المهدي ومادبو.. الطرق مغلقة والرسائل مفتوحة … بقلم: عبد الحميد أحمد محمد

 


 

 

 

توقع كثيرون أن يفتتح السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة رسالته إلى نائبه السابق آدم موسى مادبو الذي يعيش ظرفاً حرجاً بحزبه التليد بعد الأزمات المتلاحقة التي ألمت به وظلت تكتنفه وأسرته مما قاده في وقت سابق لتقديم إستقالته من موقعه كنائب لرئيس حزب الأمة هذا غير ما تم من تجميد عضوية نجله (مادبو) من قبل هيئة الرقابة وضبط الأداء بحزب الأمة وما تبع ذلك من منعه حضور الإجتماع العام للحزب والذي قاد إلى إعتداءات تعرض لها أثناء إنعقاد المؤتمر العام لحزب الأمة الأخير إثر محاولته الدخول لمكان الإجتماع وكان (مادبو) قد وجه أصابع الإتهام بصورة واضحة لأحد أبناء الصادق المهدي ومجموعة من معاونيه، إلا أن القشة التي يبدو أنها ستقصم ظهر العلاقة التي أمتدت سنوات بين أسرة (المهدي) وأسرة (مادبو) هي تلك الحادثة المستهجنة حين قام أحد أبناء الصادق المهدي – بشرى – بالإعتداء بالضرب على د. الوليد آدم مادبو بميدان سباق الخيل بالخرطوم، وهو الأمر الذي جعل أسرة مادبو تمعن السير في طريق مقاضاة أبناء الصادق المهدي واللجوء إلى القانون لحسم الأمر وإقامة الحق على (المذنب) كاملاً. ليس ذلك فحسب وإنما بدأت الشكوك تنتاب (مادبو الأب) وتذهب به الظنون نحو تفسير حادث سير كان قد تعرض له بأنه ربما لم يحدث قضاء وقدراً وإنما كان حادثاً مدبراً هدف إلى محاولة إغتياله.

 

جراء كل هذه الملابسات توقع المراقبون أن يفتتح المهدي رسالة أرسلها لمادبو في هذا الخصوص وكما درج على الإستشهاد بأشعار السابقين فكانوا ينتظرونه أن يستهل رسالته بإعتذار النابغة الذبياني.

 

َأتاني أَبَيتَ اللَعنَ أَنَّكَ لِمتَني       وَتِلكَ الَّتي أُهتَمُّ مِنها وَأَنصَبُ

 

فَبِتُّ كَأَنَّ العائِداتِ فَرَشنَني       هَراساً بِهِ يُعلى فِراشي وَيُقشَبُ

 

وفي أول تعليق على رسالة المهدي لوالده قال (مادبو الأبن) أن الرسالة تبريرية وليس بها أي إعتذار عن الأخطاء التي وقعت وأصابهم الأذي جراءها. كما أستغرب أن يلجأ المهدي لإرسال رسالة لوالده على حين أن الخطوط بينها متصلة وكان يمكنه على أقل تقدير أن يحادث والده هاتفياً.

 

إتصال العلائق والود بين الرجلين (المهدي ومادبو) قضية أكد عليها الكثيرون وقد تطرقا إليها المهدي بوضوح في مستهل رسالته لمادبو: (أخي العزيز: بيننا من العلائق الروحية والسياسية والإجتماعية ما أن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة.)

 

أمر العلاقة الوثيقة الضاربة في القدم حقيقة أكد عليها د. آدم موسى مادبو في حديث سابق كنا قد أجرينا معه ورداً على تساؤلنا عن تهميش ربما لحق به جراء فتور في العلاقة بينه وبين الصادق المهدي أجاب د. مادبو بأن علاقته مع السيد الصادق ممتدة لإربعين سنه وهناك إحترام كبير متبادل بينهما وهي علاقة طبيعية ويستشيرنا إن كنا موجودين في كل القضايا المهمة بطريقة مؤسسية ولا أحس بأن هنالك أي نوع من التهميش بالنسبة لي.

 كان هذا الحديث قبل تطور الأحداث بين الأسرتين وسيرها في منحى آخر أكثر عنفاً وتوتراً ولأنالزمان (دوار) لا يبقى على حال فقد لا حظ المراقبون أن (مادبو الأب) تقاضي في تعليقه المكتوب على رسالة المهدي قضية العلائق الخاصة التي أثبتها المهدي وتجاوزها محتجاً على نشر الرسالة الخاصة التي وصلته وقام بتسريبها للإعلام مدير مكتب الصادق المهدي دون الرجوع إلي مادبو واستئذانه كطرف ثاني تخصه الرسالة.

ثم مضى مادبو في الرد على النقاط التي أثارها المهدي بداية بقضية (مادبو الابن) الذي قال المهدي عنه (أن موضوع السيد مادبو آدم مادبو ينبغي علاجه بالعدل في إطار ما بدر منه وما بدر عليه... لقد إقتحم حرم مؤتمر لا يجوز له حضوره ومنعه الدخول وارد ولكن ما صحب ذلك من ملاسنات وما أعقبه من ضرب عدوان ذميم..)

 

علاج بالعدل لعدوان ذميم هو ما يطلبه (مادبو) ولكن خارج الأطار الذي يشير إليه المهدي هذا ما يبدو من تعليق الأول على هذه النقطة إذ يبدو فاقداً للثقة في هيئة الرقابة المنوطة بإحقاق الحق بين عضوية (الأمة): (إن هيئة الرقابة أو ضبط الاداء التي حاكمت مادبو لم تعرض لوائحها على المكتب السياسي مما يجعل قراراتها غير شرعية ولا دستورية كما أن بعض أعضائها غير محايدين ولا مؤهلين ولهم أجندتهم الخاصة...) إلى ذلك يشير مادبو إلى أن أعضاء أمن حزب الأمة وفي مقدمتهم بشرى الصادق – الذي خيّر بين الإنتماء لحزب الأمة أو جهاز أمن أمن النظامالحاكم فأختار الإنتماء إلى الأخير- ليسوا أعضاء في المؤتمر العام السابع ولكنهم حضروا كل جلساته.

 

(خيار وفقوس) بلغة المهدي هو ما أراد مادبو قوله (كناية) أما صراحة فقد أكد أن قرار تجميد عضوية نجله مادبو كان يهدف أساساً لحرمانه من حضور المؤتمر العام. أما أستنكار السيد الصادق لواقعة الإعتداء على (مادبو) الذي زعم المهدي أنه أستنكره وكوّن لجنة للتحقيق فيه فهو أمر ينفي آدم مادبو علمه به إلا من خلال رسالة المهدي إليه.

 

ولكن الملاحظ أن المهدي وفي إطار تناوله لموضوع (الوليد مادبو) سرداً فيضاً من الأثار الإسلامية في التربية من القرآن والسنة التي تحض على قول السديد الخير وتنهى عن رمي الناس دون تثبت ونظر. ليقرر بعد ذلك أنه لقي أذى كثيراً جراء ما بثه الوليد مادبو من مقالات يرى أنها استغضبت الكثيرين. وكان ما كان. ويذهب المهدي في طرحه نحو الحل إلى اقتراح شخصين (علي محمود مادبو وعبد الرحمن الصديق المهدي) يحكمون في القضية ويجتمع لديهما المتخاصمان للصلح بالحق والعدل. ولكن (مادبو) يرى أن ما طرحه المهدي من تحكيم هذين الشخصين غير متاح منطقياً وعملياً كون الأول مقيماً خارج السودان بينما يعتقد أن الثاني نكرة لا يعرفه أحد.

 

وتذهب أسرة مادبو إلى أن موضوع الوليد له خلفيات كثيرة منها أن إمام مسجد ود نوباوي اتهم الوليد بأنه ابن عاق كما وزع بعض الأشخاص منشوراً في ذات المسجد يكفرون فيه د. الوليد ويهدرون دمه. ويطرح مادبو رؤيته لمعالجة الأزمة فيؤكد أنه لا بد بداية أن يصدر حزب الأمة بياناً يدين فيه الجرائم – على حد وصفه- التي تعرضوا لها متبوعاً بإعتذار عما لحقهم من أذى وإهانة وأن يسلم الجناة إلى الجهات المعنية كما يطالب مادبو بإعتذار بشرى على محاولته إغتيال ابنه الوليد الذي يتلقى العلاج الأن بالخارج.

 

مهما كان سعي الصادق المهدي لرأب الصدع الذي وقع بينه وأسرة مادبو وتأكيده على ضرورة تفويت الفرصة على من يحاولون الإصطياد في الماء العكر من خلال شد العزم وتصفية النوايا (فإذا صفت النوايا وصدقت العزائم فالخلاف محدود وأحتواؤه بمشيئة الله وارد.) ومهما جاوبه مادبو بالحديث عن متانة العلائق بين الأسرتين وخصوصيتها إلا أنه وبحسب المراقبين أن عهداً جديداً بدأ بعد هذه الوقائع في الحزب الطائفي الكبير الذي كان يقوم الأمر فيه على الإملاء من الزعامة المقدسة والطاعة العمياء من القواعد التي لا يجوز لها أن تنظر فيما قرره الزعيم الإمام. وإن كان الصادق المهدي قد سرد أسماء زعم أنه لقى منها النقد والأذى والتجريج فإنها تبقى أسماء خارج دائرة المهدي وحزبه ولكن تبقى دلالة إقتران اسم الوليد مادبو - وهو الأنصاري الملتزم - بأولئك الكتاب يبقى ذو دلالات لا يمكن تجاوزها في تاريخ الحزب والطائفة وربما كانت دفقة الضوء الأولى التي تضئ الدرب أمام (الدراويش) فيتعلمون (ألا قداسة مع السياسة)

 hameed506@gmail.com

 

آراء