المقاومة الشبابية ضد تدخل الجيش … بقلم: د. عشاري أحمد محمود خليل

 


 

 

 

ushari@outlook.com

(1)
فأما وخطرُ تدخلِ الجيش ماثلٌ، يتعين على جموع الشباب المقاومين، بدعم مجتمعاتهم المحلية في جميع أرجاء السودان، يتعين عليهم رفض كل تدخل من قبل الجيش، بانقلاب عسكري أو بغيره.
ولأن الجيش لا يستأذن أحدا لكي يتدخل، ولأنه يتدخل بقوة العنف المحمية بقانون للطوارئ سيكتبه ويعلنه هذا الجيش فور تدخله، لا يمكن منع هذا التدخل قبل حدوثه.
ومن ثم يجب اتخاذ القرار السبقي المعلن، بأن كل تدخل من قبل الجيش، من أي نوع، ومهما كانت أسبابه، مرفوضٌ.


(2)
هنا يجب على الشباب الانشغال المبكر بالجاهزية الفكرية، لملاقاة مثل هذا التدخل المحتمل، والذي سيأتي بأسبابه المحلية في الوضع السوداني، وستكون له عقلانيته ومسوغاته، في مجال المصالح الطبقية للإسلاميين، بالإضافة إلى أنه تدخل سيكون له خطابه المخادع، ولديه أعوانه الانتهازيون بين السياسيين المعارضين مُشوَّنين مستعدين عند الإشارة والطلب.
...
وقد يحدث تدخل الجيش في أي وقت بعد زيارة عمر البشير إلى مصر، وحيث لابد كانت نصيحة الجنرال السيسي لعمر البشير ووفده أن "الحكم العسكري" هو الحل الأمثل لمنع ربيع عربي آخر، وأن أمريكا ترمب ستقبل تدخل الجيش وسترحب به، حتى إذا كان انقلابا "إسلاميا"، ما دام سيأتي بتحسينات وتطمينات، وما دام كبار الضباط سيقبلون أن يكونوا مثل السيسي عملاء لأمريكا ولحلفائها في المنطقة، المملكة العربية السعودية (الفريق طه)، والإمارات.
وللإسلاميين السودانيين ماض وحاضر في عمالتهم لهذه الدول، بالإضافة إلى العمالة لدويلة قطر.
وهنالك خوف الإسلاميين، خوف الموت، من إسرائيل، التي كم ضربتهم وأهانتهم، وهم كانوا على قاب قوسين أو أدنى من التطبيع معها، فقطع عليهم الحراك الشعبي مسار عمالتهم.


(3)
تنطوي الجاهزية الفكرية، ولها أبعاد عاطفية، ومحلها الدماغ المفكر محل العواطف المحفِّزة على العزيمة والصمود، تنطوي على تحصين الذات من الانخداع بإعلان الجيش تنحية عمر البشير، مما سيتم أصلا باتفاق سبقي وبضمانات أن عمر البشير لن يتم إرساله إلى فطومة بنت سودة.
وسيكون من خِدَع الجيش اعتقالُ بعض قيادات للإسلاميين، من المكروهين لدى الشعب بسبب قلة أدبهم، مثل علي عثمان محمد طه، ونافع علي نافع، وصلاح قوش، وآخرين.
ومثل هذه الخدع المجربة شرب منها الشعب السوداني وشبع. وحيث لا يُقضِّي بليونير سوداني أيةَ مدة في الحبس، ويمكنه شراء رأس الدولة، ورئيس السجانين، وشراء السجن ذاته، في زمان الإسلاميين أصحاب الجيش المليشيا.


(4)
علما أن "علم الخداع" هي أول ما يتعلمه الضباط في الجيش، أن تكون مدلسا وبارعا في فنون الكاموفلاج، ليس فقط في الحرب، بل في السلوك الشخصي، وقد فهمها عمر البشير والضباط الإسلاميون، حين شاركوا جميعهم في خدع الشعب وغشه، بانقلاب 1989، ومن بعد ذلك أكملوا مشروعهم الاحتيالي بالمشاركة الفاعلة في نهب ممتلكات الشعب، وتثبيت صناعة الفساد في السودان، وحماية طبقة الإسلاميين ذات الشره والنهم.


(5)
وعلى مستوى آخر، لابد للشباب من اليقظة إزاء تسلق السياسيين المعارضين الانتهازيين إلى حكومة انتقالية مدنية، لابد سيشكلها الجيش المتدخل، وسيسميها "قومية"، أو تكنوقراطية.
ولشق صفوف الشباب، سيكون من بين أعضاء هذه الحكومة شباب محتالون أو مهنيون يتصنعون اليوم أنهم معارضون. الجزولي دفع الله، عمر عبد العاطي، حسين أبو صالح، وآخرون محتالون.
ولابد سيشكل الجيش مثل هذه الحكومة لأغراض تثبيت الخداع، ريثما يتمكن الجيش من السيطرة الكاملة على الأوضاع السياسية، بعنف قوانين الطوارئ، ومن ثم ليتمكن الجيش من تنفيذ أجندة التدخل.


(6)
فواقعية هذا السيناريو مستمدة من قراءة للوضع الراهن، من موقعي في مدينة سياتيل البعيدة، والقراءة من بعيد قد تكون أحيانا هي الأدخل في الصواب، فالقرب من الأحداث قد يحول دون إبصار الحقيقة، لأنه لا يتيح رؤية الصورة الكاملة في شموليتها وكامل تعقيداتها.
وتنطلق هذه القراءة من أنه لم يبق للإسلاميين اليوم، أمام التهديد الشبابي المتصاعد والمُتصيِّر يوميا ليكون ثورة بالمعنى الحقيقي للثورة، كاجتثاث النظام القديم بكامل هيكلته، تنطلق القراءة من أنه لم يبق لهؤلاء الإسلاميين إلا حلان متداخلان، كخيارين متواليين، أولهما استخدام عنف جهاز الأمن لتثبيت التشبث بالسلطة، وثانيهما، في حال فشل صلاح قوش، تدخل الجيش. وسأعرض لهذين الخيارين المتواليين:


أولا، الحل الأمني بمزيد إجرام من قبل صلاح قوش


(1)
يدرك الإسلاميون أن تشبثهم بالسلطة، حتى في شكلها المجرد من كل شرعية أو مشروعية، ضروري لحماية أنفسهم وأرصدتهم وممتلكاتهم المنهوبة.
فالطريق واضح أمام الإسلاميين، وهو لزوم الاستمرار في استخدام قوة العنف الإجرامي، بمدد العقول الشريرة والأيدي الشريرة لدى نخبة الحركة الإسلامية، الضباط البلطجية في جهاز الأمن، بقيادة صلاح قوش، وفي معية الإسلاميين بلطجية كتائب الظل بقيادة علي عثمان محمد طه، وقوات المؤتمر الوطني الأخرى.
وهذا الحل الأول هي الساري في الوقت الراهن، وقد طور صلاح قوش فلسفة هذا الحل الأمني المتمثل في سعيه إلى إرهاب شباب المقاومة، حين أضاف صلاح قوش تقنية إرهابية جديدة، استخدامه سيارات الأمن كأسلحة في ذاتها، لدهس المتظاهرين.
وهذه عربات الدهس سلاح أقوى في مفعوله التخويفي من سلاح القناصة الإسلاميين ببنادقهم ذوات المناظير.

(2)
ولنتذكر أن هذا السلاح الأخير، سلاح القناصة، مقتبس من فلسلفة التقتيل الاستهدافي targeted killing، أحد التقنيات الأمريكية في الحرب ضد الإرهاب، بواسطة الطائرات المسيرة، وهو ذاته ما قرر اعتماده صلاح قوش.
ويتم تعريف هذا "التقتيل الاستهدافي" بأنه "القتل المتعمد، بواسطة الدولة، لشخص فرد تم تحديده مسبقا، حين لا يكون هذا الفرد المستهدف في قبضة السلطة الحكومية".

(3)
والأمثلة المريعة لاستخدام هذه التقنية الإجرامية كانت في انتفاضة سبتمبر 2013. لكن أول حالة موثقة بالفيديو الممرحل لهذا التقتيل الاستهدافي كانت حالة "الولد صاحب القميص البنفسجي الوحيد"، الذي كان حدده أولا جواسيس صلاح قوش، ثم أحالوه إلى كتيبة القناصة، فتم تقتيله في مذبحة فردية، على الطريقة الإسلامية، بعد يوم أو يومين من تحديده مستهدفا، وشناعة قتل شخص فرد ترقى بشناعتها وغدرها لتكون مذبحة قائمة بذاتها.
ما اسمه؟ وما اسم والدته؟

(4)
وكذا كان الأطفال المتظاهرون من بين المستهدفين بهذه التقنية الشنيعة، وهو درس صلاح قوش للأطفال في بداية سني المراهقة، وقد قال لهم "هكذا سيكون مصيركم إن هددتم مصالحي".
أين منظمة اليونيسف في الخرطوم؟ أحيانا تجد موظفيها مرعوبين يخافون على مرتباتهم، فلن يقولوا أية كلمة بشأن استهداف الأطفال من قبل الحكومة التي لديهم برنامج تعاون معها لحماية الأطفال. ومن برامجهم برنامج مخصص لاندراج الأطفال المراهقين في العمل المدني، ومن العمل المدني التظاهر ضد النظام الذي يحتقر حقوق الطفل.
لابد من أن يذهب متظاهرون، حتى لو كانوا ثلاثة، بلافتات للاحتجاج لدى منظمة اليونيسف في مكاتبها في المنشية بالخرطوم، وكذا في نيويورك، وجنيف، وعمان بالأردن.


ثانيا، الحل بخيار تدخل الجيش
(1)
فأما في حال ظهر فشل قوة العنف الإجرامي بواسطة البلطجية الإسلاميين بقيادة صلاح قوش، وبواسطة كتائب الظل تحت قيادة علي عثمان محمد طه، تبقى للإسلاميين تعبئة قوة الجيش، كملاذ أخير، لحماية أنفسهم وممتلكاتهم المنهوبة.
وقد تطورت الأحداث بصورة سريعة، وأدرك الإسلاميون أنه قد لا يبق لهم الآن إلا خيار تدخل الجيش لإنقاذهم من الشباب، قبل فوات الأوان. خاصة وهم شاهدوا فشل صلاح قوش وخلو وفاضه من كل حل لهم، عند مخاطبته الأطباء الإسلاميين، ناس الله أكبر، قصد تعبئتهم ضد المقاومة الشبابية.

(2)
واليوم يدرك الإسلاميون جميعهم أن صلاح قوش "بنزينو ماشي يَكمَل"، كما هو قيم الوضع بين الشباب المقاومين، وشهد الإسلاميون المذعورون بؤس أداء صلاح قوش، عندما لجأ إلى تخويف الأطباء الإسلاميين بفزاعة “استئصالكم" (يا إسلاميين) و"استئصالنا نحن" (ناس جهاز الأمن)، بواسطة الشيوعيين، "الما عندهم دين ولا أخلاق"، و"حيْوَدُّوا البلد دي في ستين داهية".
لكن صلاح قوش العارف من التقارير مشاركة الشيوعيين بقوة بين المتظاهرين، أراد مددا لدعايته عن خطر "الاستئصال" ليلصقه بالشيوعيين، قصد تجييش عاطفة كراهية الشيوعية القارة في أدمغة الأطباء ناس الله أكبر.
هنا، لم يجد صلاح قوش إلا مقالي (لزوم الحذر من المثقفين وجهاز الأمن والجيش ...)، وفيه حديثي عن "اجتثاث الدولة الإسلامية من جذورها"، وهو موضوع ظللت أكتب عنه على مدى الثلاثة أعوام الماضية. وسأعود إليه، بشأن "العنف الثوري"، و"الحريات الجنسية"، و"الإسلامية كعقيدة سياسية فاسدة"، وبشأن "خوف الإسلاميين"، وموضوع "البداية الجديدة"، و"د. عبد الله علي إبراهيم".
وحتى بذلك ضعيف حسه الأمني، فإن صلاح قوش فهم جيدا قوة شباب المقاومة، وأدرك خطر اقترابهم منه في مكتبه، وهو مذعور من احتمالية أن يصلوه في عقر داره، وفي مخابئ ممتلكاته المنهوبة. وهي وضعية الخوَّاف.
....
هكذا لا يبق الآن للإسلاميين جميعهم، في الإنقاذ وخارج الإنقاذ، إلا تدخل الجيش، المليشيا الإسلامية، لإنقاذهم.


دور المال الإسلامي في رشوة ضباط الجيش ليتدخلوا
(1)
فلنتذكر أولا أن للإسلاميين المذعورين مليارات الدولارات المنهوبة من المال العام، وهم على استعداد لبذل القليل منها لشراء جميع كبار الضباط في الجيش، لتنفيذ تدخل انقلابي، أو غير انقلابي، لمصلحة هؤلاء الإسلاميين الحرامية.
فكبار ضباط الجيش وصف الضباط، المليشيا الإسلامية، قد لا يشمل تحركُهم الهَمَّ بإنقاذ الإسلاميين المذعورين، بل هم يريدون بالتدخل إنقاذ مصالح الشريحة الطبقية من ضباط الجيش.
والإسلاميون المذعورون، الملكيون، كذلك مدركون أن الجيش سيتحرك لمصلحة ضباطه، بالدرجة الأولى، فلابد عندئذ من تقديم رشوة ليس فقط لشمل الإسلاميين الحرامية تحت حماية الجيش، بل للإسراع بتنفيذ التدخل العسكري ضد الشباب المقصدهم "تسقط بس".

(2)
ومن ثم يأتي دور المال، بالملايين الدولارية، لرشوة هؤلاء كبار الضباط في الجيش، ربما جميعهم، خاصة وأن صلاح قوش طلع فشنك.
ونعلم أن بلايين الدولارات المنهوبة موجودة عند هؤلاء الإسلاميين في حساباتهم الخاصة، وفي حسابات أبنائهم وبناتهم.
ونعرف من التجربة أن الرشوة تقنية إسلامية لها فقه متكامل، وقد استخدمها الإسلاميون من قبل، لرشوة الفريق سوار الذهب والفريق تاج الدين، لتسويغ تدخل الجيش في زخم الانتفاضة ووأدها، وعند تشكيل المجلس العسكري الانتقالي، وبعد ذلك برشوتهم هذين الجنرالين بالمال العربي الإسلامي الأجنبي، في هيئة أمان السودان، ومنظمة الدعوة الإسلامية، وهما كيانان للحركة الإسلامية السودانية أسهما في التخطيط لانقلاب الحركة الإسلامية في 1989وتنفيذه والدفاع عنه.
واستخدم الإسلاميون الحرامية الرشوة كذلك لتطويع عمر البشير، ليسمح باستمرارية صناعة الفساد، وليحميها، من موقعه كالقائد العام للقوات المسلحة.


بث الخرافات الإسفيرية عن الجيش

(1)
لقد ظل الإعداد السري والعلني لتسويغ تدخل الجيش يسير على قدم وساق منذ بداية الحراك الشعبي وبروز الشباب بقوة غير معهودة. وظهر توافق غريب في الخطاب لتسويغ تدخل الجيش، من قبل جهاز الأمن، وهو أمر مفهوم، ومن قبل بعض السياسيين المعارضين، مثل ياسر عرمان، وهو كان أمرا غريبا، سآتي إليه.
وانتشرت في الأسافير خرافاتٌ وأكاذيبُ وأوهامٌ وخدعٌ، منها أن في الجيش أملا كبيرا للانحياز إلى جانب الجماهير؛ وأن الجيش حمى المتظاهرين؛ وأن الجيش وقف على الحياد أثناء بعض المعارك بين المتظاهرين والشرطة؛ وأن الجيش ضرب الشرطة ورجال الأمن وقوفا منه مع المتظاهرين؛ وأن الجيش تكبد خسائر في الأرواح شهيدين، في القضارف؛ وأن الجيش رفض الانصياع للأوامر العليا لضرب المتظاهرين.
وكله كان محض كذب بوقاح.
وحتى أحداث بورتسودان عن تأديب قوات الجيش لعناصر جهاز الأمن قليلة الأدب لا تعني شيئا، زيتهم في بيتهم، مجرد شكلة حرامية.

(2)
ومن الأكاذيب الخبيثة أيضا أن ضباط الجيش من عميد إلى فوق "يضحكون" على عمر البشير، وأن الجيش يريد إنقاذ السودان من "الكيزان"، وهذه الأكاذيب كانت من خدع جهاز الأمن التي روج لها الشاب مصعب الضي بشارة، من موقعه في المملكة العربية السعودية.
ونشر مصعب الضي بشارة خدعة إضافية أن حميدتي تغير، وأنه يجب أن نستعد للترحيب به منحازا إلى الجماهير.
فلنضع مصعب الضي بشارة، وشقيقه الأفاتار المعتقل لدى جهاز الأمن، مرة إضافية، تحت المجهر، وقد حققت في عدد مقدر من تدخلاتهما، وليس عندي أدنى شك في كذبهما وخداعهما. وفي مقدورهما إثبات العكس، إن كان العكس صحيحا. ولأني ذكرت كذبه، حرض مصعب الضي الدجاج الالكتروني على ردمي بتدخلاتهم، دون أن يذكر اسمي، وكان السياق ومكوناته كافية لفضح مقاصده.

(3)
وأخيرا جاء الحديث عن "مجلس عسكري"، من مقترحات مبارك الفاضل وغازي صلاح الدين، في مجموعة الـ 22 حزبا من الانتهازيين الهاربين، ليس في أي حزب منها أكثر من شخص أو ثلاثة.
ثم ظهر حديث د. الواثق كمير، عن احتمالية دور الجيش كالآلية الوحيدة لانتقال السلطة. وغيره كثير من نوع الترحيب بتدخل الجيش، تحت ستار المعقولية والبراغماتية والسوسيولوجيا.


الأسباب الحقيقية للتدخل المحتمل من قبل الجيش

(1)
فإن تَدَخَّلَ الجيشُ، وهو الاحتمال الغالب، سيكون تدخله قصد تحقيق أهداف محددة ومرسومة، وهو أصلا، كجيش، لا يتحرك لتنفيذ عملية من عملياته إلا وجلس القادة العسكريون سبقا لتحديد الغرض النهائي من العملية المزمعة، وأهدافها، والاستراتيجيات التي تقود إلى الأهداف المرسومة، ولبيان التكتيكات كالأفعال المفضية إلى تحقق المخرجات المرغوبة.

(2)
لا يوجد كيان آخر يضاهي قدرة الجيش في تخطيط المشروعات وتنفيذها، بقوة السلاح وبالاحتيال والخداع والتدليس، ولنا عبرة ودروس من كل العسكريين الذين حكموا السودان، جميعهم استخدموا قدراتهم في التخطيط، وفي أمور الخداع والاحتيال، من عبود، إلى النميري، إلى سوار الذهب، إلى عمر البشير.

(3)
ولا يتدخل الجيش إلا لسبب، ومن ثم يصبح الأمر مجرد تقنيات يعرفها الجيش، حيث تتداخل الأسباب مع الأهداف، وقد تظهر أهداف إضافية في سياق دوران تنفيذ الخطة المرسومة.
وتشمل الأسباب الرئيسة للتدخل المحتمل من قبل الجيش، وجوهرها الخوف من الشباب وما يمكن أن يفضي إليه انتصارهم على نظام الإنقاذ:
(1) ضمان بقاء واستمرارية الدولة العميقة؛
(2) ضمان عدم التجريد من الأرصدة والممتلكات المنهوبة؛
(3) ضمان عدم الملاحقة القضائية بشأن الجرائم المقترفة.
فأعرض لكل سبب على حدة:

 

أولا، ضمان بقاء الدولة العميقة

سيتدخل الجيش قصد ضمان الإبقاء على استمرارية الدولة الإسلامية العميقة، كما هي، بذات كياناتها المؤسسية، وتركيبتها البشرية، وممارساتها، وفلسفتها، وأحيانا بذات قياداتها من الصف الأول أو الثاني. ويشمل ذلك ما يلي:
(1)
ضمان بقاء الجيش نفسه، بتركيبته البشرية الراهنة، خاصة تركيبة الضباط الإسلاميين، والجيش أهم كيانات الدولة العميقة، ومعه القوات النظامية الأخرى، مثل الشرطة، لتواصل الاضطلاع بذات دورها في حماية الإجرام والفساد، وكله بين يدينا في الأرشيف؛

(2)
ضمان بقاء جهاز الأمن كما هو، بعد طرد صلاح قوش، ليس بسبب أنه تصاعدت الكراهية الشعبية ضده، أو بسبب ثبوت تورطه الشخصي في توجيه قواته لتقتيل المتظاهرين، أو استخدامه القناصة لوضع حد لحياة أطفال وشباب محددين تم انتقاؤهم للقتل الاستهدافي، أو توجيه صلاح قوش وتشجيعه جنوده لاستخدام عربات الجهاز لدهس المتظاهرين، من بنات أفكاره كإرهابي.
فكل هذه الأفعال الإسلامية الدنيئة يحمدها له الجيش، المليشيا الإسلامية. لكن طرد صلاح قوش سيكون بسبب فشله في احتواء الحراك الشعبي المهدِّد لمصالح كبار الضباط الإسلاميين أنفسهم.
وفشل صلاح قوش هو الذي يُدخل الجيشَ الآن في ورطة تدخل يراه كبار الضباط ضروريا، لكن كبار ضباط الجيش لا بد قلقون من أن الشباب سيلحقون بهم الهزيمة الماحقة في أية مواجهة، خاصة وهم ضباط الجيش في حياتهم لم يواجهوا كيانا مخيفا مثل الشباب غير المسلحين، وكانت كامل خبرة الجيش في تقتيل المدنيين في قراهم الآمنة، وفي قصف شعب النوبة من الأجواء، وفي مناوشات مع حركات مسلحة لا يؤبه لها.

(3)
ضمان بقاء السلطة القضائية الفاسدة، بعد طرد أي رئيس للقضاء وربما أحد نوابه. ونحن نرى السلطة القضائية لابْدة مُتَمسكِنة تتربص، وعاملة لا سامعة لا فاهمة. ويريد قضاتها الفاسدون رؤساء العصابات للجريمة المنظمة في تجارة القرارات القضائية ألا يحدث تفكير في حل السلطة القضائية.
لكن حل السلطة القضائية الفاسدة آت، ومن ثم يريد الجيش بتدخله قطع الطريق على هذا المصير، وفيه تسريح قضاتها الفاسدين وهم الأغلبية الساحقة من القضاة، والجيش يحتاج هؤلاء القضاة الفاسدين، بشأن جرائم فساد الضباط، وبشأن عقد محاكم صورية للمتهمين في الجرائم العالمية، لتجنب اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.

(4)
ضمان استمرارية ذات التركيبة البشرية في المؤسسات التي تسيطر فيها عضوية الحركة الإسلامية، وهي جميع مؤسسات الدولة الأخرى.
...
فعند تدخل الجيش، ستنتشر قواته في العاصمة وبقية المدن، لحراسة المؤسسات الإسلامية قصد حمايتها من العنف الثوري المشروع، والمتوقع، لاجتياحها واحتلالها والاستيلاء على أوراقها التي فيها بينات صناعة الفساد الإسلامية.
واليوم لابد أن الإسلاميين في هذه المؤسسات الحكومية والمصرفية منهمكون في تدمير الأوراق التي فيها بينات فسادهم. لكن ذلك لن يفيدهم في شيء، فالأوراق مستنسخة ونصوصها متناصة مع نصوص أخرى ليست تحت سيطرة هؤلاء الفاسدين.
وسينتج الجيش المتدخل خطابا احتياليا فيه فزاعات فوضى العراق واليمن وليبيا وسوريا، لتبرير تدخله وحمايته مؤسسات الإسلاميين.


ثانيا، ضمان عدم التجريد من الأرصدة والممتلكات المنهوبة

(1)
سيتدخل الجيش لضمان احتفاظ الإسلاميين بالأرصدة والممتلكات التي نهبوها، وهي في مئات مليارات الدولارات، فكافية كذلك لاقتطاع القليل منها لرشوة كامل قيادة الجيش، وصف الضباط، للتحرك و"الانحياز للشعب"، وهو الانحياز لمصلحة الإسلاميين ولمصلحة هؤلاء كبار الضباط.
سيستخدم الجيش ذات خدعة عفا الله عما سلف، وتقنية "التحلل" على الطريقة الإسلامية، وسيجرد الجيش بعض صغار حرامية الإسلاميين، من ناس الخمسين مليون دولارا، الذين تحدث عنهم مبارك الكودة، فداء رمزيا لكبار الهمباتة الإسلاميين أصحاب المليارات من الدولارات، وهم في عداد المئات.

(2)
وبشأن الأرصدة والممتلكات المنهوبة، سيَصْدُر الجيش من موقف يتصنع فيه البراءة، أن ضباط الجيش لا علاقة لهم بفساد.
لكنا نعلم كما يعلمون أن كبار ضباط الجيش والصف من عقيد إلى أعلى متورطون، أغلبهم، في صناعة الفساد الإسلامية.

 

ثالثا، ضمان عدم الملاحقة القضائية على الجرائم العالمية والخطيرة
(1)
سيتدخل الجيش لضمان عدم إجراء أية محاكمات بشأن الجرائم العالمية (الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، المفظعات من نوع التطهير العرقي والتعذيب)، خاصة وأن المتورطين فيها ليسوا فقط عمر البشير وأحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين، من قادة الإنقاذ الحاضرين، بل من بين المتورطين مئات كبار الضباط في الجيش، وهنالك المنفذون المباشرون لهذه الجرائم من طيارين وضباط صف، وجنود.
جميعهم هؤلاء ضباط الجيش يخافون أية سيرة لمحاكمات بشأن هذه الجرائم التي اقترفوها ضد المدنيين في مجموعة النوبة، وفي دارفور ضد مجموعات الفور والزغاوة والمساليت، وفي جنوب السودان، بما في ذلك في شمال بحر الغزال، وفي مدينة واو، وجوبا، وغيرها.
فالجيش حين يتدخل، سيكون بمقدوره منع تقديم أي من ضباطه، أو من المدنيين الإسلاميين، للمحاكمة على مثل هذه الجرائم العالمية، ربما باستثناء بضعة أنفار صغار أشقياء، وسيتم تقديمهم لمحاكمات صورية لكف العين.

(2)
باختصار، يتلخص الأمر في أن الجيش له مصلحة حقيقية فيما سيسميه بالخداع "الانحياز" للجماهير، وهو الانحياز بالتدخل المدفوع بالخوف:
(1) خوف ضباط الجيش من الملاحقة القضائية بشأن الجرائم العالمية، وضباط الجيش متورطون فيها كلية؛
(2) خوف ضباط الجيش من التجريد من الأرصدة والممتلكات المنهوبة، وضباط الجيش مشاركون في النهب والهمبتة؛
(3) خوف ضباط الجيش من تفكيك الدولة العميقة، وفيها مؤسسة الجيش، من كياناتها الرئيسة، وحيث يمثل الضباط الإسلاميون الأغلبية الساحقة من الضباط من مستوى فريق هبوطا حتى مستوى النقيب، بل لا يوجد في الجيش إلا عضوية الحركة الإسلامية.

 

كيفية مقاومة الجيش بعد أن يتدخل

(1)
فالذي أريد للشباب أن يعوه، وأن يتفكروا فيه، وأن يخططوا له، مبكرا، هو "الجاهزية لمقاومة الجيش، إن هو تدخل"، مقاومته بقوة ذات تلك الجموع الشبابية المتراصة الأجساد الواقفة، من الشابات والشباب، بدون سلاح، غير سلاح العزيمة وسلاح أخلاقية المقاومة، قصد إلحاق الهزيمة الماحقة بهذا الجيش، في مخططه المتوقع تنفيذه قصد حماية الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة.

(2)
وقد كتبتُ قبل عامين عن الدرس للسودانيين المقاومين، الدرس من التجربة التركية في مقاومة الجيش وهزيمته، وكله كان حدث أمام أعيننا مصورا بالفيديو من تركيا.
يختلف وضع المقاومة الشبابية السودانية عن وضع المقاومة الشعبية من قبل الإسلاميين في تركيا، حيث هزم الإسلاميون الأتراك، الأبطال، لا يهم أن أردوغان دكتاتور مغرور، هزموا بأجسادهم العارية الجيش التركي العلماني الشرير، وردوه على أعقابه.
ومع ذلك، يبقى الدرس المتعلم من تركيا أنه يمكن للمقاومين المدنيين في السودان هزيمة الجيش المليشيا الإسلامية، حتى بدباباته وعرباته المدرعة وبنادقه وبخداعه.

 

تفكيك خرافة الجيش

(1)
ولأن المقاومة الأخلاقية ضد الجيش محلها الأساس في الدماغ، يتعين على الشباب تفكيك خرافة "الجيش"، التي زرعها في عقولهم النظام القديم، التفكيك بالتفكر في ماهية هذا الجيش، واستحضار ماضيه الدموي الإجرامي، واستبداده، وفساده.
وليتذكر الشباب المقاومون دائما أن الإسلاميين جردوا هذا الجيش من كل ما كان تبقى له، حتى من خرقة شرف عسكري مدعى ذات قدود يتخفى بالكذب من تحتها ضباط هذا الجيش.

(2)
وليتذكر الشباب أنه جيش تشكل بطريقة جديدة معينة، في عهد الإنقاذ، تحديدا لحماية الدولة الإسلامية الشمولية. وأنه كان دائما ضالعا في صناعة الفساد.
وثابت أنه جيش ثَبَّت عقيدتَه العسكرية لتكون اقترافَ المفظعات الجماعية من كل نوع، في منطقة النوبة، ودارفور، وجنوب السودان، واليوم كذلك عبر الحدود الدولية، حيث يعمل ضباط وجنود هذا الجيش المليشيا مرتزقة لدى شيوخ الخليج في حربهم الإجرامية ضد شعب اليمن.

 

رسالة إلى ضباط الجيش
ولضباط الجيش أقول:
(1)
لا يريد الشعب انحيازكم، ولا صداقتكم، ولا تحشركم في الأمر السياسي.
(2)
يرفض الشعب تدخلكم، بانقلاب أو بغير انقلاب.
(3)
أكثر ما يمقته الشعب بيان مسرب من ضباط في الجيش يعلنون وقوفهم مع الشعب، فلا يحاولن ضباط أحرار إصدار أي بيان يدعون فيه بالكذب وقوفهم مع الجماهير.
(4)
وحتى حلايب، لا يطلب الشعب منكم تحريرها من المغتصبين. بل سيحل الشعب مشكلة حلايب بالوسائل الدبلوماسية السلمية، وبالاتفاق القائم على الحق والمبادي، مع شعب مصر، حين يستعيد شباب مصر دولتهم المنهوبة من قبل الجيش بقيادة السيسي، عميل إسرائيل وأمريكا وشيوخ الخليج.
وحين تتحرر مصر من دكتاتورية الحكم العسكري بقيادة السيسي، لن يكون من معنى لأن تكون حلايب مصرية أو سودانية، وحيث لن تعني الحدود الإدارية الدولية شيئا، في سياق حرية الشعبين من طغيان العسكر إسلاميين في السودان، أو عملاء للأجنبي في مصر.
(5)
باختصار، أيها الضباط الإسلاميون وأنتم كامل عدد الضباط جميعكم من عضوية الحركة الإسلامية السودانية، في الجيش -- يريد الشعب ابتعادكم عن الصراع السياسي الدائر، حيث لم يعذب الشعب كيان مثلما عذبتموه أنتم.
وبلغة أخرى، أكثر وضوحا، يريد الشعب السوداني من هذا الجيش، وهو اليوم في هذي هيئة المليشيا الإسلامية، أن يغرب عن وجه السودانيين، فيما يتعلق بالسياسة، ريثما يرتب السودانيون أمرهم السياسي، مما قد يأخذ عدة أعوام.
(6)
وفي هذه الأثناء، يريد الشعب أن يسعى هذا الجيش إلى ما يمكنه فعله لإصلاح ذاته، على مستوى الشرف العسكري، وعلى مستوى الأخلاق، وعلى مستوى شحذ القدرة على التفكير.
ثم أن ينتظر قادة هذا الجيش تلقي أوامر الشعب، بشأن ما يتعين على الجيش تنفيذه، وبشأن مستقبله كجيش، وهو مستقبل سيتم تقريره من قبل السياسيين، نعم في سياق الاستشارة مع الضباط والجنود، الاستشارة العلنية المستندة على الحجة والوقائع والمعرفة والتاريخ، لكن القرار النهائي سيكون بيد ممثلي الشعب المنتخبين.
(7)
وإلا يصبح صحيحا، بقوة إثبات إضافية، تكييف هذا الجيش بأنه شركة إسلامية مخصصخة، فله، كشركة، تجارته الخاصة في منظومة شركات الفساد الإسلامي، ومن أعمال هذه الشركة التجارية الارتزاق لدى شيوخ العرب.
وكذا يصبح صحيحا استحضار أن هذا الجيش المليشيا الشركة يظن أن من حقه الإلهي أن يتأمر في الشعب السوداني، وأن يستخدم قوة السلاح والتهديد بها، ضد الشعب، لضمان حماية مصالح طبقة الضباط الإسلاميين، ومصالح الإسلاميين المدنيين المُعَسكَرين، وهم دائما ذاتهم الهمباتة قطاع الطرق المرابطين في مؤسسات الدولة.
...

كذلك أقول للضباط الإسلاميين، حيث لا يوجد ضباط في الجيش غيرهم:
(1) تحذير لضباط الجيش
لا ينقذكم كضباط أفراد، وكمجموعة، أو كمجموعات ضباط، وكالحاملين لكيان الجيش السوداني، كمؤسسة، لا ينقذكم من مستتبعات العار الثابت، حين تصيرتم، بكامل وعيكم، مليشيا إسلامية لحماية مجرمين حرامية فاسدين،
لا ينقذكم من مستتبعات هذا العار إلا وقوفكم بعيدا عن هذا الصراع السياسي الذي يدور اليوم بين "الشعب السوداني"، من جهة، ونظام الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة/نظام الإنقاذ/الحركة الإسلامية السودانية، من جهة أخرى.
وإلا صرتم مكونا في معسكر الإسلاميين موضوع المقاومة الشعبية.
ولن تقدروا، مهما فعلتم، وبكل اسلحتكم، من الوقوف أمام المقاومة الشبابية، المستمرة، بدون هم بتوقيت إلحاق الهزيمة النهائية بكم إن تجرأتم، وهي المقاومة المسلحة بالفكر والأخلاقية، وستبتدع تقنياتها لمقاومة أي تدخل للجيش، من نقطة بدايته.
(2) لا معنى لعبارة أن الجيش جزء من الشعب
أقول أيضا إنه لا معنى في هذه اللحظة التاريخية للخطاب عن أن "الجيش جزء من الشعب"، وهي عبارة خاوية من كل معنى.
فنحن وأنتم تعلمون أن أفراد الجيش مواطنون سودانيون أفراد، لهم ذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات. وبهذه المقامية، فقط، كأفراد سودانيين، أنتم جزء من الشعب، حقيقة لا معنى لتردادها.
...
أما الجيش، كمؤسسة حرابية قادرة على استخدام العنف وسيلتها للوصول لأية أغراض تراها، ومن حيث إن هذا الجيش تم تصميمه من الأول، بعد انقلاب الإسلاميين، ليكون مليشيا إسلامية، هذا الجيش سيظل، وهذه هي حاله، سيظل كما هو كان دائما عليه، منذ تركيبه كمليشيا إسلامية، سيظل مكيَّفا عدواً للشعب.
ووقائع الإثبات حاضرة في مسارح الجرائم العالمية في جنوب السودان، ودارفور، ومنطقة النوبة.
والوقائع ثابتة في مسرح جريمة الجيش السوداني عبر الحدود الدولية، حيث تصيَّر هذا الجيش مجموعات مرتزقة لدى شيوخ الخليج، وهو جيش ثابت أنه يجند الأطفال ويرسلهم كذلك مرتزقة صغار، ومن ثم فهذا الجيش كذلك عدو لشعب صديقٍ لشعب السودان، شعب اليمن العظيم.
ولابد لشعب السودان من التصريح بوعد لشعب اليمن، أنه ما أن ينتصر شعب السودان على معذبيه الإسلاميين، سيكون من أولى قرارات هذا الشعب تسريح المليشيا السودانية من المرتزقة معذبي شعب اليمن الصديق.
....


مهام الشباب إزاء التدخل المحتمل من قبل الجيش، هي:
(1) التعبير في المظاهرات عن رفض تدخل الجيش
التعبير السبقي عن رفض تدخل الجيش، التعبير في جميع المظاهرات القائمة الآن، بشعارات يتم التفكر فيها بعناية، قبل تصميمها وتدويرها في هذه المظاهرات. فالمظاهرة اليوم هي محل "الكتابة"، تلك التي ما بعدها كتابة.
وأفكر يوميا في مدى جدوى الكتابة بهذي طريقتي التقليدية المُرجِئة، والشباب يكتبون ممارسة المقاومة اليومية، في لحظات دورانها، لايف، كما يقولون.
(2) تفكيك خطاب "انحياز الجيش"
التصدي مباشرة لخطاب "انحياز الجيش"، بالقول الصريح إن الشباب لا يريدون انحياز الجيش، ولا حتى تعبير الجيش عن تأييد المظاهرات، أو تأييده إسقاط النظام، يريد الشباب فقط، كما أسلفت، وقوف الجيش بعيدا، فهو ذاته، بخصوصية المتمثلة في قوته العنيفة وفي تاريخه الدموي، مشكلة كبيرة تستدعي الهم الشبابي للتعامل معها.
(3) سلمية المقاومة ضد الجيش إذا تدخل
إعداد استراتيجيةَ وتكتيكاتِ المقاومة السلمية ضد الجيش، وهي "سلمية" في شراسة، ولن تعني سلمية مجرد الجلوس على الأرض والهتاف سلمية سلمية، أمام جيش سيسعى بقوة العنف المسلحة لفرض أمر واقع خلقه الجيشُ ذاته بتدخله، المحتمل الآن.
علما أن الذي سيهزم الجيش، إن هو تدخل، هو ما يفتقده هذا الجيش، العزيمة والأخلاقية، وهما عصب المقاومة الشبابية.
وليعلم الشباب أن إعداد التكتيكات لمقاومة الجيش لا يكون سبقيا إلا على سبيل التخمين، بل تتفتق عبقرية الشباب عن التكتيكات الملائمة والضرورية أثناء وقوع الحدث، بعد نقطة بداية تدخل الجيش، ومن هنا قيمة التفكير، والقدرة على التفكير، في وقته، في لحظة الحدث.
ذلك بعد أن يكون الشباب تدارسوا فيما بينهم، في مجتمعاتهم المحلية، حول الجيش المتدخل وكيفية مقاومته قصد إلحاق الهزيمة به ورده إلى ثكناته.
ولا يعني ذلك البتة استخدام أي سلاح ناري ضد هذا الجيش، بل تظل المقاومة الشرسة بقوة جموع الأجساد المتراصة من الإناث والذكور، بذات أسلحتها المجربة الثابت مضاؤها حتى هذه اللحظة، وبتقنيات سلمية إضافية يُتفكر فيها في لحظتها.
وفي جميع الأحوال، لا يوجد كيان مسلح في السودان قادر على إخافة الجيش أو هزيمته على الأرض إلا مليشيات حميدتي، كما يروج لها أدعياء أشقياء، لكن مليشيا حميدتي ذاتها ستكون موضوع المقاومة من قبل الشباب، إن هي تجرأت على أي تدخل من أي نوع.
وحيث يريد الشباب تسريح هذه المليشيا الإجرامية بقيادة حميدتي، التي روعت الشباب من عدة دول مجاورة، بفرية حراسة الحدود، وكان كامل أمرها عمالة للأجنبي الأوربي مقدم الرشوة للإسلاميين في نظام الإنقاذ، وسيكون تسريح مليشيات حميدتي أحد أول القرارات الثورية، في معية قرار تسريح مليشيات الجيش في اليمن.
وكله في سياق التفكير في العلن، وبعلانية عملية التفكير ذاتها، في مساراتها الحاضرة.
(4) التوعية والتعلم عن حقيقة الجيش
توعية الشباب أقرانَهم ومجتمعاتهم المحلية بخطر الجيش، وبأن الجيش كان دائما، كمؤسسة، عدوا للشعب السوداني.
نعم، أدرك أن هذه العبارة قد تبدو غريبة لدى القراء، بسبب تغلغل الخرافات عن الجيش في الأدمغة. لكنها عبارة محتواها صحيحٌ، وهي مركوزة في الوقائع الموجودة في الأرشيف، وفيها الحقيقة المخفية، فخلال الثلاثين عاما الماضية كان الجيش هو المسؤول الأول، عبر ضباطه خيرة نخبة الحركة الإسلامية، عن تخطيط وتنفيذ الجرائم العالمية في منطقة النوبة، ودارفور، وجنوب السودان، وفي اليمن، وكذا في تثبيت نظام الإنقاذ.
وهذا هو معنى تكييف هذا الجيش عدوا للشعب، وإلا كان أهلنا في دارفور وفي منطقة النوبة، وفي جنوب السودان من غير الشعب، وإلا كانت عمليات الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية مجرد كلام خامل.
وليست هذه التوعية للشباب عن حقيقة الجيش من نوع شحن العقول بالمعلومات، بل هي عملية تَعلُّم الشباب كيفية التحقق بأنفسهم عن ماهية وضعية الجيش، وطبيعته، وتاريخه، وممارساته، ودوره في دعم الاستبداد، وماضيه الدموي الإجرامي، وما إذا كان حقيقة صديقا أم عدوا للشعب السوداني.
وعلى ضباط الجيش كذلك التفكر في هذا التكييف للجيش السوداني كعدو للشعب السوداني. وهو من نوع الخطاب الذي لن يتمكن الجيش من حظره بقانون أو بقرار، في زمان الحرية الآتي.
...
هنا فقط، بمثل هذا التفكر والتأمل والتقصي عن "حقيقة الجيش"، يستطيع الشباب الوصول إلى الحقيقة بأنفسهم، وفي ذلك يتحررون من الخرافات التي ظل يتم بثها عن الجيش، خاصة من قبل المثقفين كتاب السلطان، وكذلك حتى من ياسر عرمان (انظر بيان ياسر في 25 ديسمبر عن ترحيبه بانحياز الجيش للجماهير واستلام السلطة، "لتحقيق التغيير المنشود"!)
...
وليست مهمة تماما السيناريوهات التي فصَّلها د. الواثق كمير، فالمسألة لم تعد تحديد تقنيات كيفية "انتقال السلطة"، بل المهمة الأساس هي ملاقاة احتمالات وإمكانية "البداية الجديدة"، لإنشاء السودان، "من أول وجديد". وحسنا فعلت الإنقاذ أنها لم تسقط مباشرة، وفي تشبثها بالسلطة جعلت الإنقاذ الشباب أكثر راديكالية، لأنهم فهموا بصورة أكثر وضوحا وحشية الإسلاميين.
وفي ذلك تحديات سأعرض لها في مقال آخر، عن كيفية أنسنة هذا الإسلامي، وهو لم يترك لنا أي طريق إلا أن نكيفه في هذي وحشيته واغترابه عن ذاته كإنسان، وعن السودانيين، وعن العوالم من حوله.
كيف نُخلص هذا الإسلامي الغريب من غرابته وغربته، وقد أصابنا رهق عظيم من تكثر ملاقاة اهتراء أخلاقه وجشعه وقسوته؟
...

عشاري أحمد محمود خليل
ushari@outlook.com
سياتيل 27/1/2019

 

آراء