمية في إثبات ما ذهب إليه ، فنمضي للقول الكثيف الذي أثاره حول ( الهوية ) قبيل تعريجنا على خواتيم كتابه ( المستغرب ) إذ :

1.      يصر المحبوب على منح  قضية الهوية بعداً واقعياً وأثراً ملموساً يلبسه دثور من الإنسانية ليثبت به تفشي ظواهر العنصرية والإستحقار بل والإسترقاق في السودان بشكل ينفيه الواقع ولا تسنده كما يبدو سوى أوهام الكاتب أو أعراض تأثيرات نفسية ناجمة عن تجارب شخصية مر بها ولا يمكن سحبها على عموم واقع وأهل السودان الشمالي  حكومة وشعباً ! ، إذ يقول سامحه الله : ( ذلك أن المأساة الإنسانية المرتبطة بهذه الظواهر ما تزال تعبر عن نفسها سوى في الثقافة و المفاهيم أو في تجربة حكم المؤتمر الوطني الراهنة خاصة, و قد أبلت المكابدة المستمرة للسيطرة على السلطة أن تبلغ منتهى التعبير عن نفسها في جرائم الجنجويد, بل و في الظاهرة نفسها التي يأبى بعض الشماليين عن تصديق و قائعها القريبة الماثلة, و يعتبرها محض صناعة إعلامية غربية.. إنها لا تعمى الأبصار ) !  لا تعليق ، سوى ، إن كان لظواهر العنصرية والإستحقار و الإسترقاق العنصري التي يتوهمها الأخ المحبوب من وجود فعلي في واقع السودان الثقافي والسلوكي الإجتماعي اليوم فهو وجود لا تبرأ منه الحركة الشعبية التي يتغزل فيها المحبوب ولا قبائل اليسار السوداني التي يتغنى بها ، والذين هم جزء من نسيج المجتمع السوداني بكل علاته .

2.      لكن المحبوب بعين الرضى الكليلة يحاول تبرئة يساره المحبوب من تلك الظواهر ، بل يمتدح الحركة الشعبية لكون وجود الشماليين فيها قد هزم عملياً ظاهرة العنصرية والإسترقاق !! حيث يقول بعد أن يحدثنا عن هاتين الظاهرتين وكأنهما يتلبسان واقع أهل السودان الشمالي من رأسه لأخمص رجليه  ( لقد ساهمت الحركةالشعبية بوصفها كياناً جمع الجنوبيين و الشماليين في مشروع نضالي مشترك, في الهزيمة العملية لتلك الظواهر و المفاهيم, ) !!؟ صباح الخير أخي المحبوب ! أما كان الأجدى والأجدر بك على أقل تقدير ولو من باب التكسب السياسي ذكرك لكون نائب أمين حزبك المؤتمر الشعبي ومرشح حزبك لرئاسة الجمهورية قد كان حنوبياً خالصاً ؟ أليس في هذا نفي لما أثبته على الشمال والإسلاميين وتحاول تبرئة اليسار العلماني منه ؟ أأعمتك غواية المعارضة عن رؤية أو ذكر أحد من أبناء  الجنوب الكثر الذين يعج به الحزب المتجبر الحاكم المؤتمر الوطني وبقية أحزاب الشمال !؟ مالك كيف تحكم ؟ لقد إنزلقت رجلك وأن تحاول إدانة المؤتمر الوطني فرميت  بخطل فكرك وما كتبت كل الشمال والشماليين .

3.       أما الوعد الكذوب أو الوعود الكذوبة التي رددها المحبوب في مقاله ، فهاكموها :

أ‌.                    إذا يقول (  المهم أن هؤلاء الذين يزعمون هماً بقادة الحركة في الشمال و بحثاً لهم عن مستقبل, يتيح لهم الحوار الذي إشترعته مداولات لجنة الرؤية و البرنامج إعادة طرح الأطروحة, و تقويم المظالمة إلى معادلة تحفظ كل كسوب أولئك رصيدا مهماً للتجربة السياسية في الشمال ) ( أنتهى ) . لقد كذب وعدك ، فكسوب شمالي الحركة اليوم هي خصماً على الشمال إذ يولون شطر الجنوب وحكومته يحرضونها ، مثلكم ، ضد دولة الشمال ( ليتك هنا تفارق قليلاً بين دولتنا وحكومة المؤتمر الوطني) ، ينفذون خطط حكومة الجنوب ضد دولة الشمال في جنوب كردفان والنيل الأزرق ويحرضون حركات دارفور المسلحة  بإستمرار القتال تعاملاً بالمثل كما تفعل ظالمة الخرطوم مع حركات تمرد الجنوب .   

ب‌.                  وإذ يقول  ( أولاً: في العلاقة مع الجنوب الجديد, فأغلبهم إنتسب إلى الحركة الشعبية إنتساب فكر لا عرق, فهم يحملون في وجدانهم نداءً مختلفاً يحفزهم لأداء واجب فوق فروض العين و الكفاية, يستمد من تجربتهم النضالية زاداً مهماً لصحة تلك العلاقة و متانتها و عافيتها المستدامة المتجددة ) . ( أنتهى ) .  وعد كذوب آخر  فعافية العلاقة بين الشمال والجنوب أساسها هي إنصراف الجنوب لحال شأنه لتنمية إنسانه وواقعه كدولة وليدة تحتاج لكل جهد لرفعة إنسانها المطحون المغلوب على أمره ، ولا عافية لعلاقة الجنوب بالشمال مع إنصراف الحركة الشعبية وحكومة الجنوب عن ذلك بمطاردة أوهام وأحلام يساري الشمال بدولة ( السودانى الجديد ) العلمانية ، وهل لشمالي الحركة اليوم مشروع غير هذا يعلمون له سراً وعلانية ً؟

ت‌.                وإذ يقول مبشراً ومشجعاً الحركة الشعبية للنهوض بواجبات مشروعها للسودان الجديد ( و لكنه ينطبق اليوم حذو الحافر بالحافر على الحالة السودانية, و يدفعنا لتشجيع بروز كيان الحركة الشعبية بما يحمل من مذخور التجربة التي قد تعين علي فهم المشكلات المعقدة,  و يستجيش بما يحفظ من الطاقات ليقوم إبداع و بحث جديد شامل في الأرض اليباب, من السياسة إلى الفكر و من الفن  إلى التنمية  و الإقتصاد.) ( أنتهى ) .  ولا أدري  أي وعدٍ أخضر بالإبداع في الفكر والسياسة والفن والتنمية والإقتصاد أعجز حزبك الإسلامي السابق الذي حكم عشرة سنين ، ثم أعجز تؤام حزبك الذي ما زال يحكم باطشاً ، وأعجز كل القوى السياسية الشمال والجنوب وتنتظر أن تتفتق عنه عقبريات آل يسار وبني علمان التي ( زمانها فات وغنايا مات ) !؟

ث‌.                  وإذ يدعو بحرص ووجل لتوحيد جبهة اليسار والحركة الشعبية ( العلمانيان ) ضد مشروعه ( الأسلاموي النهضوي ): (لقد أفادت الحركة الشعبية لتحرير السودان من تجربة اليسار في السودان, و تغذت من رصيد الفلسفة الإشتراكية في التجربة العالمية, بل إن كثير من القيادات الإنتقالية اليوم للحركة في الشمال كانوا من أهل السابقة في الحزب الشيوعي و غيره, و تلك حقيقة    و رصيد موجب ينبغي أن يساعد كذلك في تجميع جبهة اليسار السوداني على صعيد واحد, و يتجاوز التوتر الذي يظهر أحياناً بين الحزب الشيوعي و الحركة الشعبية ) ( أنتهى ) .!! عجباً لحصيف يسعده أن يجتمع عليه أعداءه  ويشتد عودهم لأسقاط مشروع جهاده الفكري الطويل الذي ثابر عليه عشرات السنين ! هل دعى رسولٌ  لأعدائه إلا بالهداية ؟ فهل ينتظر المحبوب الموهوب من تجمع الحزب الشيوعي والحركة الشعبية وعد خيرٍ للسودان أو لمشروعه الإسلاموي ؟  أي وعد كذوب ؟

ج‌.                  وإذا تتعاظم آمال المحبوب ( الأسلاموي ) في يساري الشمال وفي الحركة الشعبية  لأخراج السودان وشعبه من القنوط والإرتباك الذي سادهم ، حيث يقول (فمهما يكن مفهوم الدولة المدنية, حتى هذه اللحظة, لا يقل غموضاً عن مفهوم الدولة الإسلامية, فإن البرامج تجعل أفكارنا و رؤانا واضحة   و عملية, و أن تساهم الحركة و اليسار كافة في هزيمة الإرتباك و القنوط الذي يلف ساحة السودان.  ) ( أنتهى ) .  أخي المحبوب : أما زال مفهوم الدولة الإسلامية غامض عندكم ؟ فماذا كنتم تفعلون منذ سنين الإنتفاضة والديمقراطية الأولى وحتى اليوم غير المناداة  بقيام الدولة الإسلامية ؟؟ أما زالت عندكم غامضة ؟ وكذلك مفهوم الدولة المدنية تراه عند أصدقائك وأخلائك العلمانيين غامضاً ؟ هل من شيء أكثر مما تقول يقود ساحتنا السياسية وشعبنا للقنوط والإرتباك ؟

أخيراً ، ما زال في المداد بقية وما زال بالخاطر كثير أفكار حول ما كتب المحبوب ، ولأننا نحبه ونحتفظ له بفضل في ما أكتسبناه في عالم الأفكار ، فإننا نرجو أن نجده حيث نحبه وحيث يليق به متمسكاً بفكره مقاتلاً في سبيله ممسكاً برايات النداء الحق للحريات ، ومنافحاً في سبيل دين الله وشرعه ،  دون تعدي على حدود مشروعيات الدين الذي به ندين ، ودون تأثر بنزعات شخصية أو فجور خصومات في قول الحق ، ودون تأثر كذلك بعلاقات صداقة أو سنوات إنس ورفقة مع من حاد عن الحق  . (  إعدلوا هو أقرب للتقوى  )


دمتم سالمين .


With Love , Respect & Best Regards

Engr. Hilmi A. M. Faris

Hilmi Faris [hilmi.faris@hotmail.com]

 

آراء