الهوية العربية والإيديولوجية في السودان: سياسة اللغة والهوية والعرق .. ترجمة وتلخيص: بدرالدين حامد الهاشمي

 


 

 


Arab Identity and Ideology in Sudan: The Politics of Language, Ethnicity and Race
هيزر شاركيHeather J. Sharkey 
ترجمة وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي

*************          **********         ***************

تقديم:هذا تلخيص موجز لبعض ما جاء في مقال للدكتورة الأمريكية هيزر شاركي الأستاذة المتخصصة في تاريخ ولغات وحضارات الشرق الأوسط والأدنى في جامعة بنسلفانيا نشر في العدد رقم 107/ 426 من مجلة "شئون إفريقيةAfrican Affairs"في عام 2008م. والمؤلفة حاصلة على درجة البكالوريوس في الأنثروبولوجيا من جامعة ييل الأميركية، ودرجتي الماجستير والدكتوراه من جامعتي درام البريطانية وبريستون الأميركية، على التوالي.وللكاتبة عدة مقالات وكتب عن السودان ومصر منها كتاب "العيش مع الاستعمار: الوطنية والثقافة في السودان الإنجليزي المصري"، وكتاب "الإنجيليون الأمريكيون في مصر" و"الهوية والمجتمع في الشرق الأوسط المعاصر" و"تاريخ الصحافة العربية في السودان". وكنت قد عرضت لعدد من كتابات الدكتورة شاركي في مقالات مترجمة سابقة.

المترجم

********** ************** *****

جرت في ما هو الآن "السودان"، وعبر القرون، عملية تعريب انطوت على انتشار متدرج للهوية العربية وكذلك للغة العربية. وأصابت تلك العملية الثقافية نجاحا كبيرا، خاصة تحت ستارها اللغوي. وتواصل اللغة العربية، حتى اليوم، في التمدد  والانتشار كلغة مشتركة (للتخاطب والكتابة الأدبية كذلك) لكثير من العرقيات المختلفة في أجزاء كثيرة من السودان. وعلى النقيض من ذلك فشل التعريب كسياسة  لتحقيق الاندماج الوطني بعد نيل الاستقلال فشلا ذريعا. ولاقت سياسة التعريب تلك، والمفروضة مِنْ عَلِ، أشد المقاومة والمعاداة، بل وهددت وقوضت الوحدة الوطنية التي كان هي هدف الداعين لها في سنوات الخمسينيات قبيل الاستقلال، ومؤخرا منذ عام 2003م في دارفور.

وبدأ التعريب تاريخيا في بداية العهد الإسلامي مع تدفق العرب الرحل المسلمين. وتسارعت وتيرة التعريب بعد سقوط الممالك النوبية في بدايات القرن الرابع عشر حتى قيام سلطنة الفونج في وسط السودان الشمالي  في القرن السادس عشر حيث رسخ التعريب وقوي عوده مع انتشار الثقافة الاسلامية. وازدادت معرفة السودانيين باللغة العربية مع انتشار الاسلام في البلاد، وذلك لسعيهم لقراءة وتدارس القرآن بلسان عربي (مبين)، ولأن اللغة العربية وفرت لهم، كما جرت عبارة جاك قوودي، "تكنلوجيا محو الأمية" لتسجيل صكوك الأراضي والأحداث المهمة والصفقات التجارية والمالية والسير الذاتية للشخصيات البارزة في المجتمع.

وأدى اعتماد المسئولين في الخرطوم  للتعريب سياسة رسمية بعد منتصف القرن العشرين إلى اكتساب هوية عربية بعد أن بدأت العائلات في بناء أنساب عن طريق ما أسماه البعض "اختراع التراث" لتأكيد (وفرض) نسب منحدر من سلالة ذكور عرب خُلَّص من ذوي أصول كريمة. وانتشر التعريب في السودان بطريقين آخرين مميزين  أولهما هم الرقيق المجلوب من أثيوبيا وجنوب السودان والمناطق الغربية حتى بحيرة تشاد، ومن أتى من أصلابهم، والذين اندمجوا ببطء في المجتمع كعائلات ومجتمعات حرة تتحدث العربية كلغة أم. وكان ثانيهما هم المجتمعات غير العربية مثل الفور والفولاني في دارفور، والذين جمعوا (وعلى مدي سنوات طويلة) أعدادا كبيرة من الماشية وأقاموا تحالفات مع الرعاة العرب مثل البقارة،  وبدلوا - وعلى مدى سنوات طويلة-  تقاربهم (أو إلفتهم) المجتمعية communal affinityعبر انماط استيطانية، وتصاهر، واستيعاب لغوي.

ويشمل تعبير "تعريب" طيفا واسعا من المعاني اللغوية والعرقية، وهي في حالة السودان معان يصعب التفريق بينها، أو تحديد مدى تداخلها،أو تاريخ حدوث تلاقيها واختلافها.

وعند استقلال السودان في الأول من يناير من عام 1956م كانت اللغة العربية هي لغة التخاطب الأوسع انتشارا في سائر ارجاء البلاد، غير أنها ظلت (وتظل) لغة من ضمن اللغات الأخرى التي يتحدث بها الناس في هذه الدولة الحديثة.

وأتت نتائج إحصاء عام 1956م (والذي جمعت فيه، ولأول مرة، بيانات عن أعراق ولغات سكان السودان) لتبين أن 3989533 من أصل 10262536 (أي نحو 38.8%) من السودانيين هم من العرب، ولكن أوضح ذلك الإحصاء أيضا أن نسبة الذين يتحدثون العربية كلغة رئيسة بلغت 51.4% (ولعل هذا يعد مؤشرا لاستمرار عمليات التعريب). واستغلت جماعات مختلفة المشارب والأهداف أرقام ذلك الإحصاء، كل بحسب هواه. ولم تجر كثير من الأبحاث عن الأوضاع اللغوية بالبلاد منذ الاستقلال، إذ أن التكوين اللغوي لابد أنه قد تغير، وربما كثيرا، منذ  منتصف الخمسينيات (أشارت الكاتبة لكتابين في هذا الموضوع: كتاب للأمين أبو منقة  صدر في ألمانيا في 1986م، وآخر لآن موسلي ليش بعنوان "السودان: هويات وطنية متنازع عليها".وجاء في مقال لسناء حمد في أحد المواقع الإسفيرية السودانية أن 19 مليونا الآن من أصل 30 مليونا في السودان يتحدثون العربية كلغة أولى، وأن البقية تتحدث العربية كلغة ثانية بعد اللهجات المحلية. ويجدر بالذكر هنا أن لعبد الله علي إبراهيم كتابا بعنوان "الماركسية ومسألة اللغة في السودان"  صدر في الخرطوم عام 2001.المترجم).

ويكاد بحَّاث العلوم اللغوية والاجتماعية في العقدين الأخيرين للقرن العشرين يجمعون على أن الخارطة اللغوية للسودان قد تغيرت في أوجه ثلاث أولها هو أن كثيرا من لغات السودانيين (مثل لغة البونقو في بحر الغزال) لا يتحدث بها  الآن أكثر من 2000 فردا، وهي متجهة للانقراض الكامل. وثانيها هو أن لغة المستعمر البريطاني (الإنجليزية) لم تعد هي اللغة الرئيسة للتعليم ما فوق المرحلة الابتدائية، وأن العربية حلت محلها في كل المراحل بقرارات متتابعة من عدة حكومات سودانية مختلفة.  وثالثهما هو أن اللغة العربية في انتشار مستمر ومتزايد كلغة تخاطب في سائر أنحاء السودان (ويشمل ذلك الأطراف البعيدة مثل دارفور ومدن جنوب السودان كجوبا وواو، وعند اللاجئين الجنوبيين في الخرطوم، والمهاجرين من شمال نيجيريا من الفولاني والهوسا). وصاحب تزايد تمدد وانتشار اللغة العربية سياسة للتعريب وضعتها ونفذتها الحكومات الوطنية، ولاقت  مقاومة تفاوتت مقدرا ونوعا في مختلف مناطق السودان. فرفض مثقفو الجنوب، على سبيل المثال، وخاصة بعد 1983م استخدام اللغة العربية كاللغة الرسمية الوحيدة بالبلاد. وصاحب تلك الدعوة تزايد في اعداد الجنوبيين الذين تنصروا، كتعبير عن رفضهم للتعريب، والذي عدوه محاولة لإدخالهم للإسلام عنوة. وفي أطراف السودان المسلم في الشرق والغرب تزايدت شكوى المثقفين والقادة المحليين من احتكار الوسط النيلي للسلطة والثروة والموارد، وسوء معاملة رموزه لأبناء الأطراف (أوردت الكاتبة هنا  في أحد مراجعها ما ذكره شريف حرير في كتاب له صدر في 1994م بعنوان "إعادة تدوير التاريخ في السودان Recycling the past in the Sudan " عن أن أحد مدراء جامعة الخرطوم – من السودان النيلي-  ذكر لأحمد إبراهيم دريج أنهم يحبون "الغرابة البسطاء"، ولكنهم لا يحبون مثقفيهم). وترجمت نقمة هؤلاء إلى حركات سياسية إقليمية معارضة (مثل مؤتمر البجا الذي تكون في 1957م). وأكد كل ما ذكر أن تمدد وانتشار اللغة العربية لم يصاحبه بصورة حتمية قبول بالهوية العربية. وأفضل مثال لهذا هو اتخاذ الكثيرين في الجنوب لـ "عربي جوبا" كلغة مخاطبة مع الرفض التام لوصفهم بالعرب.

ويزعم كثير من البحَّاث والخبراء في الشأن السوداني (من أمثال أوفاهي وشريف حرير واليكس دي فال وأمير إدريس وغيرهم) أنه، ومنذ منتصف الثمانينات، فإن العروبة Arabism  قد غدت أكثر حدة كأيديولوجية عنصرية في دارفور، وأورد الكس دي فال لذلك مثلا  بما صدر من بيان منسوب لما سمي بـ "التجمع العربي" (وهو تنظيم مسنود من ليبيا) في 1981م جاء فيه أن "الزرقة قد حكموا دارفور بما فيه الكافية، وأنه قد آن الأوان للعرب أن يحكموا أيضا ولو بقوة السلاح...". ويرجع كثير من المؤرخين جذور المشكلة والصراع على الثروة والسلطة بين المركز ومناطق السودان الطرفية إلى تاريخ طويل من العبودية (أوردت الكاتبة هنا ما يقال عادة في مثل هذه المواضع من استخدام الكلمة المرذولة "عبد"، وما وصفه المثقف الشمالي منصور خالد  بـ "سلسلة من الكلمات المسيئة الأخرى، والتي يتحرج المرء من كتابتها على الورق").

إن ارتباط السودنة أشد الارتباط بالنخبة العربية في السودان واحدة من غرائب التاريخ. فعقب إزاحة الغزو البريطاني – المصري للحكم المهدوي في 1898م لم يكن هنالك ذكر لما  يسمى "العرب السودانيين" في أوْساط المسلمين في السودان النيلي.  ففي ذلك الوقت كان كون المرء عربيا كان يعني أنه مسلم، وكونه عربيا كان يعني أيضا أنه حر، وكانت صفة "عربي" (خاصة لمن يدعي نسبا رفيعا) تعني أن لحاملها وضعا متميزا جدا في المجتمع (ومن جهة أخرى، لعل بعض المخضرمين من سكان  قرى السودان الشمالي يتذكرون أن اطلاق كلمة "عربي" على أي فرد في اللغة الدراجة  كانت يرد  في معرض التقليل من القيمة والشأن، والاتهام بالجهل أو البداوة أو السذاجة أو قلة الحيلة، فيقال مثلا: "زول عربي ساكت". المترجم). وعلى النقيض من وضع "العرب المسلم" فقد أكسب التاريخ الطويل لتاريخ الرق كلمة "سوداني" (وهي ترد للون الأسود، وترتبط عند الجغرافيين من العرب بـ"بلاد السودان" وهي مناطق أثيوبيا وغرب أفريقيا مثل السنغال) بمعان تفيد بأن "السوداني" هو من غير العرب (بكل ما يترتب على ذلك من نتائج وتوصيف!)، وفي هذا تأكيد على تصنيف عرقي في السودان وجده الحكم الاستعماري قائما، وحافظ عليه (لأسباب كثيرة بعضها سياسي وبعضها اجتماعي)، ورغم قيامه بإلغاء تجارة الرق رسميا بعد عام من احتلال السودان إلا أنه لم يشجع أبداعلى المساواة egalitarianism بين أفراد الشعب بجنسيه (في التعليم وغيره)، وساق ودفع بـ"السودانيين" (أي السود) و"المنبتين قبليا" للأعمال اليدوية والجندية، وخصص كل فرص التعليم والقيادة لأبناء العرب الذكور من "العائلات المعروفة". ويجب هنا ذكر أن الضباط  والجنود(وغالبتهم من هؤلاء "المنبتين قبليا") والذين كانوا ينقلون دوما لمناطق السودان الطرفية البعيدة عن مدن الوسط لعبوا أدوارا مهمة في نشر الثقافة العربية في المناطق التي نقلوا إليها. فهم من أدخلوا العربية في جنوب السودان (مثل "عربي جوبا") لمناطق لم تكن لتدخلها، وأدخلوا كذلك عربية "كي نوبي Ki-Nubi" في أوغندا وكينيا.

يعد هارولد ماكمايكل (1882 – 1969م) من أكبر دعاة السياسة العروبية في نظام الحكم الثنائي البريطاني – المصري، ومؤلف أهم الكتب في ما نحن بصدده وهو كتاب: "تاريخ العرب في السودان، مع رصد لمن سبقهم وللقبائل التي تقطن في دارفور" والذي صدر في عام 1922م، وهو كتاب يبحث في صحة (أو بطلان صحة) أنساب السودانيين العربية، وأثار كثيرا من شهقات الإعجاب عند البعض، وصيحات الاستنكار عند البعض الآخر. ووصم المؤرخ جيي سبويلندق  السير ماكمايكل بأنه "... عنصري  يؤمن بأن سلوك من يعهد إليهم بوظائف في إدارته (الراشدة؟) يعتمد في الأساس على أصلهم ونسبهم ..." (تعرض عبد الله علي إبراهيم بالذم  لماكمايكل هذا في أحد مقالاته المنشورة في موقع سودانايل فكتب يقول:" فأنظر بالله عليك هذا الحداثي الغربي ماكمايكل حامل نيشان مهمة الرجل الأبيض الداعية إلى سواسية الناس يخوض في هذه الجاهلية النتنة كمحتكر علم الأنساب الصواب. بخ بخ. ومثل حيرتنا في الرجل النمَّام هذا ما أحسن التعبير عنه المتنبئ حين قال:ونبطي من أهل السواد يدون (؟) أنساب اهل الفلاة.... وقدم عبد الله جلاب تفسيرا مبتكرا لنهج ماكمايكل، ولأسباب ونتائج تبني “العروبة" عند البعض وذلك في كتابه "مجتمع مدني مؤجل: قبضة العنف الثلاثية في السودان".المترجم). وكانت لسياسات مثل التي تلك التي دعا لها ماكمايكل أثارا سياسية مهمة وخطيرة في أمر التعيين في الوظائف الحكومية، إذ بموجبها كانت الأولوية في التعيين تعطى لذوي الأنساب العربية على حساب غيرهم (حتى المجيدين للعربية منهم إن كانوا من أصول مسترقة، وغير العرب وغير المسلمين كالدينكا مثلا) مما كان له أخطر النتائج  على مجمل السياسات الوطنية بالبلاد.

وكان النوبيون الذين يقطنون في القرى الواقعة شمال الخرطوم وحتى حدود مصر هم المجموعة غير العربية  الوحيدة التي أفلحت  في الروغان من السياسة البريطانية التي كانت تؤثر تعيين ذوي الأنساب العربية على غيرهم من السودانيين.  فرجالهم كانوا يتحدثون في بيوتهم بلغتهم الأصلية، إلا أنهم كانوا مجيدين أيضا للعربية. ووصفت الباحثة سوندرا هيل هؤلاء النوبة في رسالتها للدكتوراه بعنوان "هوية النوبيين المتغيرة في الخرطوم"  بأنهم "... صفوة  عجيبة stranger elite في المدن السودانية، فهم أمهر من غيرهم من غير العرب في الاندماج الاجتماعي واللغوي في أوساط العامة والمثقفين العرب السودانيين في المدن المختلفة...".

ولم يظهر في السودان تعبير "عرب السودان" إلا في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي عبر موجات (جديدة) من الأدب العربي، ومع تغير النظرة لكلمة "سوداني"، والتي صارت تقبل كصفة لأهل البلاد المستعمرة المسماة "السودان" تميزهم من بقية القاطنين في دولة  الحكم الثنائي. وتبنى المثقفون الوطنيون هذا المسمى كعلامة لـ"هوية وطنية" دون أن يزيل ذلك بالضرورة الوصمة (التاريخية) التي كانت تلصق كلمة "سوداني" بالعبودية. وبدأ المثقفون السودانيون العربفي تلك  السودان رحلة البحث عن "أصالة محلية" فوجدوها في تمجيد العادات والتقاليد المحلية وحياة الرعي والبداوة وحسن طبيعة (وجمال نساء) البادية، والتأكيد على أن عادات وتقاليد سكان السودان هي عادات تليدة وتقاليد عربية راسخة من قبل ظهور الاسلام، وكأنهم بذلك يقولون للعرب الآخرين أن السودان قد بز العرب الآخرين بحفاظه على الموروثات الثقافية بأكثر مما فعلوا هم، وأن العربية الدارجة في السودان هي الأقرب للغة الفصيحة (وهذا ما ورد في رسالة دكتوراه أستاذنا الفاضل في المرحلة الثانوية يوسف عمر بابكر عن "حركة الفجر ومكانتها في الأدب السوداني المعاصر"من جامعة أدنبرا عام 1979م. المترجم)

ففي عام 1927م أطلق الشاعر (النوبي الأصل) حمزة الملك طمبل دعوة لأن يكون للسودان أدب عربي خاص به يتناول قضايا المجتمع السوداني وعاداته ومشاكله، فأثار بذلك في البدء غضب الكثيرين ممن استنكفوا الصاق الشاعر النوبي كلمة "سوداني" باللغة العربية النبيلة  في كتابه "الأدب السوداني وما ينبغي أن يكون عليه". وتناوشه بالنقد المرير بعض النقاد المصريين لكثرة الأخطاء اللغوية في كتاباته (كما ورد في "تاريخ الثقافة العربية في السودان"  لعبد المجيد عابدين).

وفي الأربعينيات بدأ المثقفون الوطنيون في التأكيد على تميز السودان ثقافيا، وقدموا نظرية التهجين (الهجين) العرقي ethnic hybridityلعرب السودان. وكان لتوقيت تلك النظرية أهمية كبيرة إذ أن استقلال البلاد  كان يلوح في الأفق، وكان الشماليون المتعلمون (كعرب ووطنيين وموظفين في خدمة الحكومة الاستعمارية) كانوا في أمس الحاجة لتبرير ادعائهم بالرغبة والقدرة على تسلم السلطة في مستقبل قريب. وبعبارة أخرى، كانوا يريدون أني ظهروا (للكل) أن لديهم رؤية لكامل تراب المستعمرة، ورسالة لتولي زمام القيادة. ووصف محمد أحمد المحجوب في "نحو الغد " عام 1941م السودان بأنه:"إرث أجيال متعاقبة للموروث والمكتسب والمختلط... وهو نتاج امتزاج الزنوج السود  مع المهاجرين العرب، وأيضا الترك والآسيويين والحبوش والمصريين والنوبيون والمغاربة..." . وكان من رأيه أن التفوق الثقافي لتلك "الخلطة" ناتج  عن المنطق والذكاء والشجاعة  المتأصل في الدم العربي، مما يستوجب  الاعتماد على التراث العربي – الإسلامي في مسيرة التطور الوطني. وفي عام1949م  صرح عبد الرحمن علي طه (وزير التربية والتعليم فيما بعد) أن السودان قطر واحد  وله مجموعة واحدة من المؤسسات الحزبية، وهذا يعني ضرورة أن تكون له لغة يفهمها كل السكان، وليس هنالك من لغة يمكنها أن تفهم في كل أرجاء السودان غير اللغة العربية، فلهذا يجب أن تدرس هذه اللغة في كل مدارس السودان. وعند رحيل المستعمر البريطاني في الخمسينيات، وجد الوطنيون (والذين كانوا ينتظرون وراثة النظام الاستعماري) فرصتهم لإنزال أفكارهم على أرض الواقع.

alibadreldin@hotmail.com

///////////

 

آراء