الوطن المنشود .. والطريق المسدود

 


 

 

Siddig026@gmail.com

*بخصوص ما يجري في سوداننا اليوم ، وفي سبيل بحثنا عن وطن آمِن ، مُستقِر ، مُوحَّد ـ بِتنا على الدوام ننشُده ونحلم به ، وطن يأوينا ويُسعِدنا ويسَعنا جميعاً ـ على اختلاف ألسِنتنا وألوانِنا ، وعلى تعدُد وتنوع بيئاتنا ، وثقافاتنا ، ومُعتقداتنا ، أود أن أقول : ماذا لو أطلقَت ـ قوى الحُرية والتغيير ـ نداء لوحدة الصف بين كل ألوان الطيف السياسي في اليمين وفي اليسار ـ دون إستثناء ؟! وكذلك نداء لكل الحركات المسلحة ـ أن تتوحَّد وتتوافَق على تكوين جيش واحد يمثل كل السودان ؟!.*

*نعم ، المؤتمر الوطني خرَب البلاد ، وشرَّد العِباد ، وأفسَد الحياة ـ في فترة حُكمه ، والحرب الدائرة الآن في سوداننا هي خديعة وصنيعة حركات الإسلام السياسي ، أشعلوها وخططوا لها من خلال منسوبيهم من الإسلاميين الموجودين داخل وخارج المؤسسة العسكرية ، وألبسوها ـ كَذِباً و زوراً ـ ثوب الوطنية والكرامة ـ وهي أبعَد ما تكون عن ذلك . هذه حقيقة يعرفها الآن أبسط الناس إلماماً بكواليس هذه الحرب ، و هُم أنفسهم قد اعترفوا بذلك .. ولكن السؤال هو : كيف السبيل للخلاص من هذا النبت الشيطاني المُسمَّى " المؤتمر الوطني " أو " الحركة الإسلامية " ؟!* *هل الحرب هي السبيل الأنجع للخلاص منه ؟!*

*ثبَت بالأَدِلَّة القاطعة عن هؤلاء المُتأسلِمين ، المُجرِمين ـ الذين يرتدون قِناع الدين ـ أن السودان وإنسان السودان لا يعنيهم في شيء ، وأنهم لا يُريدون خيراً لهذا البلد أبداً ، وقد قالوا بالحرف الواحد لأجل أن يعودوا إلى الحُكم : " لن نوقف الحرب الدائرة الآن ـ حتى وإن أُحرِق السودان بأكمله " !!* *فهل الحريصون على سلام السودان وأَمنه واستقراره ـ هُم أيضاً كذلك ؟! ، أي أنهم لن يوقفوا الحرب ، ولن يسمحوا للمؤتمر الوطني بممارسة العمل السياسي " حتى وإن أُحرِق السودان بأكمله " ؟!*

*كل المؤشرات تقول أن اجتثاث الإسلاميين أو " الكيزان " عن طريق القِتال ـ كُلفته ستكون كارثية على كل السودان ، و هُم قد استطاعوا جر قوات الدعم السريع و رميها في أتون الحرب ـ عندما هاجموا مُعسكراتها فى المدينة الرياضية بالخرطوم ـ في صبيحة 15/أبريل ، والواقع أن جيش المؤتمر الوطني ـ حتى الآن لم يتمكَّن من تحقيق نصر عسكري على الأرض ، لكنه نجح في قتل وتشريد المواطنين من ديارهم ، ونجح في خلق الفوضى والتدمير الذي يحدث الآن في البِلاد .*

*يوجَد من يُصِر على إزاحة أو اقتلاع الإسلاميين ـ من السودان " ـ بقوة السلاح ، ولكن هذا الطريق سيكون طويل ، وشاق ، ومُكلّـِف ، وقد ظهرَت نتائج ذلك في واقع حياة الشعب السوداني خلال السبعة أشهر المُنصرِمة من عُمر الإقتتال الدائر الآن في البلاد ، و رأَينا كيف دفَع شعبنا الثمن غالياً ـ من نفسه وماله وأرضه وعرضه ، دماً و دموعاً ، وإن استمر الحال على هذا الوضع ـ في يومٍ ما ـ لن يكون لنا وطن نُقاتل عليه أو نتجادل حوله ، أو حتى نبكيهِ ، والأطماع الخارجية الآن أعيُنها وشهّـِيَّتها مفتوحة على ثروات بلادنا ، وشبح التقسيم أضحى ماثِل وواضح أمامنا الآن أكثر من أي وقتٍ مضى .*

*في مقولته عن جماعة الهوَس الديني ـ من حديثه الشهير في سبعينيات القرن الماضي ، والذي تحقق الآن بحذافيره ـ كان المُفكِر الكبير والأستاذ العظيم ـ محمود محمد طه ، يعني ـ على الأرجح ـ بكلمة " إقتلاع " ـ (الإقتلاع عن طريق الوعي) ، وذلك عندما قال :* *(ومن الأفضل للشعب السوداني أن يمُر بتجرِبة حُكم جماعة الهوَس الديني ، وسوف تكون تجرِبة مُفيدة للغاية ، إذ أنها بلا شك سوف تكشِف لأبناء هذا الشعب مَدى زِيف شِعارات هذه الجماعة ، وسوف تُسيطِر هذه الجماعة على السودان ـ سياسياً وإقتصادياً حتى ولو بالوسائل العسكرية ، وسوف يُذِيقون الشَّعب الأمَرَّين ، وسوف يُدخِلون البِلاد في فِتنة تُحيل نهارها إلى ليل ، وسوف تنتهي فيما بينهم ، وسوف يُقتلَعون من أرض السودان إقتلاعاً) . انتهى .*

*وها هو كل شيء الآن قد انكشَف عن هذه النبتة الشيطانِيَّة السرطانِيَّة المُسمَّاة " حركات الإسلام السياسي " ، وها هي الفِتنة قد وقعَت ، والفوضى الآن تضرِب بأطنابها في طول البِلاد وعرضها ، وقد أحالوا نهارها إلى ليل ، ولم يتبقَّى سِوى إقتلاعهم النهائي من السودان ـ فكيف السبيـــل ؟!*

*أما عبارة " لا للحرب " فقد ظلَّت بلا جدوى ، و دون أن يكون لها أثر أو انعكاس حقيقي على أرض الواقع ، بل صارت محط للسُخرية والتندُر .* *طيف واسع ـ منذ بدء الحرب ـ ظلَّ يُردد ويقول " لا للحرب " ـ ولكن ما هي النتيجة ـ بعد سبعة أشهر ؟!* *النتيجة كما يراها الجميع الآن ـ قتل وتخريب ، وتشريد للملايين من أبناء الشعب السوداني ، والقادم ربما يكون أسوأ .*

*لذلك أرى كخطوة عمليَّة أن يُطلَق نداء من قُوى الحُرية والتغيير كتجمُّع سياسي عريض ، فاعِل وناطِق بإسم الثورة المَجِيدة ـ أن يُطلَق نداء من هذا الكيان ـ لكل حركات الكفاح المُسلَّح ، بأن تلقي السلاح وتندمج في بعضها مع قوات الدعم السريع وقوات الشعب المُسلَّحة ، لتكوين جيش واحد يمثل كل السودان ، وكذلك نداء لكل القُوى السياسية ـ بما فيها المؤتمر الوطني ـ بأن تتوافَق على وقف الحرب ـ كشيء يتضرَّر منه الجميع ابتداءً ـ وذلك بمن فيهم " القُوَّتين المُتقاتلتين " ، ثم تتوافَق هذه القُوى " مُجتَمِعَة " ـ على فصل المُؤسسة العسكرية وإبعادها عن السياسة ـ كُليَّاً ، وألَّا يتم إستخدام هذه المؤسسة من قِبَل أي جِهة سياسية مُستقبَلاً ، لِئَلَّا تتكرر سيناريوهات الماضي ـ وذلك بترجيح المصلحة العامة على المصالح الشخصية والخِلافات الحِزبية ـ أرى في ذلك حل ومخرَج لبلادنا من هذا النفق .* *(توافُق كل القُوى السياسية بمُختلف توجُّهاتها ، و دمج كل القوات المُسلَّحة في بعضها لتكوِّن جيش واحد مِهَني يبتعِد كلياً عن السياسة) .*

*أما مسألة المُحاسبة والمُحاكمة فالحقيقة أن مدنيين وعسكريين كُثر ـ في تاريخنا السياسي القريب والبعيد ـ قد أجرموا في حق السودان وشعبه ، وأحزابنا السياسية ـ منذ الإستقلال ، لكلٍّ منها ـ بصورة أو بأُخرى ـ دور في ما حلَّ بالسودان الآن ، هذه حقيقة . وما يحدث في بلادنا الآن هو نتيجة طبيعية لتراكُم أخطاء سياسية ، وأطماع شخصية ، ومظالِم تاريخية مُمتدة ، ولكن مُناهضة الظُلم ومُلاحقة الظالِم عن طريق الحِصار السياسي والمُحاسبة القانونية أفضل وأصح من إنتهاج طريق القِتال أو المُواجهة العسكرية ـ " إذ أن كل ما تُقاتِلُه تُقوِّيهِ ، وكل ما تُقاوِمُه يُثابِر ويبقى " ، وفي تاريخ الشعوب وفي ما يحدُث في العالم اليوم على ذلك شواهِد وأَدِلَّة ، والسياسة ـ كما يقولون ـ هي فن المُمكِن ، وليست فن المُستحيل ، لذلك ـ في هذا المُنعطَف الذي تمُر به بلادنا الآن ـ من الخير أن تُترَك مسألة المُحاسبة للقانون ، في دولة عدالة يتساوى فيها الجميع ـ دون حصانة و دون تمييز .*

*الحركة الإسلامية بمُختلف مُسمَّياتها وتيَّاراتها ـ يُمكن تحجيم دورها والحد من فاعِلِيَّتها في الحياة السياسية ، وفي المُجتمع السوداني ككل ـ عن طريق مُحاصرتها ـ سياسياً ، ومُلاحقة عناصرها ـ قانونياً ، وذلك حتى تتم مُحاسبة كل من أجرم في حق السودان وشعبه ـ من مدنيين وعسكريين ، في كل الحِقَب ـ فالحقوق لا تسقُط بالتقادُم ـ كما يقول أهل القانون ، وكذلك يتم تنظيف وتخليص شعب السودان وأرض السودان من دنَس الكيزان ، ومن رِجس الحركة الإجرامية المُسمَّاة " إسلامية " ـ نهائياً ، ولكن الآن الشيء العاجِل والأهَم من كل هذا هو حقن دماء أبناء الشعب السوداني ، ووقف تدمير البِنى التحتية للمنشآت ، وذلك بوقف الحرب التي هي الآن " الشر الأعظَم من وجود الكيزان ، والحركة الإسلامية ـ كتنظيم سياسي ، فاسِد ، مُجرِم " .*

*خِتاماً ، لا يفوتني إعتراض البعض ورفضهم المُطلَق لوجود المؤتمر الوطني في الساحة السياسية في البلاد ، وفي ذلك تحضرني حِكاية مُرتبطة بقصة سفينة نبي الله نوح ـ عليه الصلاة والسلام ، تقول الحِكاية ـ بعد أن أمَر الله تعالى نبيّـِه بأن يحمِل معه في السفينة أهله ، ومن كل المخلوقات زوجين إثنين : فجاء الحِمار ـ وكان آخر ما حُمِل على السفينة ـ فلمَّا نهَض بصدرِه ليدخُل ، تعلَّق إبليس بذيلِهِ فلم تستقِل رِجلاهُ ، فجعل نوح يقول له : ادخُل ، فينهَض فلا يستطيع ، حتى قال : ويحك ، ادخُل وإن كان الشيطان معك !!* *وكانت هذه كلمة زلَّت على لسانه . فلمَّا قالها نوح ، استطاع الحِمار أن يدخُل ـ بعد أن أخلى الشيطان سبيله ، و دخل معه في السفينة .* *فقال نوح ـ لإبليس : ما أدخلَك يا عدو الله ؟!* *فقال : ألم تقُل اُدخُل ولو كان الشيطان معك ؟!* *قال : اخرُج يا عدو الله ، قال إبليس : لن أخرُج ، وما كان لك بُد من أن تحملني معك .* *الشاهِد في الحكاية أن حركات الإسلام السياسي ـ بمُختلف ألوانها وأشكالها ، وعلى رأسها " المؤتمر الوطني " ـ أنها شر لا بُد منه ، وهي أحد الأسباب الأساسية التي عرقلَت وأقعدَت سوداننا عن النهوض والتقدُّم في مدى عُمره كدولة مُستقِلَّة ذات سيادة ، ولكن الشر الأعظَم من ذلك ـ كما ذكرت ـ هو " فِتنة الحرب " .*

*لذا ، في تقديري ـ الآن يجب على الجميع ـ قوى سياسية ، وحركات مسلحة ، ومواطنين ـ أن نتوافق ونتجاوز عن كل شيء ـ في هذا الوقت ـ وأن نضع أيدينا فوق بعض لنُخرِج بلادنا من هذا النفق المُظلِم الذي أُدخِلَت فيهِ ، ولنُحافِظ على سلامها وأمنها واستقرارها ووحدتها .*

*الصديق الزبير الصديق*

 

آراء