المليونية أبطلت الحوار…فهل يحاور فولكر الثوار؟

 


 

 

وقطعت جهيزة اللاءات الثلاث قول كل خطيب ساعٍ للهبوط الناعم عبر اجتماع بيت السفير، هكذا هي القوى الحزبية القديمة لا تتعلم ولا تنسى، بالأمس القريب كرّر الثوار اللاءات الثلاث مجدداً، وحذّروا القوى الانتهازية من مغبة الدخول في أي شكل من أشكال الحوار مع الانقلابين، ولكن كالعادة سدرت مركزية الحرية والتغيير في غيّها ولم تعبأ برغبة الشارع في استمرار التصعيد الرافض للشراكة والتفاوض والمساومة، حتى لا يتم منح الإنقلابيين شرعية سياسية لا يستحقونها، فالعسكر لحراسة الحدود وحماية الدستور، وليس جدير بأي رجل سياسة معاصر للقرن الواحد والعشرين أن يكل أمر الحكم للعسكريين، وهنا يُلاحظ ارتفاع مستوى الوعي السياسي لدى الثوار أكثر منه لدى من يطلقون على أنفسهم قادة (للقوى السياسية الحيّة)، فقراءة الشباب الثائر للمشهد السياسي وإيمانه بنفسه ومقدراته الذاتية، أكبر وأقوى من الثقة المهتزة التي يتظاهر بها السياسي الوصولي رئيس الحزب المُرجِّح لكفّة الدخول في الحوار المعلوم النتائج مع الانقلابيين، وعلى الرغم من التصريحات الجريئة لبعض رموز الحرية والتغيير المحاولة عكس صورة غير حقيقية، بتدبيج دعاية رخيصة تقول بأن تنسيقيات المقاومة متوافقة معها، إلّا أن غضبة الشارع تقول بغير ذلك، خاصة وأن عار مصافحة أيادي الإنقلابيين الملطخة بدماء الشهداء في بيت السفير مازال رطباً يصعب غسله بهذه السهولة.
يجب أن يخلع الشباب العباءات القديمة، ولابد لهم من أن يرسموا ملامح مشروعهم السياسي الطموح بنفسهم، بعيداً عن وصاية زعماء القوى التقليدية المتخاذلة، ذلك لأن مُجرِب المُجرَب لا يحصد ولا يجني سوى الندم وهدر الدماء، فهلّا انتفض الثوار وتماسكوا وتناسقوا وتكاتفوا وقادوا الحراك السياسي بتجردٍ وتفانٍ ساحبين البساط من تحت أقدام ديناصورات القوى القديمة، لا يجب أن ينصتوا لتلك الأصوات المنهزمة التي تشكك في مقدراتهم وتصور لهم الأمر وكأنه اكتشاف للذرة، ليس هنالك قوى أكبر من الطموح المشروع المسنود بسواعد الشباب المشرأب نحو بناء الوطن الحُلم، فالغالب الأعم من شيوخ وكهول القوى القديمة المتسيّدة للمشهد كانوا شباباً في مثل أعمار الجيل الراكب راس اليوم، بل سبقهم هذا الجيل الحاضر بسنين ضوئية ومسافات فرسخية بوعي وطني متقدم، وروح وثّابة مناطحة لجبروت الترسانة العسكرية بصدر رحب مكشوف، لابد من إمساك هؤلاء الشباب المتقدمين للصفوف بمقود سفينة الحكم الانتقالي المدني، ليضعوا لبنات مؤسسات الحكم المبرأة من أمراض الكبار، تلك الأمراض التي بالكاد تجد جرثومتها قد عاشت أوعشعشت في مجرى دماء هؤلاء الأبطال الصغار، أمراض الجهوية والعنصرية وعدم قبول الآخر الشريك الأصيل في الوطن والمواطنة، فالثورة على القديم ليست فقط ضرورة واجبة على ازاحة العسكر، وإنّما هي واجب ثوري لابد وأن يطال القوى القديمة.
إنّ معاول الهدم المستخدمة في هد بنيان الحكم المدني الذي وضع أساسه الأزهري ورفاقه الميامين، أمسك بها العسكريون بدعم لا محدود من بعض مدنيين ظلوا متوكأين على عصا المؤسسة العسكرية، منذ إنقلاب نوفمبر الذي جاء بعد عامين من الاستقلال، فالسؤال الفارض لنفسه بكل قوة هو: أين ذهب أولئك المدنيون الذين أسندوا ظهورهم إلى حديد دبابة العسكر منذ الإنقلاب الأول؟، الإجابة على هذا السؤال واضحة وصريحة وهي: إنّ رموز القوى السياسية الحالية الهابطة ناعماً والساعية للشراكة مع الإنقلابيين هم أنفسهم أحفاد أولئك المدنيين الأوائل، إنّهم ما يزالون يلعبون ذات الدور المتخاذل القديم المتجدد، وفي الواقع أنّهم مصاصي دماء، لن يتركوا نزواتهم غير المشروعة لمجرد أن الملايين هتفوا (لن يحكمنا العسكر)، سيظل هؤلاء الحلفاء التقليديون للعسكر يمارسون فقه (التقيّة) مع بنات وأبناء الوطن الشرفاء، فيتسامرون ليلاً مع العسكريين وإذا ما انبلج الصبح أظهروا بغضاً وكُرهاً للبزّة العسكرية في انتفاضة منافقة ممتدة منذ خمسين عاماً أو يزيد، فلابد وأن يعي الثوار الأحرار الخطورة الكبيرة الكامنة بين دهاليز هذا الحلف العسكر-مدني، على مستقبل مشروع بناء مؤسسات الحكم المدني الحقيقي المستدام، فالأرشيف السياسي مكتظ بالمراجع والوثائق المثبتة لحقيقة وجود هذا الحلف، فلا يحلمنّ أحد بانزال معاني الحرية والسلام والعدالة على أرض واقع البلاد أفعالاً تمشي على ساقين، إذا لم يتم تفكيك هذا الحلف الانتهازي القديم المتجدد والمتحوّر.

اسماعيل عبدالله
3 يوليو 2022
ismeel1@hotmail.com

 

آراء