المرأة السودانية والحرية.. الضلع الناقص
صادف يوم الاثنين 8 مارس اليوم العالمي للمرأة وهو مناسبة موسمية للدفاع ضد قهر وظلم المرأة في كل أنحاء المعمورة وتهتم الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بهذه المناسبة للتذكير بوضعية المرأة في القوانين وفي الثقافات والمجتمعات التي تصر على تكريس دونية المرأة بشتى الوسائل اجتماعية أو دينية أو سياسية، ومن الإيجابيات أن كثيراً من منظمات المجتمع المدني السوداني قد دأبت على الاحتفال بهذه المناسبة بأشكال ومضامين متعددة لا بتجاهل المناسبة وضرورة إحيائها.
عانت المرأة السودانية من الاضطهاد المزدوج لعقود ممتدة. أولاً لأنها سودانية عاشت في دولة عجزت قواها التقليدية منذ الاستقلال عام 1956 عن إحداث تغيير حقيقي اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وظلت البلاد قابعة في مستنقع التخلف والدائرة السياسية الخبيثة من فشل التجارب التعددية إلى استبدادية وشمولية خانقة ترجع البلاد دائماً إلى الوراء وتترك الأزمات العميقة المعطلة. والاضطهاد الثاني لكونها أنثى ويتضاعف عبء الحياة عليها كونها أنثى وسودانية معاً.
ونبدأ بسياق عام توجد فيه المرأة السودانية، يقول الأنثروبولوجيون ودارسو الثقافة أن المرأة لا تولد أنثى ولكن الثقافة هي التي تجعل منها أنثى من ناحيتين. الأولى- التنشئة والتربية على أن تكون أنثى. الثانية: نظرة الرجل والأسرة لها لكي تتصرف كأنثى باستمرار حتى تصير أنثى بالصورة المرغوبة.
تاريخياً واجتماعياً احتلت المرأة مكانة عالية ومحترمة بل ومقدسة لأنها مصدر الخصوبة والاستمرار. وكان النسب عن طريق الأم (أمومي). وكان النظام الاجتماعي (أمومي) يقوم على سلطة الأم (راجع باخوفن) يخضع لذلك نظام الزواج والسكنى مع أهل الزوجة والعبادة. ولكن مكانة المرأة تدهورت مع تطور وظهور وظائف جديدة في المجتمعات اكتسبت قيما أعلى وأعظم مثل الزراعة والحرب والتي أثبت الرجل فيها قدرات أفضل من المرأة التي كرست جهدها ووقتها للبيت والأمومة. وكانت الطبيعة تعلي من قيمة الخصوبة أكثر من القوى العضلية.
وبعد هذا التحول وحتى اليوم لم نجد تعريفاً حقيقياً ومانعاً لما هي المرأة؟ تعريف خارج القول بالنقص في الميزات مثل العيوب الطبيعية والخلقية. فالمرأة هي رجل ناقص غير مكتمل. وهنا راجت اسطورة أن حواء قد خلقت من الضلع الأيسر لآدم. ونجد تفاصيل هذه القصة في التفاسير للآيات: (يا أيها الناس اتقوا الله الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث فيها رجالاً كثيراً ونساء). يقول أحد التفاسير (ابن كثير) خلق منها زوجها أي حواء عليها السلام خلقت من الأيسر من ضلعه وهو نائم، فاستيقظ فرآها فأنس إليها وأنست إليه “وحسب هذه الرواية ردد البعض الحديث المروي” ما رأيت من ناقصات عقل ودين للب الرجل الحازم من إحداكن” قيل: ما نقصان عقلها؟ قال: أليست شهادة الامرأتين رجل واحد وقيل: ” ما نقصان دينها؟ قال: أليست إذا حاضت وفي النفاس لا تصلي ولا تصوم؟”.
يلجأ السلفيون والإسلامويون إلى انتقاء أحاديث غير متواترة لإثبات موقفهم الرجعي تجاه المرأة. وفي السودان وبعد ثورة ديسمبر المجيدة تحسن وضع المرأة وذلك بسبب دورها في الثورة ولأنها كانت الأكثر معاناة واضطهاداً تحت سيوف وسياط النظام الإسلاموي. فقد انتزعت المرأة السودانية بعض حقوقها وحصلت على مقعدين في مجلس السيادة ومقاعد في مجلس الوزراء ومنصب الوالي في ولايتين. وهنا يتكيء السلفيون كالعادة على الدين. وفي حالات كثيرة لولاية المرأة يستدعي السلفيون والإسلامويون حديثاً شاذاً نص الحديث: “روى البخاري في صحيحه قال حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ أَيَّامَ الْجَمَلِ لَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ فَارِسًا مَلَّكُوا ابْنَةَ كِسْرَى قَالَ لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً”. وقد فسر الحديث بحرمة تولي المرأة الحكم في بلاد المسلمين.
توقيت الحديث بعد واقعة الجمل. راوية قتل كثيرين أرادوا إرضاء علي بن أبي طالب حين واجهته عائشة. أو إرضاء الأمويين حتى لا تتمرد عليهم عائشة وتطالب بالحكم الذي اغتصب عنوة. ويفند البعض الحديث أيضاً لأنه لم يرد في القرآن والسنة ما يحرم ولاية المرأة.
(جواد عفانة): “أن القرآن ذكر ملكة سبأ ومدح القرآن رجاحة عقلها وعدالة حكمها وقيادة قومها بالشورى والعدل. رغم أنهم لم يكونوا مسلمين ولم يدخلوا الإسلام إلا مؤخراً. ” (كتاب الإسلام وصياح الديك. عمان، دار جواد للنشر 2006، ص 167).
ومن الملاحظ أن موضوعات المال والمرأة تحتلان موقعاً أساسياً وواسعاً في الفقه والفكر الإسلامويين. وفي كتاب “فتاوى النساء” لشيخ الإسلام ابن تيمية لاحظت أن القضايا الأساسية المتكررة: مثل الطهارة والنجاسة، الخطيئة، الإغراء، والإغواء أو الغواية، العفة، والفضيلة.
ويظل جسد المرأة هو ميدان المعركة الاستراتيجية بين النساء والإسلامويين. اللجوء إلى الجلد والختان والامتلاك من خلال تعدد الزوجات بعد انتهاء النظام التسري.