الي الاسلاميين وهم يخرجون من السجون وحتي لا ننسي
عمار محمد ادم
15 April, 2022
15 April, 2022
من بعد ان قمت بكشف تزوير الانتخابات تحرك موكب من الطلاب الي مكتب مدير الجامعة ما مون حميدة يحملون مذكرة وقد تجمعوا امام مكتب المدير الذي خرج عليهم وامامه سائقه يحمل حقيبته وعدد من الصحف اليومية وفي وركب سيارته ومضي فصمت الطلاب بعد ذلك صمتا غريبا حتي انك لاتكاد تسمع علو وصعود انفاسهم فقد فوجئوا بهذا التصرف والجمت السنتهم المفاجاة وانصرفوا عن المكان....ولكن ما ان اشرقت شمس اليوم التالي وتناهت الي الاسماع خبر ان المدير قد ولج الي مكتبه حتي تحركت جموع الطلاب وكنت فيهم رغم فارق السن. تحركت تلك الجموع لتحيط بمكتب المدير من كل جانب وكان قد استفزها موقف يوم امس فقانوا بقطع الماء والكهرباء والتلفون واغلقوا كل المنافذ التي تؤدى الي المكتب واستمر المدير محاصرا من الصباح حتي المساء والجو متوتر والعيون يتطاير منها الشرر وعند المساء افتعل لقاء بين المدير وممثلين للطلاب واذكر انه قد جاءنا من جهة الهندسة كل من دكتور ابراهيم غندور وود.عبد الشكور ود.ابوبكر وابو الجوخ ووكيل الجامعة .وطلبوا من الطلاب السماح لهم بالدخول الي مكنب المدير وقد سمح لهم الطلاب بالدخول وقد كنت قريبا من هذا المشهد وارقبه وقد لبثنا مليا وحضر الينا طالبا لاهثا وهو يقول ان الشرطة علي وشك الهجوم واقتحام الجامعة فاقتلعت حديدة من السور وبدا الطلاب يفعلون ذلك وحتي الطالبات واذكر منهن شيراز محمد عبدالحي ابنة الشاعر العظيم وجلست في احدي المقاعد ومن حلفي الحديدة وقد قررت ان اكون اول من يقتحم كتلة الشرطة المتراصة والتي ماكنت تري منها غير الخوذات والدرقات وكان يتقدمهم ضابط برتبة المقدم وما ان حملت حديدتي للهجوم حتي فوجئت بالضابط المتقدم يقول لي (زح ياعمار) فقد كان شخصا اعرفه وقد اسدى الي خدمة جليلة من قبل من بعد هروبي من احدي الحراسات. في هذه الاثناء كانت حجارة الطلاب ترجم الشرطة بكثافة ويعضها يتساقط علي ظهري وانسحبت الي كتل الطلاب والتي كانت تقاوم بعنف وشدة.ولكن هبطت علينا كميات من الغاز المسيل للدموع والتي لم اجد لها مثيلا من قبل وصاح الطلاب بصوت واحد لا اله الا الله وتشتت شملهم واصبحت مطاردا وما ان اتيت الي بوابة برج الهندسة والتي كانت تعلوها الحراب علي امتداد الحائط الاعمود ضيق وعال واذكر انني تحدثت بصوت عالي مع نفسي وقلت (بقدر انطها وقلت ايوا بقدر انطها) وفي خفة النمر قفزت الي اعلى العمود المحاط بالحراب ثم هبطت الي الارض لاجد بوكس الامن ينتظرني وقد قبضوا علي والقوني في ظهر البوكس وانهالوا علي بالعصى واوسعونني صربا. كاني نحاس قبيلة البطاحين علي ظهر عربة بوكس .وكان الشارع مفتوحا من شارع كلية الهندسة وحتي مباني جهاز الامن والمخابرات ولم تمض لحظات حتي كنت بين يدى الضابط عاصم كباشي والذي قال لي (خطبتك كلها صورناها انت ايام نميرى عامل لينا مشاكل ايام الاحزاب عامل مشاكل حكومة الله ذاتها جات تعمل في حركاتك دى) فقلت له وانا لاهث الانفاس (انت ايام نميرى قاعد وايام حكومة الله قاعد كلو عشان يدوك ماهية) فقال لي تقصد اني مرتزق فقلت له الحمد لله قلتها بي لسانك هنا صاح اعزلوه اعزلوه وهنا اقتادني الجلاوزة الي حيث بيوت الاشباح.وفي اثناء الطريق الي بيوت الاشباح كنت اجلس في المقعد الخلفي لسيارة صالون فيها اربعة افراد من الامن مدججين بالسلاح حتي السائق في جنبته يتدلي مسدس كنت بين اثنين منهم في المقعد الخلفي وهما يضغطان بيديهما الغليظتين علي رأسي المطاطأ عنوة ويتوسد فخذي. ولجت السيارة الي مكان لا اعرفه وهو مبني قديم فيه اشجار ضخمة وكثيفة تغطيه و تنتشر فيه سبعة عشر زنزانة علي شكل حدوة الحصان وفي مدخله غرفة استقبال ومبني اخر عبارة عن شقة واسعة. اقتادوني الي احدي الزنازين في حبس انفرادي وكانت مجموعة من الطلاب محشورة في زنزانة كبيرة هي الزنزانة رقم ١٧ واذكر منهم الطالب طارق هاشم اما محمد فاروق طالب كلية الهندسة فقد كان في زنزانة وحده واخرون موزعون في زنازين اخري ومنهم الطالب سامر و مرتضي جعفر الذي همس لي بانه يعرفني وانه شقيق كل من سامي ومحمد وهم من كنت اعرفهم من الاخوان المسلمين مابين كسلا والقضارف. كان الضابط المسؤول عن الطلاب في ذلك الزمان١٩٩٣ هو عبد الغفار الشريف وما ان دخلت بيوت الاشباح ورايت ذلك المكان بدات ارفع صوتي عاليا واقرأ قوله تعالي(ان فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين) واناديهم بانهم ظلمة كنت وحدي في الزنزانة انام علي الارض بلافراش واتوسد حزائي ولم اغير بنطلون الجنز والتيشرت الذي كنت البسهما طيلة هذه الممتدة مابين العام١٩٩٣وحتي العام١٩٩٤ وشهدت فيها الاهوال وكان قد زارني صلاح قوش في الزنزانة صبيحة اليوم التالي لاعتقالي وجلس معي علي الارض داخل الزنزانة وهو مضطرب شيئا ما ويدخن سيجارته في توتر وسألني( انت صحيح كنت بتقول ان فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين فاجبته نعم كان يبدو عليه التأثر واخرجني الي مكتب في بيوت الاشباح وجاؤوا له بازاء فيه مشروب الكركدي وملؤوا له الكوب فاخذه ومده الي باحساس، فيه الحزن والتاثر وقال لي معاتبا (عشوائي) لم آبه لحديثه فقد كنت في تلك اللحظات في غاية الحماس والغضب مما قد رايت من معاملة للمعتقلين. ثم انصرف عني وتركني اواجه مصيري مع عبد الغفار وضابط اخر اسمه العباس يسومونني، سوء العذاب
كنت كالثور الهائج في الزنزانة اسلقهم بالسنة حداد والقي الخطب وارفع الاذان احيانا عند اوقات الصلاة وكنت اعمل علي كسر هيبة المكان وازالة الخوف من الطلاب المعتقلين وبقية المعتقلين قبلنا .ولم يكن يهمني شئ. كان معنا في الزنازين الامير نقد الله وسيد احمد الحسين. ثم جاء من بعد المناضل يوسف حسين رحمه الله وكنت احس بالفخر وانا بين هؤلاء الرجال العظماء.
كان الوقت شتاء والبرد قارسا والزنزانة الخرصانية تحتففظ بالبرودة كل اليوم وانا بلا غطاء او فراش وقد تسبب ذلك لي في الكثير من الامراض مازالت الالامها المبرحة تلازمني حتي الان . وكان معنا ايضا بعض المعتقلين من غير السياسيين وبعضهم متهم بالتجسس والتخابر لصالح جهات اجنبية من منسوبي جهاز الامن. وهنالك بعض الاجانب من المغرب العربي ومصر وبعض المعتقلين يؤتي بهم ولكن يطلق سراحهم بعد يوم او يومان. واستمر اعتقال تونسي وأخر ليبي.
كانوا يخرجون يدي المعتقل من الفتحة العلوية الباب ويربطونها بالجنزير مع الطبلة الخارجية ثم يأتي أحد أفراد الامن واسمه حسين بالماء والثلج وحين تكون ساعديك وراسك خارج الزنزانة تكون شبه معلق في وقت كان البرد قارس فيضع الثلج علي جردل الماء ثم يبدأ بصب الماء علي رأس المعتقل وهو يتلذذ أثناء ذلك وأثناء الاعداد لهذه العملية وكأنه يعد حجر شيشة اويجهز قعدة تدار فيها اقداح الراح وقد تسمع انين اخر (يتف) جسمه بجسم صلب وكانوا يجروننا علي الخرسانة المبتلة بالماء في الشتاء أو يدفعوننا الي الامام عليها وهم يمسكون بارجلنا ونحن نزحف علي الخرصانة ويضربونني بخرطوش المياه الارضي الاسود وانا اردد بصوت عالي احد احد.
استخدموا التعذيب النفسي عن طريق وآلدتي التي كانوا يكذبون عليها بانني ارفض التوقيع علي تعهد بان لا اعود الي جامعة الخرطوم فيؤتي بأمي في احدي مكاتبهم وهي باكية حزينة تطلب مني ان اوقع علي تعهدهم لان ابنائي يعيشون في ظروف سيئة وهي لاتدري انها تفعل ذلك ضمن عملية مدروسة للتعذيب النفسي هي مرحلة من مراحلها وتعقبها مراحل اخري يستخدم فيها صغاري عند زيارتي مع امهم وحين يكذبون عليك بانك علي وشك الخروج ليذهبوا بك الي اوضاع اشد سوءا.
وكنت قد اجتمعت بكارلوس لمدي ايام ثلاث في بيوت الاشباح وقد كان في الزنزانة رقم٧ وكنت في الزنزانة رقم ١ وقد كان يمر بي كلما اخرج الي الحمام ويقول لي بالانجليزية be strong لا ادرى لماذا كان يخاطبني هكذا كلما مر بي وكانه يخاطب نفسه من خلالي. وقد حذرته من انهم قد يؤذونه فبدا علي عينيه شىء من الرعب ولكن سرعان ما تلاشي وبدت عليه ملامح الاشمأزاز من المكان وهو يجول ببصره فيه . لقد كان انيقا غاية الاناقة بقميص ابيض وينطلون ابيض لربما مشرب باللون البني. وكان يخرج من زنزانته مصفدا مغلول اليدين ابادله الابتسامات والتحايا كلما مر بي وانا لا اعرف من يكون وقد قال لي رفيقي التونسي الذي كان قد حشر مع كارلوس في زنزانته مع اخرين امعانا في اذلال الضيف الانيق وقد عاد الي زنزانتي رفيقي التونسي ليقول لي ان هذا الرجل ليس شخصا عاديا ولربما يكون جنرالا عظيما في احدى الجيوش الاروبية. يبدو ان صاحبي في السجن الذي يقول انه تونسي ليس هينا كذلك فهو يحلل تحليلا عميقا ويبدي ملاحظات دقيقة كذلك. وفي ذات مرة من المرات بينما كان كارلوس قادم من الحمام توقف امام زنزانتي وقال انه صايم ويعني انه مضرب عن الطعام قالها بلغة عربية معطوبة وقد اعلنت مشاركته الاضراب عن الطعام .وكنت القيت اليه بجلبابا يقيه من البرد القارس فتلقفه بلهفة وسرعان ما بدت عليه معالم الاسي أءذ وضعه الزمان في هذا الوضع الحقير. كان الجلباب لاحد الانصار الذي ترك كيسا فيه ملابس من بعد ان اطلق سراحه من مكان التحقيق. كان ذلك الكيس نعمة لي فقد مكثت طيلة فترة اقامتي في ببوت الاشباح والتي امتدت من العام ١٩٩٣ وحتي العام1994 بملابسي التي قبضت بها من جامعة الخرطوم كما ذكرت ذلك من قبل. ووجدت في الكيس مسبحة وراتب الامام المهدي.
ذكر لي رفيقي التونسي ان كارلوس قال له انه يعرف الترابي وذكر له انه سوف يؤدبهم. لست ادرى كيف خرج كارلوس وقد رايته اول مرة وهو يخرج من الزنزانة وعلي يديه القيود وذلك حينما اخرجونا من الزنازين لنتعرض لاشعة الشمس وكان فينا سيد احمد الحسين ويوسف حسين والامير نقد الله وعبد الله غابات الذى قال لي (ياعمار الزنزانة رقم ٧ فيها حاجة ما طبيعية حاول اعرفها) وقد تحركت فى المكان وكانه قد اصابني السعال والقيت ببصرى في عمق الزنزانة رقم ٧ ولكنني لم ار شيئا . وما ان فتح بابها حتي اطل علينا رجلا ابيضا مشرب بلون الحمرة طويلا وجسيما ويبدو انه رياضي وقوي ولكن تظهر عليه اثار النعمة. قال لى عبد الله غابات (ياعمار الجتة دى كلها ما شفتها) .لقد كان الرجل يضع ظهره الي الباب لذلك لم اره حينما القيت نظرى في زنزانته.
كان هنالك شخصان معتقلان قد اتي بهما من الاردن قالا لي ان هذا الشخص كان مسجونا معهما في الاردن وكانت زوجته تزوره كل يوم. وحتي تلك اللحظة لم نكن نعرف من هو الرجل ولم اعرف حقيقته الابعد خروجي ورؤيتي لصورته في صحيفة اخبار اليوم من بعد تسليمه. وكان اول من قابلته من من بعد معرفتي الحقيقة هو صديق الزيلعي من الحزب الشيوعي وبدات الحديث معه في ذلك وانا تحت تاثير الدهشة الا انه توجس منى خيفة ولم يرد علي ومضي في سبيله.
وفي الزنزانة رقم٢كان يقيم الرفيق يوسف حسين ما ان وضع قدمه في ذلك المكان حتي شعرت بالزهو فانا الان الي جوار قامة من قامات النضال انه يوسف حسين. لم اجد له شبيها سوى المناضل احمد شامي رجال قل الزمان ان يجود بامثالهم يخاطبني يوسف حسين صباحا. وكلينا يطل من شرفة الباب الحديدى يحدثني عن طائر جميل قد رك امام زنزانته يقول ان الطائر من الواضح انه أت من اروبا لربما فريشه ابيض لايخالطه غبار وفيه حركة وحيوية. كان يدعي لزبانية النظام ان سمعه ثقيل كما نقول بالعامية يخاطبونه فيدعي انه لايسمعهم ويحرك فمه وهو يضم شفتيه علي وجهه كامل الرضا متسامح مع نفسه اقصي درجات التسامح مؤمن وصادق في قضيته .اخذوه منا في بيوت الاشباح الي سجن كوبر ثم جاؤوا به في اليوم التالي والقوا به في عنف في الزنزانة رقم٧ ومنعوه من الادوية الخاصة به وقد علمت انه فور وصوله الي كوبر ووضعه مع المتهمين في قضية التفجيرات استطاع اقناع شاهد الملك في القضية ان لا يشهد وبذلك استطاع افساد قضية الامن كلها امام المحكمة لذلك جاؤوا به بتلك الطريقة.
يخطب في الميدان الشرقي في جامعة الخرطوم فيقول ..انا لا اقول كما يقول عمار محمد ادم ...(القصة ماقصة رغيف القصة قصة شعب راكع دار يقيف) ...لم اكن ادري من صاحب هذه الابيات ولكنني كنت اعلي بها صوتي طول اليوم حينما قال لنا زبانية النظام انه لابوجد رغيف لوجبات ذلك اليوم.
اما الامير نقد الله فقد كان يزجر كلاب الامن بصرامة وحزم فينطوون علي انفسهم ويتضاءلون فهم امام هيبته وقوته جرذان لاتسوي شئ كان ذلك والانقاذ حينها في اؤج سطوتها وعنفها وقهرها.. يسألني الامير وهو يراني اتحدي الة القهر والقمع والاستبداد واهزأ بادوات الخوف والارهاب والترويع في بيوت الاشباح واهز هيبة المكان يسألني الامير فجاءة.. (يازول انت من وين.. فأجيبه انا من القرير من جهة ابي من قوز قرافي ومن جهة امي نحنا ناس ود التويم) .. فيهز الامير راسه يعني (جاياك من الجهتين) ويرسل بصره بعيدا.. لم اكن وقتها ادرك مايقول..
وحينما اخرجني ذلك الكلب من كلاب الامن من زنزانتي في اخر الليل الي ساحة التعذيب .وظل علي هذا الحال مدة من الزمان ثم مالبث ان ردني الي زنزانتي دون ان يعذبني وما ان انصرف الرجل وكان الليل قد ارخي سدوله ولاتسمع سوي صرير الريح علي الابواب سمعت صوت الامير نقد الله يأتيني من الزنزانة من علي الجانب الايمن....( ياعمار من قبيل ماسك ليك السبحة)رحمه الله رحمة وآسعة وجعل الجنة متقلبه ومأواه.
كانت قد صدرت لهم الاوامر بوضع القيود علي يدي (الكلابيش) ولكنهم كانوا يخشون ان اعتدي عليهم اثناء وضع ا(لكلابيش) وكنت شرسا قويا. ولايستطيع احد منهم الاقتراب مني فاستغلوا لحظة السجود في الصلاة ودخل تسعة منهم الي الزنزانة وكان احدهم يحمل القيد (الكلابيش) واسمه حسن كلابيش. وما ان فرغت من الصلاةك حتي نهضت بقوة. ووضعت ظهري علي الحائط من جهة القبلة وهي المساحة الوحيدة التي لايوجد فيها احد منهم وخاطبتهم قائلا (انا ما بقدر عليكم كلكم لكن الليلة حااقتل واحد منكم واكسر راسو في البلاط دا) واشرت الي الارضية الاسمنتية الصلبة في الزنزانة وكنت اكرج اسناني وفي حالة غضب شديد وانا جاد فيما اقول. فبدا الخوف علي وجوههم فكل واحد منهم يظن انه سيكون الضحية. ثم صاروا يستعطفوني قائلين انهم لاذنب لهم في ذلك وانها تعليمات واوامر تاتيهم من جهات عليا. وقال لي احدهم انه يتقاضي فقط ٨ جنيها كمرتب شهري وقال اخر ان اطفاله شربوا شاي الصباح اليوم بدون حليب رثيت لحالهم ورق لهم قلبي ومددت لهم يدي ليضعوا عليها القيود وانا اترنم باغنية من اغاني الحماسة عن القيد (الجنزير في النجوم) ولكنني لم ابق طويلا في القيد فقد جاء احدهم وهو يغطي وجهه ورأسه وفتح باب الزنزانة ووفك القيد عن يدي وهنالك مواقف انسانية تبرز في مثل هذه الظروف تترك اثرا عميقا في النفس ولن أنسي فرد الامن المكلف بجلدي وقد طفرت الدموع من عينيه ثم سالت علي خديه وكنت اردد اثناء الضرب بالسياط.. احد.. احد.. علي طريقة سيدنا بلال مع كفار مكة.
حاول احد المعتقلين ان يجد فرصة للخروج من المعتقل واستطاع ان يدخل زجاجة فارغة الي الزنزانة وهناك عمل علي تحطيهما الي اجزاء صغيرة ثم اصبح يصرخ مدعيا انه حاول الانتحار بابتلاع الزجاج فحملوه الي المستشفي وهنالك بعد الفحص والكشف عليه تبين انه لم يبتلع شئ من الزجاج فعادوا به الي بيت الاشباح وهنا ضربوه ضربا مبرحا.
و كنا قد دبرنا خطة انا ومعتقل ليبي واخر للفرار من بيوت الاشباح ويبدو ان الشخص الثالث قد وشي بينا لذلك اخرجنا للتعذيب في فناء المكان. واثناء التعذيب ونحن في حالة اعياء شديد ورهق. كان الليبيى يقول لي بصوت واهن (يا صعيدي ياوش النحس انا مما عرفتك ماشفت خير) كانوا يجروننا علي الارض من بعد تجويعنا ويأتون بالبرميل ويقلبونه ويضعون من فوقه مقلوبا حوضا لغسيل الايدي وهو من النوع الانجليزي القديم في شكل صندوق ومن فوق البرميل والحوض يضعون علبة اللبن المجفف فارغة ( فور موست) ويامرون الواحد منا ان يقف برجل واحدة علي العلبة التي تعلو البرميل والحوض وان تكون رجله الاخري معلقة في الهواء ويفرد الواحد منا يديه حتي نحفظ التوازن اثناء الوقوف علي رجل واحدة لمدة من الزمن. فاذا ما سقط احدنا علي الارض انهالوا عليه بالضرب وكانوا يستخدمون خراطيم المياه السوداء التي تستخدم في شبكات المياه للضرب وكانت الالامها المبرحة تتجاوز اللحم الي العظم. وهم يصيحون فينا ويسمعوننا حديثا مؤذيا للنفس.
و في الزنزانة الي جواري كما ذكرت الاستاذ يوسف حسين والذي حدثني احد منسوبي جهاز الامن انهم اجروا التعداد السكاني في بدابة الانقاذ لاسباب امنية اهمها دخول عناصرهم بيوت الناس وفي احد التقارير كان الحديث عن بيت يسكنه رجل واحد في حي المايقوما بالحاج يوسف وقد قاموا بمراقبته وهو يحضر مساء ويتناول الشاي بالحليب بطريقة غريبة شئ ما واخيرا داهموا البيت ووجدوه يحتوي علي اسرار مشفرة وحين قبصوا عليه اخبرهم انه من قيادات حزب البعث العربي الاشتراكي وانه لن يبوح باسرار الحزب وان كان ثمن ذاك حياته وهكذا استمروا في محاولة الضغط عليه ويحضرون بعض البعثيين ويسالونه ان كان يعرفهم وكان يقول لهم انه لايمكن ان بدلي باي معلومات وقد احضروا اعداد كبيرة من الاسلاميين للتعرف عليه ولكنهم فشلوا جميعا في معرفته وبعد عدة اشهر نادي زبانية النظام واخبرهم انه يوسف حسين عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني ويبدو أنه فعل ذلك بعد انقضاء المدة المحددة حزبيا لأنها،فاعلية الوثائق وكل الأسرار المتعلقة بالشخص المعتقل. وقد فرحوا وهللوا بعد ان حل لغز هذا الرجل واحضروا عشاء فخيما تتوسطه انواع الفراخ واكلوا جميعا محتفلين واخذ يوسف حسين من جهاز الامن الي سجن كوبر
فجاءة ضج المكان بالناس والعربات الخاصة واخرجونا من الزنازين وكنت مع الاستاذ سيد احمد الحسين في عربة صالون يقودها احد افراد الامن وهي تطوف بنا في شوارع الخرطوم (2) ثم ارجعونا مرة اخري الي الزنازين. وعلمنا من بعد. انها كانت هنالك زيارة مفاجئة للمبعوث الاممي (دانفورث) وقد اخرجونا لكي لايرانا في تلك الزنازين الضيقة التي تبلغ مساحتها متران في متر للشخص الواحد وتتسع اخري لاكثر من شخص.
كان الاستاذ سيد احمد الحسين في زنزانته ينام علي برش علي الارض وقال لهم مرة (البتاع بتاعكم دا خلاص اتسحق) ويقصد ان البرش قد بلي من كثرة الرقود عليه. وكان حين يخرجونه من زنزانته يخرج مرفوع الرأس ويمسح علي صدره بكفه مصدرا صوتا عاليا يخرج من صدره. ويتكلم بصوته الجهوري ولربما يعلق علي مواجهاتي مع افراد الامن قائلا (نحنا اصلنا كدة ماعندنا كلام لا وراء) ويقصد الشايقية.
وكان لشد ما يحزنني انه حين يؤتي بالرجل من المعتقلين الجدد. ويكون سائرا معهم في وضعه الطبيعي. ولكن عندما يقفون به اما الزنزانة ويفتحون القفل(الطبلة) ودون ان يقصد تري رأسه يطاطا الي الارض مما يؤشر الي انكسار في النفس. وتكرر ذلك المشهد لاكثر من مرة. ولكم كان يؤلمني انكسار الرجال. وكثير منهم من الاشخاص العاديين الذين اعتقلوا لمجرد الاشتباه فيهم. ولن انسي ذلك الرجل ذو البشرة البيضاء واللهجة المصرية حينما اجهش بالبكاء بمرارة وهؤلاء الكلاب يذكرونه بابنائه واوضاعهم الان وبمزقون نياط قلبه. لم يكونوا بشرا ولكنهم ذئاب بشرية في شكل انسان.
كانوا لايتركوننا نصلي في جماعة ولايخرجوننا لقضاء الحاجة الا في الوقت الذي يختارونه مما يضطرنا الي استخدام الكوب الوحيد الذي نشرب به الشاي والماء ونقضي فيه الحاجة لنلقيها من بعد في الزقاق الذي تطل عليه نافذة الزنزانة. واحيانا يمنعوننا النوم بالطرق علي ابواب الزنازين من بعد بحصبها بالحجارة او ترك الزنازين مضاءة بالانوار حتي الصباح واو باطلاق صوت صفير داخل الزنزانة ليس له نهاية مما يحدث توترا واتلافا للاعصاب ومابين الجوع والسهر يكون الانهيار الكامل وكانوا لايوزعون علينا الا الكتب التي تتناول التعذيب في القبر واهوال يوم القيامة.
وفي ذات مرة من المرات قاموا باعتقال احد افراد الامن لاتهامه بانه يقوم بايصال معلومات ويمد جسور العلاقة ببن معتقلي حزب الامة وقيادة الحزب في الخارج كان ذلك الشخص اسمه (نورين) ومن ابناء دارفور فقاموا باعتقاله كما تسرب الينا ووضعوا علي يديه ورجليه الاصفاد ومعه اشخاص اخرون وبعد ذلك غيروا كل طاقم الحراسة وهذا ماحدث لفرد أمن أخر كان يتعامل سرا مع الاستاذ ميرغني عبد الرحمن سليمان وتم اكتشافه وهذه الحادثة لم نحضرها ولكن رواها لي فرد الامن نفسه. اما ساتي فقد اجبر المتهم فاروق علي حلق لحيته واهانه واذله ولم يمض يوم واحد علي ذلك السلوك حتي صدمت سيارة في الطريق فرد الامن ساتي وقال مرافقه انه اطلق صرخة عالية عند الصدمة وذهبوا به للمستشفي للعلاج من الكسور.
كان معنا معتقلون احدهم من جهاز الامن ويعمل في وظيفة كتابية وقد اتهموه بانه يصور الوثائق ويرسلها الي حكومة القذافي وكان معه ثلاثة اخرون من خارج الجهاز لم يخفي احدهم الشماتة حينما يخرجونني للتعذيب باعتباري احد من الاسلاميبن.
ولن انسي ذلك الضابط الذي كان معنا في تنظيم الاخوان المسلمين في الديوم الشرقية حينما كنت في منزل عمي عبد الله ادم وكنا صغارا مابين مسجد الشايقية او الختمية ومابين المركز الثقافي لن انساه وقد بدا علي وجهه التأثر الشديد والالم والضابط عبد الغفار الشريف يحقق معي وهو يكتب حتي انه يتوقف احيانا عن الكتابة لان اصبعيه تتألمان من كثرة الامساك بالقلم فيحركهما برهة من الزمان وهو يواصل الكتابة. كان عبد الغفار الشريف جامد المشاعر وهو يتعامل معي ولم يصدر منه اي حديث يجرحني اويسئ الي ولربما صدر منه مايفيد ان هناك من يتعاطف معي ويسعي لاطلاق سراحي وان من الاسلاميين من يشمت بي لاعتقالي يقول ذلك كانه يحتج علي ذلك ولكنني اعلم ان ذلك من وسائل العمل الامن ولكنه كان يوقفان انا ومحمد فاروق علي الحائط ويستمتع برؤية احد صغار الضباط وهو يسئ الينا بعبارات مؤذية وما ان التفت اليه حتي يحول وجهه .
(ابوطالب)،ضابط يبدو انه مشرف علي المعتقل وفيه قدر من الانسانية ولكن (العباس) كان اعلي منه رتبة وياتينا في المساء بكامل اناقته بجلبابه الابيض وعمامته كذلك وبعد خروجي من بيوت الاشباح رايته في سوق امدرمان يقف امام احد القصابين (الجزار) ويطلب منه عدد كم كيلو منبرهة اللحم. اقتربت منه قائلا (لكننا نحنا نشتري فقط ربع كيلو) شعر بالخوف لان الجزار كان يضع امامه مجموعة منا السكاكين القوية السنينة وكانت في متناول يدي.خاصة وان شائعة انني اصبحت مجنون كانت زائعة الصيت.
ولن انسي ادروب وهو احد افراد الامن الذي كان يتجه انحو المرحاض والليل داكن السواد وقد جاء ادروب متغطيا ببطانية من شدة البرد وكنت في تلك اللحظة واقفا علي نافذة الباب وهو لايراني فلما اقترب مني اطلقت صوت القط فطار ادروب الي ااعلي فيما يقرب المترين ثم سقط علي وهو يزحف من شدة الخوف يمد يديه يبحث عن شئ يدافع به عن نفسه ولما عرف انني من فعلت ذلك اخرجني من الزنزانة وهذا مارويته من قبل ثم مضي وبعد برهة جاءني حسين وهو اشدهم سوءا وممارسة للتعذيب وقال لي (انت ادروب دا عملت معاهو شنو شايفو يتقلب تحت بطانيتو زي الكديس الماسكنوا جوة شوال) لم ارد عليه.
وعندما قرروا اطلاق سراحي صار احدهم يصيح في (يا عمار المرة الجاية جيب ضقلها يكركب) خرجت من المعتقل بعدد من الامراض المزمنة والتي مازلت اعاني منها واقلها الالام الظهر والحساسية والاثار النفسية القاسية منها الحدة في التصرف وسرعة الاثارة والهياج وقد علمت ان هنالك منظمة لعلاج اثار التعذيب وببل ان اذهب اليها علمت ان الرفاق قد (لهفوا) دولاراتها واغلقوا ابوابها.
وأذكر أنني عندما كنت معتقلا فى بيوت الاشباح حدث حدث مزوع فى المكان حينما مات احد المعتقلين الجدد من شدة الخوف. وقد رايتهم يحضرون (البطانية) الي زنزانته ليغطوه بها من بعد ان اصبح جثة هامدة من بعد الضرب والتخويف والترويع ومن بعد ان واخرجونا من الزنازين الى المبني والذي هو عبارة عن شقة مقفولة ومن مباني الانجليز القديمة تشكل الجزء الاخر من المكان اخر كان من المعتقلين نفد الله وسيد احمد الحسين ولست متاكدا ان كان يوسف حسين كان حاضرا ام لا. ذهبوا بنا الي الجانب الأخر من المكان حتي لانري مشهد اخراجهم لجثمان الرجل الخمسيني وليخفوا جريمتهم ومعالمها ولكن الامير نقد الله لايتركهم لحالهم فيتمطي وقد وضع يديه المقبوطتين علي بعضهما علي عنقه تحت راسه ويقول لهم.. (الليلة قصتكم دي موت عديييل) .. فيضطربون ويقولون له (تقصد شنو) .. والعبارة في ظاهرها التعب وفي باطنها جريمة القتل.لم اتحمل المشهد وانا اراهم من خلال ثقب في المبني يحملون الجثة في (نقالة قماش) الي ظهر العربة الاندكوزر تقريبا المفتوح. هاجت مشاعري فاصبحت اضرب واكسر الاشياء في المبني بشكل هستيرى مع صيحات عالية الجو. وكان متوتر جدا والجميع منزعجون فقررت ان اطور الموقف واستغله لاخرج من المعتقل وقد حاولت ذلك حين اضربت عن الطعام مع مع كارلوس حين قال لهم (اناصائم) قالها بلغة عربية بها لكنة اعجمية واضحة واعلنت معه الاضراب عن الطعام عند تمام الصباح ولم يؤدي ذلك الي اطلاق سراحي. واثناء هياجي اثناء نقل جثة ذلك المعتقل طلبت من احد الحراس ان يقيد يدي بالسلاسل (يكلبشنى) والا فانني ساكسر كل شئ في المكان. انا لست ادرى لماذا طلبت ذلك ذلك ومددت له يدى بالشباك وكانوا جميعا مرعوبين ويرتجفون قالوا لى (خلاص حنكلبشك) ووضعوا السلاسل او القيد علي يدي (كلبشونى) ودون ان يروه قام الدكتور مجدى (احد المعتقلين) بعمل ادي الي اطلاق سراحي فقد كان في المعتقل مريض بمرض عصبي يتعاطى حقن مهدئة وبينما انا (مكلبش) طعننى الدكتور مجدي بحقنة من حقن ذلك الرجل و يبدو ان الحقنة كانت قوية فاصبح حسمى منهارا تماما. فافنزعج افراد الامن جدا فى ذلك الجو المضطرب و بسرعة قاموا باجراءات خروجى وسلمونى الي ابن عمى الفريق ابوبكر عبد الله ادم وهو ضابط فى الجيش الذي حملني في سيارته ورفضت انيوصلنى البيت ومشيت علي اقدامي. وانا لا اصدق اننى نجوت بهذه البساطة فقد كانوا يقولون لى (انت ح تقعد هناوبس) وقد علمت من بعد ان انهم اخطروا اهلي انهم سيرحلونني الي سجن شالا بدارفور. وحينما رويت ذلك لصلاح قوش من بعد اعفائه حدجني بنظرة قاتلة قائلا (شالا) ومن نظرته ادركت انهم ماكانوا سيذهبون بي الي شالا. وانما امر أخر.
اتألم واتأزم لايام حينما احكي عن بيوت الاشباح ويبقي ذلك الاثر في نفسي طويلا ولكن حينما ذهبنا إلى حي العمارات لتقديم واجب العزاء في وفاة الدكتور حمور وهنالك في سرادق العزاء جلسنا إلى صديقي محي الدين عووضة وبينما كنا نتانس هبط علينا رجل يلبس جلبابا وعمامة وجلس إلينا وكان يتحدث عن المجلس ,الوطني باعتباره عضوا فيه فاستهجنت حديثه ظننا مني انه احد اعضاء المؤتمر الوطني ولكن قال له أحدهم مشيرا إلي الاستاذ محي الدين عووضة فقال الرجل الذي,لم اكن انه سليمان حامد عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني والذي كان مشاركا في الحكم علي,مستوي,المجلس,الوطني قال(ده محي الدين عووضة) وقال الاستاذ,محي الدين عووضة (ده سليمان حامد) وتعانقا إذن فإن الرجل هو سليمان حامد عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني والذي كان مختفيا قال له ذات الشخص (ده عمار محمد ادم) ترك سليمان حامد محي الدين عووضة واتجه إلى بكليته وشرع يحدثني وبتركيز شديد أنني يجب أن انشر مالقيته من تعذيب في بيوت الأشباح واستطاع أن يقنعني بذلك وبالفعل ذهبت إلى صحيفة الأضواء ورويت للصحفي عبدالله الشيخ بعض ما لقيته وذكرت فيمن ذكرت نافع علي نافع الذي كان مديرا للجهاز في ذلك الوقت ونشرت صحيفة الأضواء ذلك اللقاء.
في اليوم التالي وبينما كنت خارج البيت وزوجتي وابناؤها عند أهلها ولج إلى بيتنا من جمع الستائر والملايات واكياس المخدات ووسائد الكراسي ووضعها على موقد الغاز واشعل العيون الثلاث رأت جارتنا النار تشتعل في المطبخ فحاولت اطفاؤها هي وابنتها ويقشعر جسدي حينما أتخيل أن الانبوبة كان يمكن أن تنفجر فيهما ولما عجزتا عن إخماد النيران اتجهتا الي جاري زهير الذي أتى مسرعا واستطاع أن يقفل الأنبوب.
ولجت إلى منزلي فى وقت متأخر من الليل وكان البيت مظلما وفجأة انطلق تصفيق قوى وصيحات فرح لقد كان التصفيق والفرح ياتي من أبنائي وزوجتي الذين اتووا قبلي بقليل ورؤوا مارؤوا وظنوا اني محترق بالداخل خاصة وأنه لم يمض على اغتيال محمد طه أشهر قلائل.
نشرت بعد يومين مقالا اخر في جريدة الايام عن التعذيب في بيوت الأشباح متحديا الحريق ونشرت صحيفة الأضواء خبر الحريق..
كنت كالثور الهائج في الزنزانة اسلقهم بالسنة حداد والقي الخطب وارفع الاذان احيانا عند اوقات الصلاة وكنت اعمل علي كسر هيبة المكان وازالة الخوف من الطلاب المعتقلين وبقية المعتقلين قبلنا .ولم يكن يهمني شئ. كان معنا في الزنازين الامير نقد الله وسيد احمد الحسين. ثم جاء من بعد المناضل يوسف حسين رحمه الله وكنت احس بالفخر وانا بين هؤلاء الرجال العظماء.
كان الوقت شتاء والبرد قارسا والزنزانة الخرصانية تحتففظ بالبرودة كل اليوم وانا بلا غطاء او فراش وقد تسبب ذلك لي في الكثير من الامراض مازالت الالامها المبرحة تلازمني حتي الان . وكان معنا ايضا بعض المعتقلين من غير السياسيين وبعضهم متهم بالتجسس والتخابر لصالح جهات اجنبية من منسوبي جهاز الامن. وهنالك بعض الاجانب من المغرب العربي ومصر وبعض المعتقلين يؤتي بهم ولكن يطلق سراحهم بعد يوم او يومان. واستمر اعتقال تونسي وأخر ليبي.
كانوا يخرجون يدي المعتقل من الفتحة العلوية الباب ويربطونها بالجنزير مع الطبلة الخارجية ثم يأتي أحد أفراد الامن واسمه حسين بالماء والثلج وحين تكون ساعديك وراسك خارج الزنزانة تكون شبه معلق في وقت كان البرد قارس فيضع الثلج علي جردل الماء ثم يبدأ بصب الماء علي رأس المعتقل وهو يتلذذ أثناء ذلك وأثناء الاعداد لهذه العملية وكأنه يعد حجر شيشة اويجهز قعدة تدار فيها اقداح الراح وقد تسمع انين اخر (يتف) جسمه بجسم صلب وكانوا يجروننا علي الخرسانة المبتلة بالماء في الشتاء أو يدفعوننا الي الامام عليها وهم يمسكون بارجلنا ونحن نزحف علي الخرصانة ويضربونني بخرطوش المياه الارضي الاسود وانا اردد بصوت عالي احد احد.
استخدموا التعذيب النفسي عن طريق وآلدتي التي كانوا يكذبون عليها بانني ارفض التوقيع علي تعهد بان لا اعود الي جامعة الخرطوم فيؤتي بأمي في احدي مكاتبهم وهي باكية حزينة تطلب مني ان اوقع علي تعهدهم لان ابنائي يعيشون في ظروف سيئة وهي لاتدري انها تفعل ذلك ضمن عملية مدروسة للتعذيب النفسي هي مرحلة من مراحلها وتعقبها مراحل اخري يستخدم فيها صغاري عند زيارتي مع امهم وحين يكذبون عليك بانك علي وشك الخروج ليذهبوا بك الي اوضاع اشد سوءا.
وكنت قد اجتمعت بكارلوس لمدي ايام ثلاث في بيوت الاشباح وقد كان في الزنزانة رقم٧ وكنت في الزنزانة رقم ١ وقد كان يمر بي كلما اخرج الي الحمام ويقول لي بالانجليزية be strong لا ادرى لماذا كان يخاطبني هكذا كلما مر بي وكانه يخاطب نفسه من خلالي. وقد حذرته من انهم قد يؤذونه فبدا علي عينيه شىء من الرعب ولكن سرعان ما تلاشي وبدت عليه ملامح الاشمأزاز من المكان وهو يجول ببصره فيه . لقد كان انيقا غاية الاناقة بقميص ابيض وينطلون ابيض لربما مشرب باللون البني. وكان يخرج من زنزانته مصفدا مغلول اليدين ابادله الابتسامات والتحايا كلما مر بي وانا لا اعرف من يكون وقد قال لي رفيقي التونسي الذي كان قد حشر مع كارلوس في زنزانته مع اخرين امعانا في اذلال الضيف الانيق وقد عاد الي زنزانتي رفيقي التونسي ليقول لي ان هذا الرجل ليس شخصا عاديا ولربما يكون جنرالا عظيما في احدى الجيوش الاروبية. يبدو ان صاحبي في السجن الذي يقول انه تونسي ليس هينا كذلك فهو يحلل تحليلا عميقا ويبدي ملاحظات دقيقة كذلك. وفي ذات مرة من المرات بينما كان كارلوس قادم من الحمام توقف امام زنزانتي وقال انه صايم ويعني انه مضرب عن الطعام قالها بلغة عربية معطوبة وقد اعلنت مشاركته الاضراب عن الطعام .وكنت القيت اليه بجلبابا يقيه من البرد القارس فتلقفه بلهفة وسرعان ما بدت عليه معالم الاسي أءذ وضعه الزمان في هذا الوضع الحقير. كان الجلباب لاحد الانصار الذي ترك كيسا فيه ملابس من بعد ان اطلق سراحه من مكان التحقيق. كان ذلك الكيس نعمة لي فقد مكثت طيلة فترة اقامتي في ببوت الاشباح والتي امتدت من العام ١٩٩٣ وحتي العام1994 بملابسي التي قبضت بها من جامعة الخرطوم كما ذكرت ذلك من قبل. ووجدت في الكيس مسبحة وراتب الامام المهدي.
ذكر لي رفيقي التونسي ان كارلوس قال له انه يعرف الترابي وذكر له انه سوف يؤدبهم. لست ادرى كيف خرج كارلوس وقد رايته اول مرة وهو يخرج من الزنزانة وعلي يديه القيود وذلك حينما اخرجونا من الزنازين لنتعرض لاشعة الشمس وكان فينا سيد احمد الحسين ويوسف حسين والامير نقد الله وعبد الله غابات الذى قال لي (ياعمار الزنزانة رقم ٧ فيها حاجة ما طبيعية حاول اعرفها) وقد تحركت فى المكان وكانه قد اصابني السعال والقيت ببصرى في عمق الزنزانة رقم ٧ ولكنني لم ار شيئا . وما ان فتح بابها حتي اطل علينا رجلا ابيضا مشرب بلون الحمرة طويلا وجسيما ويبدو انه رياضي وقوي ولكن تظهر عليه اثار النعمة. قال لى عبد الله غابات (ياعمار الجتة دى كلها ما شفتها) .لقد كان الرجل يضع ظهره الي الباب لذلك لم اره حينما القيت نظرى في زنزانته.
كان هنالك شخصان معتقلان قد اتي بهما من الاردن قالا لي ان هذا الشخص كان مسجونا معهما في الاردن وكانت زوجته تزوره كل يوم. وحتي تلك اللحظة لم نكن نعرف من هو الرجل ولم اعرف حقيقته الابعد خروجي ورؤيتي لصورته في صحيفة اخبار اليوم من بعد تسليمه. وكان اول من قابلته من من بعد معرفتي الحقيقة هو صديق الزيلعي من الحزب الشيوعي وبدات الحديث معه في ذلك وانا تحت تاثير الدهشة الا انه توجس منى خيفة ولم يرد علي ومضي في سبيله.
وفي الزنزانة رقم٢كان يقيم الرفيق يوسف حسين ما ان وضع قدمه في ذلك المكان حتي شعرت بالزهو فانا الان الي جوار قامة من قامات النضال انه يوسف حسين. لم اجد له شبيها سوى المناضل احمد شامي رجال قل الزمان ان يجود بامثالهم يخاطبني يوسف حسين صباحا. وكلينا يطل من شرفة الباب الحديدى يحدثني عن طائر جميل قد رك امام زنزانته يقول ان الطائر من الواضح انه أت من اروبا لربما فريشه ابيض لايخالطه غبار وفيه حركة وحيوية. كان يدعي لزبانية النظام ان سمعه ثقيل كما نقول بالعامية يخاطبونه فيدعي انه لايسمعهم ويحرك فمه وهو يضم شفتيه علي وجهه كامل الرضا متسامح مع نفسه اقصي درجات التسامح مؤمن وصادق في قضيته .اخذوه منا في بيوت الاشباح الي سجن كوبر ثم جاؤوا به في اليوم التالي والقوا به في عنف في الزنزانة رقم٧ ومنعوه من الادوية الخاصة به وقد علمت انه فور وصوله الي كوبر ووضعه مع المتهمين في قضية التفجيرات استطاع اقناع شاهد الملك في القضية ان لا يشهد وبذلك استطاع افساد قضية الامن كلها امام المحكمة لذلك جاؤوا به بتلك الطريقة.
يخطب في الميدان الشرقي في جامعة الخرطوم فيقول ..انا لا اقول كما يقول عمار محمد ادم ...(القصة ماقصة رغيف القصة قصة شعب راكع دار يقيف) ...لم اكن ادري من صاحب هذه الابيات ولكنني كنت اعلي بها صوتي طول اليوم حينما قال لنا زبانية النظام انه لابوجد رغيف لوجبات ذلك اليوم.
اما الامير نقد الله فقد كان يزجر كلاب الامن بصرامة وحزم فينطوون علي انفسهم ويتضاءلون فهم امام هيبته وقوته جرذان لاتسوي شئ كان ذلك والانقاذ حينها في اؤج سطوتها وعنفها وقهرها.. يسألني الامير وهو يراني اتحدي الة القهر والقمع والاستبداد واهزأ بادوات الخوف والارهاب والترويع في بيوت الاشباح واهز هيبة المكان يسألني الامير فجاءة.. (يازول انت من وين.. فأجيبه انا من القرير من جهة ابي من قوز قرافي ومن جهة امي نحنا ناس ود التويم) .. فيهز الامير راسه يعني (جاياك من الجهتين) ويرسل بصره بعيدا.. لم اكن وقتها ادرك مايقول..
وحينما اخرجني ذلك الكلب من كلاب الامن من زنزانتي في اخر الليل الي ساحة التعذيب .وظل علي هذا الحال مدة من الزمان ثم مالبث ان ردني الي زنزانتي دون ان يعذبني وما ان انصرف الرجل وكان الليل قد ارخي سدوله ولاتسمع سوي صرير الريح علي الابواب سمعت صوت الامير نقد الله يأتيني من الزنزانة من علي الجانب الايمن....( ياعمار من قبيل ماسك ليك السبحة)رحمه الله رحمة وآسعة وجعل الجنة متقلبه ومأواه.
كانت قد صدرت لهم الاوامر بوضع القيود علي يدي (الكلابيش) ولكنهم كانوا يخشون ان اعتدي عليهم اثناء وضع ا(لكلابيش) وكنت شرسا قويا. ولايستطيع احد منهم الاقتراب مني فاستغلوا لحظة السجود في الصلاة ودخل تسعة منهم الي الزنزانة وكان احدهم يحمل القيد (الكلابيش) واسمه حسن كلابيش. وما ان فرغت من الصلاةك حتي نهضت بقوة. ووضعت ظهري علي الحائط من جهة القبلة وهي المساحة الوحيدة التي لايوجد فيها احد منهم وخاطبتهم قائلا (انا ما بقدر عليكم كلكم لكن الليلة حااقتل واحد منكم واكسر راسو في البلاط دا) واشرت الي الارضية الاسمنتية الصلبة في الزنزانة وكنت اكرج اسناني وفي حالة غضب شديد وانا جاد فيما اقول. فبدا الخوف علي وجوههم فكل واحد منهم يظن انه سيكون الضحية. ثم صاروا يستعطفوني قائلين انهم لاذنب لهم في ذلك وانها تعليمات واوامر تاتيهم من جهات عليا. وقال لي احدهم انه يتقاضي فقط ٨ جنيها كمرتب شهري وقال اخر ان اطفاله شربوا شاي الصباح اليوم بدون حليب رثيت لحالهم ورق لهم قلبي ومددت لهم يدي ليضعوا عليها القيود وانا اترنم باغنية من اغاني الحماسة عن القيد (الجنزير في النجوم) ولكنني لم ابق طويلا في القيد فقد جاء احدهم وهو يغطي وجهه ورأسه وفتح باب الزنزانة ووفك القيد عن يدي وهنالك مواقف انسانية تبرز في مثل هذه الظروف تترك اثرا عميقا في النفس ولن أنسي فرد الامن المكلف بجلدي وقد طفرت الدموع من عينيه ثم سالت علي خديه وكنت اردد اثناء الضرب بالسياط.. احد.. احد.. علي طريقة سيدنا بلال مع كفار مكة.
حاول احد المعتقلين ان يجد فرصة للخروج من المعتقل واستطاع ان يدخل زجاجة فارغة الي الزنزانة وهناك عمل علي تحطيهما الي اجزاء صغيرة ثم اصبح يصرخ مدعيا انه حاول الانتحار بابتلاع الزجاج فحملوه الي المستشفي وهنالك بعد الفحص والكشف عليه تبين انه لم يبتلع شئ من الزجاج فعادوا به الي بيت الاشباح وهنا ضربوه ضربا مبرحا.
و كنا قد دبرنا خطة انا ومعتقل ليبي واخر للفرار من بيوت الاشباح ويبدو ان الشخص الثالث قد وشي بينا لذلك اخرجنا للتعذيب في فناء المكان. واثناء التعذيب ونحن في حالة اعياء شديد ورهق. كان الليبيى يقول لي بصوت واهن (يا صعيدي ياوش النحس انا مما عرفتك ماشفت خير) كانوا يجروننا علي الارض من بعد تجويعنا ويأتون بالبرميل ويقلبونه ويضعون من فوقه مقلوبا حوضا لغسيل الايدي وهو من النوع الانجليزي القديم في شكل صندوق ومن فوق البرميل والحوض يضعون علبة اللبن المجفف فارغة ( فور موست) ويامرون الواحد منا ان يقف برجل واحدة علي العلبة التي تعلو البرميل والحوض وان تكون رجله الاخري معلقة في الهواء ويفرد الواحد منا يديه حتي نحفظ التوازن اثناء الوقوف علي رجل واحدة لمدة من الزمن. فاذا ما سقط احدنا علي الارض انهالوا عليه بالضرب وكانوا يستخدمون خراطيم المياه السوداء التي تستخدم في شبكات المياه للضرب وكانت الالامها المبرحة تتجاوز اللحم الي العظم. وهم يصيحون فينا ويسمعوننا حديثا مؤذيا للنفس.
و في الزنزانة الي جواري كما ذكرت الاستاذ يوسف حسين والذي حدثني احد منسوبي جهاز الامن انهم اجروا التعداد السكاني في بدابة الانقاذ لاسباب امنية اهمها دخول عناصرهم بيوت الناس وفي احد التقارير كان الحديث عن بيت يسكنه رجل واحد في حي المايقوما بالحاج يوسف وقد قاموا بمراقبته وهو يحضر مساء ويتناول الشاي بالحليب بطريقة غريبة شئ ما واخيرا داهموا البيت ووجدوه يحتوي علي اسرار مشفرة وحين قبصوا عليه اخبرهم انه من قيادات حزب البعث العربي الاشتراكي وانه لن يبوح باسرار الحزب وان كان ثمن ذاك حياته وهكذا استمروا في محاولة الضغط عليه ويحضرون بعض البعثيين ويسالونه ان كان يعرفهم وكان يقول لهم انه لايمكن ان بدلي باي معلومات وقد احضروا اعداد كبيرة من الاسلاميين للتعرف عليه ولكنهم فشلوا جميعا في معرفته وبعد عدة اشهر نادي زبانية النظام واخبرهم انه يوسف حسين عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني ويبدو أنه فعل ذلك بعد انقضاء المدة المحددة حزبيا لأنها،فاعلية الوثائق وكل الأسرار المتعلقة بالشخص المعتقل. وقد فرحوا وهللوا بعد ان حل لغز هذا الرجل واحضروا عشاء فخيما تتوسطه انواع الفراخ واكلوا جميعا محتفلين واخذ يوسف حسين من جهاز الامن الي سجن كوبر
فجاءة ضج المكان بالناس والعربات الخاصة واخرجونا من الزنازين وكنت مع الاستاذ سيد احمد الحسين في عربة صالون يقودها احد افراد الامن وهي تطوف بنا في شوارع الخرطوم (2) ثم ارجعونا مرة اخري الي الزنازين. وعلمنا من بعد. انها كانت هنالك زيارة مفاجئة للمبعوث الاممي (دانفورث) وقد اخرجونا لكي لايرانا في تلك الزنازين الضيقة التي تبلغ مساحتها متران في متر للشخص الواحد وتتسع اخري لاكثر من شخص.
كان الاستاذ سيد احمد الحسين في زنزانته ينام علي برش علي الارض وقال لهم مرة (البتاع بتاعكم دا خلاص اتسحق) ويقصد ان البرش قد بلي من كثرة الرقود عليه. وكان حين يخرجونه من زنزانته يخرج مرفوع الرأس ويمسح علي صدره بكفه مصدرا صوتا عاليا يخرج من صدره. ويتكلم بصوته الجهوري ولربما يعلق علي مواجهاتي مع افراد الامن قائلا (نحنا اصلنا كدة ماعندنا كلام لا وراء) ويقصد الشايقية.
وكان لشد ما يحزنني انه حين يؤتي بالرجل من المعتقلين الجدد. ويكون سائرا معهم في وضعه الطبيعي. ولكن عندما يقفون به اما الزنزانة ويفتحون القفل(الطبلة) ودون ان يقصد تري رأسه يطاطا الي الارض مما يؤشر الي انكسار في النفس. وتكرر ذلك المشهد لاكثر من مرة. ولكم كان يؤلمني انكسار الرجال. وكثير منهم من الاشخاص العاديين الذين اعتقلوا لمجرد الاشتباه فيهم. ولن انسي ذلك الرجل ذو البشرة البيضاء واللهجة المصرية حينما اجهش بالبكاء بمرارة وهؤلاء الكلاب يذكرونه بابنائه واوضاعهم الان وبمزقون نياط قلبه. لم يكونوا بشرا ولكنهم ذئاب بشرية في شكل انسان.
كانوا لايتركوننا نصلي في جماعة ولايخرجوننا لقضاء الحاجة الا في الوقت الذي يختارونه مما يضطرنا الي استخدام الكوب الوحيد الذي نشرب به الشاي والماء ونقضي فيه الحاجة لنلقيها من بعد في الزقاق الذي تطل عليه نافذة الزنزانة. واحيانا يمنعوننا النوم بالطرق علي ابواب الزنازين من بعد بحصبها بالحجارة او ترك الزنازين مضاءة بالانوار حتي الصباح واو باطلاق صوت صفير داخل الزنزانة ليس له نهاية مما يحدث توترا واتلافا للاعصاب ومابين الجوع والسهر يكون الانهيار الكامل وكانوا لايوزعون علينا الا الكتب التي تتناول التعذيب في القبر واهوال يوم القيامة.
وفي ذات مرة من المرات قاموا باعتقال احد افراد الامن لاتهامه بانه يقوم بايصال معلومات ويمد جسور العلاقة ببن معتقلي حزب الامة وقيادة الحزب في الخارج كان ذلك الشخص اسمه (نورين) ومن ابناء دارفور فقاموا باعتقاله كما تسرب الينا ووضعوا علي يديه ورجليه الاصفاد ومعه اشخاص اخرون وبعد ذلك غيروا كل طاقم الحراسة وهذا ماحدث لفرد أمن أخر كان يتعامل سرا مع الاستاذ ميرغني عبد الرحمن سليمان وتم اكتشافه وهذه الحادثة لم نحضرها ولكن رواها لي فرد الامن نفسه. اما ساتي فقد اجبر المتهم فاروق علي حلق لحيته واهانه واذله ولم يمض يوم واحد علي ذلك السلوك حتي صدمت سيارة في الطريق فرد الامن ساتي وقال مرافقه انه اطلق صرخة عالية عند الصدمة وذهبوا به للمستشفي للعلاج من الكسور.
كان معنا معتقلون احدهم من جهاز الامن ويعمل في وظيفة كتابية وقد اتهموه بانه يصور الوثائق ويرسلها الي حكومة القذافي وكان معه ثلاثة اخرون من خارج الجهاز لم يخفي احدهم الشماتة حينما يخرجونني للتعذيب باعتباري احد من الاسلاميبن.
ولن انسي ذلك الضابط الذي كان معنا في تنظيم الاخوان المسلمين في الديوم الشرقية حينما كنت في منزل عمي عبد الله ادم وكنا صغارا مابين مسجد الشايقية او الختمية ومابين المركز الثقافي لن انساه وقد بدا علي وجهه التأثر الشديد والالم والضابط عبد الغفار الشريف يحقق معي وهو يكتب حتي انه يتوقف احيانا عن الكتابة لان اصبعيه تتألمان من كثرة الامساك بالقلم فيحركهما برهة من الزمان وهو يواصل الكتابة. كان عبد الغفار الشريف جامد المشاعر وهو يتعامل معي ولم يصدر منه اي حديث يجرحني اويسئ الي ولربما صدر منه مايفيد ان هناك من يتعاطف معي ويسعي لاطلاق سراحي وان من الاسلاميين من يشمت بي لاعتقالي يقول ذلك كانه يحتج علي ذلك ولكنني اعلم ان ذلك من وسائل العمل الامن ولكنه كان يوقفان انا ومحمد فاروق علي الحائط ويستمتع برؤية احد صغار الضباط وهو يسئ الينا بعبارات مؤذية وما ان التفت اليه حتي يحول وجهه .
(ابوطالب)،ضابط يبدو انه مشرف علي المعتقل وفيه قدر من الانسانية ولكن (العباس) كان اعلي منه رتبة وياتينا في المساء بكامل اناقته بجلبابه الابيض وعمامته كذلك وبعد خروجي من بيوت الاشباح رايته في سوق امدرمان يقف امام احد القصابين (الجزار) ويطلب منه عدد كم كيلو منبرهة اللحم. اقتربت منه قائلا (لكننا نحنا نشتري فقط ربع كيلو) شعر بالخوف لان الجزار كان يضع امامه مجموعة منا السكاكين القوية السنينة وكانت في متناول يدي.خاصة وان شائعة انني اصبحت مجنون كانت زائعة الصيت.
ولن انسي ادروب وهو احد افراد الامن الذي كان يتجه انحو المرحاض والليل داكن السواد وقد جاء ادروب متغطيا ببطانية من شدة البرد وكنت في تلك اللحظة واقفا علي نافذة الباب وهو لايراني فلما اقترب مني اطلقت صوت القط فطار ادروب الي ااعلي فيما يقرب المترين ثم سقط علي وهو يزحف من شدة الخوف يمد يديه يبحث عن شئ يدافع به عن نفسه ولما عرف انني من فعلت ذلك اخرجني من الزنزانة وهذا مارويته من قبل ثم مضي وبعد برهة جاءني حسين وهو اشدهم سوءا وممارسة للتعذيب وقال لي (انت ادروب دا عملت معاهو شنو شايفو يتقلب تحت بطانيتو زي الكديس الماسكنوا جوة شوال) لم ارد عليه.
وعندما قرروا اطلاق سراحي صار احدهم يصيح في (يا عمار المرة الجاية جيب ضقلها يكركب) خرجت من المعتقل بعدد من الامراض المزمنة والتي مازلت اعاني منها واقلها الالام الظهر والحساسية والاثار النفسية القاسية منها الحدة في التصرف وسرعة الاثارة والهياج وقد علمت ان هنالك منظمة لعلاج اثار التعذيب وببل ان اذهب اليها علمت ان الرفاق قد (لهفوا) دولاراتها واغلقوا ابوابها.
وأذكر أنني عندما كنت معتقلا فى بيوت الاشباح حدث حدث مزوع فى المكان حينما مات احد المعتقلين الجدد من شدة الخوف. وقد رايتهم يحضرون (البطانية) الي زنزانته ليغطوه بها من بعد ان اصبح جثة هامدة من بعد الضرب والتخويف والترويع ومن بعد ان واخرجونا من الزنازين الى المبني والذي هو عبارة عن شقة مقفولة ومن مباني الانجليز القديمة تشكل الجزء الاخر من المكان اخر كان من المعتقلين نفد الله وسيد احمد الحسين ولست متاكدا ان كان يوسف حسين كان حاضرا ام لا. ذهبوا بنا الي الجانب الأخر من المكان حتي لانري مشهد اخراجهم لجثمان الرجل الخمسيني وليخفوا جريمتهم ومعالمها ولكن الامير نقد الله لايتركهم لحالهم فيتمطي وقد وضع يديه المقبوطتين علي بعضهما علي عنقه تحت راسه ويقول لهم.. (الليلة قصتكم دي موت عديييل) .. فيضطربون ويقولون له (تقصد شنو) .. والعبارة في ظاهرها التعب وفي باطنها جريمة القتل.لم اتحمل المشهد وانا اراهم من خلال ثقب في المبني يحملون الجثة في (نقالة قماش) الي ظهر العربة الاندكوزر تقريبا المفتوح. هاجت مشاعري فاصبحت اضرب واكسر الاشياء في المبني بشكل هستيرى مع صيحات عالية الجو. وكان متوتر جدا والجميع منزعجون فقررت ان اطور الموقف واستغله لاخرج من المعتقل وقد حاولت ذلك حين اضربت عن الطعام مع مع كارلوس حين قال لهم (اناصائم) قالها بلغة عربية بها لكنة اعجمية واضحة واعلنت معه الاضراب عن الطعام عند تمام الصباح ولم يؤدي ذلك الي اطلاق سراحي. واثناء هياجي اثناء نقل جثة ذلك المعتقل طلبت من احد الحراس ان يقيد يدي بالسلاسل (يكلبشنى) والا فانني ساكسر كل شئ في المكان. انا لست ادرى لماذا طلبت ذلك ذلك ومددت له يدى بالشباك وكانوا جميعا مرعوبين ويرتجفون قالوا لى (خلاص حنكلبشك) ووضعوا السلاسل او القيد علي يدي (كلبشونى) ودون ان يروه قام الدكتور مجدى (احد المعتقلين) بعمل ادي الي اطلاق سراحي فقد كان في المعتقل مريض بمرض عصبي يتعاطى حقن مهدئة وبينما انا (مكلبش) طعننى الدكتور مجدي بحقنة من حقن ذلك الرجل و يبدو ان الحقنة كانت قوية فاصبح حسمى منهارا تماما. فافنزعج افراد الامن جدا فى ذلك الجو المضطرب و بسرعة قاموا باجراءات خروجى وسلمونى الي ابن عمى الفريق ابوبكر عبد الله ادم وهو ضابط فى الجيش الذي حملني في سيارته ورفضت انيوصلنى البيت ومشيت علي اقدامي. وانا لا اصدق اننى نجوت بهذه البساطة فقد كانوا يقولون لى (انت ح تقعد هناوبس) وقد علمت من بعد ان انهم اخطروا اهلي انهم سيرحلونني الي سجن شالا بدارفور. وحينما رويت ذلك لصلاح قوش من بعد اعفائه حدجني بنظرة قاتلة قائلا (شالا) ومن نظرته ادركت انهم ماكانوا سيذهبون بي الي شالا. وانما امر أخر.
اتألم واتأزم لايام حينما احكي عن بيوت الاشباح ويبقي ذلك الاثر في نفسي طويلا ولكن حينما ذهبنا إلى حي العمارات لتقديم واجب العزاء في وفاة الدكتور حمور وهنالك في سرادق العزاء جلسنا إلى صديقي محي الدين عووضة وبينما كنا نتانس هبط علينا رجل يلبس جلبابا وعمامة وجلس إلينا وكان يتحدث عن المجلس ,الوطني باعتباره عضوا فيه فاستهجنت حديثه ظننا مني انه احد اعضاء المؤتمر الوطني ولكن قال له أحدهم مشيرا إلي الاستاذ محي الدين عووضة فقال الرجل الذي,لم اكن انه سليمان حامد عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني والذي كان مشاركا في الحكم علي,مستوي,المجلس,الوطني قال(ده محي الدين عووضة) وقال الاستاذ,محي الدين عووضة (ده سليمان حامد) وتعانقا إذن فإن الرجل هو سليمان حامد عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني والذي كان مختفيا قال له ذات الشخص (ده عمار محمد ادم) ترك سليمان حامد محي الدين عووضة واتجه إلى بكليته وشرع يحدثني وبتركيز شديد أنني يجب أن انشر مالقيته من تعذيب في بيوت الأشباح واستطاع أن يقنعني بذلك وبالفعل ذهبت إلى صحيفة الأضواء ورويت للصحفي عبدالله الشيخ بعض ما لقيته وذكرت فيمن ذكرت نافع علي نافع الذي كان مديرا للجهاز في ذلك الوقت ونشرت صحيفة الأضواء ذلك اللقاء.
في اليوم التالي وبينما كنت خارج البيت وزوجتي وابناؤها عند أهلها ولج إلى بيتنا من جمع الستائر والملايات واكياس المخدات ووسائد الكراسي ووضعها على موقد الغاز واشعل العيون الثلاث رأت جارتنا النار تشتعل في المطبخ فحاولت اطفاؤها هي وابنتها ويقشعر جسدي حينما أتخيل أن الانبوبة كان يمكن أن تنفجر فيهما ولما عجزتا عن إخماد النيران اتجهتا الي جاري زهير الذي أتى مسرعا واستطاع أن يقفل الأنبوب.
ولجت إلى منزلي فى وقت متأخر من الليل وكان البيت مظلما وفجأة انطلق تصفيق قوى وصيحات فرح لقد كان التصفيق والفرح ياتي من أبنائي وزوجتي الذين اتووا قبلي بقليل ورؤوا مارؤوا وظنوا اني محترق بالداخل خاصة وأنه لم يمض على اغتيال محمد طه أشهر قلائل.
نشرت بعد يومين مقالا اخر في جريدة الايام عن التعذيب في بيوت الأشباح متحديا الحريق ونشرت صحيفة الأضواء خبر الحريق..