امريكا والصين .. مصالح تؤجل المواجهات …. تقرير: علاءالدين محمود

 


 

 

ظل تنين الصين العظيم يلتف حول خاسرة السودان منذ مجيء "الانقاذ" ينفث عليها خيرا وبركات حتى  صار واحدا من اهم عوامل بقاء الانقاذ ودعمها بل انتصبت الصين كسور عظيم يحمي الانقاذ في اوقات ضيق عليها الداخل والخارج حتى صار السودان ـ حسب مصادر حكومية- ثالث اكبر شريك تجاري للصين في افريقيا بعد انجولا وجنوب افريقيا. وتقول هذه المصادر ان السودان يعتبر اول محطات الاستثمار الصيني في القارة الافريقية، وبحسب ميرغني محمد صالح سفير السودان لدى الصين في ان الصين ظلت تدعم البنية التحتية والجسور ومحطات الكهرباء وامدادات المياه واعداد المستشفيات في دارفور بمليارات الدولارات  وفي وقت سابق من العام الماضي قالت ياو قوي الباحثة بالاكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية ان اوضاع السودان تحسنت كثيراً منذ ان بدأت الاستثمارات الصينية فيه وان السودان قبل ان يبدأ التعاون مع الصين كان اقتصاده متعثراً بدرجة كبيرة، الا انه -بحسب قوي- حقق نمواً تجاوز 8% سنوياً خلال الاعوام الاخيرة وظلت الحكومة الصينية تدعم "الانقاذ" بمليارات الدولارات عبر مايسمى بالقروض الميسرة فيما اظهرت احصاءات الجمارك الصينية ان حجم التجارة بين البلدين ظل في ارتفاع مضطرد  وتدعم الصين المؤتمر الوطني بعد ان تم اعلان نتيجة الانتخابات وترى الصين في فوز البشير أن انتخابه سيسهم في المصالحة في هذا البلد المدمر بسبب الحروب والنزاعات، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية جيانغ يو إن الصين ستواصل القيام «بجهود إيجابية وبناءة» مع المجتمع الدولي من أجل دفع مسيرة السلام ، بل ان الصين كانت قد دعمت الانتخابات السودانية بمبلغ 10 مليون دولار ويقول الكاتب الاردني أسعد العزوني ان لا احد ينكر أن تقاربا ما بين الخرطوم وواشنطن كان قائما لفترة لكن حبل الود انقطع بعد اكتشاف النفط السوداني وقرار الادارة الأمريكية بعدم استغلاله في وقته علما أن السودان كان بحاجة لأي دخل مادي عندها لعبت الخرطوم لعبتها المطلوبة ونسجت تحالفات مع اعداء أمريكا وهم الصين وماليزيا وروسيا والهند واستدعتهم لاستغلال نفطها وفق نظرية " لا ضرر ولا ضرار " والأهم من ذلك أن السودان فتح بوابة أفريقيا أمام الصين ما حرك مكامن الحقد الأمريكي أكثر فأكثر ضد السودان ويرى عديدون ان الدور الصيني تجاه السودان ظل نفسه من خلال علاقاتها بالانظمة الشمولية في السودان ابتدأ من نظام نميري 1969م ـ 1985م وحتى "الانقاذ" ويلاحظ هولاء ان أزهى مراحل علاقات الصين مع السودان هي تلك المراحل الدكتاتورية والشمولية من تاريخ السودان ، وعندما حاصر المجتمع الدولي والاقليمي المحيط بالسودان حكومة الانقاذ في بداياتها امتدت يد الصين لتخترق هذا الحصار لانقاذ حكومة السودان فكافأتها الحكومة السودانية بان فتحت لها البلاد في مختلف اشكال الاستثمارات فاقبلت الصين غير عابئة بالموقف الدولي والداخلي من الحكومة السودانية وعلى الرغم من ان الصين ظلت تدافع عن موقفها هذا على الدوام بالقول ان الصين يجب الا تعتبر مسؤولة عن كل ماتفعله الحكومة السودانية في دارفور وان الصين ظلت تستخدم نفوزها في حل أزمة دارفور بالرغم من ذلك الا ان دفوعات الصين تلك غير مقنعة فيما يبدو قياسا بما يحدث على الارض  ويرى عديدون في الدور الامريكي المتعاظم الاخير تجاه السودان ربما يسعى لاقتلاع الوجود الصيني في السودان ومن ثم مجمل القارة الافريقية

وهنالك من ينظر الى دور ثقافي وتاريخي تعزز العلاقات الصينية السودانية وتقول احد تلك الفرضيات ان غردون باشا الضابط الانجليزي الذي لقى حتفه على يد انصار الامام المهدي بعد تحرير الخرطوم ابان حقبة الاستعمار، كان يلقب بقاهر الصين، حيث يروي ان هذا الضابط قد اذل شعب الصين اذلالاً كبيراً، ويروى ان شعب الصين اعجب ايما اعجاب بالشعب السوداني الذي استطاع ان يقهر قاهرهم وينتقم لهم، خاصة ان غردون باشا كان يتمتع وسط الانجليز انفسهم بسمعة عسكرية سياسية ممتازة، ويحكى ان هذه الحادثة كانت سبباً في «حميمية» للعلاقات الصينية تجاه السودان والتي شهدت تميزاً منذ الاستقلال مروراً بكل الانظمة السودانية خاصة في عهدي نميري والانقاذ.. محدثي الشاب محمد ابراهيم الحاج الباحث في مجال الاقتصاد والعلوم الاجتماعية قال لي ان الحادثة وقعت في التاريخ وهي من شواهد النضال السوداني وقد تكون -يواصل محدثي- سبباً في ايجابية العلاقات بين الشعبين، الا ان الاهتمام الرئيسي للصين بالسودان هو رغبتها في ان تصبح دولة عظمى خاصة بحسابات الماضي الامبراطوري للصين، ورغبتها في سياق ان تصبح دولة عظمى، الافادة من موارد السودان وهو اهتمام لا ينفصل عن اهتمامها بالقارة الافريقية ككل وبكل مكان تكمن فيه الموارد، وما ذهب اليه الباحث الشاب يؤكده واقع ان الصين تشهد نمواً سريعاً يتطلب بالتالي اكتشاف مصادر الطاقة واستهلاكها، ويرى عدد من المراقبين ان تفسير علاقة الصين بالسودان وبالقارة الافريقية واهتمامها المتزايد بتقوية هذه العلاقة يكمن في حاجة الصين ليس فقط الى الطاقة الآن بل وتأمينها في المستقبل وهذا ما يؤكده ايضاً الأستاذ الهادي عجب الدور في مقال له بموقع سودانيز اون لاين عندما كتب ان النمو والتطور الاقتصادي والسياسي السريع جعل الصين تبحث عن مصادر موالية وثابتة لامداد الطاقة والمواد الخام، والشيء الاكثر وضوحاً هو ان الصين قد استخدمت علاقاتها التاريخية مع السودان ليكون نقطة انطلاق لها لاطماعها نحو القارة ووجدت في السودان في ظل الانقاذ ضالتها خاصة في ظل الحصار، كما وجدت الانقاذ وهي محاصرة اقتصادياً وسياسياً من قبل المجتمع الدولي وجدت في الصين «فتحاً ربانياً» وهذا ما ذهب اليه رئيس الجمهورية عمر البشير العام خلال زيارة الرئيس الصيني عندما قال «ان الانقاذ تمت مواجهتها بحرب في كل المجالات السياسية والعسكرية والدبلوماسية والاقتصادية، فكان نتاج ذلك خروج الشركات الاميركية. لقد ارادوها حرباً ولكنها تحولت فتحاً ربانياً اتاحت لنا استقبال اخواننا في الصين، قدمت الصين علاقة شراكة افضل من الغرب وبأسعار اقل من الغرب، ان نجاح شركة CNPC في الاستثمارات البترولية في السودان هو الذي فتح شهية الشركات العالمية التي تأتي جماعات وافرادا للبحث عن فرص الاستثمار في البترول، وما يعزز نجاح التعاون الصيني السوداني هو خلوه من الاجندة السياسية، ووجه البشير حينها وزير الطاقة عوض الجاز بإعطاء الشركات الصينية الافضلية في مجالات الطاقة والتعدين في السودان. ويبدو ان هذه الافضلية هي التي حركت حفيظة الولايات المتحدة الاميركية المنافس الاول في القارة الافريقية للاستثمار والسوق واستغلال الموارد وهذا بدا واضحاً من خلال مدخل قضية دارفور الشيء الذي اكده المبعوث الاميركي الخاص للسودان ريتشارد ويليامسون امام الكونغرس الاميركي العام الماضي عندما قال ان الصين ظلت تقدم الحماية للحكومة السودانية وتستبطيء جهود الامم المتحدة في دارفور بسياسة عدم الضغط على الحكومة السودانية، ويبدو ان ما ذهب اليه وليامسون هو بمثابة دعوة الى تغيير علاقة الولايات المتحدة المهادنة تجاه الصين والتي كان قد دعا اليها ناتسيوس بعدم الضغط على الصين. وفي سبيل تعزيز موقفه هذا دفع وليامسون بأن الصين متعطشة للطاقة وتبتاع ثلثي النفط السوداني وتبيع الاسلحة لنظام الخرطوم، وان الصين لم تستخدم نفوذها الاقتصادي لتدفع حكومة السودان بشدة من اجل السلام. والواضح ان تشدد الخطاب هذا تجاه الصين هو عودة وتماهٍ مع موقف الولايات المتحدة الثابت تجاه اية منافسة على مصادر الطاقة والموارد، ولعب دور عالمي اكبر وهذا واضح في تقارير مجلس الامن القومي الاميركي فترة الحرب الباردة وما بعدها ومنها تقرير بحسب المستقبل العربي- تم تسريبه بعد استلام كلينتون الرئاسة وفيه رسم صورة للعالم تحت قيادة الولايات المتحدة حيث يفيد بأن على الولايات المتحدة الحفاظ على وسائل ردع ومنع المنافسين المحتملين من مجرد الامل في لعب دور اقليمي او عالمي كبير. والواقع ان اكبر حليف للصين في توسعها تجاه القارة والسودان هو مصالحها اولاً واخيراً، وهذا ما يؤكده عدد من المحللين الذين يرون ان الصين يمكن ان تتعامل مع الشيطان نفسه في سبيل مصالحها دون رادع ايدلوجي، وهذا يحيلنا الى علاقات الصين «الماركسية» بحركات التحرر الو طني ابان الحقبة الاستعمارية حيث كانت تقدم مصالحها على نصرة الرفاق في القارة وفي مختلف انحاء العالم، وهذا ما دفع خاوتا خاسو رئيس حزب المؤتمر في زيمبابوي عام 1978م الى القول :«ان الموقف الصيني يثير دهشتنا، بدلاً عن مساعدة المناضلين في افريقيا فهي تتخذ الموقف المضاد. ان قيادة الصين تعمل الآن في تعاون تام مع الولايات المتحدة وفرنسا ودول حلف الاطلنطي الاخرى». والواضح ان هذا الموقف الصيني ما زال مستمراً فلا يقف عائق امام طموح التنين الصيني، حتى الموانع الاخلاقية وهذا ربما دفع هيومن رايتس ووتش الى ارسال رسالة الى الرئيس الصيني في 2007م عقب زيارته الى السودان تحثه على ضرورة التفكير الجدي بالعمل من خلال الامم المتحدة على فرض عقوبات ضد قادة سودانيين مسؤولين عن السياسة في دارفور، وان تعمل الصين على وضع آليات جديدة لمراقبة استخدام اسلحتها على يد من تمدهم بها حيث تبين لهيومن رايتس ان الاسلحة الصينية تستخدم من قبل الحكومة السودانية والجنجويد والمتمردين التشاديين ومتمردي دارفور، وان تدرس الصين العلاقة بين صناعة النفط السودانية وانتهاكات حقوق الانسان حيث ابدت المنظمة قلقها من التهجير القسري للجماعات الريفية التي تسكن المناطق الغنية بالنفط التي تتم -حسب رسالة هيومن رايتس- من خلال غارات جوية وارضية تشنها القوات المسلحة السودانية، وتلاحظ المنظمة ان الشركات الصينية تعمل في مناطق يشكو فيها السكان من انتهاكات كثيرة. ويبدو ان التنين الصيني في سبيل الموارد والطاقة والتي هي مسألة حياة او موت لا يأبه كثيراً بنوعية النظام الذي يتعامل معه وعلاقة هذا النظام تجاه شعبه، سواء أكان نظاماً ديكتاتورياً او نظاماً ديمقراطياً، ويبدو ان الصين في هذا الطريق لا تختلف الا قليلاً عن الولايات المتحدة الاميركية التي تضع اعتباراً قليلاً لحفظ ماء الوجه غير انه من الخطاء فهم ان التنافس بين الولايات المتحدة والصين حول النفوز على القارة يتسم بالحالة العدائية المطلقة بل يمكن اطلاق صفة العلاقة المعقدة والغامضة بين الولايات المتحدة والصين اكثر من كونها علاقة عداء وتظل المصلحة موجودة داخل العلاقة الامريكية الصينية  China: The Balance Sheetويقول كتاب

إنه على الرغم من أن الصين كانت المستفيد الأول من الاستقرار الذي وفرته القوة العسكرية الأمريكية في شرق ووسط أسيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية حتى الآن، إلا أن توازن القوة في الإقليم سيظل قائما. وأن الصين لن تسعى إلى عداء الولايات المتحدة وتهديد مصالحها الإستراتيجية هناك ويذكر مؤلفو الكتاب الذي صدر قبل اسابيع وتم عرضه بموقع "تقرير واشنطون" أن الصين كانت ولا تزال تستعصي على فهم الأمريكيين نظرا للغموض والتعقيد وعدم دقة المعلومات المتاحة حول هذه الدولة التي تشرف على أن تكون واحدة من أهم القوى في عالمنا المعاصر. فشلت الولايات المتحدة خلال القرن العشرين في ترويض الصين ولم تكن السياسة الأمريكية قادرة على فرض منطقها ومصالحها في التعامل معها، لكن هذه العلاقات أصبحت تعني الآن الكثير نظرا لحجم التحديات التي تواجه الطرفين بل العالم أجمع مثل التوازن بين القوى العظمى ودعم النمو الاقتصادي العالمي وزيادة انتشار الأسلحة النووية ومجابهة الإرهاب

وبالنسبة للولايات المتحدة فإن القلق يتضاعف بسبب الأثر الذي يتركه تنامي قدرات ودور الصين في العالم على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية في الولايات المتحدة ، ومع ذلك فإن العلاقات بين البلدين أعقد وأكبر من مجرد تنافس بين قوتين كما يقول مؤلفو الكتاب ويرى الكتاب ان العداء بين القوتين مستبعدا عندما يؤكد ان العلاقات بين الولايات المتحدة والصين معقدة ومليئة بالتناقضات ، فعلى الرغم من التنافس بين القوتين، فإنهما في حاجة إلى بعضهما البعض كما أن علاقات التبادل التجاري هامة جدا للطرفين، تعتبر الصين أكبر ثالث شريك تجاري  وثاني أهم مصدر للواردات الأمريكية . كما أن السلطات الصينية تعتبر ثاني أكبر دائن رسمي للولايات المتحدة ، حيث  يوجد على الأراضي الصينية مئات المليارات من الأصول المالية الأمريكية. وفي المقابل تعتبر الولايات المتحدة أهم شريك تجاري ثنائي للصين ومصدرا مهما للاستثمار وتصدير التكنولوجياوفيما يتعلق بالسياسة الخارجية والعلاقات الدولية فإن مصالح الولايات المتحدة والصين متشابكة بدرجة تجعل من العداء بينهما أمرا مستبعدا، وإن كان ذلك لا يعني وجود اختلافات حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية.

بل احيانا فإن التوسع الصيني "اللااخلاقي" على مستوى القارة الافريقية يبدو مبررا لدى المراقبين الامريكيين فمؤلفوا الكتاب الذي اشرنا اليه يرون ان حرص الصين على البحث عن الموارد الطبيعة خاصة مصادر الطاقة لتلبية احتياجات القطاع الصناعي دافعا مهما أيضا في تشكيل تحالفات الصين ورسم سياستها الخارجية  في السنوات الأخيرة وهذا ما يفسر من وجهة نظر الكاتب مواقف الصين من دول مثل السودان وإيران وبورما ودول أخرى لا ترضى قبولا في العالم الغربي

ويبدو ان التنافس على مناطق المواد الخام بين البلدين الصين وامريكا محكوم هو ايضا بلعبة مصالح بين البلدين تجعل المواجهة من اجل المغانم مستبعدة

 

Alaa Addin mahmued [alaaddinadwa@hotmail.com]

 

آراء