النجاح لا يصنع برؤية وأدوات الفشل السابقة

 


 

 

أن الورشة التي أقامتها كل من " جريدة الديمقراطي و الحرية و التغير المركزي" تعتبر خطوة أولي في طريق البناء الديمقراطي، باعتبارها تعد تشريحا و دراسة موضوعية نقدية لفترة الثلاث سنوات الأولى من الفترة الانتقالية، و هي فترة تحتاج لتقييم و دراسة نقدية ما شابها من إخفاقات و نجاحات، و التي قد ختمت بانقلاب عسكري في 25 أكتوبر 2021م غير صورة المعادلة السياسية التي كانت سائدة، حيث إبرزت عاملا جديدا في الساحة السياسية هي " لجان المقاومة" التي تصدت للانقلاب و مايزال حراكها السياسي في الشارع، هذا الحراك قد شل قدرات السياسيين و العسكريين مجتمعين، لأنها فرض شروطا جديدة للعملية السياسية، حيث دفعت العديد من القوى السياسية أن تحدث تغييرا في خطابها السياسي لكي يتماشى مع بعض من شعارات الشارع.
أن عمل ورشة للتقييم و الدراسة عبر منهج نقدي يتجاوز المنهج التبريري الذي كان و ما يزال يشكل الإرث الثقافي للسياسة في السودان، يعتبر تحول جديد يحتاج لتغيير في الخطاب و الممارسة السياسية، و أنني قد تابعت بحكم البعد الجغرافي الأوراق و مناقشتها من خلال الفيديوهات و القراءة في صفحات بعض الصحف الورقية و الالكترونية، و أيضا تلك التي قد أرسلت إلي في بريدي الخاص و شكرا للراسلين. أن التقييم و النقد السياسي من قبل السياسيين السودانيين تعتبر ثقافة سياسية جديدة، و حتى التي تمت من قبل كان تقيما تبريريا تحاول منه القوى السياسية أو حتى القيادات السياسية أن ترمي الأخفاق على الأخرين، و تعسى لتبرئة الذات و التنظيم، و هي ثقافة فرضتها الرغبة في السلطة و تقديس المؤسسة الحزبية، و الخوف أن يستغله الأخر في الصراع السياسي، لذلك كانت السياسة تتراجع و لا تتقدم، لأنها تحافظ على الموروث مع رفع شعارات تتناقض مع هذا الموروث المتحكم في سلوك العاملين في الساحة السياسية.
أن المقال لا يناقش كل الأوراق التي قدمت في الورشة، لأن النقاش يحتاج لقراءة عميقة لأي ورقة، و كنت اعتقد أن تنشر الأوراق قبل الورشة لكي تتيح الفرص للعديد من المهتمين باشأن السياسي في البلاد، و لكن تذكرت أن جريدة الديمقراطي هي التي تتحكم في ذلك، مستندة لقوانين سوق النشر، و هي المخول لها أن تنشر الأوراق على صفحاتها، و للأسف هي غير موجودة في النت لكي يتم الحصول و القراءة على صفحاتها، و الأوراق التي بين يدي لا تتسع لدراسة كاملة، عليه سوف أركز على بعض المقولات التي وردت في بعض الأوراق من خلال تقديم أصحابها، و هي مقولات مختصرة. و لكنها تشكل مداخلا أساسيا لطبيعة التفكير السائدة أو التغيير الذي حدث في الخطاب السياسي، خاصة أن الغائب الأساسي في فترة الثلاث سنوات الماضية هي عملية " التحول الديمقراطي" و كان الجميع يتصارع في السلطة، و كيف الاستمرار فيها، فالرجوع لشعار " الدولة المدنية الديمقراطية" تم بعد حدوث الانقلاب عندما خسرت القيادات السياسية السلطة، فكان رجوعها للشعار هو محاولة للتكفير لكي تجد لها طريقا مرة أخرى للجماهير.

في مداخلة للقيادية بقوي الحرية والتغيير ووزيرة الخارجية السابقة د. مريم الصادق المهدي قالت فيها (بأن الورشة لا تأتي بغرض التبرير وشددت على ضرورة الاستفادة من التجارب والتحول من سياسيين مدربين علي المعارضة لناس مسؤولين في الحكم والاتفاق علي مستقبل للعمل المشترك الراهن إذا ما كان سيقتصر علي اكمال المرحلة الانتقالية أو الاستمرار لما بعدها والانتخابات العامة بسبب التحديات التي تجابه مستقبل البلاد وهشاشة الأوضاع فيها) إذا ذهبت الورشة و الأوراق للتبرير، لا تعتبر تقييما للفترة، بل توضح أن القيادات السياسية تريد السير في ذات الطريق السابق. و هذا يرجعنا لقول أنشتاين ( الغباء هو فعل الشيء مرتين بنفس الأسلوب و نفس الخطوات و انتظار نتائج مختلفة) السؤال الذي لم تجيب عليه بعض الأوراق التي استمعت لتقديمها و الحوار حولها لماذا غاب شعار " عملية التحول الديمقراطي" في الثلاث سنوات و كان الصراع بين المدنين مع بعضهم البعض حول السلطة و بين المدنيين و العسكريين حول السلطة؟ و هناك بعض المبررين الذين يقولون أن عملية التحول نفسها تحدث من خلال السلطة....! صحيح لكن القيادات يكون تركيزها دائما كيف تؤسس المؤسسات التي تشكل حجر الزاوية لعملية التحول الديمقراطي، و كان الخلاف يبرز على هذه الإشكالية. و كل عمل تقوم به السلطة يجب أن يرسي قيما و ثقافة ديمقراطية في المجتمع. فمثلا إذا أخذنا " لجنة التفكيك" كان المنتظر أن اللجنة من خلال عملها في تفكيك و إعادة الأموال أن ترسي قيم العدالة في المجتمع لأنها القيم التي تشكل أهم أعمدة الديمقراطية، لكن للأسف كان الهدف هو أن تثير حماس للشارع لكي يلتف حولها " Drama Show" مما يؤكد أن الذهن كان مرهون للتفكير حول السلطة.
في منعطف أخر قال القيادي بحزب المؤتمر السوداني و القيادي بقوى الحرية و التغيير المهندس خالد عمر في تقييمه و في حديثه هذه الفقرة ( كيف نضمن في عملية التحول الديمقراطي مشاركة اوسع قاعدة جماهيرية) هل كان للحرية و التغيير قبل الانقلاب مشروعا مفصلا لكي يتم محاسبتها وفقا لهذا المشروع المفصل، لذلك كانت الحكومة الأولي تجتهد من خلال الممارسة، و بعد الانقلاب كتبت رؤية للحل سلمتها للجنة الثلاثية الدولية و لم تقدمه للجماهير للمدراسة و الحوار عليه، كيف تستطيع أن تبني قاعدة جماهير على اعتقاد هؤلاء كمبارس يمكن دعوتهم حسب رؤية المخرج.
واوضحت ورقة خالد عمر "أن الحرية والتغيير تفاجات في أكتوبر ٢٠١٩م بتوقيع اعلان جوبا بواسطة نائب رئيس مجلس السيادة بالتشاور مع رئيس الوزراء والذي نص علي تأجيل تشكيل المجلس التشريعي حتي التوقيع علي اتفاق السلام في مدة لا تتجاوز الشهرين وهو الاتفاق الذي تم تجديده لعدة مرات والاعتراض عليه من قبل الحرية والتغيير وتمسك اطراف العملية السلمية به" و السؤال ماذا فعلت قوى الحرية و التغيير بعد ذلك؟ لأنها لم تقدم ورقة لرئيس الوزراء تبين فيه كيف تكون العلاقة بين السلطة التنفيذية و الحاضنة السياسية. و لذلك كانت الحاضنة على هامش العملية التنفيذية. فالتقيم الذي يتم يجب أن يكشف أين كان الإخفاق. كما أن الحرية و التغيير كانت محصورة في الشعارات الأمر الذي يؤكد غياب القيادات التي كان من المفترض أن تقوم بالأعمال الفكرية، باعتبار أنها هي التي تستطيع أن تدرس الخطاب السياسي السائد في الواقع و تفحص الأدوات لكي تكتشف أين مكامن الخلل، و كان تقود الجماهير لمشروع مفصل تستطيع أن تعبر به، و حتى بعد الانقلاب هي ركزت نفسها في تجميع قوى الثورة و هي تعلم تماما أن الذي تدعو له يوجه بتحديات الحرية و التغيير تسببت فيه من خلال الفترة السابقة. و الديمقراطية لا تؤسس بالشعارت بل بالممارسة المستمرة، و أيضا ممارسة المنهج النقدي لهذه الممارسة، حتى تستطيع أن تتخطى الاخطاء و التحديات بيسر. و كما قال محمد الفكي في اللقاء الذي كان قد أجراه معه بكري المدني في " قناة البلد" قال (أننا نعلم أن الشارع له موقف من قوى الحرية) فالمسألة مع التقييم تحتاج لتغيير منهجي في عمل الحرية و التغيير، و التي تستخدم إشارة تدل على أنها تريد أن تتبع ذات المنهج السابق، عندما تقول القيادات " يجب مخاطبة جذور المشكلة" هذه المقولة تعني رجوع السلطة لها، و هذا طلب غير واقعي. فالانقلاب قد أحدث تغييرا في الواقع السياسي، و تجاوز هذا الواقع لا يسمح بالعودة للماضي، خاص الذي تسبب فيه، بل الساحة السياسية تحتاج لخطاب جديد، و منهج سياسي جديد يركز على فكرة التحول الديمقراطي. التي تم إسقاطها في الثلاث سنوات الماضية.
يقول محمد الفكي (أن الفريضة الغائبة لهزيمة الانقلاب تتمثل في وحدة قوي المقاومة في جبهة مدنية متحدة مشيرة إلي أن الجهود التي بذلت تجعل تحقيق هذا الهدف أقرب من اي وقت مضى) وحدة قوى المقاومة و القوى الثورية لا تحدث تحولا ديمقراطيا في ظل رغبة السلطة عند الجميع، الذي يهزم الانقلاب و المشروعات الشمولية المطروحة في الساحة السياسية، هو المشروع الديمقراطي المفصل، الذي تقف معه القوى الساعية فعليا أن تؤسس " الدولة المدنية الديمقراطية" و هذا المشروع يطرح للنقاش و الحوار مع كل القوى السياسية، و خاصة القوى السياسية التي مرجعياتها لا تتوافق مع الديمقراطية. و حتى نصل للأوراق التي قدمت في الورشة جميعها نحاول قرأتها و دراستها و نقدم الرؤية النقدية.
أن ورشة التقييم تعتبر خطوة في الطريق الصحيح لبناء ثقافة تتلاءم مع شعارات الديمقراطية، و تفتح أبواب للحوار حولها، و يجب أن لا يكون الحوار قاصرا فقط على الورشة بل يجب أن يتواصل لأنه هو الذي يخلق الوعي الجديد في المجتمع. و نسأل الله التوفيق و حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com
/////////////////////////

 

آراء