المروحة .. وماشية المسيرية

 


 

 



ahmedkaruri@gmail.com


معروف أن الدول الغربية وما شابهها تنتهج أسلوب التخطيط العلمي الدقيق وفي ما يتعلق بصناعة الآلات الحديثة تستمر التجارب لما يصل أحيانا أعوام ، المهم في الموضوع قصة سمعتها من مدرب أردني في أحد الدورات التدريبية وهي باختصار ، حدثت مشكلة في أحد مصانع تعبئة المياه الصحيه كما يطلق عليها في السودان بأحد الدول (النايمة) وهذا المصنع وكيلاً لشركة أوربية معروفة تصنع الماكينات الخاصة بتعبئة قوارير المياه الصحية، وتكمن المشكلة في أن بعض صناديق زجاجات المياه يكون بها عبوات فارغة مما أحدث حرجاً للمصنع لدي الزبائن، وأخطرت إدارة المصنع المحلية – في الدولة النايمة – الشركة الأوربية الأم بهذه المشكلة ، وبعد عدة أشهر وصلت رسالة من المصنع الأم بأنه تم الوصول لحل المشكلة وعلى إدارة المصنع المحلية إرسال مهندسين للتعرف على التقنية الجديدة التي ابتكرتها الإدارة ،، فما كان من الإدارة المحلية إلا أن أرسلت تستعلم ؛ عن أي مشكلة تتحدثون؟ ليصل الرد: على مشكلة العبوات الفارغة، حيث توصلت الشركة إلى جهاز يتم تركيبه بالمصنع ويعمل بالليزر للتعرف على العبوات الفارغة فيحدث صوتاً ينبه العامل ليخرجها،، فأرسل الوكيل للشركة أن هذه المشكلة قد تم حلها قبل عدة أشهر وانتهي الأمر؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!
كيف ذلك ؟ بكل بساطة توصل العامل البسيط الذي يعمل على (السير) إلى تقنية بسيطة وهي وضع مروحة (استاند) أمام السير فإذا ما أتت عبوة فارغة يلقي بها هواء المروحة خارج السير ، وهكذا انتهت مشكلة العبوات الفارغة.
ولعل العديد من الجلسات والمؤتمرات والتحركات الدبلوماسية والخطط الموضوعة والمرهونة والمؤجلة والمعجلة تلاقت وتلاقحت وتقاربت وتباعدت في البحث عن مشكلة لماشية المسيرية ، ولأن المسيرية يتميزون بالتجوال حيث ينطلقون مع ابقارهم من شمال كردفان إلى جنوبها وبالعكس ويكون ذلك في أواخر شهر يونيو هرباً من الذباب في الجنوب وهطول الأمطار بشدة، ويمكثون في الشمال حتى شهر سبتمبر وهذه الفترة يسمونها المخرف نسبة إلى الخريف ويقصون فيها وقتاً ممتعاً حيث انتعاش الاسواق بالمدن القريبة مثل بابنوسه، أبو زبد، رجل الفولة، وحتى سوق مدينة الأبيض وما بين شهري أكتوبر وآخر يناير تستقر مجموعات كبيرة من المسيرية الزرق بالقرب من المدن والمسيرية الحمر بالقرب من مدن أخرى. يستخدم المسيرية في رحلاتهم الثيران المروضة منذ الصغر والمعدة سلفاً لعملية الترحال وهي مقسمة إلى أنواع الكيلاني وهو الثور المختص بحمل (العفش) وتمتطيه المرأة ، والمعروف العام أنهم في فترات الصيف يحتاجون للذهاب إلي جنوب منطقة أبيي المتنازع عليها بين دولة السودان ودولة جنوب السودان ، والكثير من الرعاة والأسر والشباب لقوا حتفهم ونفقت الماشية وووو ، ومقولة قرنق التي ذكرها (مسيرية قايلين ترسيم حدود في ضلف بتاع بقر بتاعم مشو شمال دا مكان بتاعم ومشو جنوب دا مكان بتاعم) ولعل حوجة الماشية الماء والكلأ لا تعترف بترسيم ولا بحدود بين دولتين فما هو الحل،، كما أسلفت انعقدت الكثير من اللقاءات والجلسات لتوفير حل بين الدولتين في سعي للوجود حل باعتبارها جزء من المشاكل التي تهدد أكثر من 6 مليون فرد من قبائل المسيرية 30 مليون راس من الماشية ، وإذا بعامل السير يلوح لي بمروحة ..
زميل لي في العمل من أهلنا المسيرية يقول لو أن الحكومة وفرت خزانات كبيرة للماء في مناطق شمال أبيي لن تحتاج ماشيتنا لدخول الجنوب إذ أن المياه التي تتوفر من الأمطار غزيرة جداً لكنها لا تبقى ونضطر إلى التحرك جنوباً ..
فكرة بسيطة وقد يعتبرها البعض ساذجة لكنها إن توفرت لها الإرادة وعصف ذهني من أهل الإختصاص وأهل المكان لخرجت بمشروع رائع ، حتى لا يتحول الترسيم من (ضلف الأبقار) إلى فوهات البنادق ويكفينا شر كثير من تلك التي أسلفت ، والله الموفق



--
<http://im9.gulfup.com/2011-08-15/1313407664241.jpg>

 

آراء