النموذج الطالباني والعمل الإنساني

 


 

 

د. محمد عبد الحميد استاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية

أصدرت حكومة حركة طالبان قرارا يقضي بمنع النساء الافغانيات من العمل في المنظمات الإنسانية بدعوى عدم التزام الحجاب وعدم تقيد المنظمات بالفصل بين الرجال والنساء. وقد أثار هذا القرار استياءاً واسعاً وسط المنظمات الدولية العاملة في أفغانستان. كما آثار ويثير استغراب حتى المسلمين العاملين في المجال الإنساني الذين يدركون أن العمل في المنظمات الإنسانية لا يخضع ولا يجب أن يخضع لإسقاطات ونماذج ورؤى الحكام، ذلك أنه في الأصل يخضع لمعايير اخلاقية صارمة، لا يدركها إلا العاملون في الحقل الإنساني.
من الواضح أن قرار طالبان مبنى على منظور متطرف لحكم الدولة وأدوار المرأة في المجتمع، وهو منظور لا يتفق فيه معهم معظم من يدينون بالدين الإسلامي.
إن ما تحاول فرضه طالبان هو ليس الدين الإسلامي، بل هو النموذج الطالباني للدين الإسلامي... فالحجاب عندهم هو " البُركة" أو البُرقع الذي يغطي كل جسم المرأة ولا يبدي منها حتى عيناها، وهذا النوع من اللباس لا يألفه المسلمون في كثير من البقاع الإسلامية، فالبُركة كنوع من اللباس مرتبطة بالثقافة أو النموذج الذي تحاول طالبان فرضه قسرا على عموم جنس النساء... بينما في باكستان المسلمة المجاورة لأفغانستان على سبيل المثال، لا تتقيد فيها المرأة المسلمة بهذا النوع الثياب. وترتدي ما تُعرف باللبسة الباكستانية وهي لباس فضفاض قوامه سروال وقميص طويلين بجانب الطرحة التي تُلقى على الكتفين والتي لم تخصم من إسلامهن شيئآ.
مهما يكن من شيء، فالواضح الجلي أن هجمة طالبان على المرأة نابعة عن تصور ملؤه الهوس المُوزع بين الديني والجنسي... لذلك تنزع هذه الحركة لدفع النساء لخبائهن، ومنعهن من المساهمة في الحياة العامة... وقد يدل ذلك على جهل مطبق بالدور الاجتماعي التي ظلت تلعبه المرأة في المحيط العام. خاصة في مجال العمل الإنساني. وهذا الأخير تحكمه نظم وضوابط خاصة يدركها كل من انخرط فيه ولو بالنذر اليسير. فالمنظمات الإنسانية عمومآ تتعامل مع التحرش الجنسي بتسامح صفري وهو ما يسمى في ادبياتهم ب Zero tolerance with sexual harassment هذا فضلا عما أقرته قواعد مدونة السلوك التابعة لحركة الهلال والصليب الأحمر وتبنته العديد من المنظمات إضافة الي الميثاق الإنساني الوارد في دليل مشروع أسفير Sphere والذي يؤكد على ثلاثة حقوق أساسية هي (الحق في الحياة بكرامة. الحق في الحصول على المساعدات الإنسانية. الحق في الحماية والأمن) تكفل هذه الحقوق في مجملها حق المتضررين لتلقي المساعدات دون تحيز أو تمييز بسبب العمر أو نوع الجنس أو اللون أو العرق أو المعتقد الديني أو الرأي سياسيا كان أم غيره... وعادة ما يحصل العاملون في المجال الإنساني على دورات تدريبية في قواعد السلوك القويم.. بل ويوقعون على مدونات السلوك التي تفرض عليهم عدم استغلال مواقعهم لأغراض خاصة مادية كانت أم جنسية. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن العمل الإنساني في المنظمات الإنسانية يقوم أصلا على مبدأ التنافسية ولا يعترف إلا بقدرات الفرد Individual Competencies بغض النظر عن نوعه ذكرا كان أم أنثى. إضافة الي أن هنالك إجراءات فنية تحكم العمل الإنساني في أوضاع معينة يتطلب وجود العنصر النسائي خاصة في جمع البيانات الأولية التي تبنى عليها التدخلات الإنسانية كلها فيما يعرف ب Base line survey والذي يتشكل من فريق يجب أن يضم كل من الرجال والنساء لإعطاء بيانات حول احتياجات أو متطلبات المجتمع المعين في ظروف الكوارث. لذلك فإن منع توظيف النساء في المنظمات الإنسانية يضر بالمقصد الكلي للشريعة الإسلامية والتي تضع حياة الإنسان فوق كل إعتبار، غير أن نموذج العقل والتفكير الطالباني لا يهتم أن ينفذ لجوهر مقاصد الشرع، بقدر ما يجنح لفرض رؤاه وتصوراته بغض النظر عن حجم الضرر الناتج عنها.
د. محمد عبد الحميد

 

آراء