الممكن والمستحيل في تكوين حكومة مؤقتة في زمن الحرب في السودان

 


 

 

سبتمبر 2023

الموضوع الاول: حكومة مؤقتة في زمن الحرب: الحوجة و التحديات
بعد إندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل 2023، راج مُقترح ينادي بضرورة تكوين حكومة طوارئ، تقوم بالمهام العاجلة و الهامة التي تهم المواطنين و اللآزمة لاستمرار الاعمال الحكومية الروتينية. و ذلك بعد ان تعطلت الخدمات العامة تماما، بما في ذلك خدمة الامن و السلامة، و الصحة و التعليم و المصارف و أغلقت الأسواق، و انقطعت حركة النقل و الاتصالات، و توقفت التجارة المحلية و تعطلت حركة الصادر. غابت مؤسسات الدولة، في العاصمة و في الولايات، و نزح الموظفين بعيداً عن مواقع عملهم فتعطلت المرافق العامة، و توقفت الخدمات العامة، و استبيحت حقوق و حريات المواطنين. في تلك الظروف، و بعد شهر من إندلاع الحرب، ظهرت الدعوة بتكوين حكومة طوارئ من منظمات المجتمع المدني والنشطاء السياسيين، و اخيراً أصبحت قيادة الجيش و القوى السياسية الداعمة للجيش تنادى بصوت عالي بعزمها تكوين (حكومة طوارئ).
حين لا تكون هناك سلطة تنفيذية كفؤة و قادرة على تقديم الخدمات العامة بما فيها خدمات الامن و التعليم و الصحة، ينحو التفكير السياسي بإتجاه البحث عن أفضل وسيلة دستورية تساعد في إنشاء سلطة تنفيذية، تملأ الفراغ الذي أحدثته الصراعات السياسية، و تسهم بصورة مؤقتة في الوفاء بمهام السلطة التنفيذية المؤقتة إلى حين أن تعود الاحوال الى الاوضاع الدستورية إلى حالتها المثالية. ظل السودان يعيش في مثل تلك الاستثنائية منذ مدة طويلة، و الان و بشكل أكثر إلحاحاً، بعد إندلاع الحرب في 15 إبريل 2023، بدأت منظمات المجتمع و المبادرات المدنية و السياسية في التفكير لايجاد بدائل لازمة غياب الهيئآت التنفيذية. بحسب دراسة تحليلية قام بها معهد أبحاث السلام بجامعة الخرطوم مع المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، لعدد خمسة عشر مبادرة مدنية لاحلال السلام و إصلاح النظام السياسي، توصلت الدراسة إن كل المبادرات تنادى بتكوين حكومة مؤقتة لمرحلة الحرب، محددة المدة و الاختصاصات، و خلصت الدراسة إلى إن 13 مبادرة نصت بصيغة واضحة على تكوين حكومة مؤقتة أو حكومة طوارئ أو حكومة أزمات. و من ذلك نستنتج أن المبادرات المجتمعية ترى ان هناك فراغاً في السلطة التنفيذية يستوجب معالجته بصورة عاجلة.
أن يحدث تحوير و تبدل في مهام الحكومة و في هيكلة الوزارات بسبب تبدل أولويات الحكومة في زمن الحرب، هو أمر رائج و طبيعي في سياق التبدلات السياسية التي تفرضها الحرب. أما ان تتكون حكومة جديدة من العدم، و بطاقم وزراء كامل أثناء سريان العمليات الحربية، يتطلب قدر من النقاش القانوني و السياسي المستوعب لظروف الحرب، و طبيعة العلاقات السياسية الناشئة في زمن الحرب، و كذلك طبيعة العلاقة بين المواطنين و الطبقة القابضة على مقاليد الحكم في اللحظة التاريخية التي تتم فيها مناقشة تكوين حكومة مؤقتة. و من ضمن النقاشات التي تثيرها مسألة تكوين سلطة تنفيذية في ظروف الحرب، هو الاساس الدستوري لعملية تشكيل الحكومة المؤقتة. مناقشة الاساس الدستوري في تكوين الحكومة المؤقتة، يستهدف ضمن موضوعات مهمةعديدة، البحث عن السلطة المخولة بتكوين تلك الحكومة و الجهات التي تخضع لها الحكومة بالمراقبة و المحاسبة بعد تكوينها. و تتأتى هذه الاهمية من أن تكوين حكومة إنتقالية في ظل ظروف الحرب و الانقسام السياسي، تعني تفويض مجموعة مجتمعية و سياسية بممارسة السلطة العامة، في الوقت الذي تتقاتل فيه المجموعات المتحاربة بأحدث الاسلحة من أجل ذات الهدف، فكيف يكون تكوين حكومة مؤقتة سهلاً في مثل هذه الظروف؟.
هناك مخاوف معقولة من أن تكون مساعي تكوين حكومة مؤقتة - مهما كان وصف تلك الحكومة، و مهما كانت إختصاصاتها محدودة – أن تكون سبباً في إتساع نطاق الاختلافات السياسية مما يوفر مبرراً إضافياً لاستمرار الحرب و لاتساع نطاقها.
في هذه الورقة نهدف الى مناقشة البدائل الدستورية التي تعالج مسألة الغياب الوظيفي للسلطة التنفيذية في فترة الحرب التي إندلعت في السودان في 15 أبريل. تقدم الورقة تحليلات سياسية و دستورية، و تستعرض الخيارات التي إنتجتها التجارب المماثلة، حتى تُعين المُهتمين من صناع القرارات العامة على المستوى المحلي و الدولي، و بحث إمكانية تطبيقها في السياق السياسي و الدستوري السوداني الراهن.
نناقش هنا بتركيز خاص على الخيارات الرائجة في حالة تكوين حكومة مؤقتة في الظروف السياسية الكتلازمة مع إندلاع الحرب و الاضطرابات الامنية و السياسية. نناقش هنا نماذج و خيارات الحكومات المؤقتة:
- حكومة الطوارئ.
- حكومة الانقاذ الوطني (او حكومة الوفاق الوطني).
- حكومة تصريف الاعمال.
- حكومة المنفى.
- حكومة الظل.
- الحكومة التي تتكون بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.

أن تشكيل حكومة مؤقتة بأي إسم ممكن، في ظروف الحرب التي تدور رحاها الان في السودان، يتطلب الوضع في الاعتبار عدد من المحددات الدستورية و السياسية التي تغل حرية الهيئآت العليا في الدولة في تكوين حكومة مؤقتة. من بين تلك المحددات، الظروف السياسية و الامنية، و غياب الإطار الدستوري بسبب أن بعض أحكام الوثيقة الدستورية كان قد تم تعطيلها منذ 25 إكتوبر 2021، بجانب المحددات التي حددتها إتفاقية جوبا التي تم توقيعها في 3 إكتوبر 2020، و التي تم فيها تحديد آليات جديدة لاقتسام السلطة في الفترة الانتقالية، و التي حددت نسبة 25% من المناصب الدستورية في السلطة الانتقالية للحركات المسلحة الموقعة على إتفاق جوبا للسلام.
تستعرض الورقة في هذا الفصل الاطار التشريعي و السياسي الذي يحكم عمليات تكوين السلطات الانتقالية في السودان. و التي منها نستخلص الفرص المتاحة لتكوين حكومة مؤقتة في السودان خلال فترة الحرب، و البحث في مدى تطابق نموذج من نماذج الحكومات المؤقتة على الحالة السودانية.
الموضوع الثاني: المحددات السياسية و القانونية المتصلة بتكوين حكومة مؤقتة في ظروف الحرب الراهنة:
نناقش هنا الاطار السياسي و القانوني الذي يحكم تشكيل الحكومة المؤقتة في السودان في ظروف الحرب في السودان، و بعد ذلك نناقش الاطار القانوني و الدستوري، ثم ننتقل لمناقشة الخيارات المتاحة، لمعرفة أي الخيارات هي القابلة للتطبيق في السودان. و ذلك وفق التفصيل ادناه:
(1) الانقسام السياسي و الاجتماعي بعد إنقلاب 25 إكتوبر 2021
إشتعلت الحرب في الخرطوم في الرابع عشر من أبريل، بين شركاء الحكم، بين رئيس مجلس السيادة و نائبه، و بتوصيف آخر، بين القائد العام لقوات المسلحة، و القائد العام لقوات الدعم السريع. كان لتشابك العلاقات المؤسسية بين القوات المسلحة و قوات الدعم السريع و الحكومة الانتقالية، في الفترة الانتقالية، و خلال الفترة السابقة لانطلاقة العمليات الحربية، أثره الكبير في أداء و فعالية السلطة التنفيذية الموجودة لحظة اندلاع الحرب. كانت السلطة التنفيذية بعد الاطاحة بحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، منقسمة الولاء و الانتماءات، بين ثلاث فئآت رئيسية داخل تحالف الطبقة الحاكمة وقتها:
- الفئة الاولى، الموالين للفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة و القائد العام لقوات الشعب المسلحة.
- الفئة الثانية، تتكون من الموالين للفريق محمد حمدان دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة، القائد العام لقوات الدعم السريع.
- الفئة الثالثة، و تتكون من منسوبي الحركات المسلحة الموقعة على إتفاقية جوبا للسلام، و الذين لهم بموجب الاتفاقية 25 من المناصب الرئيسية في المؤسسات الانتقالية.
هذا التباين في الولاءات و الانتماءات السياسية، كان له الاثر الواضح في ضعف مستوى الاداء الحكومي قبل اندلاع الحرب. ظهر ذلك الضعف بشكل واضح بعد إندلاع الحرب في 15 إبريل، بظهور الانقسامات في السلطة التنفيذية و غياب الرقابة الادارية و الاشراف المؤسسي. ظهرت آثار ذلك الانقسام بصورة مباشرة على مؤسسات الدولة كلها، كما هو متوقع في ظروف الحرب. و تجلى ذلك الانقسام، بدءاً من مجلس السيادة، مروراً بمؤسسات القطاع الامني، و إنتهاءاً بقطاع الخدمات العامة، و إتسع نطاق الانشقاقات لتشمل الاحزاب السياسية و مؤسسات المجتمع بما في ذلك الزعامات القبلية و العشائرية و الزعامات الروحية. هذا الواقع يجعل من غير اليسير خلق توافق سياسي حول تكوين حكومة مؤقتة للسودان في ظل ظروف الحرب و انتشار العنف. و ما يعنينا هنا، هو الانقسام العمودي الذي اصاب مؤسسات الحكم الانتقالي، و بصورة دقيقة، الانقسام و الشلل الذي اصاب السلطة التنفيذية، مما إستدعى التفكير بصورة عاجلة في سد الفراغ في السلطة التنفيذية.
و بالاشارة للفئة الثالثة ( الحركات المسلحة الموقعة على إتفاقية جوبا) التي تشارك في حكومة الامر الواقع، بعد الإنقلاب على الحكومة الانتقالية بقيادة الدكتور عبد الله حمدوك. هذه المجموعة ظلت تشارك في مؤسسات الحكم، على مستوى السلطة التنفيذية و مجلس السيادة، و ظلت تحتل مواقع داخل مؤسسات الحكم رغم إنهيار الحكومة الانتقالية و تجميد أهم أحكام الدستور الانتقالي، و ظل الامر كذلك بعد إندلاع الحرب وتفكك الدولة. الإفتراض الذي يمكن إستنتاجه من إصرارهم على الإستمرارفي مؤسسات الحكم الانتقالي، رغم تبدل الظروف السياسية و الدستورية في البلاد، هو أن تلك الفئة قد حصلت على مكتسبات سياسية لحركاتها بموجب إتفاقية جوبا، و أنها تريد أن تحتفظ بتلك المكتسبات التي تحصلت عليها بموجب إتفاقية جوبا، حتى بعد إنتهاء الحرب. و بالتالي يطل هنا سؤال مهم يتعلق بموقع تلك الحركات المسلحة في أي حكومة او ترتيبات سياسية جديدة موقتة. و ما هو موقع إتفاقية جوبا كإطار تشريعي يحظى بالاعتراف و الفاعلية حتى الان؟.
أما قوى إعلان الحرية و التغيير، و التي كانت تشارك في الحكومة الانتقالية قبل إنقلاب 25 إكتوبر فقد تم إستبعادها نهائياً من الحكم. ظلت قوى إعلان الحرية و التغيير طيلة الفترة التالية للانقلاب، تعمل على ممارسة الضغط السياسي على المجموعة القائدة للانقلاب باتجاه العودة إلى مسار التحول الديمقراطي، و إنتاج بدائل سياسية و دستورية لاستعادة الانتقال الديمقراطي في السودان.
ضرورة التوافق الوطني كمدخل لانشاء حكومة مؤقتة:
إن الظروف التي خلفتها حرب 15 إبريل في السودان جعلت من الصعب على المواطنين الوصول الى مناطق و مواقع تمركز الخدمات العامة. و تلك المحددات المتصلة بحرية الحركة للافراد، تنطبق كذلك على الموظفين العموميين الذي عليهم الوصول إلى مواقع عملهم في المرافق العامة لتقديم الخدمات للمواطنين. من ذلك نستخلص أن المحددات الخاصة بحرية الحركة و التنقل سيكون لها أثر واضح على أداء الحكومة المرتقبة. و بالتالي سيكون حكومة مؤقتة مدنية فعالة و قادرة على التواصل اليومي مع المواطنين من غير توافق واسع الاطراف، سيكون أمراً عسيراً. من غير المتصور أن تقوم الحكومة بتسيير المرفق العام بدون انجاز إتفاق خاص بالترتيبات الامنية، و إتفاق آخر خاص بالتوافق السياسي حول ادارة المرحلة الانتقالية. إن الاتفاق السياسي يقوم مقام الإطار القانوني الذي يجب أن يتضمن: إنجاز توافق وطني حول الموضوعات و الاجراءات الانتقالية، و يؤسس لترتيبات أمنية و إتفاق لوقف اطلاق النار، و يضع التصور النهائي لشكل الحكم و مؤسسات الحكم و أساليب الرقابة . مثل تلك التدابير تم إعتمادها في اتفاقيات السلام مع الحركات المسلحة، بما فيها إتفاقية جوبا للسلام في السودان 2021 و كذلك في الاتفاق السياسي بين المجلس العسكري الانتقالي و قوى إعلان الحرية و التغيير في عام 2019.

(2) المحددات القانونية و الدستورية:
في هذا الجانب من الضروري البحث عن المرجعية القانونية التي يجب توفرها عند الشروع في وضع قرار بتكوين حكومة مؤقتة. و في ذلك من المهم معرفة عدد من المحددات القانونية، أولاً، هل هناك نص دستوري ينظم عملية تكوين حكومة مؤقتة، و يحدد إجراءاتها. و من هي السلطة التي لها الحق في تكوين الحكومة الانتقالية، و كيفية تحديد النطاق الموضوعي لإختصاصات الحكومة المؤقتة و نطاقها الزمني. و عند تكوين الحكومة المؤقتة، ما هي السلطة التي تراقب أداء الحكومة المؤقتة. أن تلك الاحكام ضرورية جداً لتأكيد مشروعية القرارات التي تصدر بخصوص تكوين الحكومة المؤقتة. و من تلك الاحكام الدستورية تكتسب الحكومة المؤقتة شرعية لوجودها و تصرفاتها.
الوثيقة الدستورية لسنة 2019:
تم تعطيل أحكام الوثيقة الدستورية 2019 المتصلة بتاسيس مؤسسات الحكم في إنقلاب 25 إكتوبر 2021، فلم تعد هناك نصوص دستورية فعالة يمكن الاستناد اليها كمرجعية قانونية عند تكوين أي حكومة مؤقتة. كما لا يوجد قانون خاص بتكوين واحدة من نماذج الحكومات المؤقتة التي ناقشناها في وقت سابق في هذه الورقة. و بخلاف واقعة الانقلاب الذي عطل أحكام الوثيقة الدستورية، ان الوثيقة الدستورية نفسها لم تكن تحتوي على أحكام تفصيلية خاصة بتكوين حكومة مؤقتة في زمن الحروب و الازمات السياسية.
الاطلاع على التاريخ الدستوري و شروحات الفقهاء الدستوريين في السودان لا تسعف دارسي القانون الدستوري على أيجاد مرجعية قانونية تنظم مسألة توزيع السلطات في فترة الغاء الدستور او الانقلاب عليه. خلال السنوات الماضية من تاريخ السودان، تمت الإطاحة بحكومات عديد بواسطة ثورات عنيفة، أو انقلابات، أو أشكال أخرى من الاضطرابات. لقد ظل السودان لفترة طويلة جداً غير مستقر بسبب سؤ إدارة الاختلافات العرقية أو الدينية أو السياسية أو الاقتصادية. و الانقلاب على نظام الحكم القائم يبطل الدستور فعليًا، ولا يمكن لحكومة جديدة أن تتواجد بشكل قانوني ضمن إطار دستوري طالما إنها وصلت إلى السلطة عبر انتهاك مباشر للدستورالقائم. و وفق ذلك كان من المتوقع ان تعالج الدساتير السودانية تلك المعضلة السياسية، إذا كانت تريد لنظامها السياسي الاستقرار.

إتفاقية جوبا للسلام:
في 3 أكتوبر 2020 وقعت الحكومة الانتقالية في السودان "اتفاق جوبا لسلام السودان" ً مع ممثلون عن عدد من المجموعات المسلحة و التي يطلق عليها أيضاً إسم "أطراف العملية السلمية". و تكمن اهمية هذه الاتفاقية في سياق نقاشنا لتكوين حكومة مؤقتة في ظروف الحرب الراهنة، أن الاتفاقية تنظم عملية إقتسام السلطة في الفترة الانتقالية و خلال فترة سريان إتفاقية السلام.
و عدلت إتفاقية جوبا للسلام الوثيقة الدستورية لسنة 2019، و أسست دولة فيدرالية غير متكافئة في السودان. إذ سيمارس إقليم دارفور مجموعة من الصلاحيات الدستورية، تختلف عن الصلاحيات التي قررتها الاتفاقية للنيل الازرق و كردفان، و ليس من الواضح ما هي الصلاحيات التي ستمارسها بقية الاقاليم الفيدرالية. بجانب ذلك يغفل الاتفاق قضايا مهمة مثل تكوين الحكومة الوطنية، و الهيكلة الداخلية لحكومات الولايات.
تنص المادة 5.1 من اتفاق القضايا القومية على أن تمثل "أطراف العملية السلمية" في مجلس الوزراء بخمسة وزارات أي %25 من مجلس الوزراء. و تنص المادة 6.1 من اتفاق القضايا القومية على منح "أطراف العملية السلمية" %25 من مقاعد المجلس التشريعي الانتقالي أي 75 مقعدا.
وتنص المادتين 51.2 و 51.4 من اتفاق النيل الازرق وكردفان على أن المؤسسات القومية، كالمحكمة الدستورية ً القومية والمجلس الاعلى للنيابة العامة، يجب أن تضم أعضاء من الولايات أيضا، مع النص على أن تعيينهم يكون "وفق معايير الكفاءة والمهنية. وتنص المادة15 من اتفاق جبهة الشرق على أن تعمل الحكومة الاتحادية على ضمان تمثيل "أبناء وبنات" شرق السودان بنسبة %14 في كافة وظائف الخدمة المدنية.
من الصعب تكوين حكومة مؤقتة مستقلة في السودان في ظل ظروف الحرب، بدون تحديد موقف مسبق حول مدى قابلية او عدم قابلية تطبيق أحكام إتفاقية جوبا للسلام. و من سخرية الأقدار، إن السلطة التي وقعت على إتفاقية سلام جوبا قد إنهارت بانقلاب 25 إكتوبر 2021، و بالاطاحة بالحكومة الانتقالية و الغاء الدستور، وإن المسؤول الحكومي الذي وقع بالنيابة عن الحكومة المركزية قد شن حرباً على الجيش القومي، بما يدلل أن كل معطيات العملية السياسية التي كانت تقوم عليها الحكومة الانتقالية قد تبدلت تماماً، و مازال الموقعون على إتفاقية جوبا من الحركات المسلحة يريدونها ان تكون قائمة دون تغيير أو تعديل. هل سيساعد ذلك في تكوين حكومة متفق عليها و نزيهة و محايدة في ظل الظروف الحالية؟ – سؤال كبير يحتاج إجابة موضوعية!.
1- نظرية الظروف الاستثنائية :
حيث ان نظرية الظروف الاستثنائية تعد استثناءاً او قيداً يرد على مبدأ المشروعية والنتائج المترتبة عليها، و تستمد نظرية الظروف الاستثنائية مدلولها أن أمن و سلامة الامة أهم من حريات الافراد. في حالة الضرورة تتخذ السلطة التنفيذية بعض القرارات الاستثنائية والتي تكون مشوبة بعيب الاختصاص الذي يتجسد في ممارسة السلطة التنفيذية لمهام و إختصاصات تشريعية، او تقوم بأداء أعمال مشوبة بعيب مخالفة القانون حيث تعد مثل هذه القرارات (إنحراف بالسلطةAbus of Power ) عن أهدافها المحددة في الدستور. و برغم مخالفتها القواعد العامة التي تحكم تصرفات السلطات العامة في الظروف العادية، إلا إن الدستور يجيزها في الظروف الاستثنائية متى كانت لازماً لحماية البلاد من خطر داهم و كانت التصرفات ضرورية و متناسبة مع حجم و نوع الضرر المتوقع .
للظروف الاستثنائية تأثير واضح على تطبيق أحكام الدستور، و كذلك تأثيرعلى الوضع السياسي في الدولة. حيث يتبين لنا مما سبق ان السلطة التنفيذية وعند قيامها بالاجراءات واتخاذها القرارات اللازمة لمواجهة الظروف الاستثنائية، تتجاوز الاختصاص الممنوح لها في الدستور و تمارس سلطات ليست من إختصاصاها. بعض الدساتير عادة ما تخول السلطة التنفيذية، ممارسة سلطات خارج إختصاصها سلطة بهدف حفظ النظام العـام وضـمان سـير المرافق العامة بانتظام و إطراد. ورغم أن مجلس الدولة الفرنسي قد اعتبـر ان مقتضيات هذه المشروعية للظروف الإستثنائية تتجلى في سلطات الحرب. إلا أن سلطات الحرب ليست سوى أحد مظـاهر التطبيق للنظرية العامة للظروف الإستثنائية و التي تتضمن كل ظرف طارئ و شاذ، و هي بذلك، تشمل ظروف الحرب، إلا أنها تعتبر أوسع نطاقاً من نظرية سلطات الحرب. و بالتالي نظرية الظروف الاستثنائية التي تطبقها الدولة في حالة تعرضها إلى ظروف غير اعتيادية لتامين انتظام المرافق العامة، تبرر إنتاج حكومة مؤقتة لادارة الازمة لحين استقرار الاوضاع السياسية و الامنية في البلاد. و تطبيق نظرية الظروف الاستثنائية لا يعفى الحكومة من المراقبة، فعلى الادارة تفعيل نظم الرقابة المختلفة لضمان التزام الإدارة بأحكام المشروعية و عدم الاستبداد و التعسف في استخدام الظروف الاستثنائية.
لم تنص الوثيقة الدستورية لعام 2019 في السودان على مادة منفصلة للظروف الاستثنائية. نصت المادة 41 من الوثيقة الدستورية على الظروف الاستثنائية كجزء من حالة الطوارئ، و التي تتمظهر في الخطر على سلامة و وحدة البلاد و المواطنين، و التي تقتضي إجراء و تدابير بواسطة مجلس الوزراء قد تتضمن تعليق العمل ببعض الحريات الواردة في الوثيقة الدستورية بعد التشاور مع مجلس السيادة. و المادة 41 مادة ضعيفة و غير منضبطة و لا تعمل بفعالية على حماية الدستور. و الحال على عكس ذلك في الدستور المصري لعام 1971 الذي أعطى الظروف الاستثنائية الكثير من الاهتمام بالمزيد من النصوص التفصيلية و التي تضمن عدم اللجوء الى الظروف الاستثنائية كمبرر لتصرفات الحكومة إلا بعد تحقيق توافق واسع حولها. تتخذ التدابير الاستثنائية بقرار من رئيس الجمهورية و بعد التشاور مع مجلس الوزراء و مجلس الشورى و إجراء إستفتاء شعبي بعد شهرين من إعلان تطبيق الاجراءات الاستثنائية.
الموضوع الثالث: خيارات تكوين حكومة مؤقتة في السودان في زمن الحرب
في هذا الجانب من هذه الورقة، نبحث في الخيارات الممكنة لتكوين حكومة مؤقتة، في ظروف الحروب و الاضطرابات السياسية، التي إستخدمتها التجارب الدستورية في البلدان المختلفة، أو حتى تلك التي تم إستخدامها في السودان في وقت سابق. و يشمل البحث في تلك الخيارات، دراسة الشروط الدستورية، و الظروف السياسية التي تستدعي تكوين الحكومة المؤقتة، مع إستعراض مختصر للتجارب التي إستخدمت النموذج قيد الدراسة. فيما يلي، نبحث النماذج التالية: حكومة الطوارئ، و حكومة الانقاذ الوطني او حكومة الوفاق الوطني، و حكومة تصريف الاعمال، و حكومة المنفى، و حكومة الظل، و الحكومة التي تتكون بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة. نستعرض مفهوم كل نموذج من نماذج تكوين الحكومة و 1بعد ذلك نقدم ملخص خاص بمدى إمكانية تطبيق النموذج موضوع التحليل على الحالة السودانية، و ذلك وفق التفصيل أدناه:
أولا: حكومة الطوارئ The Government of Emergency :
في أحوال متباينة، تتعرض الحكومة في النظم البرلمانية و الرئاسية الى الحل بواسطة السلطة ذات الاختصاص، و في ذلك قد يتم حل الحكومة أما بواسطة البرلمان كما في ظل النظام البرلماني، أو بواسطة رئيس الدولة كما في حالة النظام الرئاسي. و في هذا الصدد تسعى السلطة ذات الاختصاص في تكوين حكومة طوارئ للقيام بالمهام العجالة إلى حين تكوين حكومة وفق الاجراءات الدستورية المعهودة. و تتعدد اسباب حل الحكومة، كما تتعدد أسباب تكوين حكومة الطوارئ.
الثابت ان الظرف الطارئ هو مناط تكوين حكومة الطوارئ. في خضم الظروف الاستثنائية التي واجهتها الدول في العالم، بما في ذلك ظروف الحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة، طورت مجموعة من الخبراء، والمسؤولين العاملين في مكاتب حكومية مرتبطة بمراكز صنع القرارات في المستويات العليا للدولة، فهمًا جديدًا للأمة باعتبارها مجموعة معقدة من الأنظمة الحيوية والهشة و التي بسبب عدم فعالية إدارتها قد تقود إلى إنهيار الدولة أو زولها. لذا عكفوا على اختراع الأجهزة التقنية والإدارية للتخفيف من ضعف الأمة ، ونظموا شكلاً مميزًا من حكومة الطوارئ التي من شأنها أن تجعل من الممكن الاستعداد لاي ظروف طارئة، و يمكنهم من إدارة الدولة في ظل الأحداث الكارثية المحتملة. و بالتالي كانت (حكومة الطوارئ) مفهوم تم توليفه بواسطة مراكز صناعة القرارات في الدولة لمواجهة ظروف ضعف الدولة من الداخل و حمايتها من الانهيار.
إن مصطلح "حكومة الطوارئ"، ملتبس و غير واضح و يتداخل مع تعريفات أخرى. وفي السياق السوداني الحالي، تم تداول مصطلح "حكومة الطوارئ" بمعنى تكوين سلطة تنفيذية مؤقتة لمواجهة الظروف الإستثنائية. تلجأ الحكومات في ظروف الكوارث الطبيعية و الحروب، إلى تغيير أهدافها و برامجها، و تكتفي بحصر وظائفها في مواجهة الظروف الطارئة، و بالتالي يتم تغيير اسم الحكومة الى اسم حكومة الطوارئ، لكونها تتولى مهام الطوارئ بشكل اساسي، لذا يطلق عليها أحياناً "حكومة الازمات". و في هذه الحالة قد تصدر قوانين و تدابير مؤقتة تساعد حكومة الطوارئ في القيام بمهامها.
مسالة حل الحكومة القائمة، كلياً او جزئياً، و تكوين حكومة طوارئ، هي مسألة دستورية يكون من السهل مباشرتها و مراقبتها في حالة وجود نصوص دستورية واضحة، و بخلاف ذلك تكون الاجراءات تفتقر الى الاسناد الدستوري. هذا الافتراض يحتم وجود حكومة بالفعل عند حدوث حالة الطوارئ . يتم تكليف حكومة الطوارئ بواسطة سلطة سيادية للقيام بمهام المرحلة الطارئة، و أحياناً يتم تكليف وزراء و وكلاء بالوزارات للقيام بمهام حكومة الطوارئ.
لا نجد في الدساتير السودانية نص واضح و صريح عن تكوين حكومة طوارئ في زمن الحروب و الازمات. و على الرغم من ذلك يسهل الاستنتاج إنه في زمن الازمات تقرر الدساتير السودانية تدابير حكومية لمواجة الظروف الطارئة. نصت الفقرة (ب) من المادة 211 من دستور السودان عام 2005 على انه يجوز لرئيس الجمهورية، بموافقة النائب الأول، أثناء سريان حالة الطوارئ أن يتخذ بموجب القانون أو الأمر الاستثنائي، أية تدابير لا تقيد، أو تلغي جزئياً، أو تحد من آثار مفعول أحكام الدستور واتفاقية السلام. و لكن يجوز له، ضمن أمور أخرى، أن يقوم بـ "حل أو تعليق أي من أجهزة الولايات، أو تعليق أي سلطات ممنوحة للولايات بموجب هذا الدستور، ويتولى رئيس الجمهورية بموافقة النائب الأول، (تصريف مهام تلك الأجهزة)، ويمارس السلطات أو يقرر الطريقة التي يتم بها تدبير شئون الولاية المعنية". و من هذا النص نفهم ان لرئيس الجمهورية سلطة قيادة حكومة تصريف أعمال، أثناء فترة الطوارئ. و على العكس من ذلك، نصت المادة 41 من الوثيقة الدستورية لسنة 2019 على سلطة مجلس الوزراء في إعلان حالة الطوارئ في البلاد. و قررت المادة على إنه "و في حالة وصول الحالة الاستثنائية درجة تهدد سلامة الامة، يجوز لمجلس الوزراء بالتشاور مع مجلس السيادة، تعليق جزء من وثيقة الحقوق الواردة في هذه الدستور". أجازت الوثيقة الدستورية لسنة 2019 تعليق جزء من وثيقة الحقوق، و لكنها لم تتطرق الى تعليق الاحكام الدستورية المنظمة لعمل المؤسسات الدستورية. و من ذلك، نجد أن المادة لم تمنح بصورة واضحة رئيس الوزراء سلطة تكوين حكومة طوارئ و لا حكومة تصريف الاعمال.
و ملخص ما جاء في أعلاه، أنه لا توجد في الدستور السوداني أي إشارة لا من قريب أو من بعيد إلى حكومة طوارئ وإنما تحدث الدستور عن حالة الطوارئ كما بينا في أعلاه. و قد يذهب بعض شُراح القانون الدستوري إلى ان الحكومة التي تقوم بالمهام الاستثنائية و الطارئة تكون وفق المعني السياقي، هي حكومة طوارئ.
هل يصلح تطبيق خيار حكومة طوارئ في السودان؟:
في الظروف السياسية الراهنة، و مع إستمرار الحرب، و مع غياب الاطار الدستوري المنظم لعملية تكوين حكومة طوارئ مدنية، سيكون من الصعب إنشاء حكومة مدنية فعالة و كفؤة و قادرة على مقابلة إلتزامات الدولة في تقديم الخدمات العامة كما ينادي بذلك بعض أصحاب المبادرات المدنية لايقاف الحرب و إستعادة المسار الديمقراطي في السودان. و في فصل لاحق من هذه الدراسة سنتطرق للمحددات الدستورية و السياسية و الامنية التي تقف حائلا دون تكوين حكومة مدنية تتولى مهام السلطة التنفيذية في زمن الحرب الراهنة في السودان. قد يرشدنا القياس و تفسير العرف الدستوري، إلى أن تقوم سلطة الامر الواقع، و رئيس مجلس السيادة فيها، بتكوين حكومة طوارئ تُعينة في إدارة مؤسسات الدولة أثناء الحرب، تعمل على تحشيد الارادات و الموارد و المواطنين من اجل تحقيق أهداف الحرب. و بالتالي، لا تحقق الغرض الذي نادت فيه المؤسسات المجتمعية في مبادراتها بتكوين حكومة طوارئ من كفاءات وطنية مستقلة عن الاطراف المنخرطة في الحرب تقوم بادارة المرافق الحكومية و تقدم الخدمات العامة.
ثانياً: حكومة تصريف الاعمال‘Caretaker Government’ :
(حكومة تصريف الأعمال) أو (حكومة تسيير الأعمال) هي حكومة مؤقتة ناقصة الصلاحية لأغراض تصريف أعمال الحكومة خلال فترة زمنية قصيرة. تنحصر مهام حكومة تصريف الاعمال في ملء الفراغ التنفيذي في الدولة، الناجم عن حل الحكومة او سحب الثقة منها بواسطة البرلمان. في بعض الأوقات قد تتأسس حكومة تصريف الاعمال خلال مرحلة لاحقة للانتخابات و سابقة لتكوين الحكومة عبر البرلمان، أو أي ظرف طاريء أخر حال دون تكوين حكومة جديدة، أو تاخرتكوينها. و مهام حكومة تصريف الاعمال تنحصر في المحافظة على استمرار العمل الروتيني للحكومة و تصريف اعمالها لا سيما الجانب المتصل منه بالخدمات العامة. ولا يحق لحكومة تصريف الاعمال البت في الامور السياسية او إجراء تصرفات دستورية حساسة. و نجد تطبيق تجارب حكومة تصريف الاعمال بشكل واضح في النظم الدستورية التي تتبع نظام الحكم النيابي البرلماني. و لتمييز حكومة تصريف الاعمال عن الحكومات المؤقتة الاخرى، تصف عبارة "حكومة تصريف الاعمال" الحكومة التي تقوم بمهام مقيدة موضوعياً و زمانياً. و بحسب تجربة المملكة المتحدة تتشكل حكومة تصريف بسبب تأجيل إنعقاد الانتخابات او تأجيل إعلان نتائجها، او لان الحكومة قد تم حلها بسبب سحب الثقة بواسطة مجلس العموم. و تم تنظيم قواعد إنشاء و عمل حكومة تصريف الاعمال في المملكة المتحدة حديثاً في عام 2011 بتضمينها في دليل اعمال مجلس الوزراء. و حسب النظام البريطاني "حكومة تصريف الأعمال" حكومة مؤقتة زمانيا، و محددة من حيث الاختصاصات. و قد شهدت لبنان تجربة واضحة لتكوين حكومة تصريف الاعمال، خلال الفترة السابقة..
ضمان استمرارية المرفق العام، هو المبرر لتكوين حكومة تصريف الاعمال في الظروف الاستثنائية. و ضمان إستمرار المرفق العام تقتضيها حقوق المواطنين و المصلحة العامة. من المهم أن يتحسب واضعو الدستور منذ البداية لضرورة وضع أحكام دستورية تسد الفراغ المحتمل في السلطة التنفيذية. فقد نص الدستور اللبناني على انه في حالة استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة، تستمر في تصريف الاعمال، ريثما يتم إنتخاب أو تشكيل حكومة جديدة خلال مدة زمنية محددة. نص الدستور اللبناني على ان الوزارات تكتفي فقط بالنشاط والذي يدخل في مفهوم تسيير الشؤون الضرورية ذات الصلة بالمصلحة العامة، دون اتخاذ قرارات من شأنها تحميل الحكومة مسؤولية سياسية. و تتكون حكومة تصريف الاعمال بموجب الدستور اللبناني من نفس الوزراء الذين انتهت مدة خدمتهم بحل الحكومة او بسحب الثقة، بحيث يتم تكليفهم بالاستمرار في تقديم الخدمات الإدارية اليومية و الروتينية لمدة قصيرة قد تصل الى شهر واحد او شهرين الى حين تكوين حكومة جديدة.
و لا نجد في الدساتير السودانية نصوص واضحة خاصة بتكوين حكومة تصريف الاعمال. نصت المادة 38 من دستور السودان لسنة 1964 على تعريف مختصر و بسيط لمصطلح تصريف اعمال الحكومة، بالقول أن أعمال الحكومة هي كل عمل تنفيذي لحكومة السودان . يصدر مجلس الوزراء قواعد لتصريف أعمال حكومة السودان بأيسر السبل ولتوزيع هذه الأعمال بين الوزراء. و كان دستور 2005 قد تحدث في مادته 2011 الفقرة (ب) عن تصريف اعمال الاجهزة الحكومية خلال فترة حالة إعلان حالة الطوارئ بالنص على انه يجوز لرئيس الجمهورية، بموافقة النائب الأول، أثناء سريان حالة الطوارئ أن يتخذ بموجب القانون أو الأمر الاستثنائي، أية تدابير لا تقيد، أو تلغي جزئياً، أو تحد من آثار مفعول أحكام الدستور واتفاقية السلام. و لكن يجوز له، ضمن أمور أخرى، أن يقوم بـ "حل أو تعليق أي من أجهزة الولايات، أو تعليق أي سلطات ممنوحة للولايات بموجب هذا الدستور، ويتولى رئيس الجمهورية بموافقة النائب الأول، (تصريف مهام تلك الأجهزة)، ويمارس السلطات أو يقرر الطريقة التي يتم بها تدبير شئون الولاية المعنية".
مع غياب النص الدستوري، لا نجد في التجربة الدستورية السودانية ممارسة واضحة لحكومة تصريف الاعمال كما أن الفقه الدستوري السوداني لم يقدم إية مساهمة يمكن الاطلاع عليها بهذا الخصوص. و لكن من خلال الوقائع قد نجد حكومات قد أنشئت لسد فراغ في السلطة التنفيذية و للقيام بمهامها على نحو طارئ. من بين ذلك ان يتم تكليف وكلاء الوزارات بالقيام بمهام الوزراء الى حين تشكيل حكومة، و هذا ما تم تطبيقه بعد عودة دكتور عبد الله حمدوك للحكومة الانتقالية بعد انقلاب 25 إكتوبر بعد توقيع الاتفاق السياسي بين قيادات الجيش و الدعم السريع مع رئيس الوزراء المعزول في نوفمبر2021 لاستمرار الفترة الانتقالية و إلغاء التدابير العرفية التي اتخذها قائد الجيش. و كان رئيس الوزراء قد كلف وكلاء الوزارات لتصريف اعمال الحكومة إلى حين تكوين الحكومة بتعيين وزراء جدد، و لكن الوثيقة الدستورية لسنة 2019 لا تنص على أحكام خاصة بتكوين حكومة تصريف الاعمال.
بحسب التجربة في المحيط العربي، نجد انه تجنّباً للأخطار والمحاذير التي تنشأ عن الفراغ في السلطة التنفيذية، جرى العرف الدستوريّ على أن يكلّف رئيس الجمهورية الوزارة المستقيلة بالبقاء في الحكم إلى أن تتألف الوزارة الجديدة، ويحدّد نطاق أعمالها بما يسمى “تصريف الأعمال العادية”. وقد أصبح هذا العرف مبدأ أصيلاً من مبادئ القانون العام واجب التطبيق في حالات فقدان الوزارة كيانها الحكوميّ المشروع، ومن بينها حالة الإستقالة. من التجارب الحديثة في ذلك، تجربة حكومة تصريف الاعمال في لبنان في عام 2022 بعد استقالة حكومة ميشيل عون. و تجربة حكومة تصريف الاعمال في العراق في نفس العام 2022 التي كان يقودها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
و أحدث تجربة لحكومة تصريف الاعمال كانت في باكستان في هذا العام 2023. وبموجب الدستور الباكستاني، بعد انتهاء فترة الحكومة أو حلها، يتم تشكيل حكومة تصريف أعمال بالتشاور مع رئيس الوزراء المنتهية ولايته وزعيم المعارضة. وكان في منتصف شهر أغسطس قد أدى أنور الحق كاكار، عضو مجلس الشيوخ السابق عن إقليم بلوخستان، اليمين الدستورية كرئيس لحكومة تصريف الأعمال التي ستشرف على الانتخابات البرلمانية المقررة دستوريا في غضون 90 يوما.
مهام حكومة تصريف الاعمال:
مهام حكومة تصريف الاعمال قد تكون محدد في الدستور – او في لائحة تنظيم اعمال مجلس الوزراء كما في حالة المملكة المتحدة، و قد يتم تحديدها بواسطة البرلمان كما هو الحال في هولندا. و لانها ترتيبات مؤقتة – لا يجوز ان تتضمن مهام حكومة تصريف الاعمال أي مهام ذات طابع استراتيجي. لذا دائما ما تتلخص مهام حكومة تصريف الاعمال في الاعمال الإدارية و التنظيمية و الروتينية و لا تتعداها الى رسم السياسات المستقبلية الجديدة. ليس من حقّ حكومة تصريف الاعمال اقتراح القوانين، أو عقد القروض أو التعيين في المناصب العليا للدولة، أو الإعفاء منها، أو إعادة هيكلة الوزارات.
من المهم جداً ان ينص الدستور على إجراءات تكوين حكومة تصريف الاعمال، و على مهامها، و مدة إستمراريتها. و بموجب النصوص الدستورية المنشأة تكون حكومة تصريف الاعمال ناتجة عن تفويض من سلطة شرعية. و تقوم بممارسة مهامها بصورة واقعية و فعلية باعتراف المكونات الدستورية و المجموعات السياسية المسيطرة على مؤسسات الحكم في البلاد.
هل يصلح تطبيق حكومة تصريف الأعمال في السودان؟:
برغم غياب النص الدستوري، و إستناداً على العرف الدستوري، و التطبيقات الفضلى السابقة، يمكن للسلطات السيادية في السودان ان تقوم بتكوين حكومة تصريف أعمال إذ تم إقالة الوزراء الحاليين. و من المهم إدراك أن حكومة تصريف الاعمال يتم تكوينها من أعضاء الحكومة القائمة، إما بتكليف الوزراء الحاليين بالاستمرار في تصريف الاعمال الروتينية في فترة زمنية قصيرة، و دون أن تتجاوز مهام حكومة تصريف الاعمال إلى الموضوعات الاستراتيجية. و إذ كانت هناك مقترحات بتكوين حكومة من كفاءات وطنية من خارج الحكومة الحالية، فإن هذا الوصف لا ينطبق على حكومة تصريف الاعمال.

ثالثاً: حكومة إنقاذ وطني National Salvation Government
تطرح التجارب الدولية نموذجاً آخراً لادارة البلاد لفترة مؤقتة في زمن الازمات السياسية، لتجاوز الازمة السياسية و الامنية في البلاد عبر تكوين حكومة (الإنقاذ الوطني)، و التي قد يطلق عليها أيضاً حكومة (الوفاق الوطني). تلتقي حكومة الانقاذ الوطني مع فكرة حكومة الطوارئ و حكومة تصريف الاعمال في أنها تتصدى للظروف الاستثنائية، و بالتالي هي حكومة مؤقتة ذات مهام إنتقالية و عاجلة. و يتم تكوين حكومة الاتقاذ الوطني وفق توافق سياسي لتجاوز أزمة سياسية. و لان فكرة حكومة الانقاذ الوطني، ليست مستقرة على إجراءات واحدة، صارت معرض التباس عند النخب السياسية. مثل هذه الحكومة يتم اللجوء اليها في حالات عدم التوافق الوطني المقرون بالفوضى والاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي، او عند وقوع انقلاب سياسي او عسكري، اذ تقوم هذه الحكومة بعملية منع انهيار كيان الدولة او ايقاف اسباب الانحدار نحو الحرب الاهلية. تتشكل الحكومة في مثل تلك الظروف من شخصيات يتوافق عليها سياسياً، و نزيهة و كفؤة، و تتمتع بالاستقلالية عن الاطراف المتنازعة حول الحكم.
وقد يتم تكوين حكومة الانقاذ الوطني وفق ترتيبات دولية بواسطة مجلس الامن التابع للامم المتحدة، بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، و قد تكون جزء من ترتيبات وطنية محضة، كان يتم تكوين حكومة الانقاذ الوطني كجزء من الاحكام العرفية التالية للانقلاب العسكري، أو تالية لاتفاق سياسي بين القوى السياسية بعد إنجاز حوار وطني أو إتفاقية سلام، وبذلك تكون حكومة توافقية تضم عناصر و قيادات اكبر المكونات السياسية المؤثرة. إذن الاطار القانوني لحكومة الانقاذ الوطني يختلف عن الدستور الساري في البلاد، حيث لا توجد في الدساتير نصوص تنظم إجراءات تكوين حكومة الانقاذ الوطني. بل يصح القول، إن فكرة إنشاء حكومة إنقاذ وطني تتضمن إعتراف بفشل الدستور في تنظيم العلاقات الدستورية و الحفاظ على الاستقرار السياسي و الحفاظ على السلام في الدولة. و لهذا السبب يلجأ السياسيون الى بدائل من خارج الدستور لمعالجة الاوضاع السياسية في البلاد.
و يتوقف نجاح حكومة الوفاق الوطني، على عدة عوامل، من بينها التوافق بين أهم الفاعلين السياسيين، و توحد الارادة السياسية. شهدت تجربة الحرب في البلدان العربية في سوريا و اليمن و ليبيا، محاولات لتطبيق فكرة حكومة الانقاذ الوطني، كخطوة إنتقالية نحو السلام و الاستقرار السياسي، و لكن كل تجربة من تلك التجارب لازمتها صعوبات جعلت من غير اليسيرتحقيق الاهداف الانتقالية في السلام و الاستقرار و التوافق السياسي. و بحسب التجارب الحديثة، تتكون حكومة الانقاذ الوطني او حكومة الوفاق الوطني، بموجب إتفاق وطني ناتج عن حوار شامل، و برعاية دولية، كما في حالة إتفاق الصخيرات Skhirat agreement في التجربة الليبية، و التي إلتزم فيه الاتحاد الاوربي بدعم الحكومة و إسنادها الى حين إنجاز أهدافها الانتقالية.
هل يصلح تطبيق حكومة الانقاذ في السودان؟:
تطبيق فكرة حكومة الانقاذ الوطني في السودان، يتطلب تكوين إيجاد الاطار القانوني و السياسي، و التوافق حول إنتقال سياسي تقوده حكومة وفاق وطني. و من المهم إستصحاب تجارب الدول المشابهة في تطبيق حكومة الانقاذ في ظل ظروف الازمات السياسية.
رابعاً: حكومة المنفى Government in Exile :
حكومة المنفى هي احد نماذج الحكومات التي يتم تكوينها في ظروف إستثنائية. و حكومة المنفى لا يوجد لها سند دستوري، و تسعى لاكتساب شرعيتها من خلال الاستحواذ على القبول الشعبي و الاعتراف الدولي
من الواضح، أنه يطلق عليها "حكومة المنفى" لكونها تنشأ خارج الحدود الجغرافية للدولة بسبب إستيلاء مجموعة غير شرعية على السلطة في البلاد بقوة السلاح، بسبب الانقلاب العسكري او بسبب إحتلال البلاد بواسطة قوى أجنبية. و حكومة المنفى هي مجموعة سياسية تدعي امتلاكها الشرعية و تمثيلها للشعب ، لكنها غير قادرة على ممارسة سلطاتها وتعيش بدلاً من ذلك في بلد أجنبي. عادة ما تخطط الحكومات في المنفى للعودة ذات يوم إلى بلدها الأصلي واستعادة السلطة الرسمية. و وفق ذلك تسعى حكومة المنفى الى تمثيل الدولة أمام المؤسسات الدولية، في محاولة لاكتساب الشرعية أمام المجتمع الدولي. و لكن ظلت حكومة المنفى محل نقاش على صعيد القانون الدولي، و لم تنجح الجهود في خلق إجماع بقبول فكرة حكومة المنفى . هناك تطبيقات كثيرة لحكومات المنفي شهدها العالم منذ وقت مبكر، و تتميز الحكومات في المنفى المكونة على أراضي أجنبية، عن الحكومات التي يكونها المتمردين في الاراضي التي يسيطرون عليها، أن الاخيرة تعمل على جزء من أراضي الوطن و وسط جزء من المواطنين.
احدث مثال لحكومة المنفى، نجده في ماينمار و التي تم تكوين حكومة المنفى فيها عام 2021 و اطلق عليها حكومة الوحدة الوطنية لجمهورية اتحاد ماينمار. تم تكوين الحكومة عقب الانقلاب العسكري الذي حدث في 2021 و تكونت من أعضاء البرلمان المنتخبين وقتها . قام البرلمان المنتخب في ماينمار قبل الانقلاب في نهايات 2020 بتكوين حكومة المنفى و التي يطلق عليها The Committee Representing Pyidaungsu Hluttaw .
الدول التي رفضت الاعتراف بحكومة الانقلاب العسكري في ماينمار، منحت في المقابل حكومة المنفى الاعتراف، و منحتها الدعم السياسي بهدف محاصرة الانقلاب و نزع الشرعية عنه. و من ضمن ذلك، قامت الولايات المتحدة الامريكية و عدد من الدول الاوربية بالاعتراف بحكومة المنفى في ماينمار.
و كذلك حكومة المنفى لجمهورية أوكرانيا في عام 1919 بعد احتلال البلاشفة لاكرانيا ، و الحكومة البولندية في المنفى من عام 1939 و حتى 1945، و الادارة المركزية للتبت في المنفى المكونة 1991، و حكومة المنفى لتركيستان الشرقية المكونة في 2004 .
من حيث موجبات تكوين حكومة المنفى، أن تكون هناك حكومة مكونة بموجب إجراءات ديمقراطية و تحوذ على قبول الشعب. يتم حل الحكومة و مؤسساتها الدستورية و الاستيلاء على السلطة بطريقة غير دستورية بواسطة الجيش (عبر الانقلاب العسكري)، او بواسطة الاحتلال الأجنبي للبلاد. ويفترض أن الحكومة السابقة للانقلاب العسكري او الاحتلال، تحتفظ بشرعيتها الدستورية بوصفها تتمتع بالقبول الشعبي و الدولي، و بالتالي تسعى لمواصلة مهامها و تمثيلها للشعب، من خارج حدود البلاد. و في ذلك إنكار و عدم إعتراف بسلطة الامر الواقع التي تقبض على مقاليد الحكم بعد الانقلاب العسكري، و حل المؤسسات الدستورية. و هي بذلك تكون صورة من صور المعارضة السياسية للانقلاب العسكري.
هل يصلح تطبيق حكومة المنفى في السودان؟:
لا يوجد إطار قانوني و دستوري يحكم عملية تكوين حكومة منفى في السودان. و فكرة تكوين حكومة منفى تخدم أغراض سياسية و دبلوماسية للمجموعة المعارضة لحكومة الامر الواقع، و هذا المقترح قابل للتطبيق خارج السودان، إلا أن نجاحها يتوقف بمستوى الاعتراف الوطني و الدولي بحكومة المنفى.
خامساً: حكومة الظل Shadow Cabinet :
تتكون حكومة الظل من كبار أعضاء حزب المعارضة الرئيسية والذين يكونون متحدثين اساسين باسم حزب المعارضة في مجالات حكومية محددة. يتم تعيين وزراء الظل من قبل زعيم المعارضة ويتولون عمومًا أدوارًا يتم تصميمها لمراقبة و رصد إداء وزارات الحكومة الفعلية. و تتمثل مهمة كل وزير في حكومة الظل، في فحص و رصد أداء الوزير الذي يقابله في الحكومة الفعلية، و تقديم المقترحات و السياسات البدايلة التي تنسجم مع إستراتيجية حزب المعارضة. لا يعرف تاريخ محدد لظهور مصطلح حكومة الظل، إلا أن المصطلح ظهر في أواخر القرن ال19 في بريطانيا حيث اعتاد أعضاء الحزب المهزوم في الانتخابات النيابية، الدعوة الى الاجتماع لقيادة المعارضة ضد الحكومة الجديدة، وفي الخمسينيات من القرن الماضي أصبحت حكومة الظل جزءا أساسيا من العملية السياسية في بريطانيا. و بالتالي، هي من الممارسات الديمقراطية التي أنتجها نظام ويستمينستر في بريطانيا.
برغم ما لها من دور فعال في تنشيط النظام الدستوري في بريطانيا، و في تطوير الممارسة الديمقراطية، و في توسيع نطاق الرقابة على أداء الحكومة، إلا أن حكومة الظل تتكون خارج المنظومة الدستورية – اذ هي تعمل في ظل وجود حكومة فعلية معترف بها في الدولة، و ليس بالضرورة ان تكون الحكومة الحالية التي تقوم بمهام الحكومة قد إستوليت على الحكم بطريقة غير شرعية. فقد تُنشأ حكومة الظل في عهد حكم دكتاتوري و قد تنشأ في عهد حكم ديمقراطي. و قد استخدم بعض الكتاب مصطلح حكومة الظل على حكومة ماينمار في المنفى، و لكن في إعتقادي ان الامر لا ينطبق على حكومة ماينمار في المنفى و التي تتخذ موقعها في واشنطن.
و استناداً على تعريف مصطلح "حكومة الظل" كما رسخته تجربة ويستمنستر، لم تكن للسودان تجربة الدستورية في ممارسة تنظيم حكومة الظل سواء في النظم الديمقراطية أو النظم الدكتاتورية العسكرية. إلا أن السودان قد شهد تجربة فريدة لتنظيم الشباب في هياكل و لجان لما اطلق عليه ( حكومة الظل السودانية)، و في ذلك كانت حكومة الظل نشاط معارض لحكومة الرئيس المخلوع عمر حسن البشير، ابتدره نشطاء سياسيين و مهتمون بالشأن العام في عام 2011 بقصد مراقبة الأداء الحكومي و انتقاده من خلال تقارير دورية. لاحقاً، و بعد سقوط حكومة الفريق عمر حسن البشير في أبريل 2019، كون النشطاء في حكومة الظل حزب جديد بأسم حزب بناء السودان.
هل يصلح تطبيق حكومة الظل في السودان؟:
إن تجربة حكومة الظل، قابلة للتطبيق في السودان في ظل كل الظروف السياسية، و هي تشكل مستوى من مستويات المراقبة و الرصد، و المشاركة الفعالة في ممارسة حقوق المواطنة و في تحقيق الاهداف القومية. و لكنها لن تكون فعالة في سد الفراغ في السلطة التنفيذية في السودان، و لن يساعد في إدارة المرافق الحكومية باستقرار و تقديم الخدمات للمواطنين.
سادساً: الحكومة التي يتم تكوينها بموجب قرار من مجلس الامن: حكومة كوسوفو:
هذا نموذج آخر لتكوين حكومة مؤقتة بعد إنتهاء الحرب. و هذا النموذج يتأسس بموجب قرار من مجلس الامن التابع للأمم المتحدة، بموجب سلطاته تحت الفصل السابع، من أجل صيانة السلم و الامن الدوليين. و كانت قد دخلت جمهورية يوغسلافيا في حرب أهلية طاحنة منذ مطلع تسعينات القرن السابق. في 1999 اصدر مجلس الامن قراره S/RES/1244 (1999) القاضي بسحب كل القوات اليوغسلافية و الصربية من اقليم كوسوفو و الاعلان عن نشر قوات الامم المتحدة في اقليم كوسوفوو تكوين إدارة من الامم المتحدة لادارة إقليم كوسوفو استمرت لمدة عشرة أعوام كانت تقوم فيها بمهام الدولة في كوسوفو بموجب تفويض من مجلس الامن.
فعندما غادرت القوات الصربية أرض كوسوفو عام 1999، تم مباشرة إنشاء بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو يونيميك ( the United Nations Interim Administration Mission in Kosovo (UNMIK))، ثم انتخاب حكومة كوسوفو المؤقتة. ووفقاً لولايتها ، تساعد البعثة في ضمان الظروف المواتية لحياة طبيعية سلمية لجميع سكان كوسوفو ، والنهوض بالاستقرار الإقليمي في غرب البلقان. تركز أولويات البعثة على تعزيز بناء الثقة بين المجتمعات ، واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون ، والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة والشباب.
ومنذ تلك اللحظة ظلت عملية بناء المؤسسات السياسية متواصلة، ولكن بثنائية وعلى التوازي، فمن ناحية هناك المؤسسات والبعثات الدولية، ومن ناحية أخرى هناك مساعٍ متعددة لإنشاء مؤسسات سياسية محلية كوسوفية بديلة. وخلال السنوات الأولى التي تلت تحرير كوسوفو، كانت مؤسسة بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو هي التي تعود إليها الكلمة الفصل في اتخاذ القرارات السياسية، في حين كانت الأطراف السياسية والحكومية الكوسوفية مهتمة أساسًا بعملية بناء المؤسسات لتمكينها لاحقًا من لعب أدوار متقدمة وأكثر حضورًا في مجالات التشريع وأعمال السلطة التنفيذية. في 17 فبراير من عام 2008، تم الاعلان عن استقلال كوسوفو، و تحول جانب كبير من صلاحيات بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو (يونيميك) إلى المؤسسات الوطنية الكوسوفية.
نخلص من ذلك، أن تصريف اعمال الدولة في كوسوفو بموجب قرار من مجلس الامن، و تفويض إدارة دولية لحماية المواطنين و إنشاء مؤسسات سيادة حكم القانون، و تقديم الخدمات الاساسية، كان ضمن خطة طويلة المدى لبناء الدولة و حماية المدنية و انهاء الحرب الاثنية بين المسلمين و الصرب. و بالتالي، كان ذلك ترتيب، بجانب انه يتضمن مساعدة الدولة في الاستقرار السياسي و التعايش السلمي و التنمية، إلا إنه يتضمن تحقيق أهداف ذات نطاق أوسع، ألا و هي إنهاء النزاع المسلح و تأثيراته الإقليمية و الدولية و صيانة السلم و الامن الدوليين.
هل يصلح تشكيل حكومة مؤقتة بقرار أممي في السودان؟
تم تأسيس بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في الانتقال الديمقراطي في السودان (ينتامس) بموجب قرار من مجلس الامن، ليكون لها اختصاص محدد في المساعدة في انجاح التحول الديمقراطي من خلال – المساعدة في تنظيم الانتخابات – كتابة دستور للسودان – و المساعدة في حل الازمة الاقتصادية – و بناء السلام المستدام. من المؤكد ان تطور الاحداث على الارض و تأثيرها على الامن و السلم الدوليين، هو الذي سيحدد التطور في موقف مجلس الامن تجاه السودان، و سيحدد الدور الجديد الذي من المفترض أن يلعبه مجلس الامن. إن تجربة الامم المتحدة في كوسوفو كان مكلفة مالياً، و وضعت أعباء إدارية و تقنية و لوجستية كبيرة على عاتق الامم المتحدة و مؤسساتها، و ليس من السهل العودة لتلك التجربة. و أي تغيير في مهام البعثة الحالية في السودان يتطلب التوافق حول قرار جديد من مجلس الامن يوسع من مهام البعثة لتتضمن مهام سياسية و إدارية جديدة.

ملاحظات ختامية هامة:
- من المستوعب أن الاوضاع الامنية، و الفوضى العارمة التي ضربت البلاد من أقصاها إلى أقصاها، جعلت مسألة مناقشة مقترحات مقبولة لتشكيل حكومة مؤقتة للسودان أكثر إلحاحاً، في زمن الحرب للعناية بالموضوعات العاجلة الماسة باحتياجات المواطنين في زمن الحرب، بجانب قيادة المجتمع و تنظيمه و صيانة التماسك الاجتماعي و رعاية التضامن و التعاون و التناصر. إلا ان أهمية هذا الامر تستدعي بذل المزيد من العناية و الاهتمام بتوفير الشروط الاستباقية لتكوين الحكومة في زمن الحرب. من بين التدابير الاستباقية المطلوبة، توفير الاطار التشريعي الذي بموجبه يتم وضع تدابير إنتقالية توافقية – مثل ذلك الاطار التشريعي قد يكون إتفاقية سلام شامل تتضمن أحكام دستورية تيسر إجراءات تكوين تكوين المؤسسات الانتقالية.
- يكتب النجاح للتوافق السياسي الذي يهدف الى تكوين حكومة مؤقتة في السودان، باستصحاب الفئآت المجتمعية ذات المصلحة الحقيقية في التغيير نحو الاستقرار السياسي و الديمقراطية والسلام و التنمية المستدامة. و في ذلك، من المهم دعم آليات القوى السياسية لإشراك لجان المقاومة والمرأة والشباب. إن التوصل إلى اتفاق بشأن الانتقال السياسي في السودان سيتطلب قبول ودعم الشارع ولجان المقاومة. ويجب على المجتمع الدولي استخدام آليات المساعدة الخاصة به لدعم المشاورات ومشاركة القوى والقادة السياسيين مع هذه المجموعات المجتمعية، بما في ذلك النساء والشباب. وسيكون هذا الاستثمار طريق لتأسيس حكومة مسؤولى أمام المواطنين، وهو أساس ضروري لأي حكومة انتقالية.
- في ظروف الحرب و سيادة منهج العنف و ضعف السلطة التنفيذية سيكون من المهم على المؤسسات العسكرية، و لاسيما منخرطة في الاعمال الحربية ان تكون ملتزمة بوثيقة التوافق الوطني و ان تلعب دور في حماية الحكومة المؤقتة. إن إعتماد تكوين حكومات متعددة في مناطق سيطرة كل فريق من المتحاربين لن يسهم في حل المشكلة و من المتوقع ان يزيد الازمة و يضعف فرص الحل.
- عند تكوين حكومة بموجب توافق عام، مؤسسة بموجل إتفاق سياسي و إتفاق لوقف إطلاق النار، و برعاية دولية مستقلة و نزيهة، سيجعل من الممكن إنشاء آلية دولية لمراقبة تنفيذ الاتفاق و الذي من بين موضوعاته سيكون نجاح الحكومة و استقرارها. و بالتالي سيكون من الضروري و من المهم بمكان إنشاء جسم رقابي يرصد و يراقب السلطة التنفيذية الناشئة.

 

advosami@hotmail.com

 

آراء